top of page

اليوم الثالث: 22 فبراير 2024

الجلسة الخامسة: 10:00 - 11:30

السلام والتنمية الاقتصادية

رئيس الجلسة:

الدكتور أحمد عتيقة - ليبيا

المعقب الرئيس:

الدكتورة عادلة رجب - جمهورية مصر العربية

المتحدثون:

أ- اقتصاد السوق الحر:

1- الدكتور جوليوس سين - المملكة المتحدة

2- الدكتور عامر التميمي - الكويت

ب- اقتصاد السوق الاشتراكية:

3- الدكتور أناستاس أنجيلي - ألبانيا

4- الدكتورة نيفيلا راما - ألبانيا



أ- اقتصاد السوق الحر

1- الدكتور جوليوس سين - المملكة المتحدة





2- الدكتور عامر التميمي - الكويت

الاقتصاد الحر وتحديات التنمية!

منطلقات نظرية:

كان آدم سميث الفيلسوف الاسكتلندي في القرن الثامن عشر أهم من نَظَّرَ لاقتصاديات السوق. زَعَمَ سميث بأن السوق يحدد الأداء الاقتصادي مؤكداً بأن الاحتياجات الخاصة ومتطلبات البشر هي التي تقود إلى الإنتاج المثمر. يضاف إلى ذلك يذكر آدم سميث بأن تحقيق الربح هو المحفز الأساسي في توظيف الأموال، وهو الذي يحدد المشاريع والقطاعات الاقتصادية المفيدة والمجدية. وكما هو معلوم أن طروحات سميث واكبت الثورة الصناعية الأولى التي انطلقت في إنجلترا في عام 1760: تلك الثورة الصناعية مكنت من تغيير وسائل ووسائط الإنتاج وتطوير الأليات والأدوات الاقتصادية. وعند التطرق للنظرية الاقتصادية الحاكمة للاقتصاد الحر فلابد من قراءة كتاب "ثروة الأمم" أو "The wealth of Nations" والذي عمل على تحريره آدم سميث خلال الفترة 1767 – 1776(1). التصنيع الذي بدأ في أوربا خلال تلك الفترة عمل على تهميش النشاط الزراعي وحفز على الهجرة من الريف إلى المدن بعد أن أصبحت مراكزاً صناعية جاذبة للعمالة. لا شك أن التصنيع مَكَّنَ من خلق حِرَفٍ ووظائف أساسية ومُسَاعِدَة وبَدَّل الاهتمامات المهنية وسارع في إنجاز تحولات ديمغرافية في مختلف بلدان أوربا وانجلترا ثم الأمريكيتين.

العالم مر بمراحل اقتصادية عديدة منذ بدء الخلق لكن النظريات الاقتصادية برزت خلال القرن الثامن عشر والقرن التاسع عشر. ظل الاقتصاد مرهوناً بالعمل الحر والتطبيقات الرأسمالية حتى ظهرت نظريات الاقتصاد الاشتراكي وأهمها النظرية الماركسية والتي حفزت البلاشفة في روسيا للثورة على الحكم القيصري في عام 1917 والانتقال إلى نظام الاقتصاد الموجه أو "Command Economy". هذا النظام أدى إلى تقييد الملكية الخاصة واعتمد أساليب قسرية في الإدارة والتسويق وقبل ذلك الإنتاج وشملت هذه الأساليب كافة القطاعات ومنها الزراعة والصناعات التحويلية والخدمات، يضاف إلى ذلك قيدت الأسعار. لاشك أن ذلك النظام الاقتصادي عزز من الديكتاتورية السياسية بعد أن كرس نظام الحزب الواحد. بعد الحرب العالمية الثانية اتسع نطاق نظام الاقتصاد الموجه ليشمل الصين وكوريا الشمالية وبلدان أوربا الشرقية مثل بلغاريا ورومانيا والمجر وبولندا وتشيكوسلوفيا ثم امتد ليشمل كوبا. بطبيعة الحال النظرية الماركسية أكدت على أهمية الانتقال من نظام رأسمالي يعزز التصنيع وقيام طبقة عاملة مؤثرة بما يمكن من توفير الظروف الموضوعية للانتقال إلى نظام اشتراكي حقيقي.

تأثيرات على العرب:

إن من المؤكد أن الاقتصادات العربية، خصوصاً منذ بداية عهود الاستقلال من الاستعمار أو الانتداب، تأثرت بالعديد من الطروحات الفكرية المتعلقة بتصميم وإدارة الاقتصاد. تمكن العديد من العرب من تلقي العلوم والآداب في جامعات غربية مرموقة وآخرون نهلوا العلم والمعرفة في جامعات عربية مثل جامعة القاهرة وجامعة بغداد أو جامعة دمشق وغيرها وتأثروا بالنظريات الاقتصادية المعلومة. هناك أيضا الأحزاب والجماعات السياسية التي تبنت الفكر الليبرالي أو الفكر الاشتراكي وأخرى تبنت الفكر الديني أو الإسلام السياسي، هذه الجماعات صاغت رؤيتها الاقتصادية ودعت لها. عدد من الجماعات تمكنت من التأثير في نظام الحكم في الحياة الاقتصادية بعد أن تحالفت أو أثرت على أنظمة الحكم التي تولت السلطة، خصوصاً بعد الانقلابات العسكرية في مطلع خمسينات القرن الماضي. يمكن الزعم بأن الأنظمة الاقتصادية في البلدان العربية ظلت حتى أواخر خمسينات القرن الماضي، أو ربما بداية ستينات ذلك القرن، تعمل بموجب أليات وأدوات الاقتصاد الحر، وكان هناك دور مهم لرجال الأعمال والعاملين ضمن أطر القطاع الخاص، وكان لهؤلاء الدور الأساسي في صناعة الثروة وإنتاج مختلف القطاعات وخلق فرص العمل وتوريد الضرائب للحكومات لتمكينها من تمويل أنشطتها وأعمالها الأساسية.

أصبح لدور الدولة أهمية عظيمة في الحياة الاقتصادية بعد أن اضطلعت بملكية وإدارة المرافق الحيوية مثل التعليم والرعاية الصحية والكهرباء وإنتاج المياه والاتصالات والنقل العام أو الجماعي بمختلف ألياته ووسائطه. الكثير من الأنشطة سبق أن عملت تحت ملكية وإدارة القطاع الخاص ثم تم الاستحواذ عليها أو تأميمها من الحكومات، وفي أحيان أخرى، مثل حالات بلدان الخليج تم تأسيسها من قبل الدولة بعد أن نعمت بثروات النفط. بطبيعة الحال كانت هناك توظيفات مالية من قبل أفراد ومؤسسات أجنبية أو غير عربية في بلدان مثل مصر والجزائر وليبيا تم الاستيلاء عليها من قبل الحكومات وترحيل أصحابها. أما المؤسسات الخاصة الوطنية فقد نالها التأميم والمصادرة في السنوات الأولى من عقد الستينات من القرن الماضي في مصر وسوريا والجزائر ومنها مؤسسات إنتاجية مهمة مثل مصانع الغزل والنسيج في مصر وسوريا أو مزارع العنب في الجزائر. في بلدان أخرى مثل اليمن الجنوبي لم تسلم مراكب الصيد التي كان يملكها صغار الصيادين من المصادرة والتأميم. وهكذا أصبح العمل الاقتصادي الحر محارباً ومذموماً في ذهنية الكثير من المواطنين العرب. التحولات نحو الاقتصاد الموجه كيف انجزت على مستوى الانتاج والتنمية وتوفير فرص العمل وتحسين ظروف المعيشة، هذه المقاييس المفيدة للتعرف على جدوى ونجاعة التوجهات الاقتصادية.

الريعية الاقتصادية:

امتزج نموذج الاقتصاد الموجه بنموذج الريعية حيث أخذت الدولة على عاتقها توفير الخدمات التعليمية والصحية ودعم المرافق مثل الكهرباء والمياه والبنى التحتية. كما أن الدولة عملت على توفير الوظائف للمتدفقين إلى سوق العمل في الدوائر والمؤسسات الحكومية وشركات القطاع العام. نتج عن تلك السياسات تضخماً مقلقاً في عمالة الحكومة والقطاع العام ورصد أموال هامة في الموازنات الحكومية السنوية من خلال أدوات الإنفاق الجاري. وقد اتبعت هذه السياسات المالية في الدول التي تبنت الفكر الاشتراكي أو رأسمالية الدولة ودول الخليج النفطية مما أدى إلى تهميش دور القطاع الخاص بدرجة مهمة. على سبيل المثال يعد الاقتصاد المصري من أهم الاقتصادات العربية من حيث الحجم السكاني والمكانة السياسية للبلاد. حتى نهاية خمسينات القرن الماضي اتسم التنظيم الاجتماعي للإنتاج بهيمنة الزراعة ومحدودية الصناعة واتساع قطاع الخدمات. تمكنت إدارة ثورة 23 يوليو من تطوير الصناعة بدرجة ما. لكن الصناعة اعتمدت على الصناعات الاستهلاكية. القطاع الزراعي الذي هيمنت عليه الملكيات الكبيرة العائدة لعدد قليل من الملاك جرى تحويله بعد الثورة بموجب قوانين الاصلاح الزراعي المتعددة إلى ملكيات صغيرة تم توزيعها على صغار الفلاحين. تلك الملكيات الصغيرة لم تؤد إلى رفع الانتاج الزراعي، بل العكس من ذلك، وقام عدد من هؤلاء الملاك الصغار الجدد بتحويل الأراضي الزراعية إلى استخدامات عقارية مختلفة وانتقل الكثير منهم إلى المدن الكبيرة بحثاً عن وظائف وحرف لكسب الرزق.

التخلف والاقتصاد:

كان عدد سكان مصر قبل ثورة يوليو 1952، كما جاء في كتاب الاحصاء السنوي (1949 – 1951) الصادر عن مصلحة الاحصاء والتعداد التابعة لوزارة المالية والاقتصاد(2). بحدود 16.8 مليون نسمة 76 في المئة منهم يعانون من الأمية الابجدية. الزراعة آنذاك اعتمدت على محاصيل محدودة منها القمح والشعير والذرة. كما هو معلوم تاريخياً فإن زراعة القطن جاءت مع محمد علي الكبير وتلى ذلك زراعة قصب السكر. النظام الجديد عمل على تطوير الملكية من خلال قانون الاصلاح الزراعي ونشر التعليم في الريف والمدن وسعى إلى تعليم النساء والارتقاء بمكانتهن الاجتماعية ودورهن في الحياة الاقتصادية. كانت أليات التصنيع مهمة لتحسين المستويات المعيشية وتوفير فرص العمل. بطبيعة الحال كان القطاع الخاص، رجال الأعمال المصريين وغيرهم من رجال أعمال عملوا في مصر بعد أن هاجروا قبل عقود طويلة من بلاد الشام واليونان وايطاليا وتركيا وغيرها، كان هؤلاء غير مطمئنين للإجراءات التي سيعتمدها النظام الجديد بشأن حرية التجارة والملكية الخاصة وتنظيم سوق العمل. لذلك اقدم عدد منهم على وقف الأعمال والهجرة إلى خارج مصر، كما أن إجراءات الحكومة عملت على مصادرة حقوق العديد منهم وتأميم أعمالهم. هكذا أضعف أداء القطاع الخاص وتهمش بدرجة كبيرة وعمدت الحكومة إلى تأسيس تعاونيات وشركات حكومية للقيام بأعمال الأنشطة التي لم يعد القطاع الخاص يلعب دوراً حيوياً فيها.

هيمنة الاقتصاد النفطي:

الاقتصاد العربي الذي بذلت محاولات منذ توقيع اتفاقية السوق العربية المشتركة في عام 1964 لإنجاز التكامل مازال يعاني من مصاعب وتشوهات هيكلية (3). هناك تحديات مؤكدة منها استمرار أهمية قطاع النفط والغاز كمصدر أساسي للدخل في دول عربية أساسية منها السعودية والأمارات والكويت وقطر وليبيا والعراق والجزائر بالإضافة للأهمية النسبية للقطاع في بلدان مثل مصر والبحرين وعمان وسوريا. وكما هو معلوم أن النفط يواجه تحديات المتغيرات في اقتصاديات الطاقة وسعي الدول المستهلكة الرئيسية لتوفير بدائل الطاقة النظيفة وتطبيق اتفاقيات منها إعلان باريس. وبالرغم من أن النفط والغاز الطبيعي يعني الدول المنتجة في العالم العربي فإن الكثير من الدول العربية الأخرى تعتمد على إيرادات النفط بشكل غير مباشر من خلال المعونات والقروض الميسرة وتحويلات مواطنيها العاملين في دول الخليج وغيرها من بلدان منتجة للنفط. قطاع النفط والغاز أصبح مملوكاً للدولة في معظم البلدان العربية المنتجة للنفط منذ أواسط سبعينات القرن الماضي، ولا يشمل ذلك إنتاج النفط الخام فقط، المنبع، بل يشمل أنشطة التكرير والبتروكيماويات وإنتاج الغاز الطبيعي والغاز المسيل وأحيانا توزيع المنتجات المكررة أو ناقلات النفط. هناك الآن بلدان عربية أخذت تعتني بإمكانية الاعتماد على شركات نفط عالمية لإنتاج النفط ومكرراته مثل العراق ومصر والسعودية أو الدخول في شراكات معها. بطبيعة الحال أن مثل هذه الشركات أصبحت ضرورية ومفيدة حيث إن تطور صناعة النفط وامتلاك الشراكات العالمية لقدرات تقنية تؤكد أهمية الاستفادة من هذه التطورات وتعزيز القدرات الإدارية وتمكين العمالة الوطنية من كسب الخبرة والمهارات الفنية.

السكان والعمالة:

يشير تقرير لصندوق النقد العربي الصادر في مايو، أيار، 2023 بأن من أهم التحديات التي تواجه الاقتصادات العربية ارتفاع معدلات البطالة، خصوصاً بين الشباب المتدفقين إلى سوق العمل. لا شك أن مشكلة البطالة ناتجة عن عوامل اقتصادية أساسية تتمثل بضعف الاستثمار في المجالات الانتاجية وضعف الأوضاع المعيشية التي تعطل الطلب على السلع والخدمات. لكن هناك الأزمة الديمغرافية التي تتمثل بارتفاع معدلات النمو السكاني في العديد من البلدان العربية. يقدر عدد سكان البلدان العربية بنحو 468 مليون نسمة ويشكل الذين تتراوح أعمارهم بين 10 سنوات و 24 عاماً 28 في المئة. هؤلاء لابد أن يتدفق الكثير منهم إلى سوق العمل ويتراوح معدل النمو السكاني بين 1 في المئة في تونس إلى 5 في المئة في عمان. بيد أن معدلات الخصوبة مازالت مرتفعة قياساً بالمعدل العالمي حيث يبلغ 3.1 طفل لكل امرأة في سن الانجاب بالرغم من انخفاض هذا المعدل عن مستواه في عام 1990 عندما بلغ 6.2 طفل لكل امرأة في سن الانجاب. ونظراً لغياب السياسات التنموية المفيدة في مختلف البلدان العربية فأن أي زيادة في أعداد السكان ستمثل عبئاً اقتصادياً (4).

الناتج المحلي الإجمالي والديون:

يقدر الناتج المحلي الإجمالي لكافة البلدان العربية في العام 2023 بنحو 3.5 تريليون دولار حصة السعودية ما يقارب 1.1 تريليون دولار والأمارات 509 مليار دولار، في حين يبلغ الناتج المحلي الإجمالي في مصر 398 مليار دولار. ويتفاوت الناتج المحلي الإجمالي في بقية البلدان العربية بين 255 مليار دولار للعراق و 25 مليار دولار للسودان (5). تعاني بلدان عربية من انعدام الأمن والنزاعات المحلية التي عطلت الحياة الاقتصادية ودفعت فئات واسعة من الشعوب العربية إلى حافة الفقر واتساع نطاق البطالة. وقد تراجعت معدلات النمو خلال العقد المنصرم بشكل سريع، خصوصاً في بلدان مثل السودان والعراق ولبنان و سوريا وليبيا. معلوم أن البلدان العربية مازالت تدار بموجب أنظمة الاقتصاد الموجه. الاقتصادات العربية التي تعاني من الديون الخارجية والداخلية ودخلت محادثات طويلة ومعقدة مع صندوق النقد الدولي ومؤسسات مالية عالمية من أجل الحصول على تمويلات جديدة تمكنها من الوفاء بالتزاماتها الأساسية وخضعت لتوجيهات من تلك المؤسسات بشأن الإصلاح المالي والاقتصادي لم تفعل أليات التخصيص وتحفز القطاع الخاص حتى الآن.

تجارب مريرة:

تجارب الاقتصاد الاشتراكي العربية مليئة بالدروس المفيدة والتي تؤكد أهمية الانتقال إلى الاقتصاد الحر المعتمد على أليات السوق والمبادرات الخاصة. الاقتصادات العربية التي مرت بتجارب الاشتراكية مثل مصر وسوريا والجزائر واليمن الجنوبي عانت من تراجع التنمية الاقتصادية وتدهور مستويات المعيشة وسوء تخصيص الموارد. الاقتصادات المشار إليها اعتمدت أليات قسرية في إدارة الاقتصاد ودفعت أصحاب رؤوس الأموال إلى الهجرة. الإدارة الاقتصادية للموارد والمؤسسات اعتمدت على عناصر لا تتمتع الكفاءة ومنهم عساكر أو بيراقراطيون غير مهنيين. الأهداف التي اعتمدتها تلك الأنظمة لم ترتبط بشكل واقعي مع متطلبات التنمية الاقتصادية الواقعية وحسن إدارة الموارد المالية والاقتصادية والبشرية، بل كانت تركز على تحرير الريف من الاقطاع دون تحديد كيفية تعزيز الإنتاج الزراعي ورفع معدلات إنتاجية الفلاحين، وكذلك تحرير الصناعة من ملكية وهيمنة البرجوازيين دون رسم خريطة رفع الإنتاج الصناعي وتنويعه وتحديد المجالات المجدية في الصناعة والاستفادة من التقنيات الحديثة التي حملتها الثورات الصناعية المتلاحقة. كما أن التحرر من الاستعمار يعني القطعية مع البلدان الصناعية المتقدمة وعدم الاستفادة من تجاربها الاقتصادية والشراكة مع شركاتها لتطوير أعمال وأنشطة مفيدة ومجدية في البلدان العربية. أدى طغيان البيروقراطية إلى تعطيل أية مبادرات من قطاع الأعمال، كما أن الثقافة السياسية التي سادت عززت العداء للقطاع الخاص وطبقة رجال الأعمال، ولذلك فإن المحاولات لتحرير الاقتصاد وإنجاز عمليات التخصيص في البلدان التي خضعت للنظام الاشتراكي تعطلت بسبب تلك الثقافة التي جعلت من الأوضاع الاقتصادية غير متوافقة مع فلسفة الاقتصاد الحر.

محاولات الإصلاح:

يشير تقرير الصندوق العربي للإنماء الاقتصاد والاجتماعي "تحدي التنمية في العالم العربي: إلى أين نحن ذاهبون" والذي حرره المدير العام رئيس مجلس الإدارة السابق عبد اللطيف يوسف الحمد والمؤرخ 10 نوفمبر، تشرين الثاني، 2009 بأن الفترة من بداية الستينات إلى1985 طغى القطاع الحكومي وتراجعت الإنتاجية وبلغت تلك الإنتاجية للعامل العربي تساوي 18 في المئة من إنتاجية العامل الأمريكي بعد أن كانت تعادل 32 في المئة من إنتاجية العامل الأمريكي في مطلع ستينات القرن الماضي(6). يظل الرئيس الراحل أنور السادات رائداً في الإصلاح الاقتصادي عندما اعتمد في عام 1974 القانون 43. تم إصدار هذا القانون بعد حرب أكتوبر 1973 في محاولة لتغيير أنظمة الاقتصاد واعتماد مسار تنموي أكثر فعالية عن ما كان سائداً. مواد القانون حددت إمكانيات مشاركة رجال الأعمال المصريين مع رجال الأعمال العرب والأجانب في تملك مشاريع وتوظيف الأموال في قطاعات عديدة. أكد القانون على تهيئة المناخ المناسب لقيام مركز مالي ونقدي في مصر وتقديم ضمانات كافية ضد المخاطر غير التجارية وتوفير حوافز مناسبة لتشجيع الاستثمار.

هناك تجارب اصلاح اقتصادي في المغرب وغيرها من بلدان عربية ولكن تفاوتت نتائجها. يشير صندوق النقد الدولي أن المغرب دخلت مرحلة الإصلاح الاقتصادي منذ بداية القرن الحالي وبعد استلام الملك محمد السادس الحكم بعد وفاة والده المرحوم الحسن الثاني. أيقنت السلطات المغربية بأن تحسين مستويات المعيشة والارتقاء بجودة الحياة تتطلب تعزيز دور القطاع الخاص وتقليل الاعتماد على دور الحكومة في العمل الاقتصادي. عملت الحكومة على اصلاح السياسات المالية وتطوير السياسة النقدية لتواكب المتغيرات الدولية. وبالرغم من مرور المغرب خلال العقدين الماضيين بمصاعب ناتجة عن أزمات دولية واقليمية مثل الأزمة المالية العالمية في عام 2008، والمصاعب الناتجة عن التحركات المتعلقة بالربيع العربي عام 2011 فإن البلاد تمكنت من إنجاز إصلاحات وتطوير مشاريع تنموية مهمة اعتماداً على القطاع الخاص والتدفق الاستثماري الأجنبي. تمكن المغرب من رفع معدل الحياة بنحو 30 عاماً عن ما كان عليه في عام 1960، ويأتي ذلك الارتفاع بفعل الانفاق على الرعاية الصحية وتحسين جودة التعليم (7). عانى المغرب من أزمة الديون في أوربا حيث تراجع الطلب على الصادرات المغربية بما رفع من قيمة العجز في ميزان المدفوعات، لكن ذلك الأمر تغير في عام 2019 وتراجع العجز في الحساب الجاري إلى 3.7 في المئة من قيمة الناتج المحلي الإجمالي. لاشك أن المتغيرات في أسعار النفط كان لها تأثيرات مهمة.

طروحات عربية:

التعديلات على الأنظمة الاقتصادية تفاوتت على مدى العقود الماضية بدرجتها فهي متميزة في المغرب وجيدة في مصر وبطيئة في بلدان عربية أخرى.

هل هناك فلسفة اقتصادية حاكمة في البلدان العربية وما هي معالمها الواضحة؟ المكتبة العربية حافلة بالإصدارات المهمة بشأن الفلسفة الاقتصادية. يعتبر كتاب " فلسفة علم الاقتصاد: بحث في تحيزات الاقتصاديين وفي الأسس غير العلمية لعلم الاقتصاد ". لمؤلفه المرحوم الدكتور جلال أمين من أهم تلك الإصدارات. يطرح الدكتور جلال أمين أهمية فهم الاختلاف في الرؤى الاقتصادية والتي على أساسها تم صياغة النظام الاقتصادي والقوانين التي تحكم مختلف القطاعات الاقتصادية والأنشطة المتعلقة بها. يضيف المرحوم الدكتور جلال أمين في كتابه أن النظريات الاقتصادية والاجتماعية ليست صالحة لكل زمان ومكان (8). غني عن البيان أن الحياة وتطوراتها ومتغيرات الأنشطة الاقتصادية وطغيان نشاط على آخر، مثل ما طغت الصناعة على الزراعة بعد الثورة الصناعية الأولى في بريطانيا ثم أوربا ومهدت المجال أمام المفكرين الاقتصاديين لطرح فلسفات وأفكار جديدة. مما لا شك فيه أن مفكرين مهمين على مدى القرون الثلاثة الماضية عززوا الفكر الاقتصادي وطرحوا قيم اجتماعية ذات صلة بالاقتصاد، كما فعل ماركس وأدم سميث وريكاردو وغيرهم. في عالمنا العربي برز عدد من الاقتصاديين في القرن العشرين ومن أهمهم عدد من المصريين مثل إبراهيم شحاته وإبراهيم عويس واسماعيل صبري عبد الله وجلال أمين ورمزي زكي وسمير أمين وفؤاد مرسي ومحمد سعيد النجار ونادر فرجاني وغيرهم. ثمة اقتصاديون مغاربة أثروا الساحة الفكرية الاقتصادية ومنهم فتح الله وعلو وعثمان السليماني وعبد القادر بنسليمان وآخرون.

هناك العديد من المفكرين الاقتصاديين العرب من اعتقدوا بأن الاشتراكية ونظام الاقتصاد الشمولي "Command Economy" سيكون الترياق الذي يطلق التنمية الاقتصادية في البلدان العربية ويحررها من الاعتماد على البلدان الأخرى، أو ما كانوا يصفونها بالدول الاستعمارية. التجارب التي جرت في البلدان العربية والتي سبق الاشارة لها أثبت بأن هناك حاجة لمراجعة فكرية للأوضاع الاقتصاديـــــــة العربيـــة، خصوصاً في البلدان التي نهجت بمفاهيم دور الدولة القائد في الاقتصاد أو تلك الدول الخليجية التي اعتمدت على الريعية في إدارة اقتصادياتها وعززت الاتكال على الدولة. الاقتصاد الحر قد تنتج عنه اشكالات في مسائل توزيع الثروة أو عدالة ذلك التوزيع ولكن هناك أليات يمكن التغلب من خلالها على تلك الاشكالات ومنها الضرائب على الأرباح الصافية للشركات وعلى مداخيل الأفراد بنظام الضرائب التصاعدية وكذلك ضريبة القيمة المضافة أو المبيعات على السلع الكمالية. نظام الاقتصاد الحر لا يعني عدم قيام الدولة بالدور الأساسي في توفير التعليم والرعاية الصحية. في البلدان الرأسمالية المتقدمة مثل الولايات المتحدة وبريطانيا يتوفر التعليم مجاناً للجميع، وتزيد بريطانيا بتوفير الرعاية الصحية للجميع "Universal Coverage" بطبيعة الحال هناك مدارس خاصة وجامعات خاصة في البلدان الأوربية وفي الولايات المتحدة بموازاة المؤسسات التعليمية الحكومية. وتتنافس مؤسسات الرعاية الصحية الخاصة مع المؤسسات الصحية الحكومية. أهم ما يجب التأكيد عليه أن الطموح من أجل أداء اقتصادي يتسم بالكفاءة وعدم الهدر من الأموال العامة يتطلب دور القطاع الخاص والانفتاح وجذب الاستثمارات للتوظف في مختلف القطاعات الحيوية.

الإدارة الحكيمة:

فلسفة الاقتصاد الحر كما بينها أدم سميث ترتكز على أهمية تحقيق أصحاب رؤوس الأموال أرباحاً على توظيفاتهم المالية وذلك يتطلب إدارة حكيمة وسيطرة على التكاليف. البيروقراطية الحكومية، خصوصاً في البلدان العربية، اثبتت عدم الكفاءة في إدارة المرافق والمؤسسات الاقتصادية ورفعت تكاليف الانتاج. البلدان العربية عندما قررت تأميم وتملك المرافق مثل الكهرباء والمياه والاتصالات والنقل لم تتمكن من تحقيق نتائج مالية مفيدة للخزينة العامة واعتمدت على تسعير الخدمات بموجب نظام الدعم الذي يكلف الخزينة العامة أموالاً طائلة. القطاع الخاص يمكن أن يمتلك ويدير هذه المرافق وإلغاء أنظمة دعم الخدمات والوقود بما يحفز القطاع الخاص للسيطرة على التكاليف وتحسين جودة المنتجات بشرط توفير بيئة تنافسية موضوعية تعزز الكفاءة. وقد تمكنت السعودية والبحرين والأمارات وعمان في السنوات القليلة الماضية بعد إنجاز تحولات بنيوية من تحسين الأداء وتخفيض التكاليف وفي الوقت ذاته العمل بموجب تسعير ملائم للمستهلكين. هناك عوامل هامة في تحقيق هذه الأهداف أهمها استخدام أنظمة تقنية جديدة والاستفادة من الشراكة مع شركات ومؤسسات عالمية متخصصة في مختلف الأنشطة. ذلك يعني أن يكون التحرر من هيمنة الدولة مرتبطاً بانفتاح على الاستثمار الأجنبي.

هل هناك معوقات للتخصيص والإصلاح البنيوي في الدول العربية بما ينقلها إلى أنظمة اقتصادية تعتمد فلسفة الاقتصاد الحر؟ هناك الكثير من المعوقات أهمها الثقافة السياسية التي تجذرت على مدى العقود الطويلة الماضية والتي جعلت من دور الدولة مقدساً غير قابل للانتقاد والترشيد والإصلاح. كذلك فإن دور الدولة في الدول التي انتهجت نظام ورأسمالية الدولة أو تلك التي اعتمدت نظام الاقتصاد الريعي جعل من التوظيف في الحكومة، أو ما يطلق عليه المصريون الميري من أهم أهداف الداخلين الجدد أو المتدفقين إلى سوق العمل. بطبيعة الحال عندما يهمش دور القطاع الخاص تتقلص فرص العمل فيه أو تصبح غير جاذبة، خصوصاً إذا كانت الرواتب والأجور أدنى من تلك التي توفرها الحكومة للعاملين فيها.

إشكالات موضوعية:

معوقات أخرى تتمثل بتسعير السلع والخدمات. على مدى سنوات طويلة اعتمدت الحكومة أنظمة الدعم للمواد الغذائية الأساسية والوقود والمياه والكهرباء والمواصلات بما يجعل من التكاليف على المستهلكين متهاودة ومقدور عليها إلى حد بعيد. عندما يتم الإصلاح فإن أليات وأدوات الدعم لابد أن تختص أو على الأقل تترشد وبذلك فإن الأسعار سوف ترتفع على المستهلكين، وخصوصاً أصحاب الدخول المحدودة. القطاع الخاص لابد أن يعتمد أنظمة تسعير تأخذ بنظر الاعتبار التكاليف الحقيقية لإنتاج السلع والخدمات. الحكومات تحملت التكاليف الباهظة لإنتاج العديد من السلع والخدمات وطرحتها للمستهلكين بأسعار منخفضة. لابد من معالجة هذه المسألة وربما لن يتحقق القبول من المستهلكين لأنظمة التسعير الاقتصادية إلا بعد حين، وليس بعد أن تتوفر بيئة تنافسية في مختلف الأنشطة والقطاعات وتسخير أنظمة تقنية ملائمة تعمل على تخفيض التكاليف من خلال التنافسية هي الوسيلة المثلى والتي اتبعت في الاقتصادات المتقدمة والتي عززت منظومة العرض والطلب لتفعيل التسعير المناسب والمقبول من المستهلكين. لاشك أن البلدان العربية، أو عدداً منها، تتمتع بأسواق حديثة في الوقت الحاضر تنشط فيها المتاجر المتخصصة والمطاعم والفنادق والمؤسسات الخدمية الأخرى. لكن معظم المؤسسات والمنشآت مازالت تمثل مساهمة محدودة في الناتج المحلي الإجمالي حيث أن الأنشطة الرئيسية لا تزال مملوكة ومدارة من قبل الدولة.

هناك معوقات ثقافية وسياسية تعطل عملية الإصلاح والتحول وترفض فلسفة الاقتصاد الحر. كما سبق الإشارة أن التوجهات السياسية وما نتج عنها من تحولات اجتماعية وثقافية فرضت قيوداً ذهنية على غالبية المواطنين دفعت إلى تعطيل القدرة على المبادرة في تأسيس الأعمال أو بذل الجهود الحرة من أجل تحقيق الدخل وصناعة الثروة. وبعد غياب أصحاب الثروات التي تم تأميمها أو تهميشها خلال العقود الماضية أصبحت صناعة الثروة من قبل المنتفعين بالأنظمة الريعية والشمولية تتم في غياب المعايير الاقتصادية السلمية والجهود والمثابرة في العمل من خلال المضاربة أو الفساد الإداري والسياسي. انتفع الكثير من أصحاب الثروات الجدد من قربهم من صناع القرار السياسي أو بلوغهم مواقع إدارية أو سياسية متقدمة لنيل المكانة التي تمكنهم من بناء ثرواتهم الخاصة دون جهود تذكر. لاشك أن الثروة النفطية مكنت الكثير من أصحاب النفوذ من تجميع ثروات هامة. تلك الثروات ربما دفعت عدداً منهم لتأسيس شركات ومؤسسات أصبحت ذات أهمية في مختلف اقتصادات الدول العربية. وعندما نعود لمسألة المعوقات الثقافية فإن هناك رحلة طويلة يجب أن تبدأ لتأكيد قيم ومفاهيم الاقتصاد الحر التي تتركز على المبادرة الخاصة وقياس المخاطر والاعتماد على تنمية الأموال أو الثروات من خلال نشاط فردي أو جماعي صبور وطويل.

كيف يمكن تعزيز دور الاستثمار الأجنبي في بناء الاقتصادات العربية؟ ظلت الدول العربية لسنوات طويلة تتعامل بحذر مع المستثمرين الأجانب بالرغم من تعديلات القوانين وتحفيزها لتوظيف الأموال الأجنبية في مختلف الأنشطة والأعمال. لا شك أن التدفقات الرأسمالية على الدول العربية لم تكن يسيرة حيث أن رجال الأعمال اشترطوا تعديلات هامة على الأنظمة الاقتصادية والتشريعات التي تحكمها. كما أن الملاحظات التي كانت تثيرها وفود صندوق النقد الدولي والبنك الدولي حول الهياكل الاقتصادية والتعقيدات المبينة فيها وتعطيل عمليات تحرير أسعار صرف العملات الوطنية لم تكن مواتية لتدفق الاستثمارات الأجنبية. لكن المحاولات المبذولة من الحكومات في مصر والمغرب والجزائر وسوريا ودول الخليج العربية عززت الثقة لدى المستثمرين وأصبحوا أكثر اطمئناناً لإمكانيات الانفتاح الاقتصادي في هذه المنطقة من العالم. لا تزال هناك صعوبات لخلق اقتصادات جاذبة نتيجة لمحدودية الموارد السيادية وتدني مستويات المعيشة وتراجع كفاءة المتعلمين والمهنيين نظراً لتدهور النظام التعليمي في أكثر من بلد عربي. يضاف لذلك المعوقات الثقافية ومنظومة القيم والتي تكرس بيئة طاردة للاستثمار الأجنبي. لكن لابد من التأكيد على أن الانفتاح وبناء أنظمة الاقتصاد الحر في البلدان العربية يتطلب حضور لرأسمال الأجنبي حيث يمكن الاستفادة من التقنيات الحديثة والأموال اللازمة والإدارة المتمكنة.

الاستثمار الأجنبي المباشر:

الاستثمار الأجنبي المباشر يمكن من سد فجوة التمويل التي تعاني منها بلدان مثل مصر والجزائر والمغرب حيث أن امكانيات القطاع الخاص المحلي في هذه البلدان لا تزال محدودة، كما أن متطلبات المشاريع الحديثة تستدعي تواجد مستثمرون يملكون الأموال والتقنيات ولذلك فإن ولوج شركات عملاقة متخصصة بأنشطة محدودة، مثل شركات البترول المؤهلة لتطوير حقول الإنتاج ومصافي التكرير وأعمال البتروكيماويات يؤكد على أهمية التعاون والشراكة معها. على سبيل المثال الكويت أرادت أن تطور حقول شمال البلاد لزيادة الطاقة الإنتاجية والتخفيف على الحقول التقليدية التي عانت من الاجهاد والمشكلات الفنية. أتضح أن تلك الحقول تتطلب تقنيات متطورة وخبرات ولذلك تم التفاوض مع شركات نفط كبرى للشراكة بين مؤسسة البترول الوطنية وتلك الشركات ولكن الأمور تعثرت بعد إصرار الشركات على الشراكة واقتسام الإيرادات في حين كانت الحكومة تريد أن تتعامل مع الشركات كمشغلين يتقاضون أتعابهم. ظلت الحكومة تصر على الشركات أن يكون عملها في تلك الحقول مبني على عقود خدمات ودعت شركات منها ال BP البريطانية وتوتال الفرنسية ورويال دش شيل الهولندية وشيفرون. المباحثات التي جرت لم تفلح في إيجاد صيغة توافقية ولذلك تم إلغاء المشروع والذي كان يمكن أن يضيف 800 ألف برميل يومياً للطاقة الانتاجية.

مصر تجد أوضاعها قد استعصيت في الوقت الراهن وليس هناك بديلاً عن تشجيع الاستثمار الأجنبي المباشر. قد يزعم البعض بأن مصر بدأت رحلة الانفتاح الاقتصادي منذ عام 1974 (9) وأن هناك شركات أجنبية عاملة في مصر، وتعمل شركات نفطية مهمة في قطاع النفط والغاز. مؤخراً استدعت وزارة البترول عدد من الشركات الأجنبية للاستثمار في القطاع ورفع إجمالي استثمارات شركات النفط الأجنبية العاملة في مصر إلى ما يقارب 9.0 مليار دولار(10). أصبح هذا القطاع حيوياً لمصر حيث هناك متطلبات الاستهلاك المحلي والتصدير لجني إيرادات سيادية للبلاد. خلال العام الحالي 2022 – 2023 بلغت إيرادات صادرات الغاز المصرية نحو 6.5 مليار دولار، وهناك خطط لزيادتها إلى 10 مليار دولار في الأعوام القادمة. ويبلغ إنتاج مصر من البترول 580 ألف برميل يومياً وما يقارب 6.2 مليار قدم مكعب من الغاز يومياً. لكن الاستهلاك المحلي المتزايد يحد من الاستفادة من الصادرات بيد أن وجود الشركات الأجنبية عززت القدرات ومكن من مواجهة متطلبات الاستهلاك المحلي ووفر نسبة لا باس بها للتصدير لجني دخلاً للبلاد. غني عن البيان أن تواجد هذه الشركات الأجنبية عززت من ارتقاء القدرات المهنية للعاملين المصريين ووفر شراكات حيوية بين القطاع الخاص المصري والشركات الأجنبية في قطاع مهم، وكذلك كانت هناك شراكات بين القطاع العام والشركات الأجنبية.

السياحة:

ظل القطاع السياحي في البلدان العربية محتكراً من الدولة في بلدان عربية عديدة، خصوصاً الفنادق الكبرى والمنتجعات، لكن القطاع الخاص استثمر في فنادق ونزل صغيرة ومتوسطة. بعد الصدمة النفطية الأولى قدم إلى مصر وتونس والمغرب ولبنان العديد من المستثمرين العرب والأجانب ووظفوا أموالاً كبيرة في القطاع الذي بدا لهم واعداً. تشير التقارير بأن الاستثمار الأجنبي المباشر في قطاع السياحة في بلدان الشرق الأوسط وأفريقيا بلغ 2.6 مليار دولار في عام 2021 (11). ويبدو أن السعودية أخذت تستأثر بنصيب مهم من هذه الاستثمارات نظراً للانفتاح الاقتصادي المبهر والأفاق الاستراتيجية التي تبنتها الدولة. قطاع السياحة في منطقة الخليج موعود بتوظيفات مهمة حيث قدرت الاستثمارات المتوقعة في القطاع في السعودية بنحو تريليون حتى عام 2030 ولا بد أن جزء هام من هذه الاستثمارات سوف تأتي من المستثمرين الأجانب الذين أكدوا ثقتهم بأفاق الاقتصاد السعودي والقدرة على جذب السياح من مختلف بلدان العالم، خصوصاً بعد تطوير المزارات الدينية وتشجيع السياحة الدينية، الحج والعمرة، وكذلك تطوير مناطق على ساحل البحر الأحمر والخليج العربي. هناك دور الدولة في تطوير البنية التحتية وتوفير الأوضاع المؤسسية الملائمة والتشريعات المحفزة لكن الحكومة السعودية تعول على القطاع الخاص لتوظيف الأموال والدخول في شراكات مفيدة مع المستثمرين الأجانب على تنمية الأموال أو الثروات من خلال نشاط فردي أو جماعي صبور وطويل. السياحة لا تتوقف عند الفنادق والمنتجعات ومباني الشقق الفندقية أو المفروشة، بل تشمل أيضا وسائط الانتقال مثل شركات التاكسي وهناك المطاعم والمقاه. هذه أعمال صغيرة أو متوسطة يمكن أن يضطلع بها العديد من المواطنين من أصحاب رؤوس الأموال الصغيرة. هذه الأعمال قد تنتعش عندما يكون هناك تدفق سياحي على البلاد بالإضافة لأهمية القوانين المنظمة التي توفر الامتيازات والاعفاءات. وبذلك فإن إيرادات السياحة يتعين أن تشمل إيرادات الفنادق وشركات الطيران وكل المؤسسات العاملة في القطاع بشكل أو بآخر. تقدر إيرادات السياحة العالمية في عام 2023 بنحو 1.4 تريليون دولار وهو ما يعادل 90 في المئة من إيرادات عام 2019 قبل جائحة كرونا (12). هذا المستوى العالمي، ولكن كيف هي أوضاع السياحة العربية في الوقت الراهن؟ تشير بيانات السياحة والنقل بأن بلدان المنطقة شهدت تحسناً بنسبة 46.9 في المئة بين عامي 2021 و 2022 وازدادت أعداد الزوار بعد تخطي جائحة كرونا وبلغت الإيرادات 107 مليار دولار. وتشهد بلدان الخليج اهتماماً متزايداً بالقطاع ومحاولات لتحسين مساهمة القطاع في الناتج المحلي الإجمالي وتتوقع دولة الأمارات العربية أن تصل مساهمة السياحة إلى 10 في المئة. كذلك عملت عمان على تكثيف الجهود لدعم القطاع وخصصت 5.4 مليار دولار للاستثمار وحددت 12 مجمعاً سياحياً متكاملاً و 24 مشاريع سياحية محلية و 124 فندقاً ونزلاً، هذه المشاريع لابد أن تحفز القطاع الخاص لتوظيف الأموال فيها أو في مشاريع ذات صلة.

تسعى السعودية إلى جذب 100 مليون سائح أو زائر، ضمن خطة أو رؤية 2030 لذلك فهي تعمل على تشييد مشاريع فندقية ومنتجعات بطاقة جديدة من 315 ألف غرفة فندقية. كما تسعى إلى تأسيس شركة خطوط طيران جديدة. وتركز رؤية السعودية على دور محوري للقطاع الخاص في حين تضطلع الدولة بإقامة مشاريع البنية التحتية وتوفير الأوضاع المؤسسية والقانونية التي تفعل دور القطاع الخاص. اقتنعت الإدارة السياسية بأهمية العمل وقدرة أصحابه على دراسة المشروعات والتأكد من جدواها وتحديد المخاطر التجارية في الوقت الذي توفر الدولة حماية من المخاطر السياسية وغير التجارية. وعندما يكون الشعب، كما هو الحال في السعودية وبقية دول الخليج والعديد من الدول العربية، بأغلبيته شبابية فأن هذه الأنشطة تمكن من توفير فرص العمل وتنمية المهارات المهنية. وكما هو معلوم تعاني كافة الدول العربية من محدودية فرص العمل للمواطنين في القطاع الخاص وتكدس أغلبية العاملين في دوائر الدولة والشركات الحكومية أو المنتمية للقطاع العام. لذلك فإن تحدي تأسيس الأعمال يظل مهماً.

تحولات النظام الرأسمالي:

النظام الرأسمالي، أو نظام الاقتصاد الحر، تعرض لأزمات خلال القرون والعقود الماضية، ولكنه ملك أليات للإصلاح الذاتي والتحرر من تلك الأزمات. أهم الأزمات التي مر بها الاقتصاد الرأسمالي أزمة انهيار سوق الأوراق المالية في نيويورك في عام 1929 بعد أن تضخمت أسعار الأسهم ثم انهارت وأدت إلى تفليسيات كبرى للعديد من الشركات ورجال الأعمال بما أثر على البنوك والشركات الدائنة ثم على المالية العامة. أزمة الكساد الكبير " "The Great Depression خلال الفترة 1929 إلى 1939 كانت أكبر صدمة للاقتصاد العالمي ولم تؤثر فقط على الولايات المتحدة حيث بدأت، بل إنها شملت مختلف بلدان العالم. خلال الفترة من 1929 إلى 1932 فقد الناتج المحلي الإجمالي على المستوى العالمي 15 في المئة من قيمته. أدت الأزمة إلى تراجع المداخيل الشخصية والأسعار وإيرادات الضرائب والأرباح. كما أن التجارة العالمية تراجعت بنسبة تجاوزت الخمسين في المئة، أما البطالة فقد ارتفعت إلى مستويات قياسية بلغت 23 في المئة في الولايات المتحدة ووصلت إلى حدود 33 في المئة في بلدان أخرى. كان للورد جون مينارد كينز John Maynurd Keynes دوراً محورياً في تقديم طروحات ساهمت في انقاذ النظام الرأسمالي في ثلاثينيات القرن العشرين. كان اللورد كينز اقتصادي بريطاني (1883 – 1946)، يعتبر مؤسس النظرية الكينزية في الاقتصاد، أو الاقتصاد الكلي الحديث. حدد في نظريته كيف يمكن للحكومات أن تؤثر على الأداء الاقتصادي من خلال أليات الانفاق العام من أجل تحفيز مختلف الأنشطة ورفع مستويات الطلب لمواجهة الركود. وأثار في كتابه المشهور"The General Theory of Employment, interest and Money (13) أهمية تدخل الحكومة لتطوير مشاريع من أجل الحد من البطالة. وأشار من ناحية أخرى أن الرأسمالية المنفلتة لابد أن تكون ذات تأثيرات كارثية ويتطلب إصلاحها، ليس فقط من أجل حمايتها، بل أيضا لتمكينها من منافسة الأنظمة الاقتصادية الأخرى ومنها النظام الشيوعي. وقد استعان الرئيس فرانكلين روزفيلت في سنوات حكمه والتي بدأت في عام 1933 خلال فترة الكساد الكبير. طور روزفيلت سياسات مالية عالج فيها أزمة البطالة واعتمد فلسفة The New Deal والذي اعتمد على القيام بإنجاز مشروعات تتولى الدولة الانفاق عليها من أجل خلق فرص عمل لكن حاول أن لا تتجاوز النفقات حصيلة الإيرادات بشكل كبير. بيد أن طروحات كينز مثلت تحولاً هاماً في النظرية الاقتصادية الرأسمالية التي كانت تستبعد أي دور للدولة في إنجاز المشاريع أو إقامــــــة الأعمــــــــال ولذلك واجهت بعد ذلك انتقادات مـــن مدرسة شيكاغـــــو وعميــــــدها (14) "Milton Friedman" (1912 – 2006)، والذي انتقد طروحة أن الاستهلاك هو العنصر الأساسي في الانتعاش الاقتصادي. أكد فريدمان بأن الانفاق وتراكم الدين العام يقود دائماً إلى التضخم بما يخفض من قيمة النقود. ظلت مدرسة شيكاغو حتى يومنا هذا من أهم المعاهد الاقتصادية المناهضة للتدخل الحكومي في العمل الاقتصادي وأكدت على أهمية تبني سياسات نقدية ملائمة لتحفيز النشاط الاقتصادي.

يمكن أن نبين بأن أحد الاقتصاديين العرب ساهم في دراسة الرأسمالية بعمق. المرحوم الدكتور فؤاد مرسي، وهو ذو نزعة ماركسية، أصدر كتاباً " الرأسمالية تجدد نفسها " من خلال سلسلة " عالم المعرفة " في الكويت في مارس 1990. أكد الدكتور فؤاد مرسي في كتابه القيم بأن الرأسمالية "أنها أكثر قدرة على الحياة مما كان يتصور كل خصومها. ولقد تغلبت على أخطر التناقضات فــــي اللحظة المناسبـــــة" (15). أكد بأن الرأسمالية المعاصرة تميزت بالاستجابة الحيوية لمقتضيات ومتغيرات العصر. كذلك تمكنت من تطوير أليات الإنتاجية. طرح خلال الكتاب أهمية التطورات التقنية في تعزيز النظام الرأسمالي. وهكذا نجد أن منظرين اشتراكيين أكدوا قدرات نظام الاقتصاد الحر على الحياة والتطور. لاشك أن النظام الرأسمالي منذ ثلاثينات القرن الماضي عزز أنظمة الرعاية الاجتماعية والتقاعد وحماية الفقراء وطور أنظمة الضرائب لتكون أكثر عدالة وحفز الشركات ورجال الأعمال على تبني المسؤولية الاجتماعية للمساهمة في تعزيز عدالة توزيع الثروة. لم يعد النظام الرأسمالي متوحشاً كما كان يصفه عدد من المنظرين الاشتراكيين، بل هناك أليات وأدوات تحد من ذلك التوحش وتؤكد على أهمية بذل الأموال من أجل الارتقاء بنوعية الحياة وتحسين معيشة أصحاب الدخول المحدودة والمتواضعة وتوفير الرعاية الصحية وتوفير التعليم المجاني لكافة المواطنين.

إرساء الاقتصاد الحر:

كيف يمكن أن يؤسس نظام اقتصاد حر عصري في البلدان العربية؟ كما سبق الإشارة فإن البلدان العربية انتقلت على مدى السبعين عاماً الماضية من اقتصاد حر بسيط أو متواضع إلى اقتصادات شمولية أو اقتصادات ريعية اعتماداً على مستويات الثروة وتوفر الموارد الطبيعة لديها. لم تعتمد هذه الاقتصادات حتى الآن على العلم والمعرفة وما يطلق عليه باقتصاد المعرفة كما حصل في سنغافورة وتايوان أو كوريا الجنوبية، وقبل ذلك اليابان. الاقتصادات الشمولية وتلك الريعية أفسدت الحياة السياسية وعطلت التنمية الاقتصادية وعطلت التطور التعليمي. لاحظنا على مدى العقود والسنوات الماضية تخرج أعداد كبيرة من الجامعات ومعاهد التعليم العليا وتدفق عدد كبير إلى أسواق العمل ولكن لم نشهد مبادرات متميزة من هؤلاء الخرجين لتطوير صناعات تحويلية متميزة وتملك ميزات نسبية. ظلت الموارد الطبيعية تستثمر بأساليب تقليدية واعتمدت في البدايات على شركات أجنبية متخصصة، مثل شركات النفط العالمية، ولكن بعد التأميم في أواسط السبعينات وتولي ادارات وطنية لتلك الشركات النفطية العاملة في الحقول العربية تفاقمت أعداد العاملين وتدنت الإنتاجية، فيما عدا شركة أرامكو حيث احتفظت بعلاقات متميزة مع الشركات الأجنبية ووظفت اساليب انتاج وإدارة عصرية. الدول العربية الأخرى غير النفطية لم تسعى للارتقاء بالأوضاع الانتاجية في صناعات القطاعات الاقتصادية مثل صناعة النسيج أو الحديد والصلب والصناعات الغذائية. كل هذه الحقائق تؤكد أهمية الانطلاق نحو مشاريع اقتصادية تعتمد أساليب الاقتصاد الحر وتوظف الأموال في مجالات مفيدة وقادرة على تحقيق قيم مضافة.

يتعين صياغة منظومة قوانين للحياة الاقتصادية تؤكد على أهمية الاقتصاد الحر وتوفر الحماية لحقوق المستثمرين ورجال الأعمال وتشجع على جذب الأموال الأجنبية وشراكة الشركات العالمية المتخصصة في أنشطة متنوعة وتملك تقنيات حديثة. العمل الاقتصادي الحر في عالمنا اليوم لا يعني استعباد العاملين أو استغلالهم أو التربح غير المشروع على حساب المستهلكين. لذلك فإن القوانين الاقتصادية لابد أن تأخذ بنظر الاعتبار حقوق العاملين وتوفير الرعاية الصحية لهم وتعزيز التدريب والتأهيل أثناء العمل وضمان حقوق التأمين الاجتماعي والتقاعد المريح. غني عن البيان أن حقوق الدولة يجب أن تتأكد من خلال أنظمة الضرائب العادلة التي لا تبخس الدولة حقوقها ولا تؤدي إلى خلق بنية اقتصادية طاردة تؤدي إلى هروب رؤوس الأموال أو إفلاس الشركات. وكما سبق التأكيد عليه فإن الاقتصاد الحر يعني المنافسة بين الشركات في النشاط الواحد وتوفير الأليات المناسبة لتعزيز المنافسة والتي تخدم أهدافاً عديدة منها تمكين الشركات ذاتها من تطوير ألياتها وأدواتها ومنتجاتها نوعياً. السيطرة على التكاليف والسعي للارتقاء بمؤهلات العاملين وتطوير القدرات التسويقية محلياً وخارجياً. أهم من ذلك الاقتصاد الحر يعني الاستثمار في البحوث والدراسات التي تسهم في تحسين القدرات الإنتاجية وأعمال الابتكار والإبداع، كما نلحظ الآن في مجالات وأنشطة عديدة أهمها الاتصالات والإعلام.

هل سيتهيأ للبلدان العربية إمكانيات لتطوير نظام الاقتصاد الحر على مدى السنوات القادمة، كما حدث في العديد من البلدان الأسيوية الناهضة مثل كوريا الجنوبية وتايوان وتايلند؟ هناك أهمية لإحداث متغيرات ثقافية وتعليمية وإصلاح البناء الهيكلي لكل اقتصاد عربي. في ذات الوقت تظل أهمية التخصيص ونقل الملكية من القطاع الخاص ضرورية وتتطلب إرادة سياسية واعية. المكتسبات الشعبية والتي تمثلت بحقوق التعليم المجاني وتوفير الرعاية الصحية بدرجة ملائمة وتوفير الضمانات الاجتماعية وحقوق التقاعد يجب أن تتوفر لها الحماية والمشروعية القانونية حتى لو تم التحرر من دور الدولة في الحياة الاقتصادية. الدولة عليها أن تنقل كافة الأنشطة التي يمكن للمبادرة الفردية والقطاع الخاص توليها وتحمل مخاطرها وهذه تشمل أعمال التجارة والتوزيع السلعي والصناعات التحويلية والأنشطة المتعلقة بالبترول والغاز، فيما عدا احتكار الدولة للثروات الطبيعية ومنها النفط والغاز ولكن ليس الإنتاج والتوزيع والتصدير والتكرير والبتروكيماويات. كما أن القطاع الخاص يجب أن يتولى كافة أنشطة النقل العام البري والبحري والجوي وضمان النوعية المتميزة المضاهية لأفضل أنظمة النقل في العالم والمتكيفة مع أحدث التقنيات. يضاف إلى ذلك نقل إدارة المنشآت العمومية ذات الصلة بالبنية التحتية والمرافق مثل الموانئ والمطارات وإنتاج وتوزيع الكهرباء والمياه وأنظمة الاتصالات السلكية واللاسلكية. هذه الأنشطة قد تتطلب رؤوس أموال كبيرة لا يملكها القطاع الخاص الوطني في أي من البلدان العربية بما يعني الانفتاح على الاستثمارات الأجنبية وتشجيع الشركات العالمية للدخول في شراكات مع المؤسسات الوطنية.

تطوير نظام الاقتصاد الحر في أي بلد عربي يتطلب معالجات هامة للأليات والأدوات التي تحكم العمل الاقتصادي. هناك أهمية لتعزيز الأنظمة المالية والمصرفية وتمكينها للتكيف مع المتطلبات المعيارية الدولية مثل أنظمة بازل للكفاية الرأسمالية ونظم الشفافية. هذه المؤسسات المالية يجب أن تكون ذات أحجام من الأصول وقواعد رأس المال تمكنها من الانكشاف بمخاطر معلومة أمام المقترضين. الأعمال والأنشطة تتطلب تمويلات مستمرة وبآجال مختلفة حسب طبيعة تلك الأعمال. لكن من أهم المتغيرات المطلوبة هو تمكين النظام المصرفي من أن يكون ماكنة التمويل لكافة الأعمال والأنشطة بدلاً من الاعتماد على أليات الانفاق العام. هذا النظام يمكن، أيضا، أن يمول أعمال الحكومات في فترات مختلفة خصوصاً عندما تتراجع الإيرادات ويصبح على الحكومات الاعتماد على تمويل العجز. النظام المالي يتعين على إداراته توفير الإيرادات اللازمة من خلال الأنشطة التقليدية مثل عمليات الإقراض أو الاستثمار في الأدوات المالية المسعرة، المحلية والدولية. يضاف إلى ذلك أن النظام المصرفي لابد أن يقاد من قبل بنوك مركزية واعية لأهمية الاستقرار النقدي باتباع سياسات نقدية حذرة تتوافق مع متغيرات السياسة النقدية لدى البنوك المركزية الرئيسية في العالم مثل مجلس الاحتياطي الفيدرالي والبنك المركزي الأوربي وبنك إنجلترا وبنك اليابان. أيضا، هناك أهمية لقدرة هذا النظام على الحفاظ على الموارد المالية بالعملات الصعبة التي تكفي لحماية سعر صرف العملة الوطنية.

من جانب آخر الأعمال الاقتصادية التي يمكن أن تصبح ذات أهمية في الدول العربية يجب أن تعتمد على ميزاتها النسبية وتوافقها مع معطيات الاقتصادات الوطنية. لا يجب الاستثمار في مشاريع أو أعمال تفتقر للحدود الدنيا من الجدوى الاقتصادية والتي قد تؤدي إلى إفلاس أصحابها وتسريح عمالتها. ويمكن أن تعتمد الحكومات على برامج لتطوير الأعمال وحضانة المشاريع الصغيرة والمتوسطة بما يعزز قدرات القائمين على هذه المشاريع. البرامج متاحة للتعلم من دروس وتجارب البلدان المتقدمة والناشئة والتي ترتقي بمستويات الإدارة وأعمال التمويل والتعامل مع أليات التوزيع والتصدير. لم يعد العمل الاقتصادي هواية أو تجربة بسيطة حيث أن المنافسة الآن تتخطى الحدود الجغرافية وتعتمد على علاقات عابرة للحدود. لاشك أن الجامعات المرموقة طورت برامج إدارة الأعمال بشكل جيد ويمكن الاستفادة من هذه التجارب إذا قررت الحكومات العربية أن تقيم اقتصادات حرة قادرة على الاستمرار والعطاء. أهمية ربط نجاح الأعمال بالتدريب المهني والتأهيل التعليمي، أيضا، من الأمور الرئيسية في العمل الاقتصادي المعاصر. وكما هو معلوم أن العمالة في مختلف البلدان العربية لازالت بعيدة عن التأهيل المناسب في الكثير من حقول الأعمال، في الزراعة والصناعات التحويلية والنفط والخدمات. إذاً لابد من التعامل مع هذه المسائل بكفاءة والاستفادة من البرامج المتاحة في المؤسسات والمعاهد التعليمية وتبني برامج تأهيل مهني متميزة لكي يمكن أن تصبح الأعمال مجالاً جيداً لصناعة الثروة.

المراجع

(1) The Wealth of Nations , Adam Smith, Originally Published March 9, 1776

(2) الكتاب الإحصائي السنوي – مصر – الجهاز المركزي للتعبئة العامة والاحصاء. 1952.

(3) السوق العربية المشتركة دورها في تفعيل التكامل الاقتصادي العربي عثمان مداحي ـ مجلة الحقيقة _ 30 ديسمبر 2009.

(4) تقرير أفاق الاقتصاد العربي، صندوق النقد العربي العدد 18، مايو 2023. أبو ظبي – دولة الأمارات العربية المتحدة.

(5) World Economic Outlook, International Monetary Fund, 2023.

(6) الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي، تحدي التنمية في العالم العربي: إلى أين نحن ذاهبون؟ عبد اللطيف يوسف الحمد، 10 نوفمبر 2009، المركز المصري للدراسات الاقتصادية ـ القاهرة جمهورية مصر العربية.

(7) World Bank Report , Morocco , 2023

(8) د. جلال أمين ـ فلسفة علم الاقتصاد: بحث في تميزات الاقتصاديين وفي الأسس غير العلمية لعلم الاقتصاد. دار الشروق – يناير 2022.

(9) القانون رقم 43 لسنة 1974: بإصدار ونظام استثمار رأس المال العربي والأجنبي والمناطق الحرة، الأهرام الاقتصادي ـ القاهرة – مصر _ 1974.

(10) Ahram Online: Egypt ramps Up Expected Oil, Gas Investment to 9 Billion Fy 2023/2024:Petroleum Minister. Set 24,2023.

(11) اتحاد المصارف العربية ـ الاستثمارات الأجنبية المباشرة في قطاع السياحة العربية 2021.

(12) UN World Tourism Organization : Annual Report 2023 – 30 Nov . 2023

(13) The General Theory of Employment, Interest and Money, Jhon Maynard Keynes, Palgrave Macmillan , 1936, U.K

(14) Milton Friedman , The Price Theory, Aldine Publishing, New York, N.Y. U.S.A. 1962

(15) فؤاد مرسي، الرأسمالية تجدد نفسها، عالم المعرفة، الكويت، مارس 1990.

ب- اقتصاد السوق الاشتراكية

3- الدكتور أناستاس أنجيلي - ألبانيا





4- الدكتورة نيفيلا راما - ألبانيا

التفاعل الأيديولوجي

بين المبادئ الاقتصادية للسوق الاشتراكية

و

الواقعية السياسية في العلاقات الدولية –الصين دراسة حالة

البروفيسور نيفيلا راما

الجامعة المتوسطية في ألبانيا

الدكتورة يونا مراشي

الجامعة المتوسطية في ألبانيا

ملخص:

تستكشف هذه الورقة البحثية التفاعل المعقد بين البراغماتية الاقتصادية والواقعية السياسية في نهج الصين تجاه العلاقات الدولية. مع التركيز على تطور السياسات الاقتصادية للصين وتأثيرها على الجغرافيا السياسية العالمية، تتعمق الورقة في كيفية تعامل قيادة البلاد مع التوازن بين المبادئ الاقتصادية للسوق الاشتراكية واعتبارات السياسة الواقعية. من خلال تحليل الإصلاحات الاقتصادية الرئيسية واستراتيجيات المشاركة العالمية ومبادرة الحزام والطريق، يهدف البحث إلى تقديم رؤى حول نموذج التنمية الفريد للصين وآثاره على مجال العلاقات الدولية الأوسع. وتؤكد النتائج على أهمية فهم كيفية قيام الدول بالتوفيق بين النظم والنهج المختلفة للتنمية. علاوة على ذلك، تؤكد الورقة على الأهمية القصوى للجهات الفاعلة العالمية التي تعمل بشكل تعاوني لتعزيز وإدامة عالم سلمي ومستدام، بغض النظر عن الاختلافات الأيديولوجية.

1. خلفية البحث

ينبع الأساس المنطقي وراء النموذج الاقتصادي للسوق الاشتراكي من الجهود المبذولة لإيجاد حلول هجينة تجمع بين مزايا كل من الاشتراكية واقتصاد السوق. هناك مجموعة واسعة من مزج التدخل الحكومي وتوجه السوق، مما يؤدي إلى تنفيذ مختلف للنموذج، مع الصين باعتبارها الأبرز (هانسن وآخرون، 2020) .

يشير مصطلح "اقتصاديات السوق الاشتراكية" إلى نظام اقتصادي يتضمن عناصر من كل من الاشتراكية ومبادئ السوق (هو، 2019) . تدعو الاشتراكية التقليدية إلى الملكية الجماعية أو ملكية الدولة لوسائل الإنتاج، بينما يؤكد اقتصاد السوق على دور قوى السوق في تخصيص الموارد. ظهر مفهوم اقتصاديات السوق الاشتراكية كمحاولة لمزج هذه الأساليب التي تبدو متناقضة. وفقًا للتعريفات الرسمية، فهي ليست الرأسمالية، ولكنها طريقة أكثر استدامة وعدلاً اجتماعيًا لجعل اقتصاد السوق يعمل من أجل التنمية الوطنية وتحسين مستويات المعيشة (هانسن وآخرون، 2020).

في اقتصاد السوق الاشتراكي، قد تحتفظ الحكومة أو القطاع العام بالسيطرة أو ملكية الصناعات والموارد الرئيسية، مثل المرافق والنقل والقطاعات الاستراتيجية. في الوقت نفسه، يسمح الاقتصاد بوجود سوق يتم فيه شراء السلع والخدمات وبيعها، ويتم تحديد الأسعار من خلال قوى العرض والطلب. وهذا يتناقض مع الاقتصاد الاشتراكي المخطط مركزياً، حيث تسيطر الحكومة عادة على عملية التخطيط الاقتصادي بأكملها.

قد تشمل السمات الرئيسية لاقتصاد السوق الاشتراكي ما يلي:

 الملكية العامة - قد تكون بعض الصناعات أو القطاعات، لا سيما تلك التي تعتبر أساسية أو استراتيجية، مملوكة ملكية عامة أو خاضعة لسيطرة الحكومة. يمكن أن يشمل ذلك قطاعات مثل الرعاية الصحية والتعليم والمرافق.

 آليات السوق - على الرغم من الملكية العامة في بعض المناطق، فإن جزءًا كبيرًا من الاقتصاد يعمل من خلال آليات السوق. تتأثر أسعار السلع والخدمات بقوى السوق، وقد توجد منافسة بين الشركات المملوكة للقطاع الخاص.

 الرعاية الاجتماعية - غالبًا ما تركز اقتصادات السوق الاشتراكية بشدة على الرعاية الاجتماعية والحد من عدم المساواة في الدخل. قد تشمل السياسات الحكومية الضرائب التصاعدية وشبكات الأمان الاجتماعي وبرامج لمعالجة الفقر.

 التنظيم - تلعب الحكومة عادة دورًا تنظيميًا في اقتصاد السوق الاشتراكي لضمان المنافسة العادلة وحماية المستهلكين ومنع تركيز الثروة والسلطة.

 التخطيط المركزي في المجالات الرئيسية - بينما يُسمح لقوى السوق بالعمل، قد تشارك الحكومة في التخطيط المركزي في مجالات رئيسية معينة لتحقيق أهداف اجتماعية أو اقتصادية محددة.

يمكن إرجاع الجذور التاريخية للخليط بين ميزات الاقتصاد الاشتراكي واقتصاد السوق إلى الستينيات في "المعسكر الاشتراكي" للاتحاد السوفيتي ودول أوروبا الوسطى. كانت المجر واحدة من الدول التي أثارت مبادراتها، حيث تحركت نحو سياسة التنازلات والتنازلات (Szelenyi et al.، 2001) . دفعت الأزمة الاقتصادية العميقة في بداية الستينيات حكومة ذلك الوقت إلى تقديم "صفقة" للطبقة العاملة، والتي أصبحت تعرف باسم السياسات الاقتصادية الجديدة. بدأت هذه الصفقة في الريف، بسياسة مرنة للغاية تجاه الإنتاج الأسري، على الرغم من أن الزراعة كانت جماعية في أوائل الستينيات في المجر. علاوة على ذلك، بحلول أوائل السبعينيات، وسع المجريون نموذج قطع الأراضي العائلية الزراعية/المزارع الصغيرة (أو النظام المسؤول الفردي) في الصناعة من خلال السماح لترتيبات التعاقد من الباطن المعقدة بالنمو داخل الشركات المملوكة للدولة (Adler - Lomnitz and Sheinbaum، 2011). شكلت هذه الامتيازات الأرض الخصبة داخل النظام المتجانس (الاشتراكي) حيث بدأت مبادرة (السوق الحرة) الخاصة في النمو. لذلك، مكنت الإصلاحات التي روجت لها الحكومة العمال من تعلم كيفية التصرف في الاقتصاد الرأسمالي. تم تعزيز هذا التعايش بين خصائص الأنظمة المختلفة من خلال توظيف المهنيين المتعلمين في مناصب السلطة وإعادة تفسير الاشتراكية على أنها "مشروع علمي". طبقت المجر هذا النهج بشكل أكثر اتساقًا من الدول الاشتراكية الأخرى.

ثم كانت مرحلة الخصخصة التلقائية، منذ عام 1988، التي أعقبها إذن وتحقيق المشاريع المشتركة مع المستثمرين الأجانب. يسلط البحث الضوء على أن استراتيجيات المديرين الهنغاريين لم تختلف عن تلك التي تحدث في بلد رأسمالي: "هذه هي نفس الطريقة كما هو الحال في البلدان الرأسمالية حيث يغير الأشخاص ذوو السلطة القواعد، مما يجعل جميع التغييرات قانونية". (أدلر لومنيتز وشينباوم، 2011).

كانت البلدان الأخرى في المعسكر الاشتراكي أكثر اعتدالاً من حيث المزج بين النظم الاشتراكية والسوق / الرأسمالية حتى عام 1989 وما بعده. لقد انتقلوا من الاقتصاد الاشتراكي إلى اقتصاد السوق الحرة، بينما تطور هذا الاقتصاد المتأخر وتحسن من حيث الاستفادة من تجربة السوق من البلدان الأخرى، سواء في أوروبا أو القارات الأخرى. لقد خضعوا لـ "العلاج بالصدمة" لإصلاحات السوق، مما أدى إلى تغييرات اقتصادية جذرية.

في غضون ذلك، تقوم العديد من البلدان التي وصلت إلى الأيام الأخيرة بتجربة عقود من الأيديولوجية الشيوعية واقتصاد "النوع الاشتراكي" الراسخ، بتنفيذ مجموعات مختلفة في العلاقة بين الاقتصاد الاشتراكي الخالص والاقتصاد الرأسمالي الخالص (هانسن وآخرون، 2020). نموذجية لهذه الفئة هي كوبا وفيتنام ولاوس. كان إدخال عناصر السوق في هذه البلدان تدريجيًا، وذلك في الغالب باستخدام نهج التجربة والخطأ. مهما كانت تجربتهم، تظل الصين، بسبب العديد من الأسباب الاقتصادية والجغرافية والسياسية وغيرها، "نموذجًا" للبلد الاشتراكي الذي يطبق "الاشتراكية ذات الخصائص الصينية"، كما يشار إليه عمومًا (هو، 2019). إن مساهمتها الشاملة في الاقتصاد العالمي والسياسة والدبلوماسية، وبالتالي الدور الذي يمكن أن تلعبه هذه الدولة في الحفاظ على السلام، تستحق استكشافًا أعمق، وهو ما تحاوله هذه الورقة بشكل متواضع.

2. البراغماتية الاقتصادية مقابل الواقعية السياسية

إن التفاعل الأيديولوجي بين المبادئ الاقتصادية للسوق الاشتراكية والواقعية السياسية في سياق العلاقات الدولية، لا سيما في حالة الصين، معقد ومتعدد الأوجه. يعكس نهج الصين الفريد في التنمية الاقتصادية وانخراطها مع المجتمع الدولي مزيجًا من المبادئ الاشتراكية والإصلاحات الموجهة نحو السوق والواقعية السياسية البراغماتية.

2.1. إصلاح سوق العمل.

غالبًا ما يتم الاستشهاد بالصين كمثال على بلد تبنى عناصر اقتصاد السوق الاشتراكي، لا سيما منذ الإصلاحات الاقتصادية التي بدأت في أواخر القرن العشرين. كانت مدفوعة باعتراف عملي بأوجه القصور في الاقتصاد المخطط مركزيًا. وفقًا للعرض النظري لأنصار النظام الصيني، فإن جوهر اقتصاد السوق الاشتراكي (SMET) هو أن الاشتراكية كنظام اجتماعي واقتصاد السوق كآلية لتخصيص الموارد يمكن دمجها عضويًا لممارسة مزايا كليهما في نفس الوقت وتوليد حواف مؤسسية ومنهجية جديدة (هو، 2019).

بعد البحث الذي أجراه بيكيفولد (2020)، تجدر الإشارة إلى أنه على الرغم من أنه لا يمكن الفصل بين المجالين الاقتصادي والسياسي بأي طريقة ذات مغزى، إلا أن الهياكل والعمليات الاقتصادية هي في الغالب نتيجة للتفاعلات السياسية. في رحلتها نحو اقتصاد السوق، تحكم الصين نظام الحزب الواحد مع مجموعات أدوات قوية تنظم الاقتصاد، بما في ذلك ما يتعلق بإدارة التجارة ورأس المال الأجنبي.

تم تقديم نموذج "اقتصاد السوق الاشتراكي" من قبل دنغ شياو بينغ في مؤتمر الحزب الثاني عشر في عام 1982، ضمن الإطار الأوسع لـ "بناء الاشتراكية ذات الخصائص الصينية" وكان الغرض طوال الوقت هو اعتماد عناصر اقتصاد السوق لتعزيز النمو الاقتصادي (ميلر، 2018). لقد مر هذا التوجه السياسي بالعديد من الإجراءات الاقتصادية والقيود الإدارية، مما أظهر أساسيات اقتصاد السوق الاشتراكي. تشمل بعض التدخلات الرئيسية ما يلي:

 إن نظام الخطط، الحاسم، لا يزال في الوقت الحاضر يسمح أو حتى يفرض العديد من الأدوات التدخلية الملزمة – وهو أمر يتعارض مع طبيعة اقتصاد السوق. هناك المئات من الخطط القطاعية والأفقية بالإضافة إلى تلك الموجودة على مستوى المقاطعات والمستوى المحلي (بيلكمانس، 2018).

 تلعب الملكية العامة "دورًا مهيمنًا" و "هي أساس اقتصاد السوق الاشتراكي" - المفروض بوضوح في الدستور. حتى في استراتيجية الإصلاح المثيرة للاهتمام في نوفمبر 2013 (الجلسة المكتملة الثالثة) مع 60 مقترحًا للإصلاح أعلنها شعار "دع السوق يلعب دورًا حاسمًا"، لا يزال دور الملكية العامة مؤكدًا.

 هيمنة الشركات المحلية المملوكة للدولة على الأسواق. علاوة على ذلك، هناك رقابة صارمة يمارسها الحزب الشيوعي الصيني على التعيينات العليا في الشركات المملوكة للدولة الأكبر. تميل النخبة الصينية بالفعل إلى امتلاك اتصالات شبكة متطورة مما يؤدي إلى طمس الفروق بين الشركات الخاصة والشركات المملوكة للدولة.

 تشير "الإصلاحات" في الصين عادة إلى إعادة توازن الاقتصاد (على سبيل المثال نحو الخدمات، بعيدًا عن الصناعة الثقيلة ومن التجميع إلى المزيد من القيمة المضافة في سلاسل القيمة مما يعني التحول نحو القطاعات المتقدمة)، بدلاً من إعادة التوازن بين دور الدولة ودور الأسواق.

 القيود من حيث التجارة والاستثمار. كانت الصين مقيدة للغاية في الاستثمار الأجنبي المباشر الوارد، حتى أكثر من أي دولة أخرى في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (بيلكمانز، 2018). انفتحت الصين على التجارة الخارجية في أوائل عام 1980 بطريقة تدريجية تتحكم في تدفقات السلع والأموال من خلال احتكار التجارة الخارجية الخاضع للسيطرة المركزية ونظام الصرف الأجنبي الصارم. لم يتغير الوضع كثيرًا، على الرغم من إعلانات رئيس الحكومة الفعلي (شي جين بينغ)، الذي كان في السلطة لأكثر من عقد من الزمان.

يتم عرض هذه الخصائص وبعض الخصائص الأكثر تفصيلاً المذكورة أدناه تخطيطيًا في الشكل 1.

- على الرغم من خصوصيات النظام الاقتصادي الصيني، أصبح من الواضح للعديد من البلدان أن الصين تنمو لتصبح اقتصادًا ومصدرًا رئيسيًا، مما يؤثر على عملية التعاون/التفاوض التجاري. كما أحدثت تغييرات جوهرية في المؤسسات التجارية العالمية في التسعينيات مع متطلبات جديدة بشأن التجارة في الخدمات والاستثمارات التي كانت أكثر صعوبة على الصين استيعابها (هانسن وآخرون، 2020).

- كما هو الحال مع نظامها التجاري، عندما فتحت الصين أبوابها للاستثمار الأجنبي المباشر، لم تفعل ذلك إلا خطوة بخطوة من خلال دعوة الشركات الأجنبية إلى إنشاء الإنتاج في عدد متزايد تدريجيًا من المناطق الاقتصادية الخاصة المعينة، والقيود المفروضة على الملكية الأجنبية (هانسن وآخرون، 2020). يخضع الاستثمار الأجنبي المباشر لنظام الموافقة، وهو أمر يتعارض بلا شك مع اقتصاد السوق. يرتبط نظام الموافقة بضوابط الصرف الأجنبي والأهداف الصريحة للاستثمار الأجنبي المباشر في الحصول على التكنولوجيا الأجنبية وحقوق الملكية الفكرية مثل براءات الاختراع والعلامات التجارية (العلامات التجارية). منذ عام 1992 فصاعدًا، عندما أكد دينغ شياو بينغ التزام الصين بإصلاحات السوق، ازدهرت الاستثمارات الأجنبية المباشرة في الصين ولم تتلق سوى الولايات المتحدة استثمارات أجنبية مباشرة أكثر من الصين (البنك الدولي، 2022). تتمثل إحدى الشكاوى طويلة الأمد حول النظام الصيني للاستثمار الأجنبي المباشر الوارد (إذا كان مسموحًا به على الإطلاق) في الجمع بين المشاريع المشتركة الإلزامية مع الشركات الصينية والتكنولوجيا غير الطوعية و/أو نقل حقوق الملكية الفكرية.

- يُظهر التحليل الذي أجراه الباحثون أن السلطات الصينية تفضل الاستثمار الأجنبي المباشر على القروض والمساعدات (المؤشر المعروف باسم صافي المساعدة الإنمائية الرسمية) واستثمارات المحافظ لأنه من خلال الاستثمارات المباشرة، يمكن للصين الوصول إلى التكنولوجيا والخبرة التجارية وكذلك رأس المال وفي الوقت نفسه تحكم التدفق. مع استراتيجية تدفق الاستثمار الأجنبي المباشر وانتشار سلاسل القيمة العالمية (GVCs)، فإن نسبة القيمة المضافة الأجنبية إلى إجمالي صادرات البلد هي مؤشر مهم يخبرنا عن النفوذ الأجنبي والارتقاء الصناعي في الاقتصاد (شينغ، 2014).

الشكل 1 اقتصاد السوق الاشتراكي ذو الخصائص الصينية

المصدر: بيلكمانز، 2018.

ومع ذلك، على عكس تقييمات الباحثين والنقاد الأجانب، أسفرت نتائج الإصلاحات الاقتصادية في الصين والتنفيذ المنهجي للخطط الخمسية عن طفرات كبيرة في النمو الاقتصادي. شهدت المؤشرات الرئيسية، بما في ذلك نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، ومعدلات الفقر المدقع، ومؤشر التنمية البشرية، ومستويات الإلمام بالقراءة والكتابة، تحسينات ملحوظة منذ بدء هذه الإصلاحات في عام 1990 (مؤشرات البنك الدولي، 2022). يتأكد سرد نجاح الصين بشكل أكبر من خلال الإنجاز الرائع المتمثل في انتشال ما يقدر بنحو 800 مليون شخص من الفقر المدقع منذ بدء الإصلاحات الموجهة نحو السوق (البنك الدولي، 2022 ؛ هانسن وآخرون، 2020). تعكس هذه الرحلة التحويلية فعالية الاستراتيجيات الاقتصادية للصين وتأثيرها الملموس على تحسين مستويات المعيشة والحد من الفقر على نطاق غير مسبوق.

2.2. الواقعية السياسية

يوفر هذا الجزء عدسة نظرية يمكن من خلالها فهم الإصلاحات الاقتصادية في الصين في سياق الواقعية السياسية. من خلال توضيح التوازن المعقد بين المصالح الوطنية والبراغماتية الاقتصادية والاستقرار السياسي، يساهم الفصل في فهم دقيق لنهج الصين المميز على المسرح العالمي. يسلط استكشاف التحديات في التكامل العميق الضوء على الطبيعة المتطورة لمشاركة الصين مع المؤسسات الدولية، مما يقدم رؤى قيمة حول التفاعل بين الواقعية السياسية والإصلاحات الاقتصادية.

أثناء متابعة الإصلاحات الاقتصادية، أظهر قادة الصين نهجًا عمليًا وواقعيًا في العلاقات الدولية. وهذا ينطوي على إعطاء الأولوية للمصالح الوطنية، والبحث عن الفرص الاقتصادية، والحفاظ على الاستقرار السياسي. حافظت الصين على سيطرة الدولة على الصناعات والقطاعات الاستراتيجية الرئيسية، مثل الاتصالات والطاقة والتمويل بهدف حماية الأمن والمصالح الوطنية.

يتشابك صعود الصين كقوة اقتصادية عالمية بشكل معقد مع نهجها العملي والواقعي في العلاقات الدولية. يتعمق هذا الفصل في الإطار النظري للواقعية السياسية كما هو مطبق على الإصلاحات الاقتصادية في الصين. بالتركيز على التفاعل بين المصالح الوطنية والفرص الاقتصادية والاستقرار السياسي، يتنقل هذا الاستكشاف النظري عبر نموذج الصين المميز للرأسمالية التي تقودها الدولة والحكم الاستبدادي. استنادًا إلى أعمال هو (2019) وغيره من العلماء، يوضح هذا الفصل كيف حافظ قادة الصين بشكل استراتيجي على سيطرة الدولة على الصناعات الرئيسية، مع التأكيد على تشابك المبادئ الاشتراكية والاستراتيجيات الواقعية لحماية الأمن والمصالح الوطنية.

يشكل نموذج الحكم المميز في الصين، في ظل حكم الحزب الواحد للحزب الشيوعي الصيني، تجسيداً نموذجياً للواقعية السياسية. على الرغم من تبني مبادئ السوق، فإن حكم الحزب الواحد يسهل صنع القرار والاستقرار المركزيين، وهي سمات مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالواقعية السياسية. يقدم المشهد السياسي في الصين، الذي شكلته الهيمنة الصارمة للحزب الشيوعي الصيني وحكم الحزب الواحد، عدسة نظرية آسرة لفهم التفاعل بين الحكم الاستبدادي والواقعية السياسية. تفترض الواقعية السياسية، كإطار نظري، أن الدول تعمل في المقام الأول من أجل مصلحتها الذاتية وأنها مدفوعة بالسعي إلى السلطة والأمن. في سياق المشهد السياسي في الصين، يظهر حكم الحزب الواحد للحزب الشيوعي الصيني كمظهر من مظاهر تأكيد الواقعية السياسية على السلطة المركزية من أجل الاستقرار والكفاءة. يؤكد علماء مثل مورغنثاو (1978) على أهمية القوة والاستقرار في العلاقات الدولية، بما يتماشى مع السمات التي يجسدها حكم الحزب الواحد في الصين.

في الوقت الحاضر، تشارك الصين بنشاط في الاقتصاد العالمي كلاعب رئيسي في التجارة والاستثمار الدوليين. يكشف تجاور الحكم الاستبدادي مع الانفتاح الاقتصادي عن نهج دقيق يتماشى مع المبادئ الواقعية لتعظيم المصالح الوطنية من خلال النمو الاقتصادي ونقل التكنولوجيا والتأثير الجيوسياسي. يسهل حكم الحزب الواحد في الصين هيكلًا مركزيًا لصنع القرار، وهو عنصر حاسم يدعم النهج الواقعي للحكم. تساهم هذه السلطة المركزية، كما استكشفها روز (1998) ، بشكل كبير في الاستقرار الوطني. في الإطار النظري للواقعية السياسية، يعد الاستقرار أمرًا بالغ الأهمية للحكم الفعال، ويوفر حكم الحزب الواحد الهيكل اللازم لضمان اتخاذ إجراءات سريعة وحاسمة.

يقدم المشهد السياسي في الصين، الذي شكلته الهيمنة الصارمة للحزب الشيوعي الصيني وحكم الحزب الواحد، عدسة نظرية آسرة لفهم التفاعل بين الحكم الاستبدادي والواقعية السياسية. إنه يوفر نموذجًا فريدًا للحوكمة يساهم في الاستقرار الوطني ويوجه موقف الصين العملي في الحوكمة والعلاقات الدولية.

يمتد الاستكشاف النظري إلى النهج العملي للصين في العلاقات الدولية، والذي شكله نموذج الحوكمة الفريد الخاص بها. كما أوضح كار (2001) ، تؤكد الواقعية السياسية على الحاجة إلى سياسات عملية وواقعية لضمان البقاء الوطني. يسمح حكم الحزب الواحد في الصين بمشاركة عملية وفعالة مع الساحة العالمية. تتجلى هذه الحوكمة البراغماتية في السياسة الخارجية الحازمة للصين ومبادراتها الاستراتيجية، مما يعكس نهجًا واقعيًا لتأمين المصالح الوطنية على الساحة الدولية.

من الأمور الأساسية في النهج الواقعي للصين هي سيطرتها الاستراتيجية على الصناعات الرئيسية، مثل الاتصالات والطاقة والتمويل. ويشكل دمج المبادئ الاشتراكية التي تؤكد على ملكية الدولة والاستراتيجيات الواقعية حجر الأساس لهذا النهج. من خلال الحفاظ على السيطرة على القطاعات الحيوية، تضمن الصين حماية الأمن والمصالح الوطنية، وهو موضوع تم استكشافه من خلال عدسة بحث هو جين تاو (2019).

من ناحية أخرى، تشارك الصين بنشاط في المؤسسات الاقتصادية الدولية مثل منظمة التجارة العالمية وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي. تتماشى هذه المشاركة مع المبادئ الواقعية لتعظيم التأثير على المسرح العالمي لحماية مصالحها الاقتصادية والنهوض بها. في حين أحرزت الصين تقدمًا كبيرًا في معالجة المعايير الدولية، لا تزال هناك تحديات مستمرة في تحقيق ما يسمى "التكامل العميق". يكشف فحص امتثال الصين للقواعد التي حددها البنك الدولي وصندوق النقد الدولي عن حالات إحباط بسبب الافتقار إلى التنفيذ والشفافية المتعلقة بالتركيز على حماية الملكية الفكرية وأنظمة الدعم وضرورة فتح سوق مشترياتها للشركات الأجنبية وما إلى ذلك، مما يؤكد الديناميكيات المعقدة التي ينطوي عليها التنقل بين المؤسسات العالمية في الإطار الواقعي.

من المسلم به أن الصين حققت منذ أوائل التسعينيات تقدمًا ملحوظًا في عدد من قضايا "ما وراء الحدود"، لكن التمييز بين التكامل الضحل والعميق لا يزال ساريًا (هانسن وآخرون، 2020). على الرغم من أن الصين امتثلت إلى حد كبير للقواعد التي تعمل مع البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، إلا أن هناك أدلة على أن كلتا المؤسستين قد أصيبتا بالإحباط بسبب الافتقار إلى التنفيذ والشفافية في الصين، لا سيما فيما يتعلق بقضايا السياسة المالية (كينت، 2007) . ما لا يزال مصدر قلق حديث تجاه الصين في سياق منظمة التجارة العالمية يتعلق بافتقارها إلى التقدم في حماية الملكية الفكرية، واستخدامها لأنظمة الدعم، ويتم حث الصين على فتح سوق مشترياتها للشركات الأجنبية، بدلاً من مجرد إعطاء الأفضلية للشركات المحلية (منظمة التجارة العالمية، 2018).

3. مبادرة الحزام والطريق - الكشف عن استراتيجية جيوسياسية

مبادرة الحزام والطريق الصينية، وهي مشروع ضخم للبنية التحتية والتنمية الاقتصادية، مدفوعة بدوافع اقتصادية ولكن لها أيضًا آثار جيوسياسية. وهو يعكس استراتيجية واقعية لتوسيع النفوذ وتأمين الموارد وتعزيز الاتصال لتعزيز مكانة الصين في الشؤون الدولية. على الجانب الآخر، تتأثر العلاقات الدولية، وخاصة العلاقات التجارية ولكن ليس فقط، وتستحق استكشافًا أعمق.

برزت مبادرة الحزام والطريق الصينية كقوة تحويلية على الساحة العالمية، متجاوزة مجرد الاعتبارات الاقتصادية لممارسة نفوذ جيوسياسي كبير. تشكل مبادرة الحزام والطريق ، التي تم إطلاقها في عام 2013، مشروعًا هائلاً يهدف إلى الربط بين آسيا وأفريقيا وأوروبا من خلال شبكة واسعة من مشاريع البنية التحتية. تكمن عظمة هذه المبادرة ليس فقط في مظاهرها الملموسة، مثل الطرق والسكك الحديدية والموانئ وخطوط الأنابيب، ولكن أيضًا في قدرتها على إعادة تشكيل المشهد الجيوسياسي. بالإضافة إلى الدوافع الاقتصادية الواضحة لتعزيز التجارة وتحفيز التنمية الاقتصادية وتأمين الوصول إلى الموارد، تتكشف مبادرة الحزام والطريق كاستراتيجية جيوسياسية ذات آثار عميقة يتردد صداها عبر العلاقات الدولية (هانسن وآخرون، 2020). من وجهة النظر هذه، من المفيد الخوض في الأبعاد متعددة الأوجه لمبادرة الحزام والطريق، وكشف التفاعل المعقد بين التطلعات الاقتصادية والعواقب الجيوسياسية.

تمثل مبادرة الحزام والطريق أكثر من مجرد خطة لتطوير البنية التحتية ؛ إنها شهادة على رؤية الصين الاستراتيجية لإعادة تشكيل الديناميكيات الجيوسياسية للقارات المترابطة. وبينما نتنقل عبر ممرات هذه المبادرة، تصبح الدوافع الاقتصادية التي تحرك مشاريع البنية التحتية الضخمة واضحة – وهو جهد جاد لتحفيز التجارة العالمية، وتعزيز النمو الاقتصادي، وتأمين الوصول إلى الموارد الحيوية. ومع ذلك، فإن نطاق مبادرة الحزام والطريق يمتد إلى ما هو أبعد من المجالات الاقتصادية، مما يلقي بظلاله الجيوسياسية التي تشمل الاعتبارات الاستراتيجية والتأثير. يسعى هذا الاستكشاف التمهيدي إلى كشف طبقات النوايا الجيوسياسية للصين المضمنة في مبادرة الحزام والطريق، وتسليط الضوء على الرقص المعقد بين البراغماتية الاقتصادية والطموحات الجيوسياسية التي تحدد هذه المبادرة الضخمة. في حين أن الدوافع الاقتصادية وراء مبادرة الحزام والطريق واضحة – تعزيز التجارة والتنمية الاقتصادية وتأمين الوصول إلى الموارد – فإن الآثار الجيوسياسية كبيرة بنفس القدر.

3.1. التوسع الاقتصادي والوصول إلى الموارد

 في جوهرها، يمثل التوسع الاقتصادي والوصول إلى الموارد من خلال مبادرة الحزام والطريق استراتيجية متعددة الأوجه تتجاوز المكاسب الاقتصادية الفورية، وتشمل النمو طويل الأجل وتنويع الأسواق وأمن الموارد الاستراتيجية. تسمح مبادرة الحزام والطريق للصين بتوسيع نفوذها الاقتصادي من خلال إنشاء شبكة واسعة من البنية التحتية التي تسهل التجارة والاستثمار. من خلال تأمين الوصول إلى الموارد والأسواق الرئيسية، تهدف الصين إلى ضمان نموها الاقتصادي وأمن الطاقة على المدى الطويل من خلال:

 التوسع الاقتصادي من خلال تطوير البنية التحتية: تعد مبادرة الحزام والطريق حجر الزاوية لاستراتيجية التوسع الاقتصادي في الصين، حيث تستفيد من بناء شبكة واسعة من مشاريع البنية التحتية. تهدف هذه المشاريع، بما في ذلك الطرق والسكك الحديدية والموانئ وخطوط الأنابيب، إلى تعزيز الاتصال عبر آسيا وأفريقيا وأوروبا. من خلال تعزيز النقل المحسن والقدرات اللوجستية، تسعى الصين إلى تبسيط طرق التجارة، وخفض تكاليف المعاملات، وتحفيز الأنشطة الاقتصادية. لا يؤدي تطوير البنية التحتية الطموح هذا إلى تسريع نمو الدول المشاركة فحسب، بل يفتح أيضًا أسواقًا جديدة للسلع والخدمات الصينية، مما يؤدي في النهاية إلى توسيع النفوذ الاقتصادي للصين على نطاق عالمي.

 تيسير التجارة والاستثمار: إن تركيز مبادرة الحزام والطريق على البنية التحتية أمر أساسي في إنشاء ممرات تجارية فعالة تسهل حركة السلع والخدمات. لا يقلل هذا الاتصال المعزز من أوقات النقل وتكاليفه فحسب، بل يعزز أيضًا زيادة أحجام التجارة بين البلدان المشاركة. من خلال توفير منصة سلسة للتفاعلات الاقتصادية، تساهم مبادرة الحزام والطريق في تعميق العلاقات الاقتصادية وخلق فرص عمل جديدة. علاوة على ذلك، تشجع المبادرة الاستثمار الأجنبي المباشر حيث تستثمر الصين في قطاعات مختلفة، تتراوح من التصنيع إلى التكنولوجيا، مما يزيد من نفوذها الاقتصادي خارج حدودها.

 الوصول الاستراتيجي إلى الموارد الرئيسية: أحد الأهداف المركزية لمبادرة الحزام والطريق هو تأمين الوصول إلى الموارد الحيوية. من خلال الاستثمارات الاستراتيجية في البلدان الغنية بالموارد الطبيعية، تهدف الصين إلى ضمان سلسلة توريد مستقرة ومتنوعة لاقتصادها سريع النمو. يمتد هذا النهج الذي يركز على الموارد إلى المواد الخام مثل المعادن وموارد الطاقة والمنتجات الزراعية. من خلال تطوير البنية التحتية التي تسهل استخراج هذه الموارد ونقلها وتجارتها، لا تلبي الصين احتياجاتها الاقتصادية الفورية فحسب، بل تضع أيضًا أساسًا طويل الأجل للنمو المستدام.

 توسيع السوق وتنويعها: توفر مبادرة الحزام والطريق منصة للصين لتنويع أسواقها، وتقليل الاعتماد على أي منطقة واحدة. من خلال تعزيز العلاقات الاقتصادية مع العديد من الدول على طول طرق مبادرة الحزام والطريق، تتحوط الصين ضد عدم اليقين الاقتصادي والتقلبات في أسواق محددة. هذا التنويع لا يعزل الصين عن الصدمات الاقتصادية المحتملة فحسب، بل يضعها أيضًا كلاعب رئيسي في الأسواق الناشئة والحدودية، مما يعزز مكانتها كقوة اقتصادية عالمية.

 ضمان النمو الاقتصادي طويل الأجل: من خلال مبادرة الحزام والطريق، تضع الصين الأساس لنمو اقتصادي مستدام وقوي. تخلق مشاريع البنية التحتية المترابطة إطارًا للأنشطة الاقتصادية المستمرة، وتعزيز الابتكار وريادة الأعمال والتنمية الصناعية. يتماشى هذا المنظور طويل الأجل مع رؤية الصين للانتقال من اقتصاد مدفوع بالتصدير إلى نموذج اقتصادي أكثر توجهًا نحو الاستهلاك والابتكار، مما يضمن مكانتها كشركة رائدة في المشهد الاقتصادي العالمي.

 أمن الطاقة من خلال الاستثمارات الاستراتيجية: نظرًا لتصاعد الطلب على الطاقة، تستثمر الصين بشكل استراتيجي في دول الحزام والطريق التي تمتلك احتياطيات كبيرة من الطاقة. من خلال تأمين الوصول إلى مصادر الطاقة المتنوعة والوفرة، بما في ذلك النفط والغاز الطبيعي، تخفف الصين من المخاطر المرتبطة بالاعتماد على موردين محددين. وهذا لا يعزز أمن الطاقة في الصين فحسب، بل يعزز أيضًا مرونتها في مواجهة الشكوك الجيوسياسية والاضطرابات في أسواق الطاقة العالمية.

الأثر الجيوسياسي

تبرز مبادرة الحزام والطريق كمحور أساسي في قواعد اللعبة الاستراتيجية للصين، مما يسهل توسيع نفوذها الجيوسياسي على نطاق عالمي، مع التركيز الواضح على المناطق التي تتميز باستثمارات كبيرة. يتماشى هذا التأثير التوسعي مع الاستراتيجية الواقعية، كما أكد سوين (2019) ، مما يضع مبادرة الحزام والطريق كمسعى متعمد من قبل الصين لتعزيز مكانتها الدولية. توفر مبادرة الحزام والطريق، من خلال مشاريع البنية التحتية الشاملة والمشاركة الاقتصادية، للصين وسيلة لممارسة نفوذ سياسي كبير، والتأثير على مسارات السياسة للدول الشريكة. كما أوضح جيل ورايلي (2018)، فإن النفوذ الاقتصادي بمثابة الصلة التي تمارس الصين من خلالها نفوذها الجيوسياسي. إن الحجم المالي الهائل لمبادرة الحزام والطريق يمكّن الصين من تشكيل القرارات السياسية للبلدان الشريكة، مما يؤدي إلى تشابك القوة الاقتصادية مع النفوذ الجيوسياسي. علاوة على ذلك، تسلط رؤى ماودسلي (2019) الضوء على توسيع نفوذ الصين إلى ما وراء العلاقات الثنائية إلى الساحة الدولية، حيث يتم استخدام البراعة الاقتصادية كأداة لحشد الدعم وتحديد القرارات في المحافل الدولية. من خلال مبادرة الحزام والطريق، لا تعزز الصين مزاياها الاقتصادية فحسب، بل تضع نفسها أيضًا في موقع استراتيجي كلاعب رئيسي في تشكيل الديناميكيات السياسية العالمية.

3.3. الاتصال كأداة طاقة ناعمة

أصبح الاتصال، باعتباره عقيدة مركزية لاستراتيجية الصين العالمية، أداة محورية في سعيها للحصول على القوة الناعمة. تستفيد الصين بشكل استراتيجي من الاتصال المعزز لتنمية النوايا الحسنة والتصورات الإيجابية بين الدول المشاركة. ينصب التركيز على فهم الآليات التي تساهم من خلالها مشاريع الاتصال في زيادة القوة الناعمة للصين على الساحة العالمية.

 الاتصال كأداة قوة ناعمة: يعمل تركيز الصين على تعزيز الاتصال كمحرك رئيسي في تعزيز نفوذ قوتها الناعمة. وفقًا لناي ، تشمل القوة الناعمة القدرة على تشكيل التفضيلات من خلال الجذب والإقناع بدلاً من الإكراه. من خلال الاستثمار بكثافة في مشاريع الاتصال، تسعى الصين إلى خلق تصورات إيجابية وتعزيز النوايا الحسنة بين الدول المعنية. نظرًا لأن هذه المشاريع تساهم في تطوير روابط النقل والاتصالات والتجارة الفعالة، فإنها لا تعزز التعاون الاقتصادي فحسب، بل تعمل أيضًا كرمز واضح لالتزام الصين بأهداف التنمية المشتركة. من خلال هذه المساعي، تضع الصين نفسها كميسر للتقدم، مستفيدة من الاتصال كوسيلة لجذب الدول وإقناعها بالتوافق مع قيمها وأهدافها.

 البنية التحتية الحيوية والتأثير الإقليمي: يتمثل أحد الأبعاد الحاسمة لاستراتيجية الاتصال في الصين في بناء مشاريع البنية التحتية الحيوية والتحكم فيها. تسمح هذه المساعي للصين بتشكيل أنماط الاتصال الإقليمية وممارسة التأثير على تدفق السلع والمعلومات. وفقًا لجونستون ، يمكن لمشاريع البنية التحتية، عندما يتم بناؤها والتحكم فيها بشكل استراتيجي، أن تكون بمثابة أدوات لإسقاط الطاقة. إن مشاركة الصين النشطة في تطوير الموانئ والسكك الحديدية وشبكات الاتصالات تجعلها لاعباً رئيسياً في الاتصال الإقليمي. إن السيطرة الاستراتيجية على هذه البنى التحتية لا تعزز المصالح الاقتصادية للصين فحسب، بل تزيد أيضًا من نفوذها على الدول المشاركة. هذا الدور المزدوج، حيث تعزز مشاريع الاتصال في وقت واحد التعاون الاقتصادي وتعزز نفوذ الصين، يعرض الطبيعة المترابطة للقوة الناعمة والاتصال الإقليمي.

من خلال تعزيز الاتصال، تسعى الصين إلى تعزيز قوتها الناعمة من خلال تعزيز النوايا الحسنة والتصورات الإيجابية بين الدول المشاركة من جهة، فضلاً عن بناء مشاريع البنية التحتية الحيوية والسيطرة عليها، مما يسمح للصين بتشكيل الاتصال الإقليمي والتأثير على تدفق السلع والمعلومات.

3.4. الاعتبارات العسكرية الاستراتيجية

تتكشف مبادرة الحزام والطريق كاستراتيجية متعددة الأوجه للصين، تمتد إلى ما وراء المجالات الاقتصادية والجيوسياسية لتشمل الاعتبارات العسكرية الاستراتيجية. في جوانب محددة من مشاريع مبادرة الحزام والطريق التي تحمل أهمية عسكرية استراتيجية، تضع اليقين حول كيفية مساهمة مبادرة الحزام والطريق في توسيع النفوذ البحري للصين وتعزيز قدراتها العسكرية، مما يعكس في النهاية التفاعل الدقيق بين الأهداف الاقتصادية والعسكرية.

 الأهمية العسكرية الاستراتيجية لمشاريع مبادرة الحزام والطريق: يتم التأكيد على بعض مشاريع مبادرة الحزام والطريق، لا سيما تلك التي تنطوي على بناء الموانئ والمرافق البحرية، من خلال أهميتها العسكرية الاستراتيجية. يتماشى إنشاء مثل هذه البنى التحتية بسلاسة مع الاستراتيجية العسكرية الأوسع للصين، كما أكد فرافل الذي يوضح أن التحديث والتوسع العسكري للصين يتجاوز الاهتمامات الإقليمية، ويشمل تطوير القدرات لإسقاط القوة وحماية المصالح البحرية. وبالتالي، تظهر مشاريع بري التي تتميز بالموانئ والمرافق البحرية كتعبير ملموس عن نية الصين لتعزيز موطئ قدمها البحري، ووضع نفسها بشكل استراتيجي في المناطق الرئيسية.

 تعزيز القدرات البحرية وإسقاط الطاقة: يكمن أحد الأبعاد الأساسية لتأثير مبادرة الحزام والطريق على الاستراتيجية العسكرية للصين في مساهمتها في القدرات البحرية. تساهم المبادرة، من خلال الاستثمارات في الموانئ والبنية التحتية ذات الصلة، بشكل كبير في تعزيز القوة البحرية للصين وقدراتها على إسقاط الطاقة. يتماشى هذا التأكيد مع الرؤى التي قدمها إريكسون وسترينج (2014)، اللذان يشرحان بالتفصيل الاستراتيجية البحرية المتطورة للصين وتركيزها على اكتساب القدرة على إسقاط الطاقة في المناطق البحرية الحرجة. من خلال وضع الموانئ والمرافق البحرية بشكل استراتيجي على طول طرق مبادرة الحزام والطريق، لا تعزز الصين قدراتها البحرية فحسب، بل تؤمن أيضًا نقاطًا حاسمة لإسقاط القوة المحتمل، مما يمثل جانبًا محوريًا من الآثار العسكرية الأوسع للمبادرة.

يمكننا أن نفترض أن بعض مشاريع مبادرة الحزام والطريق، مثل الموانئ والمرافق البحرية، لها أهمية عسكرية استراتيجية وأن هذا التوسع في النفوذ البحري يتماشى مع الاستراتيجية العسكرية الأوسع للصين من ناحية، فضلاً عن أنه يساهم في القدرات البحرية للصين، مما يعزز قدرتها على إبراز القوة في المناطق الرئيسية من ناحية أخرى.

3.5. التبعية الاقتصادية والديناميكيات التجارية

قد تصبح الدول الشريكة التي تعتمد بشكل كبير على الاستثمارات والبنية التحتية الصينية معتمدة اقتصاديًا على الصين. يمكن الاستفادة من هذه التبعية من أجل التأثير السياسي. يتماشى هذا التأكيد مع المناقشات العلمية حول الطبيعة المزدوجة للاعتماد الاقتصادي وآثاره على النفوذ السياسي. كما لاحظ غالاغر وبورزكانسكي (2010)، يمكن للاعتماد الاقتصادي أن يخلق ديناميكية قوة حيث يصبح البلد المتلقي عرضة للقوة المؤثرة. يجادل غالاغر وبورزكانسكي بأن هذه الديناميكية مهمة بشكل خاص في سياق الارتباطات الاقتصادية للصين، مع التأكيد على النفوذ المحتمل الذي يمكن أن تمارسه الصين على الدول التابعة.

"يمكن استخدام الديون التي تتكبدها البلدان الشريكة بشكل استراتيجي للحصول على امتيازات أو السيطرة على الأصول الرئيسية". في بحثها حول فن الحكم الاقتصادي في الصين، تؤكد بروتيغام على طبيعة القروض الصينية الاستراتيجية، مشيرة إلى أنها غالبًا ما تنطوي على ترتيبات ضمانات أو شروط ميسرة تمنح الصين نفوذًا على الدول المقترضة. يتماشى هذا مع فكرة أن الديون ليست التزامات مالية فحسب، بل هي أيضًا أدوات للتأثير الجيوسياسي.

تتمتع مبادرة الحزام والطريق بالقدرة على إعادة تشكيل ديناميكيات التجارة العالمية، والتأثير على تدفق السلع والخدمات على طول طرق البنية التحتية المنشأة حديثًا. إنها قوة مهمة في تشكيل الهيكل الناشئ للاقتصاد العالمي، وخلق روابط وطرق تجارية جديدة. يتماشى هذا مع فكرة أن مبادرة الحزام والطريق تعمل كمحفز لإعادة تحديد المسارات التي تتدفق من خلالها السلع والخدمات على المسرح العالمي. قد تصبح الدول الشريكة التي تعتمد بشكل كبير على الاستثمارات والبنية التحتية الصينية معتمدة اقتصاديًا على الصين. يمكن الاستفادة من هذه التبعية من أجل التأثير السياسي. يمكن استخدام الديون التي تتكبدها البلدان الشريكة بشكل استراتيجي للحصول على امتيازات أو السيطرة على الأصول الرئيسية.

تتمتع مبادرة الحزام والطريق بالقدرة على إعادة تشكيل ديناميكيات التجارة العالمية، والتأثير على تدفق السلع والخدمات على طول طرق البنية التحتية المنشأة حديثًا، ويمكنها إنشاء ممرات تجارية جديدة وتحويل مراكز الثقل الاقتصادي، مما يؤثر على طرق التجارة التقليدية.

3.6. العلاقات الدولية والتحديات الدبلوماسية

سعت القوى العالمية إلى تحقيق مصالحها الوطنية في مشهد عالمي معقد من خلال الانخراط في جهود تعاونية متميزة مع الصين. تنطوي هذه الأساليب على اعتراف عملي بالتحديات المشتركة والفرص الاقتصادية والحاجة إلى حلول تعاونية لمعالجة القضايا العالمية الملحة مع الحفاظ على مصالح وأمن كل دولة. لقد ولدت مبادرة الحزام والطريق تحديات دبلوماسية حيث تتنقل البلدان في العلاقات المعقدة التي تنطوي عليها المشاركة في المبادرة أو معارضتها. قد تنشأ توترات دبلوماسية مع تنافس القوى المتنافسة على النفوذ على البلدان المشاركة في مشاريع مبادرة الحزام والطريق. تنظر بعض البلدان إلى مبادرة الحزام والطريق على أنها تهديد محتمل لمصالحها الجيوسياسية، مما يؤدي إلى ردود فعل استراتيجية مضادة. على سبيل المثال، أطلقت الولايات المتحدة مبادراتها الخاصة لتطوير البنية التحتية لموازنة نفوذ الصين. امتنعت الهند استراتيجيًا عن المشاركة في مبادرة الحزام والطريق، مشيرة إلى المخاوف بشأن السيادة وآثار الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني على نزاع كشمير الذي يواجه تحدي الحفاظ على توازن دقيق بين تجنب المشاركة المباشرة مع مبادرة الحزام والطريق والحفاظ على الاستقرار الإقليمي، بالإضافة إلى استكشاف شراكات إقليمية بديلة، مع التأكيد على سياسة "العمل شرقًا" لموازنة نفوذ الصين في جنوب آسيا. واستجابة لمبادرة الحزام والطريق الصينية الطموحة، صاغت اليابان بشكل استراتيجي استراتيجية منطقة المحيطين الهندي والهادئ الحرة والمفتوحة، ووضعتها كإجراء مضاد محسوب. في مواجهة تحد دبلوماسي يركز على التنقل في المشهد التنافسي للتأثير في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، اختارت اليابان نهجًا استباقيًا من خلال الترويج لمبادرات البنية التحتية الخاصة بها. يكمن جوهر استجابة اليابان في التعاون مع الشركاء الإقليميين، مع إعطاء الأولوية لتطوير مشاريع البنية التحتية عالية الجودة والتأكيد على الالتزام بالمعايير الدولية. لم تهدف هذه الاستراتيجية المضادة إلى التخفيف من نفوذ الصين فحسب، بل سعت أيضًا إلى وضع معيار لتطوير البنية التحتية المسؤولة والشفافة في المنطقة بالإضافة إلى تشكيل استجابات اليابان الاستراتيجية في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، وتقديم رؤى قيمة حول الجغرافيا السياسية للمنطقة (Pempel، 2019) .

ولكن، تبنت دول مختلفة مناهج متميزة في مشاركتها مع مبادرة الحزام والطريق، حيث تبحر ببراعة في التوازن الدقيق بين جني المزايا الاقتصادية في علاقاتها مع الصين والحفاظ على مكانتها السياسية على الساحة العالمية. ينطوي هذا السعي الدقيق على تنسيق استراتيجي، حيث تسعى البلدان إلى تسخير الفوائد الاقتصادية الناشئة عن ارتباطها بالصين مع الحفاظ بذكاء على هويتها السياسية المميزة داخل الساحة الدولية. يكمن التحدي في مواءمة ضرورات التعاون الاقتصادي مع الصين بمهارة دون المساس بالنسيج المعقد لمكانة المرء الجيوسياسية.

تساهم هذه الأمثلة في فهم الطرق المتنوعة التي تستجيب بها الدول لنفوذ الصين المتزايد من خلال مبادرة الحزام والطريق.

 ماليزيا - إعادة تقييم وصلة سكة حديد الساحل الشرقي (ECRL): توفر إعادة تقييم ماليزيا لمشروع وصلة سكة حديد الساحل الشرقي (ECRL) دراسة حالة دقيقة استجابة لتأثير الصين المتزايد مما يوضح كيف تتنقل الأمة بشكل استراتيجي في الحقائق الاقتصادية مع السعي للحفاظ على العلاقات الدبلوماسية مع الصين. في أعقاب مبادرة الحزام والطريق الصينية الطموحة، وجدت ماليزيا، بقيادة رئيس الوزراء مهاتير محمد، نفسها في مفترق طرق مع إعادة تقييم مشروع خط السكك الحديدية للساحل الشرقي، وهو عنصر مهم في مبادرة الحزام والطريق. كان التحدي الدبلوماسي الذي ظهر لماليزيا هو التوازن الدقيق، والإبحار في جاذبية الفوائد الاقتصادية على خلفية المخاوف بشأن القدرة على تحمل الديون والاعتماد المفرط المحتمل على التمويل الصيني. رداً على هذا المأزق المعقد، أظهرت ماليزيا فطنة استراتيجية من خلال الانخراط في مفاوضات لإعادة معايرة شروط مشروع ECRL. لم تُظهر هذه المناورة الذكية وكالة ماليزيا في حماية مصالحها الاقتصادية فحسب، بل أكدت أيضًا قدرتها على الحفاظ على العلاقات الدبلوماسية مع الصين، وتحقيق التوازن بين تطلعات التنمية الاقتصادية والاعتبارات الدبلوماسية (غوميز وليو، 2019) .

 الاستجابات المنسقة والتجزئة للاتحاد الأوروبي - عامل إيطاليا: كان دخول إيطاليا إلى مبادرة الحزام والطريق أول تأييد من قبل دولة من دول مجموعة السبع، مما تسبب في التماسك والتجزئة داخل الاتحاد الأوروبي. استجابت العديد من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي لمواءمة إيطاليا مع مبادرة الحزام والطريق، مما سلط الضوء على تعقيدات تشكيل استجابة موحدة. واجه الاتحاد تحديات دبلوماسية مختلفة في التوفيق بين المصالح الوطنية المتنوعة، وإظهار التوازن الدقيق بين الفرص الاقتصادية والمخاوف بشأن النفوذ الجيوسياسي للصين داخل الكتلة التي تشكل في الوقت نفسه مسار الاتحاد للحفاظ على استجابة موحدة لنفوذ الصين المتنامي مع احترام الرأي والمصالح المتنوعة للدول الأعضاء فيه، والسعي لإشراكهم في حوارات للتوفيق بين الاختلافات وصياغة نهج مشترك لنفوذ الصين العالمي المتنامي (Benvenuti، 2019) .

 أستراليا - موازنة العلاقات الاقتصادية مع التحالفات الاستراتيجية: تنطوي استجابة أستراليا لمبادرة الحزام والطريق على توازن دقيق بين المصالح الاقتصادية والمخاوف بشأن نفوذ الصين المتزايد في منطقة المحيطين الهندي والهادئ. اختارت أستراليا استراتيجية للتعامل مع الفرص الاقتصادية التي تقدمها مبادرة الحزام والطريق مع تعزيز التحالفات في الوقت نفسه مع الدول ذات التفكير المماثل لموازنة الوصول الجيوسياسي للصين. وقد أدى ذلك إلى ديناميات إقليمية وتحديات دبلوماسية تواجهها أستراليا في الحفاظ على موقع دقيق في المشهد الجيوسياسي المتطور في المحيطين الهندي والهادئ.

4. ملخص أبرز النتائج

في الختام، يؤكد التفاعل المعقد بين المبادئ الاقتصادية للسوق الاشتراكية والواقعية السياسية في مشاركة الصين في العلاقات الدولية على تعقيد المشهد العالمي المعاصر. نظرًا لأن الأحداث الدولية الأخيرة تسلط الضوء على الترابط بين التحديات البيئية وعدم الاستقرار الاقتصادي والعنف، يصبح من الواضح أن معالجة هذه القضايا تتطلب نهجًا شاملاً وتعاونيًا. تؤكد الدروس المستفادة من حالة الصين على أهمية تعزيز المؤسسات الدولية وتعزيز الهياكل التعاونية. يوضح التاريخ أنه عندما تضخم الدول والمنظمات تعاونها، تظهر حلول قابلة للتطبيق وسلمية. في مواجهة التحديات المعقدة التي تحدد عالمنا المترابط، تدعو نتائج هذا البحث إلى الالتزام المستمر بالتعاون العالمي وتحصين المؤسسات للتنقل بنجاح في الديناميات المتطورة للعلاقات الدولية.

في الوقت الحاضر، تشارك الصين بنشاط في الاقتصاد العالمي كلاعب رئيسي في التجارة والاستثمار الدوليين. من خلال دراسة حالة الصين، تهدف هذه الورقة البحثية إلى المساهمة في فهم أعمق للتفاعل الديناميكي بين البراغماتية الاقتصادية والواقعية السياسية في تشكيل نهج الأمة تجاه الشؤون العالمية وبالتالي التعايش السلمي في عالم محير. يقوم البحث بتحليل الإصلاحات الاقتصادية الرئيسية واستراتيجيات المشاركة العالمية ومبادرة الحزام والطريق، مع تسليط الضوء على النتائج والنتائج في السياق المحلي والدولي. يسعى التحليل التفصيلي المقدم هنا إلى تسليط الضوء على تعقيدات نموذج التنمية في الصين وآثاره الأوسع على المشهد المتطور للعلاقات الدولية.

في الختام، يسلط البحث الضوء على درس حاسم: تتطلب مواجهة التحديات المعاصرة مضاعفة جماعية للجهود من مختلف الجهات الفاعلة والقطاعات، مع التأكيد على ضرورة التعاون الدولي لتحديد الحلول المناسبة والمستدامة.


bottom of page