top of page

مثقفون عرب يطلقون مبادرة تهدف لإحياء أدب الرسائل

مثقفون عرب يطلقون مبادرة تهدف لإحياء أدب الرسائل

مع انتشار التقنيات الحديثة والدخول في عصر الثورة الصناعية الرابعة، بدأت أجناس أدبية تعاني من خطر الانقراض، ومنها أدب الرسائل؛ ما دفع مثقفين عربا إلى إحياء هذا الجنس الأدبي المرتبط بالمشاعر الوجدانية البشرية.

وفي هذا الإطار، أطلق مثقفون عرب، حديثا، جائزة بيت الفنون الرامية إلى إحياء أدب الرسائل، في واشنطن بالولايات المتحدة، لتشهد المسابقة إقبالا لافتا، ويشارك في نسختها الأولى للعام الحالي، عشرات الأدباء من مختلف دول العالم.

وفاز بالمركز الأول الكاتب والمترجم الجزائري، الدكتور شرف الدين شكري، وبالمركز الثاني القاص العراقي علي السباعي، وبالمركز الثالث الكاتب السوداني منشتح درار علي.

وضمت لجنة تحكيم المسابقة كلا من: الروائي محسن الرملي، الشاعرة حبيبة محمدي، الروائي سلام إبراهيم، الشاعر عبدالرزاق الربيعي.

وفي حديث خاص لـ“إرم نيوز“، أشار السباعي إلى أهمية إحياء أدب الرسائل، الذي شارف على الانقراض، في ظل ما نعيشه من تطور تقني، قائلا: ”عصرنا الذي نعيشه، عصر تويتر بتغريداته السريعة، عصر السرعة، عصر الاتصالات السريعة، أنتج جيلا جديدا ليس لديه الرغبة بكتابة الرسائل مثل السابق، يوم كانت الوسيلة الوحيدة لإيصال الصوت، كان لرسائلنا التي نكتبها لحبيباتنا ولأصدقائنا وللصفحات الثقافية في المجلات والصحف صدى وروح“.

وقال السباعي: ”اليوم كل وسائل العصر لا تملك ذلك البريق، اشتركت في مسابقة أحياء أدب الرسائل لأخبر أجيالا تأكل وتشرب الميديا، بأن هنالك فنا رفيعا ساميا صادقا يجمل مشاعرنا بصدق وأمانة“.

ونص السباعي، رسالة مُتخيَّلة يرسلها له بطل ملحمي خارج من الأسطورة، بعنوان: ”رسالة من الباحث عن الخلود (جلجامش) إلى كاتب القصة القصيرة العراقي الجوزائي المزاج (علي السباعي)“، ليستعين الكاتب بجماليات الميثولوجيا، في نسيج محكم مع واقعنا المعاصر.

يقول الكاتب في نصه على لسان مرسل الرسالة المُتخيَّل جلجامش: ”مرت السنون عجافا جزافا سراعا يا صاحبي، تعلمت فيها كل ما يمكنني فعله غير القراءة؛ لكن! الآن في فترة كوفيد-19، تعلمت القراءة الواعية، والقراءة الواعية علمتني أن أشعل الضوء، ضوء روحي، في ظلمة الوجود، ظلمة الحياة، وأستعيد أحلامي“.

ويبرز في الرسالة تفاعل جلجامش مع واقع العراق المأساوي، وتبعات الطائفية والمذهبية في المشهد العراقي، وما ترتب عليه من صدام شاب غالبية مناحي حياة المواطنين، في وطن مستلب تعاقبت عليه مآسي الدكتاتورية، فالاحتلال ثم الإرهاب المشبع بأردية الطائفية.

يقول جلجامش: ”وأنا أقرأ في كتابك (زُليخات يوسف) فأراه وأنا أقرأه: حربا ودمارا وخرابا سورياليا مؤلما، تمنيت وأنا أقرأ، أن أقرأ عن الحرب بعين الإنسان البسيط لا بعينك، وأن أهجس الإيقاع المؤلم لها من وجهة نظر الناس البسطاء لا من وجهة نظرك، فهو سيؤرخ لهذا العذاب، ومع ذلك ما كتبته بمزاجك العراقي الجوزائي، كان مؤثرا جدا، وموجعا جدا، تمنيت لحظتها لك السعادة، فسخرت الجن، ليحملوا إلي محياك البهي؛ أخبروني انشغالك بمنتج إبداعي جديد وأنت تعيش في زمن جائحة كورونا“.

ويُسخِّر الكاتب ثقافته وقراءاته في إغناء النص وإشباعه، مستشهدا بآراء مفكرين وقادة رأي، يقول على لسان جلجامش: ”كتب ليو تولستوي (السعادة ذات طعم واحد، لكن الشقاء متنوع الطعوم) فلتعلم يا صاحبي: ألمي، وشقائي، للأسف أنفقت كل وقتي أعيش في سوق مليئة بالباعة، عشت وسطهم باحثا عن عشبة الخلود في سوق يبيعون فيه لحمنا ودمنا، تألمت كثيرا لتعطل رؤوس الناس، ذلك ما قرأته في قصتك (مزاد الرؤوس العلني)“.

ويضيف: ”قرأت قصتك الأبلغ عن (كوكز، الحمال الزنجي من أبناء مدينتك الناصرية)، التي نبذت فيها العنصرية قبل مقتل (جورج فلويد) بسنوات طويلة، فلتعلم الآن يا معلمي أن علينا حماية حياتنا، بعد أن غمرتها الخيبة، انتهى بي الأمر إلى الخيبة، حياتي صارت باهتة، وهذا الجانب الباهت منها جعلها خانقة مملة، مثل فلم قديم بالأسود والأبيض باهت ومملل، صوره مبعثرة، ضائعة، غير مترابطة، لا تضم مصائرنا المجهولة“.

ويقدم السباعي نظرة وجودية جديدة عن الخلود، الذي أفنى البطل الأسطوري حياته بحثا عنه؛ يقول: ”عشت حياتي كلها محاولة مني لإسعاف وترميم جراحات روحي، سعيت جاهدا للهروب منها نحو حياة أكثر حرية، لم يكفني خروجي في كل مراحل بحثي عن الخلود، كنت أحلم ببداية جديدة، ما زلت أتخبط بأحلامي الكبيرة؛ نعم. الحلم ببداية جديدة، وغالبا ما أردد في سري: الحياة، يا لها من مهنة شاقة، إنها شاقة بما تمتلكه من وعي“.

ويختم جلجامش الرسالة بمزاج عاطفي، وذيلها بالتاريخ، متحريا إضفاء الواقعية على حالة الحلم الفني: ”شكرا للمعة روحك البيضاء، وبساطة قلبك، عندما أنظر في عينيك السومريتين الجميلتين تبتسمان لي بمحبة، أتمنى لك الفرح. علي السباعي، يا خلي الوفي دمت لي منارا. صديقك من أرض سومر، جلجامش“ يوم الأربعاء 10-6-2020″.

التصدي للجمود الفكري

وعن طموحه المستقبلي، قال السباعي: ”حلمي مذ كتبت أول قصة قصيرة في حياتي حتى اللحظة، أن أستمر بكتابة حياة الناس، لسبب بسيط، حتى يغيروا طريقة تفكيرهم، وبتغيير نمط تفكيرهم تتغير حياتهم إلى الأفضل، لأننا معشر الكتاب عندما نصوغ قصص الناس، نشخص أمراض المجتمع الذي نعيش فيه“.

وأضاف: ”الحالم والطامح في داخلي يجعلني دائم الانفتاح على التجريب، والاستعداد للخروج عما استقرت عليه كتاباتي القصصية المتواضعة، علي السباعي، كاتب القصة، مجد، ومغير، لا يركن في قصصه إلى الطمأنينة، ولا يقبل بالاستقرار والثبات، لأن فيهما موت المبدع“.

وفي حديثه لـ“إرم نيوز“، تطرق السباعي لتردي الوضع الثقافي في العالم العربي، موضحا: ”عشنا فداحات واقعنا العربي القاسي والمأساوي والعليل في سني مخاضاتنا العسيرة التي سودتها مشاهد سياسية مضطربة وقاتمة وقاسية جدا، غزلها المبدعون بمغزل أحداث جسام مرت بهم، فجاءت كتاباتهم الصادقة والحقيقية لتنتشل الإنسان العربي من يأسه وحزنه وكآبته وضياعه، فرحٌ لما قدمه زملائي المبدعين حين انتصروا لكرامة العربي المهدورة“.

وفي الشهر الأخير، حصد السباعي أيضا، جائزة الإبداع، إحدى جوائز ناجي نعمان الأدبية، للمرة الثانية، في العاصمة اللبنانية بيروت، عن مجموعته القصصية ”الحبّوبي ينظرُ مريديه“، من ضمن أكثر من 3 آلاف أديب من 78 دولة، شاركوا بأعمالهم الأدبية التي كتبوها بنحو 47 لغة ولهجة.

وعلي السباعي من مواليد العراق الناصرية عام 1970، كتب أول قصة له عام 1984، بعنوان: ”عربدة عقب سيجارة الضابط العراقي“، له مجموعة كتب، منها: ”إيقاعات الزمن الراقص“ عام 2002، و“صرخة قبل البكم“ عام 2003 التي حصدت الجائزة الثالثة في الدورة الثالثة لمسابقة دبي الثقافية، و“زُليخات يوسف“ عام 2005، و“احتراق مملكة الزاماما“ عام 2006 التي حازت على جائزة ناجي نعمان، و“مدونات أرملة جندي مجهول“ عام 2014، و“ألواحٌ من وصايا الجد“ عام 2018 .

المصدر:

bottom of page