top of page

اليوم الأول: 20 فبراير 2024

الجلسة الثانية: 19:00 - 20:30

السلام والتنمية المؤسسية

رئيس الجلسة:

العقيد الدكتورة ميشكا جوسكاوسكا - المملكة المتحدة

المعقب الرئيس:

الدكتور سعيد المصري - جمهورية مصر العربية

المتحدثون:

أ- بناء المؤسسات ودورها في ترسيخ التنمية:

1- السيد جان كريستوف باس - فرنسا

2- الدكتورة نهلة محمود أحمد - جمهورية مصر العربية

ب- تفعيل دور المؤسسات غير الحكومية في التنمية:

3- سعادة السفير جيمس وات - المملكة المتحدة

4- الدكتورة منى المالكي - المملكة العربية السعودية



أ- بناء المؤسسات ودورها في ترسيخ التنمية

1- السيد جان كريستوف باس - فرنس





2- الدكتورة نهلة محمود أحمد - جمهورية مصر العربية

تنمية قدرات البيروقراطية: جدلية بناء المؤسسات وتحقيق التنمية

المستخلص

تشكل قضايا بناء المؤسسات وتحقيق التنمية المستدامة حيزًا كبيرًا من الاهتمام العالمي خاصة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وخاصة مع تصاعد حركات الاستقلال الوطني وحصول عدد كبير من الدول النامية على استقلالها في الخمسينيات والستينيات. ومن هذا الوقت، باتت مسألة الدعم الذى تقدمه الدول المتقدمة والمؤسسات الدولية أو ما يطلق عليه المانحين ضرورة حتمية لمساعدة هذه الدول المُستقلة حديثًا في طريقها للتحديث والتنمية. ولذا ظهر نهج أو اقتراب بناء المؤسسات (Institution building ) وهو أحد الركائز التي اُفترض أنه قادر على مساعدة تلك الدول في سبيلها لتحقيق التنمية. إلا أنه وحتى اليوم لا تزال هناك عدد كبير من تلك الدول النامية تواجه تحديات وعثرات تمنعها من تحقيق مستويات معيشة أفضل لمواطنيها، وتقف حائلا بينها وبين تحقيق معدلات أفضل في مؤشرات التنمية. وتهدف الباحثة في هذه الورقة التأكيد على أهمية تنمية قدرات البيروقراطية كمتطلب أساس في عملية بناء المؤسسات التي تعد ركيزة أساسية لتحقيق التنمية. ولقد ثمنت المؤسسات الدولية الأِشهر في مجال التنمية الدور الذى تلعبه المؤسسات في تحقيق التنمية وذلك من واقع خبرات تجارب الدول المتقدمة في طريقها للتحديث والنمو، ولذا دعت في أكثر من مناسبة وتقرير عالمي لأهمية دعم بناء مؤسسات قوية وفعَّالة في الدول النامية.

قامت الباحثة بتحليل تطور نهج ومفهوم بناء المؤسسات منذ ظهوره لدعم التنمية في الدول النامية من خلال مسح للأدبيات المختلفة في ثلاثة محاور حول تطور نهج بناء المؤسسات تاريخيا من بناء المؤسسات وتنميتها وبناء القدرات وتنميتها، وقضايا ومسألة ادارة التنمية، وكذا دور بناء المؤسسات في تحقيق التنمية. وفي هذا السياق، قامت بتقديم مجموعة من الملاحظات حول تطور بناء المؤسسات وقضايا التنمية ، والتي كان من أهمها: أن عملية بناء المؤسسات تراكمية، وأنه ليس هناك شكل أمثل للمؤسسات التي يمكنها تحقيق وظائف بعينها ،وأن التنمية ليس لها مسار خطى أو متماثل غيرها من الملاحظات , وكذا أكدت الورقة كون البيروقراطية ركيزة أساسية لعمل المؤسسات وأن لها دور هام في تعزيز بناءها ومن ثم تحقيق التنمية ، وتناولت بالأخير مجموعة من التحديات التي تواجه عملية بناء المؤسسات مثل (الفساد، وتضخم الجهاز الاداري، وضعف مهارات وقدرات البيروقراطية ) واستعرضت استراتيجيات بعض الدول النامية مثل البرازيل، وأندونيسيا ،ومصر في التعامل معها . وبالأخير تم تقديم مجموعة من المقترحات والتوصيات لتنمية قدارت البيروقراطية لتعزيز وتسريع عملية بناء المؤسسات لتحقيق التنمية ومن بينها: التحول نحو الرقمنة تبنى أفضل نظم إدارة وبناء قواعد البيانات، اعتماد مجموعة من القيم والمبادئ والاخلاقيات المرتبطة بالميثاق الاخلاقي الخاص بها، تبنى هياكل تنظيمية تتسم بالمرونة وغيرها.

الكلمات الدالة: بناء المؤسسات ، تنمية القدرات ، البيروقراطية ،الاصلاح المؤسسي ، التنمية .

تنمية قدرات البيروقراطية: جدلية بناء المؤسسات وتحقيق التنمية

مقدمة

تشكل قضايا بناء المؤسسات وتحقيق التنمية المستدامة حيزًا كبيرًا من الاهتمام العالمي خاصة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وخاصة مع تصاعد حركات الاستقلال الوطني وحصول عدد كبير من الدول النامية على استقلالها في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي. ومن هذا الوقت، باتت مسألة الدعم الذى تقدمه الدول المتقدمة والمؤسسات الدولية أو ما يطلق عليه المانحين ضرورة حتمية لمساعدة هذه الدول المُستقلة حديثًا في طريقها للتحديث والتنمية. ولذا ظهر نهج أو اقتراب بناء المؤسسات (Institution building ) وهو أحد الركائز التي اُفترض أنه قادر على مساعدة تلك الدول في سبيلها لتحقيق التنمية. إلا أنه وحتى اليوم لا تزال عدد كبير من تلك الدول النامية تواجه تحديات وعثرات تمنعها من تحقيق مستويات معيشة أفضل لمواطنيها وتقف حائلا بينها وبين تحقيق معدلات أفضل في مؤشرات التنمية. وفي هذه الورقة، تهدف الباحثة إلى التأكيد على أهمية تنمية قدرات البيروقراطية كمتطلب أساس في عملية بناء المؤسسات التي تعد ركيزة أساسية لتحقيق التنمية كما أشارت المؤسسات الدولية الأِشهر في مجال التنمية إلى الدور الذى تلعبه المؤسسات في تحقيق التنمية وذلك من واقع خبرات تجارب الدول المتقدمة في طريقها للتحديث والنمو، ولذا دعت في أكثر من مناسبة وتقرير عالمي لأهمية دعم بناء مؤسسات قوية وفعَّالة في الدول النامية.

تهدف هذه الدراسة إلى تحليل تطور نهج ومفهوم بناء المؤسسات منذ ظهوره لدعم التنمية في الدول النامية وذلك مع دراسة العلاقة بين دور بناء المؤسسات وتحقيق التنمية في تلك الدول مع التركيز على أهمية تنمية قدرات البيروقراطية الحكومية كجزء من عملية بناء المؤسسات، ودراسة أمثلة من التحديات التي واجهت الدول النامية في هذا الاطار واستخلاص مجموعة من التوصيات والاقتراحات لتنمية قدرات البيروقراطية للمساعدة في تسريع بناء المؤسسات وتنميتها بغرض تحقيق أهداف التنمية. وتتبع الورقة منهجية الوصف التحليلي ودراسة الحالة في تحليل تنمية قدرات البيروقراطية كمكون رئيس لبناء المؤسسات وتنميتها كأحد متطلبات تحقيق التنمية من خلال عرض لمجموعة من التحديات التي واجهت بعض الدول وكيف تعاملت معها ثم تقديم اقتراحات لتنمية قدرات البيروقراطية للمساهمة في بناء المؤسسات.

وقد بدأت الدراسة بعرض نتائج الأدبيات السابقة حول تطور بناء المؤسسات وإدارة التنمية وكذا العلاقة بين دور بناء المؤسسات والنمو والتنمية المستدامة، يليها تحليل لملاحظات حول عملية بناء المؤسسات ودورها في إطار التنمية ثم عرض لدور البيروقراطية كأحد مكونات عملية بناء المؤسسات وأهمية تنمية قدراتها وأثر ذلك على تحقيق أهداف التنمية ثم رصد لبعض التحديات التي واجهت الدول النامية مثل البرازيل وأندونيسيا ومصر في مجال تعزيز قدرات البيروقراطية وبناء المؤسسات، وذلك بهدف الوقوف على أبرز استراتيجياتها وسياساتها للتعامل مع تلك التحديات وأثر ذلك على تحقيق أهداف التنمية لديها. تؤكد الدراسة الأهمية البالغة لدور بناء قدرات البيروقراطية وبناء المؤسسات في تحقيق التنمية على الرغم من كونها عملية معقدة، تتطلب الكثير من الوقت والموارد إلا أنها صارت مسألة حتمية لمساعدة الدول النامية في تحقيق أهداف التنمية.

وتنقسم الدراسة إلى جانب المقدمة والخاتمة إلى خمسة أجزاء؛ يتناول الجزء الاول عرض الدراسات السابقة التي توضح تطور نهج بناء المؤسسات والقدرات ومسألة ادارة التنمية ،وكذا دور بناء المؤسسات في تحقيق التنمية؛ ويلي ذلك في الجزء الثاني تحليل لمجموعة من الملاحظات حول تطور بناء المؤسسات وقضايا التنمية ،أما الجزء الثالث فيبرز البيروقراطية كركيزة لبناء المؤسسات وأهمية تعزيز قدراتها للمساهمة في بناء المؤسسات وتحقيق أهداف التنمية ويتناول الجزء الرابع عرض أمثلة لبعض التحديات التي واجهت الدول النامية في تعزيز قدرات البيروقراطية واستراتيجياتها في التعامل معها، والجزء الخامس يتناول مجموعة من المقترحات والتوصيات لتنمية قدارت البيروقراطية لتسريع عملية بناء المؤسسات وتسريع تحقيق التنمية.

أولاً تطور مفهوم بناء المؤسسات ودوره في ترسيخ التنمية: الدراسات السابقة

ويتناول هذا الجزء مسح للأدبيات المختلفة سواء كانت تقارير لمنظمات دولية أو مقالات علمية وأكاديمية رصينة تناولت مسألة بناء المؤسسات والاشكاليات المرتبطة بتطبيقاتها في الدول النامية. ويمكن تقسيمها إلى ثلاثة محاور، الأول، وقد تناول الأدبيات التي ركزت على تطور نهج بناء المؤسسات والقدرات وتنميتها، والثاني، وضم الأدبيات التي تناولت مسألة التنمية وإداراتها، وأخيراً، الأدبيات التي ركزت على دور بناء المؤسسات في تحقيق التنمية وترسيخها. وبشكل عام، أشارت الأدبيات إلى أنه بعد الاستقلال كان على الحكومات إجراء تعديلات جوهرية على سياساتها العامة، ومن ثم أعلن قادة تلك الدول عن خطط مختلفة للتغيير المؤسسي والمجتمعي الشامل وإن لم يكن لديهم تصور واضح عن شكل الهياكل السياسية والاقتصادية والتنظيمية التي يجب تطويرها لتنمية مجتمعاتهم وتنفيذ الخطط الجديدة. وفي إطار الدولة الوطنية، تصاعدت مطالب المواطنين بتحسين مستويات المعيشة وبطبيعة الحال لم يكن تلبية هذه المطالب دون استثمارات كبيرة في التنمية الوطنية أمرًا ممكنًا. وكانت دور الدولة هو البدء في المشروعات وتنسيق كافة خطط التنمية الشاملة والتي هدفت لتوجيه الأنشطة والاجراءات لتنفيذ الدولة للسياسات التنموية. ولقد بحثت المبادرات التنموية الدولية الواسعة في الخمسينيات والستينيات عن النهج الافضل في لمساعدة تلك الدول على تجاوز المرحلة وتحقيق التنمية Esman, M.J. & Blaise, E. 1966 ; Henderson, K. M. 1969.))

ولقد كانت تلك الدول بحاجة إلى هياكل تنظيمية أكثر فعالية وأكثر توافقاً مع متطلبات التنمية الوطنية. فلقد وجدت هذه البلدان نفسها في حاجة ماسة لتطوير أنواع مختلفة من المؤسسات عن تلك التقليدية الموروثة وتطلب هذا التطوير المؤسسي القبول بشروط ومتطلبات معينة في وقت كانت تلك الدول تحاول فيه اكتشاف وتعلم وتطبيق الطرق والوسائل التي نجحت في بعض الدول. وبدا أن البنك الدولي متفق مع هذه الفرضية عندما أنشأ في عام 1956، بمساعدة مالية كبيرة من مؤسستي فورد وروكفلر، معهد التنمية الاقتصادية (EDI) لتقديم دورات تدريبية مدتها ستة أشهر في نظرية وممارسة التنمية لكبار المسؤولين من الدول النامية Jreisat,J, (2010).

وفي إطار المحور الاول من الأدبيات والتي اهتمت بنهج بناء المؤسسات، فنجد أن عادة ما استخدم مصطلح البناء المؤسسي بالتبادل مع مصطلحات مثل بناء قدرات المؤسسات، والإصلاح المؤسسي، والتغيير المؤسسي، وتنمية القدرات. والهدف من وراء تلك المسميات تعزيز قدرة المؤسسات الحكومية على العمل بشكل صحيح. إذ لا يمكن لأي دولة أن تعمل بفعالية وكفاءة بدون مؤسساتها. فنهج بناء المؤسسات كانت محصلة جهود المؤسسات البحثية والمانحة الدولية لخلق أدوات لمساعدة الدول النامية في مسارها للتحديث والتنمية. وكان مفاد ما توصلت إليه تلك الدراسات أن هذه الدول بحاجة لإنشاء مؤسسات مبتكرة وفعالة ومستجيبة قادرة على القيام بوظائف جديدة. وهنا كانت المعضلةّ إذ أن هياكل المؤسسات القائمة في تلك الدول كانت تقليدية وغير كفء وظيفيا وتقنيا وتقوم بعدد كبير من الوظائف، فكان احلال المؤسسات الموجودة في الدول النامية في هذا الوقت بمؤسسات جديدة متخصصة كتلك في الدول الصناعية هي الفكرة التي قدمها إيزمان لحل تلك المعضلة Esman,.J 1967; (Esman, M.J. & Blaise, E. 1966;

ولقد أشار (Milton J. Esman,1967) إلى تعريف مفهوم بناء المؤسسات "Institution Building" باعتباره "اقتراب أو نهج لفهم التغيير الاجتماعي المُستحث". وأنه "جهد لتحديد الأساليب التشغيلية واستراتيجيات العمل التي من شأنها أن تكون مفيدة للممارسين والمعنيين بالعمل كفاعلين (Agents) للتغيير في السياقات الثقافية المختلفة، وهو أيضا "تخطيط وهيكلة وتوجيه المنظمات الجديدة أو المعاد تشكيلها والتي (أ) تجسد التغييرات في القيم والوظائف والتقنيات المادية و/أو الاجتماعية؛ (ب) إنشاء وتعزيز وحماية العلاقات المعيارية وأنماط العمل؛ و(ج) تحقيق الدعم والتكامل في البيئة." لا يتم تعريف المؤسسة على أنها مجموعة من المعايير المعتمدة مثل الزواج أو العقد، ولا باعتبارها قطاعًا من العمل، ولكن باعتبارها تنظيم رسمي يحفز التغيير ويحميه. وأشار ايزمان أن الاساس الذي يقوم عليه نموذج بناء المؤسسات: هو وجود قيادة مهارة قادرة على إدارة الأنشطة، ووجود مجموعة من الاهداف التي تستهدف المؤسسة تحقيقها، ووجود برنامج يجمع كل الانشطة المراد تحقيقها، وتوافر الموارد متضمنة الموارد البشرية والمادية، والاطار التنظيمي الذى يجب تصميمه جيدًا لتسهيل الأداء وتنفيذ البرامج .

ولقد تطور النهج مع الوقت ظهر نهج "بناء القدرات" capacity building في السبعينيات في الولايات المتحدة، في إشارة إلى الحاجة إلى تحسين قدرة حكومات الولايات والحكومات المحلية على تنفيذ سياسات اللامركزية المالية. وقد شهد هذا المصطلح اهتمامًا لاحقًا. وقد أبرزت الظروف الاقتصادية المتأزمة التي شهدتها العديد من البلدان النامية، ولا سيما البلدان الأفريقية، في تلك الفترة مع عدم فعالية الجهود الإنمائية المتبناة من الحكومات والمدعومة من المانحين إلى حاجة مفهوم بناء المؤسسات لبعض التطوير. فكان بناء القدرات والذى هدف إلى تحسين قدرة مؤسسات البلدان النامية على أداء وظائفها. هو "التطوير المخطط (أو الزيادة في) المعرفة ومعدل الإنتاج والإدارة والمهارات والقدرات الأخرى للمنظمة، وذلك من خلال الحوافز والتكنولوجيا و/أو التدريب". وقد استخدم هذا المصطلح في أغلب الأحيان فيما يتعلق بالمؤسسات العامة، وقد تمت مناقشته وتحليله على نطاق واسع من قبل المؤسسات الدولية (Franks, T. 1999 ; Blase, Melvin G,1986)

وكما أشارZamfir, Ionel (2017) أنه في منتصف التسعينيات، اعتمدت جميع وكالات المعونة الكبرى المتعددة الأطراف والثنائية ومنظمات التنمية غير الحكومية بناء القدرات كعنصر أساسي في سياساتها، وأصدرت وثائق وكتيبات حول هذا الموضوع. وكان تقرير منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية لعام 1996، بعنوان "تشكيل القرن الحادي والعشرين: مساهمة التعاون الإنمائي"، بمثابة لحظة حاسمة في تقديم نموذج تنموي جديد قائم على الملكية المحلية والشراكة بين المانحين والمتلقين. وفي هذا الإطار، عرف البنك الدولي بناء القدرات المؤسسية بأنه "عملية الحصول على الموارد ودمجها بطريقة تؤدي إلى تغيير في السلوك الفردي وفي نهاية المطاف إلى عمليات أكثر كفاءة وفعالية للمؤسسات والمنظمات". في حين يعرفها برنامج الأمم المتحدة الإنمائي "بأنها قدرة البشر والمؤسسات والمجتمعات على أداء الوظائف وحل المشكلات والبدء في تحقيق الأهداف."

وفي حين أكد Hudock, A., Stewart, S. and Moore,1995)) أنه لا يوجد تعريف محدد لبناء المؤسسات في حد ذاته. وأن جوهر بناء المؤسسات هو "بناء المنظمة"، وأن كل المبادرات ما هي الا محاولة لدعم تطوير فعالية المنظمة، بشكل منفصل أو شبكلا، عن طريق تغيير هيكلها وإدارتها وإجراءاتها وما إلى ذلك. وذلك بهدف تحقيق إنجاز أكثر فعالية للمهام التي تقوم بها منظمة معينة (أو منظمات). ولقد أِشارا إلى أن بناء المؤسسات يتكون من جزأين، الجزء الاول ويتعلق بأنشطة "البناء التنظيمي" التي تعمل على تحسين الأداء التنظيمي، وأنشطة أخرى "تهدف إلى تغيير الآليات التي يتم من خلالها تنظيم المجتمعات".

ومع زيادة تأثيرات العولمة والسياسات الدولية على الدول النامية حدث تحول هام في نهج بناء المؤسسات وظهر مفهوم جديد، وهو مفهوم "تنمية القدرات" Capacity Development، الذي صار الخيار المفضل لمجتمع التنمية وتمثل تبني أهداف الأمم المتحدة الإنمائية للألفية في عام 2000، وإعلان باريس بشأن فعالية المساعدات في عام 2005. ولقد عرف (البرنامج الأمم المتحدة الإنمائي) تنمية القدرات: بأنها العملية التي من خلالها يطور الأفراد والمنظمات والمجتمعات قدراتهم ويعززونها ويحافظون عليها لتحديد أهدافهم التنموية وتحقيقها. وأنها تختلف عن بناء القدرات والتي تدعم فقط المراحل الأولية لبناء أو إنشاء القدرات إذ تفترض عدم وجود قدرات موجودة يمكن البدء منها (Zamfir, Ionel, 2017 ).

وفي الوقت الذى أشارت فيه (منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية) أن تنمية القدرات تختلف عن بنائها إذ أنها هي العملية التي يقوم من خلالها الأشخاص والمنظمات والمجتمع ككل بإطلاق العنان للقدرات وتعزيزها وإنشاءها وتكييفها والحفاظ عليها بمرور الوقت. بل وأكدت أن اصطلاح تنمية القدرات أفضل من بناء القدرات لأن" "البناء" يشير إلى تشييد هيكل جديد خطوة بخطوة، بناءً على تصميم مسبق لكن لا يضمن النجاح الا تعزيز القدرات وتنميتها. فعرف (البنك الدولي) تنمية القدرات أو بناءها دون تمييز بأنها عملية تعلم مدفوعة محليًا من قبل القادة والتحالفات وعوامل التغيير الأخرى التي تؤدي لإحداث تغييرات في المجالات الاجتماعية والسياسية والمتعلقة بالسياسات. والعوامل التنظيمية لتعزيز الملكية المحلية وفعالية وكفاءة الجهود الرامية لتحقيق التنمية Fukuda-Parr, Sakiko & Lopes, Carlos & Malik, Khalid ,2002)).

أما عن رؤية الدول النامية لاصطلاح تنمية القدرات، فكما أشار (Zamfir, Ionel, 2017 ) نقلًا عن (موقع اللجنة الاقتصادية لأفريقيا) أن تنمية القدرات هي العملية التي من خلالها يقوم الأفراد والمجموعات والمنظمات والمجتمعات بنشر وتكييف وتعزيز والحفاظ على القدرات اللازمة لتحديد وتخطيط وتحقيق أهدافهم وأن يتم ذلك على أساس شامل وتشاركي ومستدام. وفي الوقت نفسه، أكد (الإطار الاستراتيجي لتنمية القدرات في أفريقيا) على كون تنمية القدرات تعنى عملية تمكين الأفراد والمجموعات والمؤسسات من تحديد رؤيتهم أو أهدافهم التنموية وتوضيحها وإشراكهم في تحقيقها بشكل مستدام اعتماداً على مواردهم الخاصة والتعلم في سياق نموذج خاص لأفريقيا. بينما أبررت الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية أن تنمية القدرات البشرية والمؤسسية هو نموذج للعمليات المنظمة والمتكاملة المصممة لتحديد الأسباب الجذرية لفجوات الأداء في المؤسسات في الدول النامية، ومعالجة تلك الفجوات من خلال مجموعة واسعة من حلول الأداء في سياق جميع عوامل الأداء البشري، وتحسين الأداء من خلال إنشاء أنظمة مراقبة الأداء والتمكين وعمليات المتابعة الدورية والمستمرة.

وأكد Otive Igbuzor,2019)) أن مفهوم بناء المؤسسات تطور بمرور الوقت من تفسيره الأولي كمسألة تتعلق بالتدريب والتطوير الإداري إلى اعتباره ضمنًا أنه يعنى برامج التغيير المستدام والبناء في المنظمات التي تم تصميمها لجعلها أفضل فعالية، وأكثر كفاءة؛ أو التي تم تصميمها لتغيير السمت العام للمؤسسات عن طريق تعديل أهدافها واستراتيجياتها وثقافاتها وطرق عملها وأساليب إدارتها وما إلى ذلك. فالاهتمام الأساس المرتبط بأنشطة بناء المؤسسات هو تحسين فعالية وقدرة المنظمات الرسمية إذ من المعروف أن جودة المؤسسات في أي دولة لها أهمية كبيرة في نموها وتطورها. وأن نقطة البداية في بناء المؤسسات في أي دولة هي إعداد خطة تنموية شاملة وذلك من خلال صياغة السياسات والاستراتيجيات لتحقيق الأهداف المنصوص عليها في خطة التنمية. ويتبع ذلك تنظيم فعال بأدوار واضحة وإجراءات تشغيل موحدة ومواءمة وتنسيق وتآزر بين المؤسسات، وأخيرا، تقديم الخدمة بشكل فعال من خلال وضع الميزانية، وآلية تقديم فعالة وكفء مع مشاركة المواطنين.

وفي أحدث ما قدمته ادارة الشئون الاقتصادية والاجتماعية بالأمم المتحدة تعريف بناء المؤسسات باعتباره أحد أهم الموضوعات محل النقاش وأنها تهدف لتعزيز قدرات الموارد المؤسسية والبشرية للحكومات من أجل تحقيق أهداف التنمية الوطنية وجدول أعمال التنمية المتفق عليها دوليا بما في ذلك جدول الأعمال لعام 2030 من أجل التنمية المستدامة. وأنها تسعى ليناء المؤسسات من خلال (أ) تحويل مؤسسات الإدارة العامة الى مؤسسات فعالة كفئ وشفافة ومبنية على المساءلة ومبتكرة وموجهة للمواطن لإنجاز مهام الدولة بما في ذلك تقديم الخدمات والأهداف وغايات التنمية المستدامة؛ و (ب) تعزيز تنمية قدرات القطاع العام وقيادة الموارد البشرية لدعم القيادة والكفاءة المهنية، فضلا عن السلوك الأخلاقي والالتزام بالخدمة العامة بين موظفي الخدمة المدنيةUnited Nations , Department of Economic and Social Affairs))

أما المحور الثاني من مراجعة الأدبيات، وضم الدراسات التي تناولت مسألة التنمية وإداراتها، والتي أكد معظمها أن التنمية هي محصلة الجهود البشرية لكل أفراد المجتمع، وحتى تتحقق لا بد من توفر أربعة أنواع من رأس المال هي رأس المال الاقتصادي أو التراكم الرأسمالي، وهو القادر على بناء القواعد المادية والاصول الثابتة والمتداولة. ورأس المال الاجتماعي، وهو المتمثل في إقامة علاقات مؤسسة رشيدة وفاعلة بين مختلف المؤسسات الاقتصادية وغيرها، وبين مختلف المؤسسات الحكومية وغير الحكومية. ورأس المال البشــرى، وهو عبارة عن مخزون المعارف والمهارات الكامنة في قوة العمل على مستوى المجتمع ككل والقادر على تحقيق التنمية، ورأس المال الفكري: وهو المتمثل في وجود القادرين على الابداع والابتكار والمخاطرة. وأن تكوين وتدعيم وتنمية رأس المال البشري هو أحد أهم محددات التنمية (مصطفى، كمال 2017، World Development Report 2002) .

وفي الوقت الذى قدم فيه ايزمان رؤيته حول بناء المؤسسات قدم رؤيته أيضا حول التنمية وأشار لخمسة أبعاد مهمة للتنمية: (1) النمو الاقتصادي، (2) العدالة، (3) القدرة (تنمية المهارات والمؤسسات والحوافز)، (4) الأصالة (الصفات المميزة) لكل مجتمع كما يتم التعبير عنه في مؤسساته وممارساته)، و(5) التمكين (توسيع الفرص للأفراد والجماعات للمشاركة في المعاملات الاقتصادية والسياسية). وقال غالبًا ما تحمل الوصفات الأخرى لمعايير أو أهداف التنمية أوجه تشابه كبيرة. وأكد على أهمية عناصر مثل العقلانية، تحسن التخطيط وزيادة الإنتاجية والمساواة الاجتماعية والاقتصادية وتحسين المؤسسات والمواقف، والاستقلال الوطني، والمشاركة الشعبية كعوامل مساعدة في تحقيق التنمية Esman,.J ,1967)).

وأكدت مجموعة من الأدبيات Jarisat,2011; Bochańczyk, D. & Pęciak, R, 2015)) أنه لا يمكن أن تقوم التنمية الحقيقية على افتراضات ومتطلبات مسبقة. بل وعلى العكس أنها تقوم على الفهم التجريبي للواقع السياسي والاجتماعي والإداري والاقتصادي المحلي. وأن التنمية هي عبارة عن جهد جماعي يشمل القدرات الكاملة للمؤسسات الخاصة والعامة والشراكة بينهم. وأن التنمية المستدامة لا تعتمد كليا على ضخ رأس المال من مصادر خارجية، بل تعتمد بشكل أكبر على الاعتماد على الذات وعلى استخدام العمليات التي تلبي احتياجات المجتمع ومطالبه. وكذا توظيف التقنيات ذات الصلة بطرق مبتكرة لإحداث تحسن عام في الإنتاجية. وذلك إذ تتعزز عملية التنمية نوعيا عندما تكون القرارات العامة شفافة ويتم التأكيد على مساءلة المسؤولين في المؤسسات العامة. وذلك إذ أنه لا مفر من تطبيق الأساليب العلمية والتكنولوجية لتحقيق النمو وزيادة الإنتاج. فعملية التنمية تواجه تحدي متمثل في تحويل المؤسسات والثقافات لتجسيد الكفاءة والانتظام والعقلانية وعمليات اتخاذ القرار القائمة على المعرفة.

وقد اهتمت تقارير المنظمات الدولية بتعريف التنمية من خلال وضع مجموعة المؤشرات المفهرسة التي تقيس الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية للتنمية، وتعد أداة مفيدة، حتى ولو كان استخدام عدد كبير للغاية من المؤشرات أمراً صعباً ومكلفاً من الناحية العملية. ومن ثم كان مؤشر التنمية البشرية (HDI)، الذي يصدره برنامج الأمم المتحدة الإنمائي منذ عام 1990. ويجمع هذا المؤشر بيانات حول مؤشرات في التعليم (معدل معرفة القراءة والكتابة بين البالغين)، والصحة (متوسط العمر المتوقع عند الولادة)، ونصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي لتحديد وقياس التقدم في التنمية البشرية. وإن التنمية الوطنية لأي دولة ناشئة تجسد حتما احتياجات ومتطلبات خاصة وتتطلب قدرات إدارية محددة. وقد تمت الإشارة إلى هذا النوع من الإدارة، الذي تم تكييفه ليتناسب مع الاحتياجات الخاصة للبلدان النامية، باسم إدارة التنمية، فتعد إدارة التنمية جزءًا لا يتجزأ من التنمية المجتمعية وتتأثر بشكل عميق بالسمات السياسية والاقتصادية والثقافية الشاملة للمجتمع (World Development Report 2002 ; Jreisat, J, 2012;)

وتشير بعض الأدبيات إلى الطبيعة المعقدة ومتعددة الأبعاد للتنمية المستدامة، والتي تؤثر على قدرة المؤسسات على التعامل بفعالية مع تلك التحديات خاصة في ظل الحاجة لإنشاء حوكمة متعددة المستويات حيث يتم اتخاذ الإجراءات على أكثر من مستوى واحد - المحلي أو الوطني أو العالمي – وهى ليست كافية أو ضامنة لتحقيق الاستدامة. لذلك، فهناك حاجة إلى تنسيق الإجراءات بين تلك المستويات للوصول للتنفيذ الفعال لمبادئ التنمية المستدامة وتطبيقها على جميع مستويات صنع القرار وإن كانت الأمور تزداد تعقدا في الدول الأقل نموا حيث يعانى السكان من ارتفاع معدلات الفقر، ومعدل الأمية وفشل التكامل الرأسي بين مختلف مستويات الحكومة في أن يكون فعالاً بشكل كامل إذ تركز الحكومات على حل المشاكل الاقتصادية قصيرة الأمد التي تحقق نجاحاً سريعا (;Bochańczyk, D. & Pęciak, R, 2015 Moore, Mike 1995 )

أما الجزء الثالث من مراجعة الأدبيات، والذى تناول العلاقة بين نهج بناء المؤسسات وتحقيق التنمية، فلقد أشارت مجموعة من الدراسات مثل دراسة Habib Zafarullah, 1980) ) إلى نموذج بناء المؤسسات باعتباره عنصرًا من عناصر التنمية الاقتصادية، فهو يساهم في توجيه العمل التنموي ويستخدم لإحداث التغيير وحمايته. وذلك لأنه صُمم خصيصا للبلدان النامية التي سلكت طريق التحديث وتتمثل أهدافها الأساسية في التقدم الاجتماعي والاقتصادي وبناء الأمة. وأن المكونات الرئيسية لهذا النموذج: (أ) نخبة حاكمة موجهة نحو الأهداف وتتحمل المسؤولية الرئيسية عن بدء وتوجيه عملية تحديث التغيير؛ (ب) الالتزامات العملية، التي تنشئ وتتواصل وتضفي الشرعية على القواعد والأولويات والأساليب الخاصة ببرامج التشغيل، و(ج) أدوات العمل التي يتم من خلالها الحفاظ على التواصل مع المجتمع وتنفيذ برامج التشغيل. و تتقاطع أهمية قضايا ومسألة ادارة التنمية مع بناء المؤسسات، فعلى الرغم من أن إيزمان هو من طور هذا المدخل (بناء المؤسسات) إلا ان كتابات ريجز وجريسات Riggs, F ,(1962), حول ادارة التنمية ساهمت في تطويره بدرجة كبيرة. وذلك إذ ستكون هذه المؤسسات قنوات لاستخدام التكنولوجيا وتتفاعل مع بيئتها وسيكون عليها ان تتأقلم مع تغيرات تلك البيئة في ظل اشتراطات معينة إذ يمكن أن تسهم تلك المؤسسات الجديدة في تحويل القيم والتكنولوجيا لتحقيق التنمية.

وكذا انطلقت دراسة (Chang, Ha-Joon ,2006) من البحث في حقيقة وجود وظائف معينة يجب على المؤسسات أن تؤديها إذا أرادت تعزيز التنمية الاقتصادية، وإلى البحث في أشكال المؤسسات التي تخدم هذه الوظائف على أفضل وجه. وعلى الرغم من ذلك، أكدت على صعوبة التوصل إلى قائمة متفق عليها للوظائف "الأساسية" كما أكدت أنه ليس هناك تطابق واضح بين الوظائف وأشكال المؤسسات المقترحة. وإن اشارت الدراسة لثلاثة وظائف رئيسية للمؤسسات بهدف تعزيز التنمية الاقتصادية وهى: التنسيق والإدارة؛ التعلم والابتكار؛ إعادة توزيع الدخل والتماسك الاجتماعي. ولكنها أكدت في الوقت نفسه على صعوبة الاتفاق على قائمة الوظائف التي تشكل ضرورة أساسية للتنمية الاقتصادية.

وفي سياق متصل، اهتم جانب من الأدبيات بالبحث في مسألة الشكل الأمثل للمؤسسات وكان هناك اختلاف واضح فيما بينها إذ أشارت لإشكالية عدم القدرة على التمييز بوضوح بين أشكال المؤسسات ووظائفها. وإن جمعت بعضها في مؤشرات "الحوكمة" الرئيسية (أو مؤشرات الجودة المؤسسية)، نجد أن هذه المؤشرات غالبًا ما خلطت بين المتغيرات التي ترصد الاختلافات في أشكال المؤسسات (مثل الديمقراطية، والقضاء المستقل، وغياب ملكية الدولة) والوظائف. التي تؤديها (على سبيل المثال، سيادة القانون، واحترام الملكية الخاصة، وإنفاذ العقود، والحفاظ على استقرار الأسعار، منع الفساد). وردت بعض الدراسات بالإشارة إلى أن الوظائف التي تؤديها المؤسسات قد تكون أكثر أهمية من أشكالها. وبعبارة أخرى، قد لا تكون الأشكال المؤسسية ذات أهمية كبيرة، لأن نفس الوظيفة يمكن أن تؤديها أشكال مؤسسية مختلفة، ولكن الإهمال الكامل للأشكال يجعل من الصعب جدًا تقديم أي اقتراح قابل للتطبيق. وسنكون في موقف اختصاصي التغذية الذي يتحدث طويلاً عن تناول "نظام غذائي صحي ومتوازن" دون أن يخبر الناس عن الكمية التي يجب عليهم تناولها. وبعبارة أخرى، فإن التركيز على المؤسسات "الجيدة" قد يصبح فارغاً من مضمونه دون بعض البيانات حول الأشكال التي سيتم اعتمادها (Chang, H-J. and Evans, P. 2005; Chang, Ha-Joon ,2006 ).

ومن ثم كان هناك خلاف واضح بين الأدبيات حول الشكل الامثل للمؤسسات القادرة على تحقيق معدلات تنمية أفضل خاصة في ظل العولمة وإن ادعى البعض أهمية وجود قضاء مستقل؛ وبيروقراطية محترفة، ونظام حوكمة الشركات. وقد أدى الولع بشكل محدد لإنكار فكرة التنوع المؤسسي وفرض برامج (مقاس واحد يناسب الجميع) من خلال المؤسسات والحكومات المانحة. وانتقدت دراسات أخري هذا النهج مع التأكيد على ضرورة عدم التقيد بالأشكال المقترحة أكثر من اللازم وأنه لا بد من وجود قائمة ببدائل متعددة من المؤسسات التي تؤدي وظائف مماثلة في سياقات مختلفة حتى يمكن لصانعي السياسات الاختيار من بينها.

واهتمت دراسةBochańczyk, Dominika & Pęciak, Renata,2015)) بدور المؤسسات في تحقيق أداء اقتصادي مميز في سياق التنمية المستدامة واعتبرته أمر بالغ الأهمية. وأشارت إلى أن التنمية المستدامة تتعلق بشكل أساسي بجميع مجالات الحياة الاجتماعية والاقتصادية. وأن هناك تحديات تواجه دور المؤسسات في تحقيقها ، ومن أهمها: أن طبيعة مشاكل الاستدامة معقدة وبسبب التعقيد الكبير والآفاق الزمنية الطويلة، تحتاج الاستدامة إلى سياسات وحوكمة يتم إجراؤها على مستويات مختلفة وهذا هو دور تلك المؤسسات .كما ثمنت بعض الادبيات من أهمية البعد المؤسسي للتنمية واعتبرته من أهم أسباب التفاوت والاختلاف بين الدول من حيث مستوى نموها ودخلها ،وبقول أخري في الاجابة على سؤال لماذا تحقق بعض الدول نموا أفضل من غيرها، يكون دور المؤسسات في الحد من الفقر وتحقيق التنمية الاجتماعية والاقتصادية من خلال دعمها للأنشطة الاقتصادية والابتكارات وزيادة الإنتاج هي الاجابة . وذلك إذ يؤد الافتقار إلى البيئة المؤسسية المناسبة لتراجع النشاط الاقتصادي والتخصيص الأمثل للموارد، وكذلك أن وجود مؤسسات ذات نوعية جيدة يؤثر إيجابا على التنمية الاجتماعية والاقتصادية ويساهم في الحد من الفقر من التقسيم الطبقي للدخل وكذا يسهم في حل المشاكل المجتمعية، والحفاظ على النظام، والحد من الصراعات، وإنشاء أسس النمو الاقتصادي وإن كانت لا تضمن الاستدامة في تحقيق التنمية.

وبشكل عام، أشارت الادبيات أن مسألة بناء المؤسسات وتنميتها وكذا بناء القدرات كجزء من ادارة التنمية في الدول النامية تمثلا تحديا كبيراً لها وذلك إذ يواجه المديرين والقادة في تلك الدول تحديات خاصة بسبب المتطلبات والاحتياجات المعقدة لإدارة التنمية الوطنية وهي وسيلة لتحسين كفاءة وفعالية برامج المساعدة، وتعزيز التعاون الدولي. وبالأخير فإن إدارة التنمية هي عملية صياغة وتنفيذ استراتيجيات تتضمن سياسات وخطط وبرامج ومشاريع تهدف إلى تحقيق التحسين المجتمعي وتحفيز النمو الاقتصادي والتغيير الاجتماعي. وهي استجابة لاحتياجات وطنية معينة وتختلف عن التنمية الإدارية، والتي يمكن أن تكون في أي مكان تسعى إلى التغيير أو تحسين قدرتها. وتتضمن إدارة التنمية سياسات ومنظمات وعمليات تتكيف بشكل خاص مع بدء وتنفيذ أهداف التنمية. على الرغم من أن إدارة التنمية تتمتع بخصوصية تربطها بشكل أساسي بالتنمية في البلدان النامية (وإن لم يكن حصريًا).

ثانياً ملاحظات على بناء المؤسسات وقضايا التنمية من واقع الادبيات

1- أن تطبيق نهج بناء المؤسسات اتسم بتحيز واضح للهندسة الاجتماعية، وذلك إذ يتمثل افتراضها الأساسي في أن نسبة كبيرة جدًا من أهم التغييرات المعاصرة، خاصة في البلدان النامية، يتم التخطيط لها وتوجيهها بشكل متعمد ويمكن تمييزها عن تلك التي تحدث من خلال عمليات تطورية تدريجية أو كنتيجة لثورة سياسية أو اجتماعية. ويفترض كذلك أن إدخال التغييرات يحدث في المقام الأول في ومن خلال المنظمات الرسمية (Blase, Melvin G,1986)

2- أن مكونات بناء المؤسسات، تشمل ثلاثة أنشطة رئيسية هي: رفع مستوى المهارات، تحسين الإجراءات، التعزيز التنظيمي أي أنها تنطوي على تحسين الموارد البشرية (المهارات الفنية ومهارات الأفراد)، والتحسين داخل المنظمة (العمليات الرئيسية داخل المنظمة والثقافة) والأنشطة المشتركة بين المنظمات (شبكة المنظمات، العلاقة)، و الأنشطة الخارجية (التشريعات، السياسات، الحوافز). وهى تنطوي جوانب ملموسة قابلة للقياس وتشمل تطوير البنية التحتية، والهيكل التنظيمي، والأطر القانونية والسياسات، وجوانب غير ملموسة غير القابلة للقياس وتشمل المهارات الاجتماعية والتماسك الاجتماعي والقيم والثقافة المؤسسية والتحفيز والاهتمام السياسي وما إلى ذلك، ولكل منهما نفس القدر من الاهمية لأنها تسمح للمؤسسات بتحقيق إمكاناتها على أعلى مستوى ممكن في إطار توازن مناسب لمعالجة هذه المكونات الملموسة وغير الملموسة من أجل تحقيق التغيير المؤسسي Esman,.J ,1967)).

3- أن مفهوم بناء المؤسسات يختلف عن مفهوم التغيير المؤسسي: إذ يعنى الأخير أن المنظمات تخضع للتغيير، وتتكيف مع مرور الوقت استجابة للتغيرات في الظروف الخارجية والداخلية والقيادة والموارد، ويكون هناك احتمال محتمل لبقائها. وتسمى هذه القدرة التكيفية للمنظمات بالتغيير المؤسسي. أما من ناحية أخرى، فإن بناء المؤسسات "يشير إلى الغرس المتعمد لقيم ووظائف وتقنيات مختلفة جوهريًا تتطلب تغييرات في عقيدة المؤسسة وفي الأنماط الهيكلية والسلوكية بها"(Esman, M.J. & Blaise, E,1966).

4- أن نهج بناء المؤسسات تعرض للكثير من الانتقادات والجدال من جانب الادبيات حول مدى فعاليته ونجاحه في مساعدة الدول النامية على تحقيق التنمية و إن خرج معظمها باستنتاج أنه لا توجد حجج مقنعة ضد جعل بناء المؤسسات محورًا لسياسات التنمية والمساعدات خاصة أن الاقتصادات الأكثر تقدما تتمتع بمؤسسات عامة أكثر فعالية وكفاءة، وأن فعالية نهج بناء المؤسسات في الدول النامية إنما يرتبط بتاريخها وأنواعها ووظائفها وهياكلها وقدرات الموارد البشرية العاملة بها (Bochańczyk, D. & Pęciak, R, 2015)

5- أن الرابط بين نوع المؤسسات والتنمية قائما بالأساس على وجود مجموعة من القوى التي ربما ساهمت في تشكيل مؤسسات جديدة أو إصلاح مؤسسات قائمة فعلا. فمثلا يرتبط تحديد المشاكل الملحة والتي يبدو أن حلولها تتطلب إنشاء مؤسسات جديدة. وأن هناك مجموعة من الشروط او المتطلبات لتحقيق التنمية من أبرزها قدرة حكومة أي دولة نامية على إنشاء مؤسسات لإدارة الصراعات والوصول لإجماع وطني حول أيديولوجية اقتصادية وسياسية أمر ضروري لجعل المؤسسات فعالة وبالتالي يسهل النمو الاقتصادي. وأن ضعف المؤسسات وافتقارها للقدرات والاعتماد المتبادل ينعكس سلبا على التنمية والنمو (Jreisat, J, 2012).

6- أن بناء المؤسسات هو بالأساس عملية تراكمية (تقرير البنك الدولي، 2002) تضم العديد من المتغيرات في المجالات المختلفة التي تتكامل وتدعم بعضها البعض، وأنه ليس هناك نمط أو نموذج واحد يمكن أن يناسب الجميع حتى وإن بدت المشكلات أو التحديات متماثلة في سبيل تحقيق التنمية الا أن المضي قدما في بناء مؤسسات أكثر فعالية يحتاج لاتباع نهج عملي. والهدف ليس تحديد ما ينبغي القيام به في عالم مثالي، بل ما يمكن القيام به في عالم اليوم. وأن بناء المؤسسات وتطورها يستغرق وقتا أقل أو أكثر إنما يتوقف على البعد البيئي والسياق التاريخي والثقافي والاجتماعي والاقتصادي والصراعات السياسية أو الظروف الاقتصادية والاجتماعية وأهمية الأعراف والثقافة في الدول النامية.

7- أكدت الأدبيات رغم الاختلافات بينها على عدم امكانية الاتفاق على قائمة الوظائف التي ستخدمها المؤسسات والتي تشكل ضرورة أساسية للتنمية الاقتصادية أو حتى الاتفاق على الأنواع والأشكال الدقيقة من المؤسسات التي نحتاج إليها من أجل الوفاء بهذه الوظائف. أولاً: أنه يمكن لمؤسسة واحدة أن تلعب أكثر من وظيفة واحدة. على سبيل المثال، تخدم مؤسسات الميزانية عادةً وظائف متعددة، مثل الاستثمار في الأصول الإنتاجية (مثل البنية التحتية المادية، ومرافق البحث والتطوير)، والحماية الاجتماعية (دولة الرفاهية)، وتساهم في استقرار الاقتصاد الكلي (على سبيل المثال، من خلال وظيفة "الاستقرار التلقائي"). وكذا المؤسسات السياسية يمكن أيضًا أن تؤدي عددًا من الوظائف مثل استخلاص الآراء المختلفة وتحويلها إلى قرار، وحل النزاعات، وتوفير التماسك الاجتماعي. وثانياً: هناك العديد من المؤسسات التي تؤدي نفس الوظيفة، على الرغم من أنها جميعها تؤدي وظائف أخرى أيضا، والتي قد تتداخل أو لا تتداخل. لذلك، على سبيل المثال، لا يتم تحقيق استقرار الاقتصاد الكلي ببساطة من خلال بنك مركزي مستقل يركز فقط على التضخم (كما تقول العقيدة الحالية)، ولكن أيضًا من خلال مجموعة من المؤسسات الأخرى، بما في ذلك مؤسسات الميزانية، ومؤسسات التنظيم المالي، والمؤسسات المالية ومؤسسات تحديد الأجور والأسعار. وثالثاً: أنه يمكن أن تؤدي الوظيفة نفسها مؤسسات مختلفة في مجتمعات مختلفة (أو في نفس المجتمع في أوقات مختلفة). وعلى سبيل المثال، يتم تحقيق الرعاية الاجتماعية عادة من خلال دولة الرفاهية في معظم الدول الأوروبية. ويتم توفير نفس الشيء من خلال مزيج من دولة الرفاهية (الأضعف)، وخطط رعاية الشركات والأسرة، وغيرها من الوسائل في شرق آسيا. إذا نظرنا إلى دولة الرفاهة فقط، فقد نعتقد بشكل مضلل أن مستوى توفير الرعاية الاجتماعية في شرق آسيا أقل بكثير مما هو عليه الآن. وكذلك يتم توفير الانضباط في إدارة الشركات المتراخية من خلال سوق الأوراق المالية في الاقتصادات الأنجلوأميركية، في حين يتم توفيره من قبل بنوك الإقراض الرئيسية في دول مثل ألمانيا واليابان. لذا يصعب التوصل إلى قائمة واحدة من الوظائف والأشكال من المؤسسات المرغوبة، ناهيك عن كونها ضرورية للتنمية الاقتصادية. وهذا بدوره يجعل استكشاف العلاقة بين المؤسسات والتنمية الاقتصادية معقدًا للغاية (Chang, Ha-Joon , 2006).

8- في فهم العلاقة بين بناء المؤسسات والتنمية، فلا بد من إدراك أن التنمية ليس لها مسار خطى أو متماثل ، وأن بعض الدول خاصة الاسيوية مثل تايوان، وكوريا الجنوبية، وسنغافورة، ، وماليزيا استطاعت أن تبنى لها نماذج خاصة للتنمية اعتمادا على امكاناتها الوطنية، وتحدت نظريات التبعية. وفي هذا السياق، لا يمكن إنكار تأثير القيم الثقافية على المجتمع (تطوير نهج سياقي للتنمية)، وبينما تشير الثقافة إلى مجمل السلوك الاجتماعي المكتسب لمجموعة معينة، فهي توفر معايير للإدراك، والاعتقاد، والتقييم، والتصرف. تشمل الثقافة: المعرفة، والمعتقد، والقانون، والفن، والدين، والأخلاق، والعادات، والعادات، والرموز. وتتطور الثقافة من خلال المؤسسات والهياكل مثل المدرسة والأسرة ومكان العمل ودور العبادة. فليس سهلا على الاطلاق تحديد تأثير الثقافة على المواقف والسلوكيات الفردية، وبشكل غير مباشر، على المؤسسات والمجتمع ككل (Jreisat,J, 2002).

ثالثا دور تنمية قدرات البيروقراطية في تعزيز بناء المؤسسات وتحقيق أهداف التنمية

يتناول هذا الجزء البيروقراطية كمكون رئيس في عملية بناء المؤسسات، وكذا دور تنمية قدرات البيروقراطية تعزيز عملية بناء المؤسسات و تحقيق أهداف التنمية.

أ‌- البيروقراطية كأحد مرتكزات عملية بناء المؤسسات:

أكدت بعض الدراسات أن البيروقراطية (المورد البشري) هي المكون الأساس في المؤسسات، ومن ثم أكدت أنه لا بناء للمؤسسات بدون الاهتمام بالبيروقراطية وتنمية مهاراتها وقدراتها. واعتبرتها بعض الأدبيات من أفضل الأدوات وأكثرها موضوعية لتحقيق التنمية (Illchman 1965). وذهب بعض المؤلفين حد اعتبار البيروقراطية أهم أدوات التنمية (Johnson 1972; Huntington 1968; Janowitz 1964). واهتمت بعض الدراسات بمناقشة الأهداف والقيم التي يجب على البيروقراطية تحقيقها وما إذا كان من الممكن إخضاع البيروقراطية للمساءلة. والبيروقراطية كما أشار (Jarisat 2002) هي الجهة الأساسية المنوط بها تنفيذ السياسات العامة للدولة وهى عبارة عن نظام له أجزائه ووحداته ، والتي تهدف إلى خدمة أهداف الدولة باعتباره وسيط بين المجتمع والسلطة، وتتضمن مؤسسات الدولة ووحداتها ووكالاتها من أقسام ووزارات، وهى كذلك التنظيم الذي يسير وفق قواعد و إجراءات محددة، ويلتزم الموظفون أدائهم للمهام المخصصة والتي تنجز فيه مهام تشغيلية عالية الروتين من خلال التخصص، والرسمية العالية، والقواعد القانونية، وأقسام وظيفية تدار عن طريق السلطة المركزية ونطاق ضيق للسيطرة والرقابة وسلسلة من الأوامر، وتبرز قوتها في قدرتها على أداء الأنشطة المعيارية بكفاءة عالية.

وأكدت الدراسات أن البيروقراطية كمكون رئيس في بناء المؤسسات، وهى أحد الابنية الفرعية للنظام السياسي وأنها تقوم بدورها عبر وظائف عدة: وهى تنفيذ السياسات والقوانين الحكومية (تنفيذ السياسات العامة) والمشاركة في صنعها، تقديم الاستشارات للتنفيذيين والمنتخبين، والقيام بدور وسيط في الاتصال بالمجتمع، والمشاركة الفاعلة في عملية التنمية. ومن خلال قيامها بتلك الوظائف فإنها تساعد النظام السياسي وتشاركه في القيام بوظائفه الثلاث وهى: وظائف التحويل، تتمثل في وظائف جمع المطالب وصياغتها والفصل بينها، وظائف الاستخراج، تتمثل في الاتصال ووظائف متعلقة بالسلطات الثلاث (صنع القواعد وتنفيذها)، وظائف المحافظة على النظام والتكيف، وتتمثل في وظيفة التنشئة وطبيعة التجنيد (Keiser.R ,2011).

والبيروقراطية هي العنصر البشري الذى يشكل القوة الدافعة لفعالية المؤسسة ونجاحها وعلى أساس كفاءته ومؤهلاته تتحقق مدى كفاءة المؤسسة. لذلك تشير بعض الدراسات لاهتمام المؤسسات بكيفية الوصول لاستغلال الطاقات والقدرات الكامنة في الأفراد، مع إيجاد أفضل السبل للاهتمام بهم لتحقيق معدلات إنتاج أفضل والاستجابة لمختلف توجهاتهم وتطلعاتهم الاقتصادية والاجتماعية وتلبية حاجاتهم ورغباتهم. فالبيروقراطية محدودة القدرات تقوض من قدرة النظام على تحقيق أهدافه، وتكون هناك صعوبة عليهم في تلك الحالة أن يقوموا بتنفيذ السياسات بشكل كفء، حتى لو كانت القيادات لديها الخبرة لفهم أي سياسات ستحقق العوائد المطلوبة. والعكس فكلما امتلكت البيروقراطية قدرات عالية كلما قام السياسيين بتفويضها أكثر في التصرف بحرية خاصة ولا ينبغي الخلط بين نقص المعلومات وضعف القدرات لأنهما مشكلتان مختلفتان، ولذلك فربما يكون لدى كبار البيروقراطية المعلومات والخبرة لكنها لا تكف في ظل ضعف قدراتها ومهاراتها John D. Huber& Nolan McCarty, 2004))، وكذا إن ضعف قدرات البيروقراطية لا يؤثر فحسب على عوائدها في ظل نقص الكفاءة، بل يؤثر على صنع السياسات ويقلل من حوافز البيروقراطية للامتثال للتشريعات. وذلك فهي ليست فحسب غير كفء وأقل نجاحاً في تنفيذ السياسات المخططة، ولكن أيضا من الصعوبة السيطرة عليها بسبب عدم كفاءتهم (Haruţa, C. & Radu, B.,2010).

و لكى يمكن فهم دور البيروقراطية وكيف يمكن بناء قدراتها ومهاراتهم من أجل بناء المؤسسات، لا بد من التعرف على العوامل التي تؤثر على قدرة الجهاز الإداري على أداء الأعمال بكفاءة. لقد أشار داونز لخمسة أنواع من التحفيزات للموظف العام وهى النفوذ والمال، والدخل، والملاءمة، والمكانة الاجتماعية، والأمن. كما أن هناك عدة معايير ترتبط بقدرة البيروقراطية على القيام بوظائفها كما أشار ريجز، ومن هذه المعايير:

- مدة عملها والتي ترتبط بالالتزام طويل المدى، فالقيام بوظائفها يتطلب قدرات إدارية محددة إلا أن لديها مصلحة في الاحتفاظ بمناصبها ومن ثم رواتبها لفترات طويلة بما يجعلها محفزة لاستخدام مكاتبها لأسباب قد تكون سياسية.

- الدخل (الرواتب) هو ثاني المتغيرات التي تحدد للبيروقراط القيام بوظائفهم السياسية والإدارية. مثل نظم الأجور والتعويضات والترقيات، لذلك نجد أن بعض القطاعات الحكومية المعروفة بنظم أجور متميزة تجذب مزيد من الموظفين للعمل فيها مقارنة بغيرها من القطاعات الحكومية. و في بعض الدول تقوم البيروقراطية باستخدام الرشى والفساد لزيادة مستوى دخولهم القانونية المحددة-على عكس الحال في الحكومات الديمقراطية- بما يساهم في الانهيار الذى يقود البيروقراط للبحث عن حماية وتعزيز مصالحهم وعدم الارتياح بشأن الأوضاع السائدة.

- وأخيراً المتغير الثالث حيث أشار ريجز إلى اعتمادية البيروقراط، على عكس البيروقراطيات التقليدية نجد أن المعاصرة على درجة عالية من الاعتمادية ويرجع ذلك الى المهام المتزايدة مع توقعات المواطنين وكذلك تؤثر شبكة العلاقات غير الرسمية للبيروقراطية على درجة استجابتها للإصلاح وعلى أدائها واستفادتها من برامج التدريب. ومن ثم ولكي يمكن بناء المؤسسات ينبغي بناء قدرات العاملين من خلال فهم العوامل التي تؤثر في عملهم وقدراتهم. (Riggs, F.W.,2009).

وفي السياق نفسه ، أضافت بعض الأدبيات مجموعة أخري من العوامل ، ومنها : بيئة التنظيم الإداري، والتي تتكون من مستويات عدة ، فالمستوى الأول يتكون من عوامل مثل الثقافة والتاريخ والاقتصاد والتكنولوجيا، ويناقش المستوى الثاني طبيعة السياسة، تنظيم الحكومة، طبيعة الوظيفة البيروقراطية، ويتناول المستوى الثالث عوامل خارجية مثل، الدعم السياسي وبيئة السياسة، وعوامل خارجية مثل المعرفة ، والتماسك والقيادة وكل هذه المستويات بما فيها من تغذية راجعة ويؤثر ذلك على مخرجات السياسة .تؤثر هذه المستويات على دورة حياة المنظمة من حيث وجودها أو إنهاء عملها أو دمجها . وأكثر المستويات تأثيرا في قدرة البيروقراطية هو المستوى الثالث لأنه يحدد ما إذا كانت البيروقراطية لديها أو ليس لديها دعم السياسة. فدعم البيروقراطية يتضمن دعم كل من المواطنين والحكومة الذين لديهم أنشطة التي ترتبط بدرجة كبيرة بالإجراءات والمهام التي تؤديها البيروقراطية. بيئة السياسة يمكن شرحها عبر وظائف السياسة التي يمكن أن تكون توزيعية أو تنظيمية. والعوامل الداخلية تشير إلى المعرفة التي تمتلكها البيروقراطية بمعنى المعلومات والخبرة والانسجام تجاه مؤسساتها وأهدافها، وأخيرا القيادة بما تتضمنه من الكفاءة في ممارسة السلطة الأعلى والمهام الأساسية لمؤسسة إدارية تقوم بالإعداد للسياسات، وتشارك في صنع القرارات وتقدم سلع وخدمات ويؤثر كل ذلك على قدرات البيروقراطية وعلى قيامها بالأدوار المنوطة بهم بكفاءة Meier, K.J. and Bohte, J., 2007)).

ولذا فما توصلت إليه الأدبيات المختلفة أنه لكى ينجح الاصلاح المؤسسي أو بناء المؤسسات يجب على حكومات الدول النامية القيام بإصلاح وتطوير نظم الخدمة المدنية وإصلاح الإدارة العامة وذلك بتبني منظومة شاملة للإصلاح منها: اصلاح الهيكل التنظيمي (تقليل عدد الموظفين الحكوميين)، واستخدام ميكنزمات القطاع الخاص(الخصخصة، التعاقد الخارجي).وكذا إصلاح مسألة الانفاق والموازنات الحكومية(وضع ميزانيات جديدة، نظم للضرائب)، وإصلاح أداء القطاع الحكومي (تعزيز أدوات القطاع العام ومستوياته ومهنية موظفيه خاصة أن المستويات العليا يتم تغييرها مع اهمية وجود نظم لتقييم وقياس الأداء، ولا يوجد توحيد لنظم تطوير العمل). والعمل على تطوير نظم المتابعة والتحكم، استخدام تكنولوجيا المعلومات لتحسين الخدمات الحكومية Liebert& Stephen E. Condrey,2013)). بل والأكثر من ذلك أن نجاح تلك الإصلاحات يتوقف على درجة تفاعل البيروقراطية واستجاباتها لهذه الاصلاحات إذ تتجاوب في بعض الحالات بشكل إيجابي أو أنها تقوم بالمناورة بناء على ما تمتلكه من معلومات وخبرات فيما يخص صنع السياسات وقدرتها على الاتصال المباشر بالجماهير. ولا يعنى ذلك أن البيروقراطية تكون ضد فكرة الإصلاح بشكل مطلق، ولكنها لا بد أن تكون شريك في وضع سياساته. فتحقيق الإصلاح والتنمية يعد تحدياً للبيروقراطية وإجراء إصلاحات هيكلية قد تأخذ وقتاً وجهوداً في التنفيذ وإحداث تغيير في الثقافة التنظيمية مما قد يؤثر على الاهتمام ببرامج التنمية وتنفيذها و يؤثر علي المهنية والاحترافية للبيروقراطية بحكم مسئوليتها عن تقديم الخدمات رغم عدم امتلاكهم القدرات اللازمة (2014 Rahardhika Arista Utama)

ب‌- دور تنمية قدرات البيروقراطية في تعزيز بناء المؤسسات وتحقيق أهداف التنمية

تشير الدراسات إلى أن البيروقراطية لها تأثيرات هامة على العوائد السياسية والاقتصادية والاجتماعية. فالبيروقراطية القوية والمنظمة بشكل جيد تساهم في النمو الاقتصادي كما هو الحال مع اقتصاديات جنوب شرق أسيا في التسعينيات. وذلك إذ أن الطريقة التي تُنظم بها البيروقراطية داخل الدولة تعزز من فرص تقليل الفقر. وبشكل عام، هناك مؤشرات حول عوائد البيروقراطيات مثل ما قدمته دراسة ايفان ورخ التي رغم أنها تكاد تكون الوحيدة في مجال المقارنة إلا أنها قدمت نظرة رائدة لهيكل البيروقراطية في بعض من الدول التي اختبرت معدلات غير متوقعة من النمو وكان للبيروقراطيات المستقلة أو المحايدة دور رئيس بدءاً من عملية توظيفها وحتى وسائل تقييم أدائها Evans.P and Rauch, J ,1999)).

وفي تفسير دور البيروقراطية كأداة لتحقيق التنمية، تشير الدراسات إلى أن مشكلة تحقيق التنميـة تكمن جزئياً في قصور تنفيذ خطط الدولة في عملية إدارة التنميـة (وتنفيذ السياسات هي الوظيفة الأصيلة للبيروقراطية) ، فتنفيـذ البيروقراطية لخطة التنمية تكون موضع اهتمام الحكومة والمواطن. كما تعد القرارات التـي تصـدرها البيروقراطية لتنفيــذ تلك الخطــة مصــدرا هامــا للحكــم علــى مــدى كفــاءتها و فعاليــتها فـي تنفيـذ السياسـة العامـة للدولـة. وكذلك فهي تؤثر سلباً في تحقيق أهداف التنمية التي في حال عدم إشراكها في وضعها فهنا قد يواجه النظام السياسي بيروقراطية ذات نفوذ كبير قد تعرقل تنفيذ خطط التنمية. كما أن التنمية لا تتحقق في ظل ضعف الأداء الوظيفي للبيروقراطية والمتمثل في الإجراءات الروتينية والتعقيد في أساليب العمل، مما يجعلها غير قادرة على الوفاء بمتطلبات المواطنين وخدماتهم خاصة في ظل ارتفاع التكلفة الاقتصادية للخدمات وانخفاض إنتاجية وكفاءة العمل الحكومي Evans.P and Rauch, J ,1999)).

ويضاف إلى ما سبق أن إشكاليات مثل ضعف نظم التدريب وافتقاره إلى خطط واضحة ومحددة توثر على قدرة الكوادر البشرية على القيام بدورها. وتنعكس تلك السمات على شيوع ظواهر مثل الافــراط فــي الرسميـــة والشــكلية، والجمــود ومقاومـة التغييـر، والتقوقـع، وتحويـل الوسـائل إلـى غايــات، والفساد الإداري الذى يتراوح من استغلال الوظيفة العامة والرشى. وذلك فضلًا عن شيوع ظواهر المحسوبية والمحاباة، وتبادل المنافع، وتعامل البيروقراطية مع المواطن بقدر من الإهمال، والتسيب مما يؤدي إلى التراخي في ممارسات العمل وينعكس بالأيلا سلبًا على تحقيق أهداف التنمية (Dahlström,C, Lapuente ,V& Teorell,2 (2011)

ومن جهة أخري، تبدو الصورة النمطية أو الشائعة عن البيروقراطـية فـي معظم الدول النامية كمعوق لعملية التنمية وليس دافعـا لهـا، وأن المشـكلة التـي تعـاني منهـا هـذه الـدول هي البحـث عـن الوسائــل الكفيلـة بتحقيـق التـوازن بـين البيروقراطية ومؤسسات النظـام. وذلك يؤدي لاختلال التـوازن لصـالح الأولى إذ تخضع السياسات والخطط العامة لتـأثيرات عديـدة مـن البيروقراطـية وخاصة عندما يتعلق الأمر بتنفيذ الأهداف، والاختيار بين مجموعة من الوسائل وتقديم التوصيات لرفع كفاءة هذه الأهداف. فالنظــام السياســي يضــع الغايــة، والجهــاز الإداري يحــدد الوسائل، ويكون دور النظــام السياســي الوصول إلى هذه الغايات ويتوقف ذلك على مدى كفاءة الجهاز الاداري في تحقيقه لهذه الغايات Jreisat,J,2009)). وذلك إذ تشكل البيروقراطية كما أفاد ريجز طبقة حاكمة لها مصالحها الخاصة. ومن ثم تكون لهيمنة البيروقراطية وسيطرتها تأثير واضح وكبير على مستقبل المؤسسات. وعلى العكس، فإن تحقيق التنمية السياسية يتطلب وجود بيروقراطية تنافسية لا يمكن الوصول إليها دون تقوية القواعد الإدارية والقانونية المرتبطة بعمل البيروقراطية، ويجب ألا يتم ذلك على حساب التنمية السياسية، بل يجب أن يدعم كل منهما تحقيق الآخر. وهناك رأي للباحثين يقول بأن النظم السياسية والإدارية الكفء عادة ما يتواجدون ويتعايشون معاً فهي ليست منافسة صفرية. ولقد تنامت الأجهزة الحكوميـة في الدول النامية بشكل متسـارعاً ـ وذلك بفعـل تعـاظم دور الدولـة فـي التنميـة وتحولها لمركـز قـوة فـي المجتمـع تسـيطر علـى مـوارد هائلـة دون رقابـة حقيقية وفعالة. ولقد اقترن هـذا بنمــو متعثــر وبطــيء للغايــة فــي الهيئــات الأخــرى للدولــة (خليفة، عزمي، 1979)

وفيما يتعلق بعمل البيروقراطية تبدو مجموعة من المتغيرات مثل الابتكار والابداع والتغيير على درجة عالية من الأهمية إذ تعمل كمحفزات وعوامل مساعدة لتسريع المضي قدما نحو تحقيق التنمية. فإن البيروقراطية تواجه تحديات في هذا الاطار ترتبط بمسألة التغيير والإبداع، وهذه المتغيرات من أهم مرتكزات بناء المؤسسات، وتؤكد الدراسات المختلفة أن الانتقادات الموجهة للبيروقراطية في الدولة النامية هي أن معظمها أنظمة جامدة ، وليس لديها قدرة على التغيير أو الابداع . وأنها عادة ما تبحث في وضع المعايير والروتين فيما يتعلق بإدارة المنظمات العامة بما يسبب عدم المرونة ومقاومة التغيير. وربما ينتج عن عدم التدريب المستمر، عدم الانتظام والجمود وعدم المرونة في تطبيق المهارات المطلوبة وربما يؤدى هذا التغير إلى مزيد من المركزية والحفاظ على عدم حيادية النظام. فتنمية الإدارة ينظر إليها باعتبارها جانب رئيس في تطوير المجتمع وبسبب المشاكل – العيوب التي تتعلق بالجمود وغيرها Jreisat, J. E, 2012))

وفيما يتعلق بالعلاقة بين الإدارة العامة والتنمية، فنجد أن قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 50/225 في مايو 1996 أشار إلى "سرعة وترابط التطورات العالمية والسياسية والاجتماعية وآثارها على الدول النامية"، وشدد على وجود "حاجة ماسة لتحسين الكفاءة والمؤسسات العامة والإجراءات الإدارية والمالية لتسخير التحديات دعما للتنمية المستدامة، وذلك إذ أن فعالية الحكومة تتطلب إدارة عامة تتسم بالكفاءة والفعالية وتستجيب للمواطن، وتعزز العدالة، وتهيئ بيئة مناسبة للتنمية. فالإدارة الشفافة الداعمة للمساءلة تعد من أهم المرتكزات التي لا غنى عنها لتحقيق التنمية ويتطلب ذلك إجراءات حكومية شفافة اعتمادا على نظم إدارية كفء وفعالة ومجهزة بالقدرات. (1995Un Resolution No. 50 /225,)، ومن ثم أكدت بعض التجارب الناجحة على أهمية قيام الحكومات بإصلاحات مؤسسية مثل اللامركزية وتوفير آليات لمكافحة الفساد، والمساءلة، والمشاركة الايجابية في وضع الحزم والبرامج التدريبية التي تقدمها معاهد الإدارة. وتلعب البيروقراطية دور حيوي في تحقيق أو إعاقة مبادئ الحوكمة و التي تعد من أهم مرتكزات التنمية المستدامة، وتشير مؤشرات الحوكمة العالمية التي يصدرها البنك الدولي منذ عام 1996 إلى مجموعة من المؤشرات من أهمها، الفعالية الحكومية، وجــودة الخــدمات الحكوميــة والخدمــة المدنيــة ومؤشر جودة الأطر التنظيمية والتي تعكس مدى قـدرة المؤسسات الحكومية علـى صـياغة وتنفيـذ السياسـات العامة ويعكس حدوث تراجع أو تحسن في بعض المؤشرات يعكس حالة التنمية في تلك الدول (,1996 Worldwide Governance Indicators). وفي هذا الاطار، سيكون من المفيد بعد التعرض لدور البيروقراطية في بناء المؤسسات ومن ثم المشاركة في تحقيق التنمية في الدول النامية، التعرف على أهم التحديات التي واجهت حكومات تلك الدول في تعزيز قدرات البيروقراطية وكيف تعاملت معها من خلال الاشارة لمجموعة من الامثلة من واقع الخبرات المختلفة.

رابعاً عرض لأهم التحديات التي واجهت الدول النامية في تعزيز قدرات البيروقراطية

كانت السياق الذى نشأت فيه البيروقراطية وحالتها وخصائصها إبان الاستقلال أحد أهم معوقات عمليات بناء المؤسسات في الدول النامية منذ المبادرات الأولى الداعية لمنح مساعدات لتلك الدول لبناء مؤسساتها. ولقد اتسمت بيئة عملها بالمركزية الشديدة مما أدى لتفتيت المسؤوليات وازدواجية الوظائف التي تقوم بها، فانعكس على مرونة البيروقراطية وأثر سلباً على وجود إدارة كفء وفعالة. وكذا ساهم في عدم حيادتها السياسية وتحولت لأداة في يد بعض نظم الحكم (,2017 Souza) وصار هدف البيروقراطية ليس خدمة المواطنين، بل النظام الذى صار خدمتها له دالة في تقييم أداءها وفي تلقيها للحوافز، ومن ثم عمدت بعض الحكومات الدفع بالمستويات العليا من الإداريين الوصول للمناصب القيادية بدون امتلاك مؤهلات تلك الوظائف وعدم تمتعها بالجدارة. مما انعكس على دورها وتفاعلها مع النظام والمجتمع (Primanto, Aji, Suwitri, Sri & Warsono, Hardi ,2014) . ولقد واجه عمليات بناء المؤسسات ودور البيروقراطية في هذا الاطار كمكون رئيس لها مجموعة من التحديات بعضها يرجع للمؤسسات الدولية والمانحين وبعضها سببه الحكومات الوطنية وبعضها تسببت فيه البيروقراطية نفسها، وبعضها مزيج من كل ذلك، وكان من أهم التحديات:

التحدي الأول: انتشار الفساد وضعف أطر المساءلة تأثير على ضعف بنية المؤسسات ومخرجاتها فانعكس لاحقا على برامج وخطط الاصلاح المدعومة من المنظمات الدولي والتي لم تستطع التعامل مع اشكاليات الفساد وتأثيراتها السلبية على عوائد التنمية. كما لم تستطع الخطط الحكومية مكافحته أو حتى تقويض السلطة التقديرية الممنوحة للبيروقراطية (Discretionary power) بهدف إنجاز أعمالها والتي استخدمتها الأخيرة لتحقيق مصالح خاصة بها. فانعكس مصدر القوة هذا على دورها وعلى عدم وجود تصور مشترك بين إنفاذ القانون وفهم اللوائح وتنفيذها، وذلك في ظل ضعف الأطر الأخلاقية المنظمة لها، والامتثال القانوني فضلا عن عدم الاستقرار في المؤسسات التي كانت دورها بالأساس مكافحة الفساد. فصار الفساد أبرز الظواهر المؤسسية، التي عانت منها كل المؤسسات خاصة في ظل غياب الشفافية وضعف أطر المساءلة وكان معوق رئيس في طريق إعادة بناء المؤسسات وإصلاحها (Rice, M. 1992).

ومن أمثلة ذلك ، البرازيل والتي عانت لفترات طويلة من فساد البيروقراطية إلى حد أن اعتبرتها بعض الادبيات أحد معوقات تحقيق التنمية ، فكانت مستويات المعيشة متدهورة وكان مستويات عدم المساواة الاجتماعية مرتفعة للغاية ، ومن ثم كان تحسين حياة المواطنين ومعادلة مستويات عدم المساواة المرتفعة التي عانها المجتمع ومكافحة انتشار الفساد هي من الأهداف التي وضعها النظام ومن ثم طورت البرازيل استراتيجية متكاملة للتعامل مع هذا التحدي: قامت الحكومة بالعمل على إنجاح سياسات التنمية إشراك البيروقراطية في الإعداد لها وقطعا في تنفيذها في ذلك مثل سياسات إعادة التوزيع المتمثلة في برنامج الاسرة (بوليسا فاميليا). وكذلك طورت مجموعة من الآليات لمكافحة الفساد توقف نجاحها على دور البيروقراطية، فقامت بتطوير المؤسسات المعنية بمكافحة الفساد، وزادت من مخصصاتها المالية وطورت من الاطار التشريعي والقضائي، وشددت من الاحكام القضائية وأعلنت تنفيذها سريعًا وبشكل حاسم. وأيضا ثم قامت بتفعيل دور الهيئات الرقابية المعنية بالمساءلة باعتبارها تشكل الجهة الأساسية المكلفة بالتحقيق في قضايا الفساد واستعادة أملاك الدولة، وتفعيل استراتيجيات مكافحة الفساد وضبط عدد كبير من قضايا الفساد، من أهمها: بيع وتخصيص الأراضي المملوكة للدولة لغير المستحقين. وكذلك التحقيق في مخالفات متعلقة بكبار رجال الدولة وأعضاء مجالس الإدارات والقيادات وفي ما يتقاضونه من حوافز دون وجه حق وهى مخالفات ترتب عليها إهدار للمال العام. وكذا عمدت الحكومة الاهتمام بالهياكل التنظيمية في المؤسسات خاصة تلك المرتبطة بالابتكار والبحوث لتغييرات مختلفة. ومن ثم ارتفعت حصة المؤسسات في الإنفاق على البحث والتطوير من 15٪ إلى 20٪ بين عامي 1990 و1997. وارتباطا بذلك فإن هياكل المؤسسات يمكن أن تشكل متغيرات تفسيرية صالحة لنتائج التنمية في ظل مستويات عالية من الاستقلال ومع قدرة البيروقراطية على التكيف وانعكاس ذلك على التنمية وتحقيق الاستقرار (Sérgio Praça,. Taylor.M ,2014; Vanessa Elias de Oliveira& Gabriela Spanghero Lotta,2018 ).

التحدي الثاني: ضعف قدرات البيروقراطية ومهاراتها، وأحد أهم التحديات التي واجهت الدول النامية عدم قدرة أو نجاح البرامج التدريبية المقدمة لها في تحقيق أهدافها وتحسين مهاراتهم وتغيير سلوكياتهم وعدم القدرة على تعزيز قيم مثل الابتكار والابداع واخلاقيات العمل، وذلك بفعل الثقافة التنظيمية المقاومة للتغيير، ورفض أي مبادرات للإصلاح أو التطوير لبناء المؤسسات وقدراتها. فلم تفلح محاولات الإصلاح لعدم اعتبار المكون الثقافي فيها عند تصميم تلك البرامج وعدم إشراك البيروقراطية في تحديد احتياجاتها التدريبية. وارتبط ذلك البعد الثقافي بدرجة كبيرة بتراجع مؤشرات وموقع الدول النامية في تقارير عن سهولة ممارسة الأعمال والتنافسية العالمية. ومن ثم تحولت البيروقراطية لأداة جامدة وذات جودة منخفضة، بل عملت لصالح تأكيد امتيازات لها مما أثر على دورها وزاد تضخمها من صعوبة السيطرة عليه Luiz Carlos Bresser,1999)).

ومن أمثلة ذلك، في اندونيسيا إذ واجهت الحكومة هذا التحدي بتحديد استراتيجيات مختلفة لتضمين البعد الثقافي وتأثيراته على استجابات المؤسسات لبرامج وخطط الاصلاح وبناء المؤسسات الموحدة والتي لم تكن بالطبع متماثلة بفعل اختلاف السياق التاريخي والاجتماعي الذى تعمل فيه هذه البيروقراطية، فقد تستجيب بعضها بالتعطيل حيث تدعى تلك المؤسسات وجود قصور ذاتي لديها وتتسم بالجمود ودرجة منخفضة من الجماعية ودرجة عالية بالتقيد بالقواعد. ومن ثم كانت البرامج المقدمة لها مختلفة بكثير عن تلك التي كان تستجيب للإصلاح بشكل شكلي، وخاصة أن تلك المؤسسات كانت بمستوى عالٍ من التنظيم والتقيد بالقواعد في التفاعل الاجتماعي. وكلاهما مختلف بطبيعة الحال عن تلك التي كانت تستجيب للإصلاح بتحويله إلى مصلحة فردية أو شخصية تتسم تلك المؤسسات بدرجة منخفضة من الجماعية، وذلك إذ تصبح المصلحة الفردية أكثر أهمية من الجماعية مع ضعف المساءلة، مما حول الإصلاح إلى وسيلة للمكاسب من المناصب العامة (Mamadouh, V , 1999).

التحدي الثالث: أن حجم التحولات والمتغيرات التي يجب أن تأخذ في الاعتبار عند إجراء الاصلاحات وبناء المؤسسات مقارنة بعملية بناء المؤسسات في الدول المتقدمة وفق لخطة مارشال كانت متزايدة واستثنائية. فبرزت سمات الصعوبة والتعقد مع الحاجة للعمل في الوقت نفسه على أكثر من عملية تغيير هيكلي. فمثلا كان هناك حاجة إلى تبنى نظم التغير التكنولوجي والتحول للإدارة العامة الجديدة ومبادئها بالتركيز على النتائج والمخرجات والشراكة مع المنظمات غير الربحية والقطاع الخاص في تقديم الخدمات. وكذلك الاستجابة لدعوة المؤسسات الدولية الدول النامية للانتقال بسياساتها وتبنى نموذج تنموي جديد فضلا عن تـأثيرات العولمة في تحويل الهياكل التنظيمية للمؤسسات العامة وجعلها أفقية، وتعديل نظم المعلومات والإدارة، والمنافسة بين مقدمي الموارد الداخلية وتبنى نموذج بعينه الإصلاح للاستفادة بمزاياه ثم التأكيد على أهمية تطبيق مبادئ الحوكمة (الشفافية والمساءلة ........) الأمر الذى صعب على حكومات تلك الدول عملية بناء المؤسسات إذ كان عليها أن تتعامل مع كم هائل من التغييرات في وقت متقارب (Horhoruw, Maggy et al,2010).

ومن أمثلة ذلك، في اندونيسيا وللتعامل مع تأثيرات جملة التحولات العالمية تم تطوير خطط عمل متنوعة إذ تم اعتماد برنامج لبناء وتنمية القدرات البشرية العاملة في الجهاز الإداري ومشروعات مثل تأهيل القيادات الشابة بالجهاز الإداري، التدريب على اللغات المختلفة، وتطوير برامج للتعامل مع الموارد البشرية في المستويات والمسارات المختلفة (التمهيدي والمتقدم) ولكل برنامج مجموعة من الأهداف التي تهدف للتعامل مع التحديات الداخلية والخارجية المرتبطة ببيئة العمل. وتطوير برنامج لتحديث وتطوير البنية المعلوماتية ويهدف لبناء قواعد بيانات موحدة لخلق مجتمع معلومات متكامل وجهات حكومية تتبادل البيانات لتعظيم موارد الدولة وخفض الإنفاق (Primanto, Aji, Suwitri, Sri & Warsono, Hardi ,2014 ).

وفي مصر، كانت هناك أيضا تحديات انعكاس للعولمة والمتغيرات الدولية وارتبطت بمشاكل ترهل الجهاز الإداري وضعف كفاءته وتعقد هياكله التي شبهه روبرت سبرنجبورج، أستاذ بجامعة لندن أنه أشبه بأنابيب الموقد (stovepiping) ويعنى وجود العديد من المسارات عمودية متوازية، وذلك لتدفق المعلومات من القاعدة إلى الرأس دون تبادلها أفقيًا. وذلك فضلا عن وجود الآلاف القوانين المعطلة والتي مثلت عقبة أمام أهداف النظام . ومن ثم تم إنشاء منظومة الشكاوى الحكومية الموحدة وإدارات ومكاتب خدمة المواطنين واستحداث إدارات مختصة لمكافحة الفساد المالي والإداري، واتخاذ إجراءات التحول الرقمي لتعزيز الحوكمة الإدارية والمالية. وتبنت الحكومة إجراءات تهدف لإنشاء جهات إدارية لإتمام مهام يفترض أن تقوم بها جهات ما والاستعانة بجيوب إدارية أكثر كفاءة بعيدًا عن البيروقراطية (Mohamed Hamama and Osman El Sharnoubi,2019).

التحدي الرابع: وارتبط بنشأة البيروقراطية ودورها ووظائفها وأهدافها والتي كان على رأسها تحقيق التنمية وتحسين حياة المواطنين. فالبيروقراطية تساهم في تحقيق التنمية مباشرة بتنفيذها للسياسات بكفاءة وفعالية. وذلك إذ يعد عدم التنفيذ الجيد لتلك السياسات أحد المعوقات فيما يتعلق بالتنمية وبرامجها. وتساهم المبالغة في تطبيق مبادئ البيروقراطية من (التعقد والروتين،...) في تعطيل تنفيذ أهدافها بما يؤثر على جودة حياة المواطنين ومؤشرات التنمية بأبعادها. وما زاد من تعقد الأمر فيما يخص عمل البيروقراطية على تحقيق معدلات تنمية أفضل ما واجهته من أزمات داخلية (اقتصادية – سياسية - اجتماعية) في ضوء ما فرضته متطلبات وبرامج بعض المنظمات مثل الأمم المتحدة والبنك الدولي لبناء المؤسسات وتحقيق الأهداف الإنمائية ومبادئ الحوكمة.

ومن أمثلة ذلك، في أندونيسيا هدفت بعض الدول في سعيها لبناء مؤسساتها إلى تقليص الفجوة بين المخططات والرؤى الحكومية بشأن التنمية المستدامة ودور البيروقراطية بتحقيق ذلك الهدف، وهناك مجموعة من العوامل الحاكمة لقيام الجهاز بدوره فيما يتعلق بتنفيذ أو عرقلة سياساتها وتحقيق التنمية. ومن أهم تلك العوامل: طبيعة العلاقة بينه وبين النظام والمواطن، ومدى استفادة البيروقراطية من عوائد التنمية ومشاركته في صنع السياسات ومقارنة ذلك بالمكاسب التي تعود على الموظف العام من جراء عرقلة خطط التنمية تلك (انتشار الفساد). ويرتبط ذلك بدور الأجهزة الرقابية بالكشف عن أي قضايا فساد بالجهاز الإداري وقيام المحاكم بسرعة الفصل. و تبنى برنامج لإصلاح البيروقراطية الذى هدف لتطوير إدارة حكومية تتسم بالمهنية، والشفافية والتشاركية، وجعلها خاضعة للمساءلة ونظيفة وخالية من الفساد Primanto, Aji, Suwitri, Sri & Warsono, Hardi,2014; Nurdiana Gaus, Sultan Sultan & Muhammad Basr,2017))

التحدي الخامس: ويرتبط بطريقة عمل البيروقراطية، وشكل هياكلها التنظيمية التي كلما تعقدت وتعدد مستوياتها أثر ذلك على خطط إصلاحها وعلى بناء المؤسسات. ولذلك يكون هناك حاجة لتبسيط الهياكل التنظيمية المعقدة من خلال فصل وظائف الإشراف والمراقبة عن الإنتاج والخدمات، ودمج المتكرر والمتقارب من الأنشطة (والإدارات). وكذلك دعم استمرارية واستدامة السياسات والبرامج، وأيضا عدم التوسع في المستويات التنظيمية وإعادة التنظيم واستحداث وتعديل أدوار إدارات بعينها. وكذلك وضع منهجية مؤسسية لإعادة الهيكلة.

ومن أمثلة ذلك، في مصر، ومنذ الاستقلال وحتى السنوات الأولى من الألفية الجديدة، عانت الحكومات المتعاقبة من تحديات داخلية عدة لإعادة بناء مؤسساتها، ومنها وجود ازدواجية في الاختصاصات داخل القطاع الواحد أو في قطاعات مختلفة للعاملين بالجهاز الإداري بالدولة الأمر الذى قد وصل أحيانا من ضعف التنسيق إلى وجود صراع بين المؤسسات. وكذلك ضاعف من المشكلة مسألة خلق كيانات أو مراكز موازية، وعدم استعداد كبار الموظفين تفويض مـسؤولياتهم واسـتئثارهم بالـسلطة لا يـساعد المرؤوسين على تنمية قدراتهم ومهاراتهم في مجال اتخاذ القرارات. وبالإضافة إلى رفض المرؤوسـين قبول وتحمل المسؤولية وافتقارهم للمهارات اللازمة لإنجاز المهام بالإضافة إلى أن تفويضها يترتـب عليه مشكلات عدة وبطء في إجراءات العمل. وكذلك حجم الجهاز الإداري المتضخم، وزيادة حجم موظفيه بشكل يزيد عن حاجة العمل مما يؤدى لتفشى البطالة المقنعة في الحكومة، وتشكل رواتبهم عبئا كبيراً على الموازنة العامة وعلى أداء هذا الجهاز الحكومي لوظائفه بفعالية وكفاءة مما انعكس سلبا على تحقيق عوائد التنمية فضلاً عن تعدد التشريعات وعدم وجود معايير وقواعد واضحة ومحددة مما أدى إلى المزيد من التداخل في المهام والمسئوليات وازدواج في الأدوار بينهم مما انعكس على زيادة الصراعات التنظيمية والإدارية وزاد من صعوبة التنسيق والمتابعة والتقييم (إسماعيل، ممدوح ،2005، بالمر، مونت وآخرون، 1994).

ومن ثم طورت الحكومات من الاستراتيجيات للتعامل مع معضلة تبسيط الهياكل التنظيمية في الجهاز الإداري وإعادة هيكلتها إذ تتطلب وقت وجهد كبيرين، ومن ثم أوضحت الخطط الحكومية المختلفة أن تنفيذ سياسات التطوير المؤسسي إعادة التنظيم الإداري للجهات التابعة للوزارات، ودراسة قوانين وقرارات إنشاء الجهاز الإداري وتحليل اختصاصاتها للوقوف على مواطن التشابه. وكان من أهم خطوات اصلاح الهياكل التنظيمية تطبيق قانون الخدمة المدنية الجديد 81 لعام 2016 ولائحته التنفيذية وبالأخص المادتين" 9 و75" من القانون، والتي نصتا على ضرورة أن تضع كل وحدة هيكلاً تنظيميًا لها معتمد من السلطة المختصة. وبعد أخذ رأي الجهاز يتضمن تقسيمها إلى تقسيمات فرعية تتناسب مع أنشطتها وحجم ومجالات العمل بها. وذلك إذ تضع كل وحدة جدولاً للوظائف مرفقًا به بطاقات وصف كل وظيفة. وتتضمن تحديد مستواها الوظيفي وطريقة شغلها. وكذلك ضرورة أن تلتزم الوحدات بتحديث الهياكل التنظيمية، وبطاقات الوصف، وحصر الخدمات التي تقدمها وإجراءاتها وشروطها، وذلك في مدة لا تجاوز عاماً من تاريخ القانون (الحصري، طارق 2018).

وكذا قام الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة باستحداث بعض التقسيمات التنظيمية في وحدات الجهاز الإداري، وهي التخطيط الاستراتيجي والسياسات، والتقييم والمتابعة، والمراجعة الداخلية، والموارد البشرية، والدعم التشريعي إلى جانب نظم المعلومات. وقدمت الحكومة خطة لبناء قدرات العاملين بالمؤسسات الحكومية وتأهيلهم للقيادة وتنفيذًا لاستراتيجية التنمية المستدامة؛ رؤية مصر2030، وبرامج الموظفين الجدد، وبرامج حسب المسار الوظيفي إذ يتم تدريب الموظف عدد ساعات تدريبية معينة ليترقى، وبرامج بناء قدرات الصف الثاني وهى للإدارة الاشرافية الوسطي. و برامج بداية جديدة وهو مخصص للخارجين علي المعاش يقدم رسائل بشأن بقدرتهم علي العطاء و برنامج للقيادات وهو برنامج بناء قدرات القيادات العليا حول موضوعات مختلفة منها الإدارة الاستراتيجية، قيادة التغيير، وغير ذلك. وتم تصميم الاستراتيجية الوطنية لبناء وتنمية قدرات موظفي الجهاز الإداري، وهدفت التعرف على تأثيرات ونتائج تلك الدورات والخطط التدريبية على الاداء الفعلي للجهاز الحكومي وقياس مدى نجاحها في تغيير سلوك العاملين أو تحسين قدراتهم أو مهاراتهم وأداء الجهاز الحكومي وعمل تقييم مستمر أو استطلاع لآراء المواطنين حول أداء الجهاز الإداري لمعرفة مدى تأثير تلك البرامج التدريبية على شعور المواطن بالتحسن في الاداء والكفاءة من عدمه (محمود، نهلة ،2020).

خامسا أهم الاقتراحات والتوصيات لنجاح بناء المؤسسات في الدول النامية

أن معضلة افتقار الدول النامية للمهارات والقدرات المهمة لا بد أن يتم التعامل معها بشكل شامل إذ لا تكف المساعدات الفنية والتنموية التي تقدمها المؤسسات المانحة -والتي قد تعكس في واقع الأمر ــ عدم المساواة والتبعية وليس روح المشاركة الإيجابية. لأن هذه المساعدات لا يبدو أنها قادرة حقاً على نقل المعرفة ــ أو على الأقل ليس بالطريقة التحفيزية التي قد تؤدي لتحقيق التنمية في تلك المجتمعات لأنها لا تسهم في دعم القدرة الوطنية. وفيما يخص العنصر البشري والذى يشكل عنصراٌ انتاجيا مثله كالأرض ورأس المال. وتعد التنمية البشرية هي مجموعة من الآليات والوسائل التي تثير الحافز لدى الفرد لكي يكون منتجا وهذا يجعله يملك القدرة على تحقيق اكبر قدر ممكن من الرفاهية والاكتفاء الذاتي في جميع جوانب حياته الشخصية، وهذا الأمر سيخلق لديه القدرة على المساهمة في بناء مؤسساته ومجتمعه. ومن ثم فإن اتباع سياسات عامة رشيدة تهدف لبناء مؤسسات قائمٍة على أساس الجدارة والتنافسية وأن العمل كبيروقراطية هي مهنة قيمة جدا للمؤسسات ومن ثم إذ أرادت الدولة النامية بناء مؤسساتها عليها تعزيز قدرات البيروقراطية لدعم مشاركتها في عملية صنع السياسات لتعزيز النمو الاقتصادي وخلق فرص عمل جيدة لتمكين المواطنين من تحسين حياتهم. وتقديم الدعم المستمر للموظفين الحكوميين من خلال:

• أولاً: التأكيد على أهمية التنسيق بين المؤسسات الوطنية المنظمات الدولية والمانحين فيما يخص برامج ومنح بناء قدرات المؤسسات، وذلك حيث يمكن الاستفادة القصوى من تلك البرامج وتحقيق أهدافها بكفاءة وفعالية. فأحد متطلبات العمل فيما يخص الخدمة المدنية أن يقوم المديرين بتعاون مكثف داخل الإدارة ومع الهيئات خارجها. وذلك من خلال استخدام عدد من الأدوات والآليات المختلفة للتنسيق في الإدارة المركزية، بما في ذلك إعداد مقترحات الميزانية. كما تم إنشاء عدد من أشكال التعاون والتنسيق بين الوكالات الخارجية والقيام بدور هام في تعزيز الحوار والتنسيق داخل الوكالات ومستويات الإدارة وفيما بينها. ويجب على مديري الخدمة المدنية، وتوضيح خطوط المسؤولية وتوزيع المهام وتنويع أشكال الاتصال من أجل تعزيز التعاون وضمان أفضل تنسيق ممكن؛ مع السعي لمنع وحل النزاعات والاستخدام المتزايد للحوافز التي تعزز التواصل والتعاون والتنسيق المناسب بين الوكالات ومستويات الإدارة؛ وتعزيز روح الفريق والخبرة الفنية باعتبارها القوة الدافعة لتوثيق التعاون مع الآخرين والمؤسسات الحكومية؛ مع الاستفادة من الفرص التي توفرها تكنولوجيا المعلومات والاتصالات (Osman, Aahad, 2004).

• ثانياَ: المشاركة أو التشاركية متطلب رئيس لبناء قدرات ومهارات البيروقراطية؛ حيث كشفت الخبرات الدولية بإن أساس نجاح تجربة بناء المؤسسات هو مشاركة المعنيين في جميع المستويات الوظيفية في عملية صنع السياسات، وليس التنفيذ فحسب دون اقصاء أي الفئات من المشاركة. وإنشاء نظامًا متطوراً لجذب المواهب وإدارتها لاستخدام التوظيف القائم على المهارات وتجارب العمل. وكذلك حجم تعويضات الموظفين ومكافأتهم بما يتماشى مع أدواره الوظيفية ومساهماته. ومن ثم بناء ثقافة تشاركية للجميع، وذلك لدعم أهداف الموارد البشرية وتنميتها، وكذلك تطورهم الوظيفي ومع العمل علي تدريب منظم لرفع مهارات الموظفين وإنشاء نظام تقييم الأداء لتحفيز الموظفين وتطوير أنظمة لتحسين والكفاءة الإنتاجية (Templer, Klaus, 2014).

• ثالثاً: أهمية تبنى وتطوير قيم الابتكار والابداع والريادة وذلك كجزء من الثقافة المؤسسية للمنظمات المختلفة إذ أن التمكين واللامركزية أساس تطوير عمل المؤسسات، فهناك حاجة للتأكيد على أهمية قيم الإبداع كجزء من الثقافة المؤسسية والسعي الدائم لتحفيز الموظفين لتبنيها، وتعزيز ثقافة الابتكار والترحيب بوجهات النظر المختلفة والاستفادة منها للتعلم .وتبنى أساليب مبتكرة في القيادة وإشراكهم الموظفين في صنع القرار المرتبط بعمل ادارة الموارد البشرية ، وذلك لضمان زيادة الانتاجية والولاء وكذلك مشاركته بكفاءة وفعالية في تحقيق أهداف المنظمة ولمنح الموظف مجالا واسعاً من الاستقلالية والفرص للمشاركة بنشاط. ومن ثم تمكين الموظف من الابتكار المستمر، والتكيف، وذلك من خلال توفير نموذج مهني مطور ومنظم يوفر فرصًا متنوعة للموظفين للتعلم والنمو وتوفير مسارات وظيفية للموظفين، بناءً على التطلعات الشخصية ونقاط القوة مع إشراك الموظفين في صنع القرار المؤسسي (Hyggen, C., & Vedeler, J, 2021).

• رابعاً: أهمية اعتماد مجموعة من القيم والمبادئ والاخلاقيات المرتبطة بالميثاق الاخلاقي الخاص بها. وغالبا ما يكون الغرض من هذه المدونات هو تحديد معايير النزاهة والسلوك التي يجب مراعاتها من قبل الموظفين العموميين، وذلك لمساعدتهم على تلبية تلك المعايير وإعلام المواطن بالسلوك الذي يحق له توقعه من الموظفين العموميين.

• خامسًا: بناء قدرات الموظفين من خلال التدريب المستمر؛ وذلك بتبني حزم مختلفة من البرامج التدريبية تقوم على التحديد الدقيق للاحتياجات، ونوع المهارات المطلوب تنميتها، مع إنشاء معاهد متخصصة للتدريب، كذلك تقديم منح دراسية وزمالات لتحفيز العاملين والتنسيق مع المؤسسات التعليمية ، وتطوير هيئات خاصة لتعزيز مهاراتهم وبناء قدراتهم ودعمها من خلال ثقافة ونظام شامل للتعلم مدى الحياة من خلال السعي وراء إتقان المهارات ، وتعزيز النظام البيئي للتعليم الجيد ، وتقديم برامج حكومية لدعم المسار المهني للعاملين وتطوير قدراتهم وذلك من خلال عدم التركيز فحسب على تطوير المهارات التقنية ، ولكن أيضًا على المهارات الشخصية ، ومن أهمها التفكير النقدي - هذه هي المهارات المعرفية اللازمة للتفكير على نطاق واسع .وكذا العمل على تعزيز ثقافة التعلم المستمر للموظف طوال حياته المهنية ،والتأكيد على أهمية تقديم حزم تدريبية للموظفين من خلال توفير فرص للترقي ومنح تدريبية وفرص للتدريب على المهارات، وتقديم الدعم المالي للموظفين خاصة في ظل الاوضاع الاقتصادية الصعبة. ووجود برامج الإرشاد والتدريب لدعم ونقل أفضل الممارسات الدولية والمهارات الفنية من الخبراء الأجانب إلى الفرق المحلية. وذلك مع انشاء معاهد للإدارة العامة للنهوض بالموارد البشرية وتقويتها لتحديد معايير التميز (Madsen, Dag, & Kåre Slåtten. 2022).

• سادساً: التحول نحو الرقمنة وأهمية تبنى أفضل نظم إدارة وبناء قواعد البيانات، وإتاحتها لكافة العاملين القطاع الحكومي مع السعي لتحسين الخدمات الرقمية، والأمن على الإنترنت، وتكنولوجيا المعلومات، والذكاء الاصطناعي، والابتكار في مكان العمل، والبيانات المفتوحة. العمل على تحديد المهارات اللازمة من خلال الاستفادة من التكنولوجيا والبيانات. وتقنيات التحليلات والتعلم الآلي على البيانات لتوفير رؤى عن مهارات الوظائف وجعلها أكثر استجابة وشاملة. وكذا توفير الرؤى التي تتمحور حول المؤسسة للرجوع إليها في تصميم سياسات تنمية قدرات البيروقراطية، حيثما كان ذلك مناسبًا. مما يساعد في استكمال الجهود المستمرة لوكالات الدولة الأخرى لتحديد الاتجاهات و دفع تنمية قدرات الموظفين ضمن اختصاصهم وتلبية احتياجات الموارد البشرية في مختلف القطاعات، انشاء نظامًا تعليميًا تقنيًا ومهنيًا لتلبية احتياجات التنمية الاقتصادية في مراحلها مختلفة" (Hyggen, C., & Vedeler, J, 2021).

• سابعًا: بناء بيئة عمل أمنه لبناء ثقافة مؤسسية مميزة، أهمية التأكيد على الصحة والسلامة المهنية وما تقدمه من أدوات وموارد موثوقة وذات صلة لتحسين برامج السلامة في مكان العمل كحقٍّ أساسيٍّ للموظفين في بيئة عمل صحية. وفي الوقت نفسه، تطوير الثقافة التنظيمية من خلال الدفع بأهمية تنمية المهارات وتأثيرها على الوضع الاقتصادي للموظف وتنمية القدرات الشخصية لتحقيق الذات وأثر الجمعي لذلك على تنمية المجتمع. والأخذ في الاعتبار تطوير برامج لتحديث بيئة العمل، فلقد غيرت جائحة COVID-19من طريقة التفكير تجاه كيفية عمل الموظفين مع دعم الموظفين بشكل أفضل. فمكان العمل الهجين هو نموذج يجمع بين عناصر كل من العمل عن بعد والعمل المكتبي وتهدف خيارات مكان العمل لتعزيز الابتكار والتعاون والإنتاجية ويمكن تكييفها لتلبية احتياجات المؤسسات (Hyggen, C., & Vedeler, J, 2021).

• ثامنًا: تبنى هياكل تنظيمية تتسم بالمرونة وذلك حيث يمكنها التعامل مع حالة عدم الاستقرار التي تعانى منها النظم الادارية في كل أنحاء العالم مع إعطاء المزيد من الصلاحيات والسلطات للمستويات الادارية مع أهمية إضفاء القيم المؤسسية وتنشط الأفراد للعمل معًا كفريق واحد ، وتنفيذ استراتيجيات خاصة لبناء فريق مستقر وعالي الأداء بما يحقق نتائج إيجابية وعدد الممارسات التي تدعم احتياجات الموظفين وإطلاق جوائز للتميز المؤسسي والتي تتنافس للحصول عليها كل المؤسسات الحكومية والعاملين بها للحصول على الجوائز (Osman, Aahad, 2004).

خاتمة

هدفت الورقة التأكيد على أهمية تنمية قدرات البيروقراطية كمتطلب أساس في عملية بناء المؤسسات التي تعد ركيزة أساسية لتحقيق التنمية. وذلك من خلال مسح للأدبيات في ثلاثة محاور حول تطور نهج بناء المؤسسات تاريخيا من بناء المؤسسات وتنميتها وبناء القدرات وتنميتها، وقضايا ومسألة ادارة التنمية، وكذا دور بناء المؤسسات في تحقيق التنمية. وتقديم مجموعة من الملاحظات حول تطور بناء المؤسسات وقضايا التنمية ، والتي كان من أهمها: أن عملية بناء المؤسسات تراكمية، وأنه ليس هناك شكل أمثل للمؤسسات التي يمكنها تحقيق وظائف بعينها ،وأن التنمية ليس لها مسار خطى أو متماثل غيرها من الملاحظات , وكذا أكدت الورقة كون البيروقراطية ركيزة أساسية لعمل المؤسسات وأن لها دور هام في تعزيز بناءها ومن ثم تحقيق التنمية ، وتناولت بالأخير مجموعة من التحديات مثل الفساد وتضخم الجهاز الاداري وضعف مهارات وقدرات البيروقراطية وسياسات بعض الدول النامية مثل البرازيل، وأندونيسيا ،ومصر في التعامل معها . وبالأخير تم تقديم مجموعة من المقترحات والتوصيات لتنمية قدارت البيروقراطية لتعزيز عملية بناء المؤسسات لتحقيق التنمية ومن بينها: التحول نحو الرقمنة تبنى أفضل نظم إدارة وبناء قواعد البيانات، اعتماد مجموعة من القيم والمبادئ والاخلاقيات المرتبطة بالميثاق الاخلاقي الخاص بها، تبنى هياكل تنظيمية تتسم بالمرونة وغيرها.

قائمة المراجع:

أ‌- باللغة العربية

- أحمد رشيد، الفساد الإداري: الوجه القبيح للبيروقراطية المصرية، (القاهرة: مؤسسة دار الشعب ،1976).

- مونت بالمر وآخرون، البيروقراطية المصرية، دراسة ميدانية، (القاهرة: مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام، 1994).

- عبد الغفار شكر، في مواجهة البيروقراطية الإصلاح الإداري وتحسين مناخ الاستثمار، سلسلة أوراق سياسات تعزيز الشفافة ومكافحة الفساد، مركز المشروعات الدولية الخاصة، القاهرة، 2009 م.

- ممدوح مصطفي إسماعيل، سياسات الخدمة المدنية في مصر: رؤية تقييمية، منتدى السياسات العامة، مركز دراسات واستشارات الادارة العامة، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة،2005 م.

- عزت، أسماء. (2023). الإصلاح المؤسسي والحوكمة كركيزة أساسية لبناء الدولة المصرية الجديدة. المجلة الدولية للسياسات العامة في مصر, 2(3) , 89-127.

- مصطفي، كمال (2017)، الطريق إلى التنمية الفاعلة، مؤسسة فريدريش إيبرت، مكتب مصر

- خليفة، عزمي (1979) البيروقراطية وعملية التنمية السياسية في البلاد المتخلفة، رسالة ماجستير غير منشورة، قسم العلوم السياسية، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة، ص 25-33.

- محمود، نهلة (2020) دور البيروقراطية في المراحل الانتقالية: دراسة مقارنة: مع التطبيق على الحالة المصرية، رسالة دكتوراه غير منشورة، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة.

- بومدين طاشمة، التوسع البيروقراطي الحلقة المنسية في عملية التنمية في الوطن العربي، دفاتر السياسة والقانون، ع 7، يونيو 2012.

- الحصري، طارق (2018) الحوكمة في الجهاز الاداري للدولة، المركز المصري للدراسات الاقتصادية.

ب- باللغة الانجليزية:

• Blase, Melvin G. (1986) Institution Building: A Sourcebook. Beverly Hills, Ca. Sage.

• Esman, M.J. (1967).The institution building concepts: An interim appraisal. Inter-University Research Program in Institution Building, Graduate School of Public and International Affairs, University of Pittsburgh.

• Esman, M.J. & Blaise, E. (1966).Institution building research: The guiding concepts. Inter-University Research Program in Institution Building, Graduate School of Public and International Affairs, University of Pittsburgh.

• Henderson, K. M. (1969). Comparative Public Administration: The Identity Crisis, Journal of Comparative Administration, Vol. 1, pp 65–84.

• Jreisat, J (2010) Comparative public administration and Africa, International Review of Administrative Sciences, Vol. 76, N.4,pp 612–631.

• Chang, H-J. and Evans, P. (2005) The Role of Institutions in Economic Change, in G. Dymski and S. Da Paula (eds), Reimagining Growth, London: Zed Press.

• “World Bank. (2002) World Development Report: Building Institutions for Markets. © New York: Oxford University Press.

• Khasawneh, Anis. (1991). Institution Building Experiences of the Third World Countries: A Comparative Perspective. Journal of King Saud University - Administrative Sciences. 3. 53-70.

• Franks, T. (1999) Capacity building and institutional development: reflections on water, Public Administration and Development, 19 (1) (1999), pp. 51-61.

• Evans, M., &Barakat, S. (2015). Defining the Challenge, Making the Change: A Study of Public Administration Reform in Arab Transitions. United Nations Development Programme.

• Welch. E and Wong. W (1998) Public Administration in Global Context; Bridging the Gap Between Theory and Practice Between Western and Non-Western Nations, Public Administration Review, Vol. 58, No. 1, pp. 40-52.

• Jreisat, Jamil,(2012) Globalism and Comparative Public Administration, Taylor & Francis Group.

• Heady, Ferrel (1998 ) Comparative and International Public Administration: Building Intellectual Bridges, Public Administration Review, Vol. 58, No. 1 pp. 32-39

• Fitzpatrick , Jody et al (2011),A New Look at Comparative Public Administration: Trends in Research and an Agenda for the Future, Public Administration Review, Vol. 71, Iss. 4, pp 821-830.

• Otive Igbuzor (2019) Leadership Strategies For Institution Building and Development, Fida Africa Regional Congress.

• Zamfir, Ionel (2017) Understanding capacity-building/capacity development A core concept of development policy, European Parliamentary Research Service ,European Parliament.

• Fukuda-Parr, Sakiko & Lopes, Carlos & Malik, Khalid (ed.,) (2002). Capacity for Development: New Solutions to Old Problems, Earthscan Publications Ltd London and Sterling, Virginia&& UNDP.

• Bochańczyk, Dominika & Pęciak, Renata (2015) Institutions in the context of sustainable development. The Macrotheme Review: A Multidisciplinary Journal of Global Macro Trends. 4. 29-41.

• Chang, Ha-Joon (2006) Understanding the relationship between institutions and economic development: Some key theoretical issues, WIDER Discussion Paper, No. 2006/05, ISBN 9291908452, The United Nations University World Institute for Development, Economics Research (UNU-WIDER), Helsinki.

• Moore, Mike( 1995) Promoting Good Government by Supporting Institutional Development? Towards Democratic Governance, Vol. 26 No. 2

• Mahmoud, Nahla & Aref (2019) In transitional periods how does bureaucracy work steadily? Review of Economics and Political Science, Vol 4 . No.2, pp 122-135.

• Keiser, Lael R. (2011) The Impact of Bureaucratic Structure on Government Eligibility Decisions, the Public Management Research Association Conference.

• Huber , John D. & McCarty .N(2004) Bureaucratic Capacity, Delegation, and Political Reform, American Political Science Review, Vol. 98, No. 3, pp 34-49.

• Evans, Peter and Rauch, James E., (1999) Bureaucracy and Growth: A Cross-National Analysis of the Effects of "Weberian" State Structures on Economic Growth, American Sociological Review, Vol. 64, No. 5 , pp. 748-765.

• Dahlström, Carl . Lapuente .V & Teorell, J (2011) Dimensions of bureaucracy II: A crossnational dataset on the structure and behaviour of public administration,QoG Working Papers Series.

• Jamil E. Jreisat (1988) Administrative reform in developing countries: a comparative perspective, Public Administration and Development , Vol. 8, No.2, pp 85-97.

• Celina Souza (2017) State modernization and the building of bureaucratic capacity for the implementation of federalized policies, Brazilian Journal of Public Administration, Vol. 51, No.1, pp 32-43.

• Cavalcante, Pedro, Lotta .G (eds,) (2015)Middle-level Bureaucrats: profile, trajectory and performance, Brasília : Enap, pp 1-8.

• Primanto, Aji, Suwitri, Sri & Warsono, Hardi (2014) Bureaucratic Reform A way To Eliminate Corruption , Collusion, and Nepotism Practices In Indonesia ,International Journal of Economics, Commerce and Management, Vol. 2, No. 10, pp 1-23.

• Marcos Fernandes da Silva (1999) The political economy of corruption in Brazil, Revista de Administração de Empresas, vol.39, n.3, pp.28-29.

• Eric M. Rice (1992) Public Administration in Post-Socialist Eastern Europe, Public Administration Review, Vol. 52, No. 2, pp 116-124.

• Arif Budy Pratama (2017) Bureaucracy Reform Deficit in Indonesia: A Cultural Theory Perspective, Journal of Public Administration and Governance, Vol. 7, No. 3, pp 88-92.

• Bakhtiar Hajar(2015) Bureaucracy and Governance in Indonesia: Study on West Sulawesi Province, Procedia Economics and Finance, Vol. 23, pp 223-277.

• Luiz Carlos Bresser-Pereira (1999) From Bureaucratic To Managerial Public Administration In Brazil in Bresser-Pereira, Luiz Carlos and Peter Spink, eds., Reforming the State: Managerial Public Administration in Latin America. Boulder, Colorado: Lynne Rienner Publishers.

• Francesca Gains & Peter John(2010)What do bureaucrats like doing? Bureaucratic preferences in response to institutional reform, Public Administration Review, Vol. 70, pp. 455–463.

• Haruţa, C. & Radu, B. (2010) The Invisible Hand or What Makes Bureaucracy Indispensable? A Short Theoretical Inquiry into the Bureaucracy’s Role in the Policy-Making Process, Transylvanian Review of Administrative Sciences, 29E, pp 62-70.

• Saltanat Liebert& Stephen E. Condrey (Ed,) (2013) Public Administration in Post-Communist Countries: Former Soviet Union, Central and Eastern Europe, and Mongolia, Routledge.

• Diana Marieta, Alin Oprena&Marian Pompiliu (2010) Efficiency , Effectiveness and Performance of the Public Sector, Romanian Journal of Economic Forecasting ,Vol.4 , No.1 , pp 132-147.

• Meier, K.J. and Bohte, J., (2007) Politics and the Bureaucracy. Policymaking in the Fourth Branch of Government, Belmont, CA: Wadsworth Publishing,

• Jamil E. Jreisat (2009) Administrative Development in the Arab World: Impediments and Future Reform Strategies, International Conference for Administrative Development: Towards Excellence , Institute of Public Administration, Kingdom of Saudi Arabia.

• Laila El Baradei (2010) Parallel Structures In The Egyptian Government Bureaucracy: A Problematic Quick Fix, Public Administration , Vol. 89,No.4 ,pp1351-1366.

• Osman-Gani, Aahad. (2004). Human Capital Development in Singapore: An Analysis of National Policy Perspectives, Advances in Developing Human Resources. 6. 276-287.

• Templer, Klaus J & Wan, David & Khatri, Naresh. (2014) Human Resource Management in Singapore. 10.4324/9780203157053-11.

• Hyggen, C., & Vedeler, J. (2021). Employer Engagement and Active Labour Market Policies. Evidence from a Norwegian Multi-Method Study. Social Policy and Society, 20(4), 548-560. doi:10.1017/S1474746420000421

• Mohamed Hamama and Osman El Sharnoubi (2019) Is the government building a parallel bureaucracy? Madamasr.

3- سعادة السفير جيمس وات - المملكة المتحدة

4- الدكتورة منى المالكي - المملكة العربية السعودية

مقدمة

ظهرت المنظمات غير الحكومية Non-Governmental Organization(NGOs) نتيجة تحولات وتغييرات متعددة والتي فرضت بذلك واقعا جديدا على العالم المعاصر على مختلف جوانب الحياة الاجتماعية و الثقافية والسياسية والاقتصادية ، فمن المطالبة بالديمقراطية مرورا بالرأسمالية وصولا إلى ثورة غير مسبوقة في تاريخ البشرية متمثلة في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، بدأ استخدام تعبير منظمة غير حكومية مع انشاء هيئة الأمم المتحدة عام ١٩٤٥م حيث نصت لائحة الهيئة على الدور الاستشاري للمنظمات غير الحكومية وغير المنتمية لأي من الدول والأعضاء ( Kurten 1990).

فأصبحت هذه المنظمات قوة فعالة على مستوى الدول، بل وصلت إلى حد التدخل في قرارات الحرب والسلام وسيادة بعض الدول التي تحتاج إلى مثل هذا الدعم من هذه المنظمات الدولية حيث عادلت مواردها وخبراتها الحكومات، يذكر تقرير الأساكو (٢٠٠٣) أن المنظمات غير الحكومية حظيت باهتمام كبير على المستوى الدولي، اعترافا بدورها التنموي ودورها كذلك في مجال العلاقات بين الدول والشعوب.

ونجد هذا الاهتمام واضحا في المؤتمرات الدولية والإقليمية التي تشارك فيها هذه المنظمات وفي التأثير الذي تحدثه يتمثل ذلك إفراد بنود خاصة بها في البرامج الدولية والإقليمية المختلفة مثل مؤتمر القمة العالمي للتنمية الاجتماعية، مؤتمر بكين المعني بالمرأة، ومؤتمر الأمم المتحدة للإسكان، وفي ظل التحولات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي يمر بها المجتمع الدولي والإقليمي والمحلي، لا يمكن تصور هذه المجتمعات بدون منظمات غير حكومية تقوم بدور أساسي وفاعل في التنمية، فيجب دعم هذه المنظمات، والتعاون معها، بالإضافة إلى اتخاذ اللازم حتى لا يتم استثمار بعض من هذه المنظمات في دور سياسي يضر بمصالح الدولة ومسيرتها التنموية . ومن ثم يصبح نجاح المنظمة غير الحكومية رهناً بقدرتها على تعظيم عوامل القوة وتقليل مواطن الضعف.

وستتناول ورقتي كيفية تفعيل هذه المنظمات غير الحكومية دوليا وإقليميا ومحليا لتحقيق التنمية والسلام العادل داخليا وخارجيا، من خلال المحاور التالية:

أولاً: مفهوم المنظمات غير الحكومية ونشأتها.

ثانياً: تفعيل دور المنظمات غير الحكومية في التنمية.

ثالثاً: واقع المنظمات غير الحكومية (القطاع غير الربحي) في المملكة العربية السعودية.

رابعاً: خاتمة

أولاً: مفهوم المنظمات غير الحكومية ونشأتها.

تناول العديد من الكتاب والباحثين في المجال الحقوقي والاجتماعي والثقافي مفهوم المنظمات غير الحكومية. وعلى الرغم من ذلك لا يوجد تعريف متفق عليه من قبل الباحثين، وإنما تعددت التعريفات والتسميات التي تطلق على هذه المنظمات "فهناك مصطلحات وتعبيرات أخرى يجري استعمالها للإشارة إلى هذه الأنواع من المنظمات، إذ لا يوجد اتفاق حول مصطلح واحد وذلك بسبب اختلاف السياقات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية والقانونية بين الدول"(2). ولهذا يوجد العديد من المصطلحات مثل "المنظمات غير الربحية"، "المنظمات الأهلية"، "المنظمات التطوعية"، "منظمات المجتمع المدني"، و"المنظمات غير الحكومية".

كما عرفها Jacques Fontamel بأنها "مجموعة تجمع حركة، مؤسسة تنشأ ليس باتفاق بين الدول، ولكن بمبادرة خاصة أو مشتركة تجمع أشخاص طبيعيين أو معنويين خواص، أو عموميين من جنسيات مختلفة للقيام بنشاط دولي، أي أنها تمتد لدول متعددة وليس لها طابع ربحي.

وأضاف ثالث بأنها "مجموعات طوعية، لا تستهدف الربح، ينظمها مواطنون على أساس محلي أو وطني أو دولي. وعندما تكون عضوية المنظمة أو نشاطها مقصوران على بلد معين، تعتبر منظمة غير حكومية وطنية، أما إذا تجاوزت أنشطتها حدود البلد المعنى، فتصبح منظمة غير حكومية دولية. ومن بين المنظمات غير الحكومية الدولية المعروفة "أطباء بلا حدود"، و"هيئة العفو الدولية"، و"منظمة رصد حقوق الإنسان"، و"أوكسفام" إلخ. أما المجلس الاقتصادي والاجتماعي للأمم المتحدة، فيستعمل تعريفاً مختصرًا سلبياً يفيد بأن المنظمة غير الحكومية الدولية هي" أي منظمه دولية لا تنشأ باتفاق بين الحكومات" مقارنة للمنظمات الدولية الحكومية "التي تنشأ نتيجة لاتفاقات تعقد بين الحكومات.

ويعرفها البنك الدولي تعريفاً رسمياً للمنظمات غير الحكومية عموماُ مفاده أنها "منظمات خاصة مستقلة جزئياً أو كلياً عن الحكومات، وتتسم بصورة رئيسية بأن لها أهدافاً إنسانية أو تعاونية أكثر من كونها أهدافاً تجارية، وتسعى بصورة عامه إلى تخفيف المعاناة، أو تعزيز مصالح الفقراء، أو حماية البيئة، أو توفير الخدمات الاجتماعية الأساسية، أو الاضطلاع بتنمية المجتمعات.

ونجد من يعرفها بأنها "منظمات لها أهداف تخدم المصلحة العامة؛ بحيث لا تخضع للحكومات ولا تتبع لأي حزب أو ديانة، أي إنها منظمات تحقق مصلحة الإنسان مهما كان دينه أو لونه أو انتماءه السياسي، وقد تحصل هذه المنظمات على تحويل من الحكومات أو من أفراد مهتمين بها، وفي نفس الوقت هي منظمات لا تهدف للربح".

وقد ابتكرت الأمم المتحدة مفهوم المنظمة غير الحكومية كمنظمة مستقلة عن الدولة وتتوافر فيها المعايير الآتية:

-هيكلية شبيهة بهيكلية منظمة تحظى بنظام تأسيسي وشكل قانوني.

-مؤسسة على يد أفراد أو منظمات مستقلون عن الدولة.

-هيئات اتخاذ القرارات فيها مستقلة عن سلطات الحكومة.

-أهدافها موجهة للمصلحة العامة لا للربح، وتتخطى مصالح أعضائها.

إنها إذاً منظمة تأسست بموجب مبادرة خاصة بهدف تحقيق أهداف ذات مصلحة عامة. يمكن أن تحظى المنظمات غير الحكومية بأشكال قانونية متعددة غير أن معظمها تتخذ شكل جمعيات أو مؤسسات لا تستهدف الربح.

وتكشف محاولة تأمل مفهومات المنظمات غير الحكومية عن وجود بعض الشروط الواجب توافرها في تكوينها منها: (غير ربحية – مستقلة – تعمل على تحقيق المصلحة العامة – تتأسس عن طريق أفراد مهتمين بالقضايا الإنسانية العامة). وبعد أن تم عرض بعض التعريفات التي تخص المنظمات غير الحكومية يتم توضيح النشأة والتطور لظهور هذه المنظمات، فإن روح التعاون والمساعدة والتضامن، وجدت منذ بداية البشرية، فالإنسان اجتماعي بالفطرة. وأول مبادئ خاصة بحقوق الإنسان أقرها الإسلام. التي تضمن للإنسان حياته الآمنة في سلام ورخاء بعيداً عن الترويع أو الفزع أو القلق، ومثلها كانت حقوقه في كل مراحل حياته مما تعكسه حقوق الطفل وحقوق المرأة وحقوق الشيخ وحقوق ذوي العاهات والفقراء والمساكين واليتامى وذوي القربى وأبناء السبيل وغيرهم من فئات المجتمع.

أما على المستوي الدولي ففي عام 1943 أنشئت المنظمات غير الحكومية في الولايات المتحدة الأمريكية اتحادًا لهذه الهيئات يدعى المجلس الأمريكي للمؤسسات الأهلية للإغاثة ولقد قامت هذه الجمعيات في الأعوام الأولى بعد الحرب العالمية الثانية بنشاط كبير من أجل تأمين المساعدات للشعوب الأوروبية (توزيع أدوية، مواد غذائية، وملابس.... إلخ) بخاصة للاجئين والمهجرين. وتأسست في الفترة نفسها في المملكة المتحدة لجنة أوكسفورد لمكافحة المجاعة في العام 1942 من أجل مساعدة الشعب اليوناني الذي عانى من المجاعة خلال الاحتلال النازي، ولقد تحولت هذه اللجنة فيما بعد إلى إحدى أهم الجمعيات البريطانية وهي (أوكسفام).

قامت بعد ذلك العديد من الهيئات غير الحكومية الطوعية التي أنشئت في أوروبا وأمريكا، خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية، بتوجيه نشاطها نحو دول العالم الثالث إذ أن الدول الصناعـية كانت تستعمر معظم هذه البـلدان قبل أن تنـال استقلالها. ومن الناحية التاريخية، يمكن إرجاع هذا الشكل من التضامن الدولي إلى القرون الوسطى، أي إلى الروابط التجارية القائمة آنذاك بين المدن الكبرى في ذلك العصر. ويمكن تقسيم ظهور المنظمات غير الحكومية إلى ثلاثة أجيال:

(‌أ) الجيل الأول من المنظمات غير الحكومية يتطابق مع أعمال البعثات التي نشأت في العصر الاستعماري، ولقد حققت البعثات الكاثوليكية والبروتستانتية في أفريقيا وآسيا عملاً أساسيًا في ميادين التعليم والصحة.

(‌ب) أما الجيل الثاني من المنظمات غير الحكومية، فقد نشأ انطلاقًا من العام 1960، نتيجة لتأثير النزعة المتعاطفة مع العالم الثالث التي عززها النضال ضد الاستعمار والدفاع عن حقوق الإنسان.

(‌ج) وظهر الجيل الثالث انطلاقًاً من ثمانينيات القرن العشرين، حيث كان حقل عملها دعم القطاع الزراعي والتدخل في ميدان التنشئة والتربية والصحة. وتوسعت أنشطتها حاليًا لتشمل ميادين الاقتصاد والبيئة والطوارئ.

و قد تشكل العمل الأهلي العربي التطوعي غير الربحي متأثرا بالظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية للمجتمع العربي في مساره التاريخي، وقد توافرت العديد من العوامل التي كان لها تأثير واضح على توجهات وأهداف وحجم دور العمل في المراحل التاريخية المختلفة. فمن ناحية كان للقيم الدينية والروحية في المنطقة العربية، تأثيرا على العمل الأهلي حيث تعتبر الجمعيات الخيرية وهي أقدم الأشكال امتدادا لنظام الزكاة ومفهوم الصدقة الجارية الذي تمثل في الوقف في

الإسلام، انع كاسا لقيم التكافل الاجتماعي الذي يحض عليه الدين الإسلامي وقد قامت هذه المنظمات الدينية بدور كبير في نشر التعليم والثقافة الدينية إلى جانب تقديم الخدمات والمساعدات الاجتماعية.

كما أن المنظمات غير الحكومية قد شهدت نموا غير الحكومية في البلدان العربية تقدم غير مسبوق في العقود الاخيرة من القرن العشرين وبداية الالفية الجديدة وذلك نتيجة متغيرات عديدة

سياسية واقتصادية واجتماعية بعضها له سمة عالمية والأخرى محلية.

كما تعددت الدوافع التي ساقها المفكرون لتفسير ظهور المنظمات غير الحكومية وتعاظم دورها على المستوى الدولي والإقليمي والمحلي:

فقد برر البعض الصعود المفاجئ واللافت للنظر للمنظمات غير الحكومية بأنه لا يعدو إلا أن يكون استجابة لتزايد الوعي والإدراك بضرورة وأهمية بناء مجتمع مدني عالمي وفي إطار عالم متزايد التعقيد بما يتضمن تحقيق مفهوم المواطنة الدولية، وذلك من خلال "ما يطلبه بناء المجتمع المدني العالمي من بناء شبكة معقدة من التجمعات والتنظيمات التطوعية التي تسمح بتعددية الجامعات الاجتماعية من خلال إتاحة وتأكيد المشاركة والتعبير عن الرأي بما يتضمن في التحليل الأخير تمثيل الجماعات المهمشة ودعم الأفراد ومنحهم القوة وإزالة عدم المساواة والقمع والعنف بصورة تفوق ما تفعله الحكومات في هذا الشأن".

ويرتبط بما سبق ما ذهب إليه البعض من أن تنوع وتعقد المشكلات والتحديات العالمية على نحو يفوق الدول فرادى وكذلك المنظمات الدولية الحكومية المقيدة بالعديد من القيود القانونية والسياسية والعلمية بما يحد من دورها، كل ذلك اقتضى الحاجة إلى دور المنظمات غير الحكومية التي "تتميز بالمرونة والكفاءة والبعد عن التوترات السياسية والتعقيدات الإدارية الروتينية لما يمكنها من سرعة التحرك الفعال في مواجهة الظروف الطارئة والكوارث الإنسانية كالمجاعات والكوارث الطبيعية والإغاثة والهجرة".

ثمة رأي مفاده أن ما حصل في الفترة الراهنة من تطور النظام الدولي وخاصة فيما بعد انتهاء الحرب الباردة من حيث انتشار أعمال العنف والتطرف والحروب والصراعات الأهلية المسلحة مع تحول بعض من الحكومات بعض الدول إلى قمع وإبادة الجماعات والنخب المعارضة على نحو جعل الشعوب تفتقد الأمن كل هذه التطورات كانت مدعاة لبروز المنظمات غير الحكومية التي تعمل بعيداً عن السياسة وتقوم على أسس إنسانية تبتغي تحقيق الأمن والتنمية بمفهومه الإنساني أي ضمان الأفراد والجماعات والشعوب "الإنسانية" وليس أمن الدول ذات السيادة. وفي هذا الصدد يعتبر كل من Micheal Edward وDavid Hulme أن صعود المنظمات غير الحكومية لم يكن مجرد استجابة للمبادرات المحلية والأعمال التطوعية بل هو نتاج للتطورات الأخيرة التي شهدها الفكر السياسي والاقتصادي خصوصاً مع نهاية الحرب الباردة.

وقد ذهب فريق من الباحثين إلى القول بوجود مجموعة من الأزمات والتغيرات الثورية كانت بمثابة الدافع الرئيسي لانتشار المنظمات غير الحكومية وتنامي دورها.

ثانياً: تفعيل دور المنظمات غير الحكومية في التنمية

تكشف مراجعة الاعلان العالمي للحق في التنمية عن مكونات اساسية يتضمنها الاعلان يقع في قلبها المشاركة المجتمعية والتوزيع العادل لمكتسبات التنمية. وهو ما يرتبط بشكل مباشر بالمنظمات غير الحكومية، ومصدر هذا الارتباط أن المنظمات غير الحكومية أضحت آلية أساسية لتفعيل المشاركة المجتمعية في التنمية، وهو ما ذهبت إليه مختلف الوثائق العالمية للأمم المتحدة، وأكد عليه الخطاب السياسي لحكومات العالم، خاصة الدول النامية. وعلى الجانب الآخر، فإن إعلان الحق في التنمية يرتب التزامات على الحكومات لتشجيع وتعزيز المشاركة وتوفير الحقوق الأساسية وهو ما يشير إلى مسؤوليات أساسية تتحملها الحكومات (لتهيئة المناخ) لآليات المشاركة عامة والمنظمات غير الحكومية على وجه الخصوص. وتتمثل أهم الاسباب العملية في تصاعد وزن المنظمات غير الحكومية في عملية التنمية بعد ان اخفقت غالبية تجارب وخبرات التنمية التي استندت على بناء علوي تمثل في ايديولوجية للتنمية تفرض من أعلى إلى أسفل وغابت عنها ـ إلى حد كبير ــ المشاركة المجتمعية الفاعلة وفي إطار هذا التوجه الجديد لتفعيل دور المشاركة من جانب المواطنين، وقد برز اهتمام عالمي من جانب المؤسسات العالمية ومؤسسات التمويل، ومن جانب الخطاب السياسي للحكومات، للتأكيد على الدور الفاعل للمنظمات غير الحكومية، وحدث ذلك في سياق عالمي واقليمي يشهد تحولات اقتصادية وسياسية، وقد تمثلت أهم هذه التحولات في تفعيل دور القطاع الخاص والتحول نحو الخصخصة، الذي صاحب سياسات الاصلاح الاقتصادي وإعادة الهيكلة الاقتصادية.

أهداف تفعيل المنظمات غير الحكومية في التنمية وتحقيق السلام بين الدول:

- رفع مستوى المعيشة للدول الأعضاء.

- السعي نحو تحقيق مستويات التوظيف والتشغيل الكامل (للدول الأعضاء).

- تنشيط الطلب الفعال.

- رفع مستوى الدخل القومي الحقيقي.

- الاستغلال الأمثل للموارد الاقتصادية العالمية.

- تشجيع حركة الإنتاج والاستثمار وحركة رؤوس الأموال.

- سهولة الوصول إلى الأسواق ومصادر التمويل الأولية.

كما عملت المنظمات المتخصصة وغير الحكومية دور فعال في تحفيز المنظمات التشريعية الدولية على أن تلعب دورا مهما في تسهيل مهامها الإنسانية ، كتنسيق الاتفاقيات متعددة الأطراف فيما بين الحكومات وتلك المنظمات الإنسانية مثل (منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية (O.C.D.E) مع زيادة الدعم المالي الكفيل بالإبقاء على أنشطة قوية مثل برنامج الأمم المتحدة للبيئة((P.N.U.E والذي يساهم في تحليل سير الأنظمة البيئية ، كذلك مشاركة الدولة لأفرادها في إحداث هذا الحراك المجتمعي الفاعل لخدمة التنمية من خلال قوانين و تشريعات.

يظهر ذلك في محيطنا العربي في المغرب حيث يذكر الكاتب المغربي يونس مليح في مقاله "المجتمع المدني أداة مساهمة في التنمية المجتمعية الترابية"

أن "إشراك المجتمع المدني في تنفيذ القرارات والسياسات العمومية، إن كان يدل على شيء

فهو يدل وبشكل واضح على انفتاح الدولة على محيطها الداخلي، وجعل المواطن المغربي على وجه الخصوص، ومنظمات المجتمع المدني على وجه العموم، شريكا في العملية التنموية الترابية، وشريكا في اتخاذ القرارات التي تساهم في الرقي وفي تطوير بلده سواء محليا أو وطنيا أو حتى دوليا، وهذا المنحى الذي سلكه دستور المملكة الجديد يجعل المجتمع المدني المتخصص في المجال التنموي والثقافي والاجتماعي وكذا السياسي يتوفر على فرص مهمة لتقوية مركزه في السهر على تنفيذ القرارات العمومية في كثير من المجالات والدستور الجديد لم يكتفي فقط بالتأكيد على ضرورة إشراك المجتمع المدني في عملية اتخاذ القرار العمومي، ولكن أيضا إشراكه في تنفيذها، وهو ما يؤكده الفصل الثاني عشر منه، حيث ينص على أنه: "تساهم الجمعيات المهتمة بقضايا الشأن العام، والمنظمات غير الحكومية، في إطار الديمقراطية التشاركية في إعداد قرارات ومشاريع لدى المؤسسات المنتخبة والسلطات العمومية، وكذا في تفعيلها وتقييمها. وعلى هذه المؤسسات والسلطات تنظيم هذه المشاركة، طبق شروط وكيفيات يحددها القانون"، وأيضا الفصل الثالث لتشاور، قصد عشر منه والذي ينص بدوره على ما يلي:" تعمل السلطات العمومية على إحداث هيئات لإشراك مختلف الفاعلين الاجتماعيين، في إعداد السياسات العمومية وتفعيلها وتنفيذها وتقييمها"، وأيضا13٩ الفصل الرابع من دستور عام٢٠١١الذي ينص على أنه "تضع مجالس الجهات، والجماعات الترابية الأخرى آليات تشاركية للحوار والتشاور، لتيسير مساهمة المواطنات والمواطنين والجمعيات في إعداد برامج التنمية.

ويمكن للمواطنات والمواطنين والجمعيات تقديم عرائض، الهدف منها مطالبة المجلس بإدراج نقطة وتتبعها تدخل في اختصاصه ضمن جدول أعماله".

فإشراك الدستور للمجتمع المدني في تنفيذ القرارات العمومية، هي محاولة للرفع من عمل وبنية

وثقافة هذا الأخير، ودفعه إلى إحداث حركية جديدة بداخله، وبالتالي يصبح قادرا على الإنتاج والاستمرارية على الفعل التنموي في مختلف المجالات، ذلك أن هذه الاستدامة والاستمرارية كانت ومازالت مدار جدل بين المجتمع المدني والممولين، وذلك لضعف الخبرة وقلة الموارد، وغياب الطابع التشاركي المؤسساتي، وهنا نؤكد أنه ليس من الضرورة أن يحتفظ المجتمع المدني بالمشاريع التنموية في مختلف المجالات لوقت غير محدود، بل يسهر على تنفيذها وتسييرها، ثم إيصالها إلى مرحلة نجاح واضحة، وبعد ذلك تسليمها للفئات المستهدفة والمعنية، لتنتقل هذه الهيئة أو الجمعية إلى تبني مشروع آخر، ومن هنا يتحول المجتمع المدني إلى مجتمع فاعل ومؤثر".

وكما يؤكد مليح في مقاله على أن "هذه المشاركة قد أدت دور جيد في دعم المشاركة بين الدولة والمواطن لتحقيق بعض مستهدفات التنمية، إلا أن هذا الدور لازال في طور التشكل والبدايات التي لابد من دعمها بشكل أكبر " وفي هذا الصدد، فالمغرب ملتزم بالمشاركة في العملية التنموية الحداثية، الأمر الذي أدى إلى ولادة المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، التي وفرت الموقع الاستراتيجي لمنظمات المجتمع المدني، كمنظمات قريبة من المواطنين. بالتأكيد، فالدستور كرس لمنطق الاعتراف بالدور المهم للمنظمات غير الحكومية في مجالات التنمية البشرية المستدامة، ووضع المادة الخام لكيفية إشراك منظمات المجتمع المدني في عملية صناعة القرار العمومي والترابي، وذلك من خلال التنصيص على عدد من الركائز والأساسيات التي بمقتضاها يمكن لهذه المنظمات أن تندمج وبشكل سلس في مسلسل التنمية الترابية، وذلك لن يتأتى إلا عن

طريق وضع الآليات ا لتي نص عليها الدستور على أرض الواقع، والعمل كذلك على تفعيل توصيات الحوار الوطني حول المجتمع المدني والأدوار الدستورية الجديدة. فدور المجتمع المدني لا يزال غير مرضي ويحتاج إلى مزيد من التحسين والعمل الجاد من أجل الوصول به إلى مزيد من العناية والتحديث"

ومن هنا تبرز الحاجة إلى ضرورة وجود تنسيق وخلق شراكات ذكية بين القطاعات الثلاث

(الحكومي، الخاص منظمات المجتمع المدني) لتنفيذ برامج تنموية مشتركة، كذلك توفير الميزانيات اللازمة للإدارات الحكومية ذات الصلة بالعمل التنموي، والعمل على تدريب الكوادر الفنية والادارية العاملة بها وتزويد المرافق الصحية بالكوادر الفنية المدربة علي ان يكونوا من افراد المجتمع لضمان استقرارهم.

واتباع المنهج التشاركي أيضا لتحقيق التنمية ظهرت أهميته في أعمال المنظمات غير الحكومية في السودان مثلا، حيث تذكر دراسة قام بها دور حسن عبد النبي الله جابو عمر وسارة طه فرح بعنوان" دور المنظمات غير الحكومية في توفير الخدمات الاساسية بالمجتمعات الريفية " والتي توصلت إلى أن" من خلال اللقاءات والزيارات الميدانية تلاحظ ان معظم المنظمات تتبع المنهج التشاركي لتنفيذ برامجها، حيث تشرك المجتمعات المحلية بكل شرائحه في عمليات تخطيط وتنفيذ وتقويم برامجها، وذلك ضمانا لاستدامة نتائج هذه البرامج عند انسحاب المنظمة".

إن الاهتمام الواسع الذي تحظى به عمل المنظمات غير الحكومية بما تقدمه من مساعدات للدول والجماعات في مجالات متعددة تدعم به دور الدول في سباق التنمية، أو في حالات الحرب حينما يتعذر الدور الحكومي دوليا و داخليا جلب لها الكثير من التمكين ، ولا يخفى علينا أن هذ التمكين و الحماية لهذا الدور الإنساني لا يمكن اكتماله إلا بتعاون الجميع و حشد جهود الهيئات العالمية أو المحلية أو المنظمات بأنواعها ، لرصد و تحديد المخاطر و تقييم النتائج ، واتخاذ التدابير و الإجراءات سواء الوقائية أو العلاجية و البحث بهدف الاكتشاف المسبق و المبكر لمصادر التهديد الذي تتعرض لها أعمال هذه المنظمات غير الحكومية.

إن الجهود المبذولة والإنجازات المحققة والنشاطات الميدانية التي تقوم بها المنظمات الدولية غير الحكومية بهدف حماية البيئة مثلا أو مجالات الأوقاف الخيرية أو المنح التعليمية أكسبها سمعة حسنة و شهرة واسعة و حتى نفوذ كبير خاصة على مستوى الساحة الدولية، فحازت على اهتمام الدول خاصة في ظل تراجع دور بعض الدول أمام المنظمات الدولية غير الحكومية التي حلت محلها ، و هذا كله راجع للسياسة و الاستراتيجية المتبعة من طرفها، خاصة وجود أجهزة مكونة لها فعالة، و توفر خبرة علمية متخصصة و ميدانية يتمتع بها الأعضاء المنتمين لها.

واقع المنظمات غير الحكومية (القطاع غير الربحي) في المملكة العربية السعودية.

يشـكل القطـاع غيـر الربحـي في المملكة العربية السعودية اليـوم فرصـة اقتصاديـة كامنـة ً للنمــو والتنميــة والاستثمار، بعــد أن ظــل لفتــرات طويلــة قطاعــا ً ّ غيـر مفعـل بشـكل كامـل. ويعتبـر القطـاع غيـر الربحـي فرصـة اقتصاديـة غيــر مســتغلة حتــى الآن. حيــث تجــاوز القطــاع غيــر الربحـي، كشـريك تنمـوي محلـي، مرحلـة التعافـي مـن جائحـة كوفيـد١٩- بثبـات، مـع معدلات مخاطـرة عنـد أدنـى مسـتوى تاريخـي، ومـلاءة ماليـة ً ضخمــة تشــكل أصول القطاع غير الربحي بأكثــر مــن ربــع ترليــون ريــال، وإيــرادات ســنوية بقيمـة (8) مليـار ريـال ونفقـات سـنوية قدرهـا (7.5) بنهايـة عـام 2019م.

ويتمتــع القطــاع بــدور محــوري فــي رؤيــة المملكــة 2030 ُ م. كما تعلق الآمال عـلى مسـاهمته التنمويـة والاقتصادية ممـا يفتـح المجـال لآفاق نمـو واسـعة، وتمهـد لمنظومـة تشـريعية ورقابيـة محكمـة. حيـث يتوقـع أن ينمـو القطـاع بمعدلات سـنوية اسـتثنائية تصـل إلى نسـبة نمـو تقـدر بـ (%92) فــي عــدد المنظمــات، ومضاعفــة عــدد الموظفيــن عــدة مــرات. ويخطـو القطـاع بثبـات نحـو تحقيق مسـتهدفه فـي رفـع نسـبة مسـاهمته فـي الناتـج المحلي تعــادل 5% مــن الناتــج المحلــي الإجمالي للمملكــة ســنويا.

ومــن المتوقــع أن تســاهم حلــول التقنيــة الماليــة وأدوات الاستثمار المبتكــرة فــي زيــادة حجــم الســيولة فــي القطــاع غيــر الربحــي. ويمكــن الاستشهاد عـلـى ذلــك بمنصــات التبــرع الإلكتروني التــي اســتطاعت أن تتلقــى مدفوعــات تبــرع رقميــة تتجــاوز فــي مجموعهــا (2) مليــار ريــال خـلال ٣ أشـهر قليلـة مـن إطلاقها. ومـن المخطـط أن يسـاهم صنـدوق ً فـي ضـخ مـا يقـارب مـن (7) إلى 10) مليـار دعـم الجمعيـات المنشـأ حديثـا ً فـي منظمـات القطـاع غيـر الربحـي مـن خـال حشـد الأموال ريـال سـنويا مــن مختلــف فئــات المســتثمرين والمســاهمين والمانحيــن (من تقرير مؤسسة الملك خالد الخيرية "الشمول المالي للمؤسسات غير الربحية في المملكة العربية السعودية")

كما تساهم الحكومة في السعودية من تحقيق الشراكة مع المنظمات غير الربحية ولها دور مؤثر ومساهمات فعالة في العمل الخيري، وذلك من خلال مجموعة من مؤسسات الدولة، منها قطاع التنمية الاجتماعية في وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية. وتتمثل مسؤولية هذه المؤسسات في الإشراف على الهيئات الأهلية، مثل: الجمعيات الخيرية والمنظمات التعاونية ومراكز ولجان التنمية الاجتماعية والمدنية، وترسيخ هذه المفاهيم بين شرائح المجتمع، بالإضافة إلى دعم إنشاء الصناديق المساهمة في تلبية الاحتياجات المجتمعية والتنموية.

وتمثل رؤية المملكة٢٠٣٠ منصة انطلاق للعمل غير الربحي في المملكة العربية السعودية، و تحول مفهومه الذي كان قائما على العمل التطوعي الخيري غير المنضبط في بعض حالاته و غير مساهم في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، ويوضح الرابط أدناه دور هذا القطاع وأهميته في التنمية كذلك تحقيق الاستدامة للعمل غير الربحي.

يذكر الكاتب بندر القحطاني في مقالة له بعنوان " استشراف مستقبل القطاع غير الربحي في المملكة العربية السعودية، بندر القحطاني، بصحيفة سهم الألكترونية،١٧مارس ٢٠٢٢م"

أن "جهود المملكة العربية السعودية في بناء مجتمع طموح متكامل الأركان في رؤية ٢٠٣٠، عبر شراكات فاعلة مع المجتمع المدني في القطاع الخاص والمنظمات غير الربحية، محققةً بذلك ارتفاعًا للناتج المحلي ونموًا اقتصاديًّا ينعكس على "جودة الحياة"، وتعظيمًا للأثر الاجتماعي في بناء وطن مستقر، متوازن ومتكاتف؛ حيث يواكب القطاع غير الربحي في المملكة رؤية 2030 التي تسعى لزيادة مساهمة القطاع في الناتج المحلي إلى 5%، ورفع أعداد المتطوعين إلى مليون متطوع ومتطوعة بحلول عام 2030.

وتنتشر المنظمات غير الربحية في مختلف أرجاء المحافظات والمناطق في المملكة، وتسعى لتطبيق التكافل الاجتماعي بتقديم المساعدات المختلفة للفقراء والمحتاجين، وترسيخ مبدأ التعايش والتسامح والتعاون والتكاتف والتلاحم، خاصة في ظل الأزمات والجوائح العالمية التي يشهدها العالم."

حيث يسهم القطاع غير الربحي بشكل فعال في تنمية مختلف المجالات التي تخدم المجتمع وترسخ ثقافة المسؤولية الاجتماعية، إضافة لكون هذا القطاع محورًا أساسيًا لتحقيق التنمية المستدامة في ظل ما تشهده المملكة من دعم متواصل يعزز قيم العمل الإنساني لأفراد المجتمع من خلال التكامل مع الجهات الحكومية المختلفة وتعظيم نفعها.

وقد اهتمت رؤية 2030 اهتمامًا جليًا بتطوير وتمكين القطاع غير الربحي؛ وذلك بتقسيم الرؤية إلى أهداف قريبة المدى تحقق خلال عام 2020م، وأهداف بعيدة المدى تحقق عام 2030م، وذلك من خلال إطلاق أهداف ومقاييس تساهم في تنمية القطاع، واستشعارًا لأهمية قطاع ريادة الأعمال الاجتماعية ودورها في تحفيز الابتكار المجتمعي ورفع مستوى الظروف الاقتصادية والاجتماعية، تعمل الجهات العامة على التطوير المستمر لهذه الشراكات والتوجه إلى بناء تحالفات استراتيجية تعزز العمل المشترك لتحقيق مستهدفات رؤية المملكة 2030.

حيث اهتمت الرؤية بمعرفة أثر البرامج والخدمات المقدمة من المنظمات غير الربحية، وبالنظر إلى ما يتعلق بجانب الأهداف قصيرة المدى، تجلى الاهتمام في زيادة عدد مقاييس الأثر الاجتماعي لأكثر من ثلثي برامج المنظمات غير الربحية، والذي يعتبر من الخطوات المهمة في تشجيع المنظمات الربحية لمعرفة أثر المنظمة وتقديم خدمات ذات جودة عالية للمستفيدين.

وعلى صعيد الأهداف بعيدة المدى، تطمح المملكة لزيادة أثر القطاع في الناتج المحلي الإجمالي من 0.3% إلى 5%، ولزيادة عدد المشاريع التي تحتوي على أثر اجتماعي من 7% إلى 33%، وبالنظر إلى أثر القطاع غير الربحي السعودي، فيعطي توسع القطاع أهمية في كلا الجانبين: الاقتصادي، والاجتماعي. حيث يساهم في خلق الفرص الوظيفية وتوفير بيئة العمل المهتمة بالمسؤولية الاجتماعية في الدولة. وبالنظر إلى مساهمته في الاقتصاد السعودي فتبلغ نسبة نمو القطاع غير الربحي في الناتج المحلي الإجمالي 7% محققًا نسبة أعلى من القطاع الحكومي الذي تبلغ نسبته 2.76%، وأما من جانب المساهمة الاجتماعية للمنظمات غير الربحية في المملكة، وعلى الرغم من محدودية عدد المنظمات غير الربحية، فيوجد تنوع بالاهتمامات وأنشطة المنظمات غير الربحية، مثل: توفير المسكن، وتوفير الخدمات المجتمعية، وأعمال البر وغيرها؛ مما يساهم في سد الاحتياجات لفئات المجتمع المختلفة.

واقع القطاع غير الربحي في المملكة العربية السعودية

يمكن القول بأن هنالك عدة عوامل ساهمت في ازدهار القطاع، ويمكن تلخيصها على النحو التالي:

1- دور الرعاية الاجتماعية في سد احتياجات المجتمع وتقديم الخدمات للمجتمع، ففي فترة السبعينيات الميلادية ساهمت عوائد البترول بتقديم الدعم المالي من الدولة البرامج الرعاية الاجتماعية وعدم فرض ضرائب مالية عليها.

2- تطور العمل الخيري، وذلك من خلال اعتبار القطاع غير الربحي قطاعًا ناشئًا نسبيًا، حيث تشير بعض الأقوال إلى أن من أوائل المنظمات غير الربحية سجلت قبل 70 عامًا تقريبًا، وكان القطاع غير الربحي مهتما بالعطاء المادي المباشر؛ وذلك من خلال جمع الصدقات والتبرعات بشكل مباشر من المتعاون وإيصالها إلى المحتاجين دون النظر إلى الأثر الحقيقي الناتج من تلك التبرعات.

وقد أدت مثل هذه الممارسات إلى ازدياد مخاطر الاستخدامات غير المشروعة. ومع ارتفاع الوعي للمواطن السعودي واستشعاره لأهمية معرفة المصب النهائي للتبرعات وحوكمة المخرجات للبرامج والخدمات المقدمة، وضعت أنظمة تسجيل وإدارة للمنظمات غير الربحية من قبل وزارة العمل والتنمية الاجتماعية في عام 1384 هجرية بهدف تنظيم وتوحيد جهود القطاع في الأعمال الخيرية.

ووفقا لتقرير "مؤسسة الملك خالد الخيرية" فإن الأرقام المسجلة للمنظمات غير الربحية تبلغ ما يقارب 2598 منظمة غير ربحية.

تحديات القطاع غير الربحي في المملكة العربية السعودية

يواجه القطاع غير الربحي كثيرًا من التحديات والتي تقسم إلى ثلاثة جوانب أساسية:

1- التحديات التي يعانيها القطاع من الماضي وما زالت مستمرة إلى وقتنا الحاضر: كصعوبة الحصول على التمويل والدعم المالي، وشح في البيانات والقطاع وأثره، والبيروقراطية، والحوكمة، وعدم وجود استراتيجيات للإدارة المالية وقياسات الأثر.

2- التحديات الحالية: يواجه القطاع تحديات جديدة تكمن في تبني القطاع لأدوات إدارية ومحاسبية مستحدثة، ويركز الداعمون (المستثمرون ماليًّا) على الشفافية في أعمال المنظمات غير الربحية؛ حيث ينظر إلى الجوانب الإدارية والمحاسبية للمشروع من قبلهم للتأكد من كفاءتها ومدى حاجة الجهة المستفيدة منها.

3- التحديات المستقبلية: يمكن حصر التحديات المستقبلية التي يواجهها القطاع غير الربحي في المملكة من خلال النقاط التالية:

• كيفية تطوير بيئة عمل القطاع لتكون أكثر مرونة؛ وذلك عن طريق التعاون مع الدول المتقدمة في تطوير الجوانب الإدارية ومقاييس الأثر.

كيفية التوسع بعدد المنظمات غير الربحية ليصل أثر المنظمات غير الربحية لكل مواطن ومقيم في المملكة.

-عدم اقتصار دور المنظمات على تلبية الاحتياجات التي يواجهها المجتمع، بل بتشجيع المواطنين والمقيمين للمشاركة في صناعة احتياجاتهم بالتعاون مع المنظمات غير الربحية بحسب حاجتهم، وتقديم الخدمات والبرامج بطرق خلاقة ومبتكرة.

-إمكانية توسيع أنشطة القطاع لتواكب التغييرات السريعة والمتطورة في المملكة فالوقت الحالي من أجل المساهمة بتحقيق الدور المرجو للقطاع غير الربحي ضمن الرؤية (رؤية 2030)، كالمساهمة في خلق محتوى ترفيهي يتناسب مع متطلبات المواطنين، وبذل الجهود في تقديم الخدمات التي تساهم في دفع عجلة التنمية للمجال السياحي وغيرها من النشاطات المهمة.

كما أن هناك ضرورة لتأسيس مراكز مستقلة تختص بإصدار الأبحاث والدراسات العلمية عن القطاع غير الربحي السعودي في جميع المجالات، ولا شك بأن المملكة تسعى جاهدة لإنشاء العديد من مراكز الاستشراف المعرفي، وبالإضافة لتلك الجهود لا بد من تقوية القدرة البحثية والمختصة بشؤون القطاع غير الربحي والعمل على تأسيس المراكز التي تعمل على إنتاج الأبحاث العلمية عن القطاع غير الربحي السعودي بجميع مجالاته بشكل مستقل، وذلك بالتعاون مع الجانب الأكاديمي والجانب العملي بالمنظمات غير الربحية.

دور القطاع غير الربحي في التنمية الاقتصادية والاجتماعية في المملكة العربية السعودية

الخاتمة

إن التطور الذي شهدته المنظمات الدولية غير الحكومية أدى إلى تطور اهتماماتها ونشاطاتها في مجالات متعددة متنوعة ومختلفة بتوسع عمليات البحث والدراسة على تهديدات جديدة على حياة الإنسان والسلم العالمي وما يهددهما من حروب ومجاعات وأيضا ظهور تهديد جديد يتمثل في التكنولوجيا الحديثة مثلا!

والهدف من عمل هذه المنظمات غير الحكومية هو الوقاية والمساعدة من المخاطر المتوقعة مستقبلا ورغم اتساع هذا الدور فهو تكميلي لدور الدولة في هذه المجالات، خاصة أن عمل هذه المنظمات غير الحكومية لازال-في معظم الأحيان- لا يلقى التعاون ن الكافي في بعض الدول إما لتشكيك بعض الدول في نوايا هذه المنظمات الدولية أو لأحكام مسبقة أو لتجارب واقعية!

وقد خرجت هذه الورقة ببعض التوصيات:

- السعي لخلق اتصال أو آليات بين هذه المنظمات فيما بينها وحتى مع الدول والهيئات الدولية لإيجاد أو توفير قنوات اتصال وتشاور لعقد مؤتمرات أو لقاءات والخروج بتوصيات ملزمة للحكومات للحد من مخاطر الحروب والمجاعات والأمية.

- البحث عن مصادر الدعم المالي للمنظمات الدولية غير الحكومية بهدف تسهيل نشاطاتها خاصة في المجالات التي تعتمد في توجيه الدعم لها على أبحاث علمية مكلفة مثل العمل في مجال حماية البيئة وخلق فرص الاستدامة المالية لمثل هذا الدعم.

-العمل على تشريعات خاصة محددة وواضحة لعمل هذه المنظمات داخل الدول في حالات الحرب مثلا وأن تحمي هذه المنظمات وأفرادها قوى دولية، وإلزام هذه الدول بهذه القوانين-وإن كانت مثل هذه التشريعات موجودة- ولكن تفعيلها ضعيفا في بعض الحالات!

-وضع مبادرات للتعليم تشترك فيها مع أفراد المجتمع بهدف تعريف الرأي العام بعمل هذه المنظمات غير الحكومية بالذات في الدول النامية، بهدف غرس هذه القيم داخل النشء الجديد.


bottom of page