top of page

الأطلـس المصور لمكة المكرمة.. صور نادرة توثق تاريخ الأراضي المقدسة

الأطلـس المصور لمكة المكرمة.. صور نادرة توثق تاريخ الأراضي المقدسة

في حديثي عن كتاب (الأطلس المصور لمكة المكرمة والمشاعر المقدسة الرقمي من القرن السادس حتى النصف الأول من القرن الحادي عشر الهجري)، لا أتحدث هنا عن كتاب عادي جاء في حجم كبير، وضم نحو ثلاث مئة وعشرين صفحة بها أكثر من ست مئة صورة قديمة ونادرة، لكني أتحدث عن حقبة زمنية شهدتها الديار المقدسة تجاوزت الألف عام، عكف كل من الأستاذ الدكتور معراج نواب مرزا الأستاذ المشارك بقسم الجغرافيا بجامعة أم القرى بمكة المكرمة (سابقاً)، والأستاذ الزائر بمركز التحليلات الجغرافية بجامعة هارفارد الأمريكية (حالياً)، والدكتور عبدالله صالح شاوش أستاذ الفيزياء بجامعة أم القرى (سابقاً)، والباحث في تاريخ مكة المكرمة -رحمه الله-، على تأليفه وإعداده ليكون مرجعاً مهماً للعلماء والمؤرخين والجغرافيين والباحثين المهتمين بمكة المكرمة والمشاعر المقدسة.

وفي التمهيد الذي خطه المؤلفان أوضحا أنه: "باتساع رقعة البلاد الإسلامية وصعوبة المواصلات فقد حاول الكثير من المسلمين منذ القرن السادس الهجري إعطاء تصور لرفاقهم الذين لم تساعدهم الظروف لأداء فريضة الحج لشكل المسجد الحرام والمشاعر المقدسة، كلٌ حسب وسائله الفنية وإمكانياته المتاحة، ومن ثم تم رصد كثير من التطورات التي شهدها المسجد الحرام والمشاعر المقدسة عبر التاريخ عن طريق الرسم اليدوي، حتى دخول عهد التصوير الفوتوغرافي وتوفر وسائله للرحالة والمسافرين، فظهرت أول مجموعة من الصور عام 1297هـ، ثم توالى المصورون المختلفون واتسع نطاق نشر الكتب والمجلات التي تضم الصور الفوتوغرافية، ولحسن الحظ أن المدينة المقدسة قد شهدت عدداً من التطورات منذ أوائل القرن الرابع عشر الهجري، وتم تسجيل كل ذلك من قلب الرحالة والحجاج الزائرين والمصورين المحليين".

وقبل التجول بين الصفحات والنظر للصور، نتوقف أمام المقدمة التي أوضحت أن هذا الاصدار يمثل "الطبعة الرقمية الأولى للأطلس المصور لمكة المكرمة والمشاعر المقدسة، الذي يمثل تاريخاً مصوراً منذ القرن السادس الهجري، بواسطة رسوم الحجاج والمعتمرين وغيرهم، ثم بصور فوتوغرافية من عام 1297هــ حتى اليوم".

"وقد تولت دارة الملك عبدالعزيز مشكورة إصدار الطبعتين الأولى والثانية من هذا الأطلس في هيئته التقليدية في حينه 1424هـ - 1427هــ على التوالي". "ولعل الإضافة الجوهرية المميزة الملاحظة في هذا الإصدار هي رمز الاستجابة السريع، أو "الرمز الرقمي المربع"، (Q) Quick Response Code الذي يربط الكثير من الرسوم والصور بمواقعها على الصور الفضائية، حيث يشير الرمز إلى المواقع التي كانت فيها سابقاً".

والكتاب الذي جاء في ستة أبواب، تناول الأول منها "مكة المكرمة في أعين الرسامين المسلمين"، ووزع على ثلاثة أجزاء خصص الأول منها للحديث عن أقدم رسم إسلامي معروف للمسجد الحرام، الذي يوجد على جدار مسجد إبراهيم الموجود في الموصل.

وتناول الجزء الثاني الرسوم الإسلامية للمسجد الحرام ومكة منذ القرن التاسع الهجري، من خلال ثلاث فقرات، الأولى خصصت للحديث عن الرسومات المدونة بالمخطوطات، فيما تناولت الفقرة الثانية الرسوم الموجودة على البلاط، وخصص الفقرة الثالثة للحديث عن الرسومات الموجودة على الخشب والسجاد والجص.

أما الجزء الثالث فتناولت فقرته الأولى رسمة "أوبسالا" البانورامية لمكة والمشاعر، "وهي رسمة زيتيه على الخيش وأبعادها 84.5 سم وارتفاع 112.2 سم عرضاً، وهي من أقدم الرسومات البانورامية لمكة المعروفة حتى الآن".

أما الباب الثاني من الكتاب فقد حمل عنوان: مكة المكرمة في أعين الرسامين الغربيين، مبتدئاً بالحديث عن رحلات الأوروبيين إلى الديار المقدسة تحت أسماء إسلامية، وأورد المؤلف "دي لودفيكو فارتيما"، والذي عرف لاحقاً باسم الحاج يونس المصري، ثم انتقل المؤلف للحديث عن وصف مكة والمسجد الحرام عند الإسباني "دومنغو باديا" الذي أطلق على نفسه لاحقاً (علي باي العباسي)، وهو أول رحالة غربي على درجة عالية من الثقافة، ووضع باديا لأول مرة مسقطاً أفقياً مساحياً دقيقاً للمسجد الحرام، الذي يعتبر المرجع الوحيد ويتم الرجوع إليه فيما يختص الرواق والقباب والأعمدة، كما وصف باديا المسعى، ووصف عرفات وجبل ثور، ومنى ومزدلفة.

ومن فارتيما وباديا، نتوقف أمام وصف مكة المكرمة عام 1229هــ، لدى جون لويس بوركهارت الرحالة السويسري الذي عرف بـ(إبراهيم بن عبدالله)، وكانت خرائطه دقيقة إلى حد ما، لكنه فيما يبدو لم يكن رساماً ماهراً، ووصف بوركهارت عرفات، كما وصف منى وأيام التشريق.

وإلى الفرنسي ريتشارد بيرتون الذي عرف بـ(الحاج عبدالله)، ووصل مكة المكرمة عام 1257هــ، ومن تفاصيل تواريخ دخول بيرتون إلى مكة المكرمة، يتضح أنه قد مكث بها وبمشاعر الحج حوالي عشرة أيام فقط، لذلك لم يتمكن من تقديم وصف دقيق لمكة المكرمة والمشاعر مثلما فعل بوركهارت أو باديا".

ونأتي للباب الثالث من الكتاب والذي خصص للحديث عن أوائل الصور الفوتوغرافية لمكة المكرمة، وقبل الحديث عنها الصور أورد المؤلف قصة أداء "ملكة بهوبال فريضة الحج عام 1280هــ، وكانت تستخدم التصوير الفوتوغرافي، لكنها صرحت في الكتاب الذي أملته عن رحلتها، أنها قد أمتنعت عن استخدام الكاميرا في الأراضي المقدسة".

وتحدث الباب الرابع عن صور لمكة المكرمة من أوائل القرن الرابع عشر الهجري، فيما اشتمل الباب الخامس على المسجد الحرام ومكة المكرمة في عهد الملك عبدالعزيز آل سعود -رحمه الله- خلال الفترة من 1343 - 1373هــ، وكان من الصور النادرة التي ضمها صورة للملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه- وهو يمتطي جواده بعد خروجه من المسجد الحرام، وصور لمصنع كسوة الكعبة المشرفة وبعض العاملين به، فيما تناول الباب السادس المسجد الحرام ومكة المكرمة في عهد أبناء الملك عبدالعزيز، الملك سعود، والملك فيصل، والملك خالد، والملك فهد -رحمهم الله-، كما اشتمل على ملحق تاريخي خاص تناول تطور التصوير الفوتوغرافي منذ بروز فكرة (الغرفة المظلمة)، وحتى ظهور (الأفلام الجافة). والأطلس المصور لمكة المكرمة والمشاعر المقدسة الرقمي من القرن السادس حتى النصف الأول من القرن الحادي عشر الهجري، وإن ضم أوائل الرسومات والصور لمكة المكرمة والمسجد الحرام والمشاعر المقدسة، فإنه نقل ما سجله الرحالة عن هذه البقاع الطاهرة، وأظهر شغف المسلمين للتعرف عليها، كما سجل أحداثاً ومواقف تاريخية.

واليوم وبعد الإقبال الكبير على الكتاب ونفاد الطبعة، فإن الحاجة تستدعي الدعوة لإعادة طباعته من قبل جامعة أم القرى بصفتها الناشر له، أو دارة الملك عبدالعزيز التي تولت إصدار الطبعتين الأولى والثانية من هذا الأطلس في هيئته التقليدية في حينه 1424هـ - 1427هــ، فهو مرجع مهم للعلماء والمؤرخين والجغرافيين والباحثين المهتمين بمكة المكرمة والمشاعر المقدسة.

المصدر:

bottom of page