top of page

تجارب ورؤى على طريق السلام والتنمية (جلسة خاصة)

12:00 - 13:30


رئيس الجلسة: الدكتورة لانا مامكغ الأردن

المتحدثون:

معالي الدكتور مايكل فرندو مالطا

الدكتور نبيل عياد المملكة المتحدة

الدكتورة بابرا ميخلاك-بيكولسكا بولندا

الدكتور ارشد هورموزلو تركيا

الدكتور عبدالحق عزوزي المغرب

كلمة الدكتور مايكل فرندو - مالطا

أصحاب الفخامة والمعالي والسعادة،

السيدات والسادة،

تأتي تأملاتنا اليوم حول موضوع "السلام العادل من أجل التنمية" في وقتٍ يبدو فيه أن كل هذا يفلت من بين أيدينا. ربما لم يكن هناك وقت أكثر أهمية بالنسبة لنا - منذ نهاية الحرب العالمية الثانية - للتفكير في الأدوات التي نحتاج إلى استخدامها لإنقاذ العدالة والسلام والتنمية في عالمنا. سوف أوضح، من خلال خطابي الموجز، أربع أدوات محددة ومحورية لتحقيق هذه الأهداف، حتى على الرغم من أن هناك أدوات أخرى يجب مراعاتها، بالطبع، لكن هذه الأدوات الأربع، في رأيي، تعتبر أساسية.

الأداة الأولى هي التطبيق الدؤوب للقانون الدولي. ما لم نستسلم للعيش في فوضى عالمية قائمة ببساطة على قوة السلطة، نحتاج إلى التأكيد، دون كلل أو لبس، وفي أي ظرف من الظروف، وفيما يتعلق بجميع الجهات الفاعلة الدولية، على التطبيق العالمي للقانون الدولي.

بدون نظام دولي قائم على القواعد، لا توجد سوى هيمنة القوة – كما يمكننا أن نرى كل يوم على شاشات التلفزيون والهاتف المحمول: الانتهاكات الصارخة التي تحدث أمام أعيننا: غزو أراضي دولة أخرى ذات سيادة، ومذابح ترتكب بحق المدنيين، وعقاب الجماعي، وقضاء الجماعي على شتى أشكال الحياة. يجب تطبيق القانون الدولي أيضًا دون استثناء على كافة النزاعات المسلحة مهما كانت طبيعتها وفي جميع الأوقات.

إن المجتمع الدولي الفاعل - أو غير الفاعل - على حدٍ سواء هو مصدر قوة أو ضعف القانون الدولي وقدرته على إنفاذ هذا القانون: تعتمد قوة القانون الدولي على الاستعداد الحازم للمجتمع الدولي للرد، ومحاسبة المنتهكين.

على حد تعبير ديباجة ميثاقها، تم إنشاء الأمم المتحدة "لإنقاذ الأجيال المقبلة من ويلات الحرب ... لإعادة تأكيد الإيمان بحقوق الإنسان الأساسية، وبكرامة الإنسان وقيمته... لتهيئة الظروف التي يمكن في ظلها الحفاظ على العدالة واحترام الالتزامات الناشئة عن المعاهدات وغيرها من مصادر القانون الدولي، وتعزيز التقدم الاجتماعي وتحسين مستويات الحياة في جو أكثر فسحة من الحرية". هذه هي التطلعات العالمية نحو السلام العادل من أجل التنمية، لكنها تظل أيضًا كلمات جوفاء للكثيرين عندما تكون هذه المنظمة غير قادرة على وقف الصراع والنزاع وعاجزة عن أن تكون أداة فعالة للسلام العادل والتنمية.

على الرغم من ذلك، لا تزال الأمم المتحدة والكالات التابعة لها، ولا سيما أذرعها الإنسانية، وجهازها القضائي الرئيسي، مثل محكمة العدل الدولية، منارة للبشرية جمعاء. لذلك، فإن التخلي عنها، أو إضعافها، لا يمكن أن يُعد خيارًا في الأساس، بل إن ما يمكن أن يكون خيارًا هو البدء في إصلاحها، لا سيما إصلاح هيئتها الرئيسية الحاسمة، مجلس الأمن، وتعزيز المنظمة ككل ودعم مستوى فعاليتها كأداة لتحقيق السلام العالمي، من أجل احترام حقوق الإنسان وسيادة القانون الدولي. تعد التعددية مفتاحًا لتحقيق السلام في شتى أرجاء العالم – لم يتم توضيح ذلك بشكل أكثر وضوحًا من تشكيل وتجربة الاتحاد الأوروبي، وهو منظمة ذات سيادة مشتركة ضمنت، حتى الآن، السلام دون انقطاع لجميع أعضائها.

الأداة الثانية هي الدبلوماسية. على حد تعبير رجل الدولة البريطاني الشهير "إن المحادثات الطويلة المرهقة أفضل في كل الأحوال من خوض الحروب المدمرة . تتطلب الدبلوماسية الجودة لإنشاء أُطُرٍ للسلام والعدالة، وإيجاد نقطة التقاء للمصالح المتنافسة على ما يبدو، والتوفيق أو تحقيق المصالحة بين النزاعات وتوفير التعايش السلمي القائم على الاحترام المتبادل. في النهاية، حتى إذا ما ترسخ الصراع وأصبحت له جذور بالفعل، لا يمكن تعزيز النصر العسكري دون مشاركة دبلوماسية حول طاولة المفاوضات، وتظل الدبلوماسية أمرًا حتميًا إذا كان المرء يسعى إلى ضمان تحقيق سلام في المستقبل.

الأداة الثالثة هي التنمية لأنه لا يمكن أن يكون هناك سلام دون عدالة، كما أن التنمية المستدامة تعتبر ضرورية لتحقيق العدالة الاجتماعية. يُمَثّلُ الفقر المدقع أرضًا خصبةً لتوليد الصراع والإرهاب واليأس. يجب تقاسم الثروة في عالم غير متكافئ بشكل متزايد، وهذا ليس حتمية أخلاقية فحسب، بل هو أيضًا عنصر ضروري لبناء السلام.

الأداة الرابعة هي التعليم، ولا سيما التعليم من أجل السلام، حيث يعتبر التعليم ركنًا أساسيًّا في طريق تحقيق التنمية وأمرًا ضروريًا لتشكيل الأجيال القادمة في وقت يصبح فيه السلام قيمة أساسية في حياتهم وطريقة تفكيرهم. لقد كَرّسَ صديقنا الحبيب والذي افتقدناه للغاية، السيد عبدالعزيز سعود البابطين، الكثير من عمره وجهوده المستمرة لصالح تعزيز التعليم من أجل السلام على مستوى العالم، لقد ترك وراءه إرثًا مشرفًا يعكس قلبًا نبيلًا بكل صدق، ونحن هنا اليوم أيضًا لتحية ذكراه.

أصحاب الفخامة والمعالي والسعادة، السيدات والسادة،

إن الخيوط التي تربط بين السلام والعدالة والتنمية منسوجة بشكل معقد معًا في قطعة قماش واحدة موحدة تمثل عالمًا أفضل لنا جميعًا.

دعونا جميعًا نشارك في نسج هذه الخيوط مع خيوط القانون الدولي والدبلوماسية والتنمية والتعليم من أجل تحقيق سلام عادل ودائم من أجل البشرية جمعاء.

شكرًا لكم

الدكتور نبيل عياد - المملكة المتحدة

الضيوف الكرام،

الزملاء الأعزاء،

السيدات والسادة،

أسعد الله صباحكم بكل خير

إننا نجتمع اليوم لاستكشاف مفهوم خالد وملائم بشكل عاجل: "السلام العادل". في عالم يبدو فيه الصراع حاضرًا دائمًا، فإن السعي لتحقيق السلام ليس أمرًا مرغوبًا فيه فقط – بل إنه أمر حتمي، إلا أنه على الرغم من ذلك لا يتم إنشاء كل السلام على قدم المساواة، بل إن "السلام العادل" يتجاوز مجرد غياب الصراع، ويغرس نفسه في نسيج العدالة والإنصاف والاحترام المتبادل بين المجتمعات والأمم.

يشكل مفهوم "السلام العادل" نهجًا شاملاً يسعى إلى معالجة الأسباب الجذرية للصراعات، بدلاً من مجرد أعراض تلك الصراعات، كما أن هذا المفهوم يعترف بأن السلام الحقيقي لا يمكن تحقيقه من خلال قمع المعارضة أو فرض حالة من الصمت، بل إنه يتطلب بدلاً من ذلك مشاركة نشطة من جميع أصحاب المصلحة في المجتمع الدولي – الحكومات والمجتمع المدني والمجتمعات والأفراد – لتعزيز التفاهم ومعالجة الانقسامات وبناء الجسور حيث كانت الجدران قائمة في السابق.

ويرتكز هذا المفهوم على مبدأ أن السلام والعدالة أمران لا ينفصلان، ويتطلب "السلام العادل" أن نواجه أوجه عدم المساواة وأن نسعى جاهدين من أجل خلق عالم يتم فيه دعم حقوق الإنسان، وأن تتاح لكل فرد الفرصة للنمو والازدهار. إنه يجبرنا على العمل من أجل الهياكل الاقتصادية والاجتماعية التي تضمن التوزيع العادل للموارد والفرص وأن يحصل الجميع على العدالة.

إن تحقيق السلام العادل ليس مسؤولية القلة، بل ولاية الكثيرين، كما أنه يدعو إلى بذل جهد جماعي لغرس التعاطف وتعزيز الحوار والمصالحة؛ إنه يتحدانا أن ننظر إلى ما وراء اختلافاتنا ونعترف بإنسانيتنا المشتركة. في هذه الرحلة، لا تُسمع أصوات المهمشين والمضطهدين فحسب، بل إن أصواتهم تعتبر أساسية لإيجاد حلول تعكس تنوع التجربة الإنسانية.

بينما نتخطى التعقيدات التي يتسم بها القرن الحادي والعشرين، يقدم لنا "السلام العادل" منارة من الأمل، ويلهمنا لتصور عالم ينتصر فيه التعاون على المواجهة، ويُحتَفَل فيه بالتنوع، وتحترم فيه كرامة كل الأفراد على حد سواء. إن السلام العادل يجسد السلام الذي يتشابك مع كلٍّ من العدالة والإنصاف والمساواة – فهو يوفر طريقًا للمضي قدمًا في عالم مليء بالصراع والانقسام. إن "السلام العادل" ليس مجرد فكرة فلسفية، ولكنه إطار عملي دافع عنه القادة ذوو الرؤية في جميع أنحاء العالم.

لنضع في اعتبارنا الإرث الخالد لنيلسون مانديلا، الذي لم يأت بعد 27 عامًا في السجن بأفكار حول الانتقام، ولكنه جاء برؤية نحو المصالحة وتحقيق "السلام العادل" في جنوب إفريقيا. جسّدت قيادة مانديلا الاعتقاد بأن السلام الحقيقي يتطلب العدالة والمغفرة، مُظهرةً للعالم كله أنه حتى أعمق الانقسامات يمكن سدها من خلال التعاطف والحوار. إن إرث نيلسون مانديلا هو شهادة على قوة الأمل الدائم والسعي الدؤوب لتحقيق العدالة. كان إيمان مانديلا العميق بمبادئ السلام العادل هو الذي وجّه أفعاله لتعزيز مجتمع يمكن أن يتعايش فيه الأعداء السابقون في مناخ من الديمقراطية والمساواة.

استند نهج مانديلا لتحقيق السلام إلى الاقتناع بأن السلام الحقيقي لا يمكن تحقيقه دون عدالة – دون الاعتراف بأخطاء الماضي ومعالجتها. وكان لرئاسته وإنشاءه لجنة الحقيقة والمصالحة دورٌ محوري في هذا الصدد، حيث لم تكن تلك اللجنة تتعلق فقط بالكشف عن الفظائع التي ارتُكبت في الماضي؛ بل كانت تتعلق بصياغة مستقبل حيث يمكن لأولئك الذين قسمتهم الكراهية والخوف أن يجدوا أرضية مشتركة في إنسانيتهم المشتركة. لقد عرف مانديلا أنه لكي يكون السلام عادلاً ودائمًا، يجب أن يبنى على ركائز الشفافية والتسامح والشمولية.

تذكرنا حياة مانديلا بأن السلام العادل هو أكثر من مجرد مثال نظري؛ إنه واقع عملي يمكن تحقيقه من خلال التعاطف والتفاهم والتحلي بالشجاعة للمسامحة.

وعلى الساحة الدولية، تبرز القيادة التي جسّدها السيد كوفي عنان بصفته الأمين العام السابع للأمم المتحدة، حيث تجسد جهوده الدؤوبة لتعزيز حقوق الإنسان والوساطة في النزاعات في جميع أنحاء العالم الإمكانات الكبيرة للدبلوماسية الدولية في تعزيز "السلام العادل"، وقد كان لعمله، لا سيما في إنشاء مبدأ المسؤولية عن الحماية (R2P)، تأثير دائم على المعايير الدولية المتعلقة بالسلام والأمن.

تشكل عقيدة المسؤولية عن الحماية التزامًا دوليًا رائدًا أعاد تشكيل الطريقة التي تفكر بها الدول في السيادة وحقوق الإنسان. انبثقت عقيدة المسؤولية عن الحماية من تأمل المجتمع الدولي في أعقاب مآسي الإبادة الجماعية في رواندا ومذبحة سريبرينيتسا، حيث فشل العالم في التصرف بشكل حاسم لمنع فقدان أرواح الأبرياء.

إن جوهر عقيدة المسؤولية عن الحماية بسيط، ولكنه ثوري في الوقت نفسه: فهو يفترض أن الدول ذات السيادة تتحمل المسؤولية الرئيسية عن حماية سكانها من الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والتطهير العرقي والجرائم التي يتم ارتكابها بحق الإنسانية. ومع ذلك، عندما تكون الدولة غير راغبة أو غير قادرة على الوفاء بهذه المسؤولية، يؤكد هذا المبدأ أن على المجتمع الدولي واجبُ التدخل – دبلوماسيًا وإنسانيًا، و من خلال الوسائل العسكرية كملاذ أخير. تمثل هذه العقيدة تحولًا كبيرًا نحو إطار "السلام العادل"، مع الاعتراف بأن السلام الحقيقي لا يمكن أن يوجد دون أساس من العدالة وحماية الفئات الأكثر ضعفًا.

كانت دعوة عنان لـ "المسؤولية عن الحماية" شهادة على إيمانه بعالم يمكن فيه للتضامن والتعاون الدوليين أن يسهما في تجنب وقوع أسوأ الفظائع، وساهم السيد عنان من خلال مناصرة هذا المبدأ في نظام دولي أكثر استباقية ومسؤولية، حيث يتم إعطاء الأولوية للعمل الجماعي لصالح منع المعاناة على مفاهيم السيادة الوطنية المطلقة التي عفا عليها الزمن.

بالتوازي مع جهود هؤلاء الأفراد البارزين، أسس الشاعر الراحل ورجل البر الراحل عبدالعزيز سعود البابطين مؤسسة البابطين الثقافية – لكي تلعب دورًا محوريًّ في تعزيز السلام من خلال التبادل الثقافي والأدب والتعليم.

وتسعى هذه المؤسسة العريقة من خلال مبادراتها التي لا تعد ولا تحصى إلى سد الفجوات وبناء جسور من التفاهم عبر المجتمعات المتنوعة، كما أن أحد مساهماتها البارزة هي السعي الدؤوب لدعم ونشر اللغة العربية والأدب العربي. من خلال الاحتفال بالنسيج الغني للشعر والنثر العربي، لا تحافظ المؤسسة على التراث الثقافي فحسب، بل تفتح أيضًا الأبواب أمام الاحترام والتقدير المتبادلين بين الثقافات المختلفة. ومن خلال هذا الاحتفال بإنسانيتنا المشتركة، والتعبير بلغة الفن والأدب العالمية، تساهم المؤسسة بشكل فاعل في الحوار الأوسع نطاقًا للسلام.

تجسد مؤسسة البابطين الثقافية المبدأ القائل بأن التبادل الثقافي والتعليم هما أداتان لا غنى عنهما في الطريق نحو تحقيق السلام العادل، كما تساهم بشكل كبير ومن خلال رعاية مجتمع عالمي يقدر الحوار ويحترم التنوع الثقافي ويسعى إلى أرضية مشتركة في القضية النبيلة لبناء عالم عادل وسلمي.

سيداتي وسادتي، بينما نستلهم ثبات مانديلا الأخلاقي وإنجازات عنان الدبلوماسية والدبلوماسية الثقافية لمؤسسة البابطين الثقافية، دعونا نجدد التزامنا بالسعي لتحقيق السلام العادل، ودعونا نعطي فرصة لإرثهم جميعًا ليحفزنا على كسر الحواجز، واحتضان إنسانيتنا المشتركة، والعمل بلا كلل من أجل عالم يرتكز فيه السلام على العدالة والاحترام والتفاهم المتبادل.

شكرًا لكم

الدكتورة بابرا ميخلاك-بيكولسكا - بولندا

يشرفني جدًا أن أتمكن من قول بضع كلمات عن رجل بارز أتيحت لي فرصة لقاءه في حياتي؛ فهو شاعر، ورجل خير، ورجل كان طوال حياته يحمي اللغة العربية والأدب والثقافة، إنه عبدالعزيز سعود البابطين.

لقد كان خطيبًا بالفطرة واستخدم هذه الموهبة بشكل كبير في خدمة الأدب العربي، ولقد شهدت هذا الأمر عدة مرات خلال العديد من المؤتمرات والأمسيات الشعرية التي نظمتها مؤسسة عبدالعزيز سعود البابطين -التي أسسها عام 1989 - في الكويت وفي دول أخرى حول العالم.

كان الغرض من إنشاء مؤسسة البابطين يتمثل في مكافحة الكراهية وعدم المساواة بين الناس أو المجتمعات وتحقيق الحوار بين الثقافات، وقد لعبت المؤسسة دوراً مهماً في نشر الفكر العربي وتطوير الحركة الشعرية العربية، ولقد دعم الراحل عبدالعزيز البابطين هذه الحركة الشعرية، وشجع ودعم الشعراء البارزين والنقاد الأدبيين من خلال منحهم الجائز العديدة في تلك المجالات. لقد كان شاعرًا عظيمًا أحبّ الشعر وعاش في فضائه منذ بدايات شبابه، وكان الإبداع مصدر إلهام وسعادة له طور من خلاله عوالم جديدة وحقائق جديدة، واستطاع أن يكون له سلطة مطلقة عليهما، لأن الشعراء الحقيقيين لا يحددون الشعر.

لقد نُشرت قصائده المفعمة بالحياة والأمل والحب والحقيقة من خلال دواوينه الشعرية مثل: "بوح البوادي"، 1995، و "مسافر في القفار" عام 2004، مما يدل بوضوح على أنه شخص يتمتع بإحساس كبير.

بدأ عبدالعزيز سعود البابطين في عام 2002 في بناء مكتبة للشعر العربي، وجاءت تلك المبادرة في الأساس تزامنًا مع إعلان الكويت عاصمة للثقافة العربية في عام 2001 محققةً لأحد أحلامه العظيمة. يجذب مبنى المكتبة، الذي يقع في وسط العاصمة الكويت، الانتباه بشكل ملحوظ خاصةً نتيجة لشكلها المعماري الذي يشبه كثيرًا الكتاب المفتوح. لقد تأثرت كثيراً عندما رأيتها للمرة الأولى.

يحتوي هذا المبنى الرائع على العديد من مظاهر التراث الكويتي والعربي، ويمكن الدخول إليها من خلال باب خشبي ضخم يشير إلى التراث الثقافي للمنازل الكويتية، كما أنها مجهزة وفقًا لأحدث الاتجاهات العالمية، وهي أول مكتبة في العالم متخصصة في الشعر العربي. بدأت هذه المكتبة نشاطها عمليًا في عام 2006. لقد استخدم البابطين القلم، واللسان، والمال لدعم اللغة العربية والشعر العربي، فقد كان يدرك القيمة والدور الهائلين للشعر في الماضي والحاضر، وكذلك دوره في بناء مستقبل المجتمع العربي، لأن الشعر عنصر متأصل في تاريخ العرب، يصف أعمالهم ويمنحهم شعورًا عميقًا بالفخر.

أصبحت المكتبة مركزًا للحياة الثقافية في الكويت، ومكانًا يتم فيه جمع تراث الشعر العربي بكافة أشكاله الممكنة، فضلاً عن كونها مركزاً لتفعيل دور الشعراء وتنشيطه على الساحة الدولية ومركزًا لتنمية روح الشعر لدى جيل الشباب العربي، كما تستضيف تلك المكتبة العريقة العديد من اللقاءات والمؤتمرات والندوات والمحاضرات والأمسيات الشعرية، مما يساهم في تعزيز الهوية الوطنية العربية. لقد أراد السيد عبدالعزيز سعود البابطين غرس الحس الشعري والحب للغة العربية خاصة في نفوس الشباب، وقد أتيحت لي الفرصة للقاء والتحدث مع عدد من الشعراء والمثقفين من جميع أنحاء العالم هناك في هذا الصرح العظيم.

ومن أهم المشاريع التي تنفذها مؤسسة البابطين الثقافية نشر القواميس والمعاجم، ومن أمثلة ذلك "معجم البابطين للشعراء العرب المعاصرين"، والذي ناقش فيه أعمال الشعراء العرب المعاصرين البارزين في القرنين التاسع عشر والعشرين، والذي يعتبر مصدرًا هامًّا للمعرفة لكل المهتمين بالشعر. ولقد دعم العديد من العلماء والشعراء المتميزون المشروع بالتزامهم وعملهم، وكتب كتب كل شاعر لا يزال على قيد الحياة سيرته الذاتية في هذا المعجم، والتي تم تحريرها لاحقًا وفقًا لعدد من المعايير المشتركة. لا يتضمن هذا المعجم أسماء مشهورة فحسب، بل يشمل أيضًا أسماء عدد كبير من الشعراء الشباب الذين ظهروا في ساحة الأدب العربي المعاصر.

لقد أصبح المعجم مصدرًا قيّمًا للمعلومات التي يحتاجها الباحثون والطلاب وكل المهتمين بالشعر العربي، الأمر الذي يعتبر ذا قدر كبير من الأهمية بالنسبة للأدب العالمي، وأصبح هذا العمل الضخم بفضل ترجمته إلى الإنجليزية مصدرًا واسعًا وقيمًا للمعرفة في الوطن العربي وخارجه لكل من يرغب في التعرف على الشعر العربي المعاصر. ويوجد في مكتبة جامعة جاجيلونيان في كراكوف ببولندا نسخًا عربية وانجليزية متاحة لكل الباحثين والطلاب لكي يستخدموها في أبحاثهم ودراساتهم، حيث يتكون هذا المعجم من ست مجلدات تضم أعمالًا شعرية لـ 1645 شاعرًا وشاعرة من 29 دولة في نحو 4476 صفحة، وهو ما يدل على ثراء الشعر العربي المعاصر، وقد عُقدت العديد من المؤتمرات والحلقات الدراسية التي ناقش خلالها الباحثين والشعراء الثروة الكبيرة في هذا المعجم الفريد بعد نشره.

لقد كان موضوع حوار الحضارات - الحوار بين الشرق والغرب - من أهم أفكار الراحل عبدالعزيز البابطين، والذي كان الموضوع الرئيسي للعديد من المؤتمرات الدولية، التي نظمها الراحل، حيث ناقش الخبراء من جميع أنحاء العالم أهمية الحوار بين الثقافات والأديان في المراكز الأكاديمية المرموقة في أوروبا: في أكسفورد أو باريس أو غرناطة، وهنا أود أن أذكر أنه أتيحت لي فرصة المشاركة في مؤتمر جرى تنظيمه في بروكسل بالتعاون مع البرلمان الأوروبي حول الحوار العربي الأوروبي، ويسعدني كثيرًا أنني يمكنني الإشادة بالدور التاريخي الذي لعبه البرلمان الأوروبي في تكريم اسم الكويت في مجال الحوار بين الحضارات، الذي كان بلا شك إنجاز حققه عبدالعزيز سعود البابطين.

قال الشاعر والبروفيسور اللبناني جورج طربيه:

"نحن ندرك جيدًا أن إنشاء السيد عبدالعزيز سعود البابطين لمركز "البابطين لحوار الحضارات" هو لدحض فكرة "صدام الحضارات" وتأكيد النظرة الإنسانية الأوسع التي تدعم التبادل الثقافي والتكامل من خلال الاعتراف بـ "الآخر"، من خلال بناء الجسور بين الشرق والغرب، وبين الروحانية ومادية التكنولوجيا، ومن خلال تبادل المعرفة والمعلمين والطلاب."

لقد تشرفت بتعييني عضواً في مجلس أمناء مؤسسة عبد العزيز سعود البابطين الثقافية في السنوات 2013-2016، ولقد لاحظتُ خلال الاجتماعات العديدة التي تم عقدها أن الراحل عبدالعزيز سعود البابطين كان رجلًا متواضعًا، ولطيفًا وصبورًا، كما كان مستمعًا جيدًا لمن حوله وكان دائمًا ما يهتم بما يعتقده الأخرون ويفكرون فيه، حيث اكتسب من خلال هذه الميزات احترام المجتمع بأكمله، خاصة وأنه كان مثالاً لا جدال للرجل الذي يتمتع بقدر كبير من المعرفة الواسعة والخبرة والنزاهة واحترام الناس.

لقد استطاع بفضل مهاراته المتميزة في التواصل من ربط الناس والشعراء والكُتاب والعلماء واستطاع أيضًا أن يخلق حالة من الوحدة بين الأجيال، وكان يهتم كذلك بالحوار بين الثقافات ويدعم بسخاء جميع المبادرات الثقافية في الكويت والخارج.

اعتاد كل يوم على أن يصنع تاريخًا للشعر العربي، وأصبحت الثقافة العربية والتراث العربي، وخاصة الشعر، بفضل جهوده معروفة لدى الجميع في شتى أنحاء العالم، ولهذا تم تكريمه بالعديد من الجوائز والميداليات وشهادات الدكتوراه الفخرية من العديد من الجامعات في مختلف الدول، بما في ذلك: باكو، واليرموك، وفاس، وقرطبة، والجزائر، والسودان، وكازاخستان، وغيرها الكثير.

من المستحيل المبالغة في تقدير التأثير الهائل الذي أحدثه الراحل عبدالعزيز سعود البابطين على تشكيل الحياة الثقافية في الكويت والوطن العربي، حيث يمكننا أن نلاحظ ونرى ملامح عظمته كرجل وشاعر وهو شرف مستحق. سيعيش عبد العزيز سعود البابطين في ذاكرتنا وفي ظل إنجازاته التي لا تعد ولا تحصى، والتي جعلته أمةً في رجل واحد.

كانت مساهمتي المتواضعة في وصف إنجازات عبدالعزيز سعود البابطين مقالة في المجلة الأكاديمية البولندية؛ "روكزنيك أورينتاليستيكزني" بعنوان: رياح العاطفة - شعر الحب لعبدالعزيز سعود البابطين، كما أن طلابي يقرأون ويترجمون أشعار البابطين ويتعلمون باهتمام عن جهوده العديدة في خدمة الشعر العربي.

وبصفتي أستاذًا أكاديميًا، أقدر تقديرًا كبيرًا جهود السيد عبدالعزيز سعود البابطين في دعمه للغة العربية وتأسيس العديد من كراسي الدراسات العربية في عدد من الجامعات الأوروبية التي تخدم المهتمين بتعلم اللغة العربية والانخراط في أدبها، وخاصة الشعر.

عندما علمتُ بوفاة عبدالعزيز سعود البابطين، بدأت أستذكر الوقت الذي قضيته في مناقشة قضايا الأدب العربي في المؤتمرات التي قام هو بتنظيمها، وبينما كنت أنظر في مجلداته من القصائد والكتب التي صدرت عنه، صادفت ذكرى جَمَعَتْنَا بالدكتور حارس سيلاجيتش، الذي قال عنه بشكل جميل: " إن عبدالعزيز سعود البابطين هو ظاهرة ثقافية بارزة في عالم اليوم؛ إنه رجل كرس وقته وجهده وماله لتعزيز الكلمات الطيبة ونشر الثقافة والمعرفة وجمع الشعوب والأمم معًا دون تمييز.

أود أن أتقدم بالتهنئة إلى دولة الكويت على أنها أنجبت مثل هذا الرجل الرائد الذي آمن بأهمية المعرفة، وكلي أمل في أن تستمر مؤسسة عبدالعزيز سعود البابطين الثقافية في النمو من أجل جميع محبي الشعر في العالم.

كلمة الدكتور ارشد هورموزلو - تركيا

كلمة الدكتور عبدالحق عزوزي - المغرب


bottom of page