top of page

اليوم الأول: 20 فبراير 2024

الجلسة الأولى: 17:00 - 18:30

السلام والتنمية السياسية

 

رئيس الجلسة:

الدكتور علي الدين هلال - جمهورية مصر العربية

المعقب الرئيس:

الدكتور كونستانتينوس أداميديس - قبرص

المتحدثون:

أ- كفاءة الإدارة الحكومية والتنمية:

1- السير طوني بالدري - المملكة المتحدة

2- الدكتور محمد الرميحي - دولة الكويت

ب- المشاركة الشعبية والتنمية:

3- الدكتور آربين سي سي - ألبانيا

4- الدكتور معتز سلامة - جمهورية مصر العربية

 

أ- كفاءة الإدارة الحكومية

1- السير طوني بالدري - المملكة المتحدة

"كفاءة الإدارة الحكومية وعلاقتها بالتنمية"

نحن نعيش الآن في عالمٍ يعاني من ضغوط هائلة؛ عالمٌ يشهد عودة دراماتيكية إلى الفقر، ويتلاشى فيه الإيمان بالمؤسسات متعددة الأطراف مثل الأمم المتحدة.

ولماذا يجب أن تثق البلدان في منظمة الأمم المتحدة في الوقت الذي يتمتع فيه أحد الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن في كثير من الأحيان بالقدرة على استخدام حق النقض (الفيتو) ضد ما تصدره الأمم المتحدة من قرارات بغرض تحقيق هدفه السياسي الخاص؟

لقد أصبحنا نعيش في عالم يشهد تغيرات مناخية كبيرة، وانتشارًا واسعًا لرقعة الصراعات، ويظل احتمال انتشار وتفشي الأوبئة أمرًا موجود على الدوام.

لقد اجتمع العالم في عام 2015 للاتفاق على تحديد أهداف التنمية المستدامة؛ حيث كان القصد من تلك الأهداف أن تكون إطارًا إنمائيًا للشعوب، وللكوكب الذي نعيش عليه، ولتحقيق حالة من الازدهار والسلام والشراكة من أجل التنمية، والتي يتعين تحقيقها بحلول عام 2030، ورَبَط هذا الإطار العالمي بين أهداف الاستثمار في صحة الناس وتعليمهم، ومكافحة الفقر، وبين خلق نوع من الرخاء ووفرة الوظائف التي تشتد الحاجة إليها، فضلًا عن دعم السلام والأمن، وحماية كوكبنا.

أصبحنا الآن في منتصف طريقنا نحو تحقيق أهداف التنمية المستدامة، التي أصبحت بعيدة كل البُعد عن مسارها الصحيح، في وقت نشهد فيه تسارعًا في الآثار المصاحبة للتغيرات المناخية وفقدان التنوع البيولوجي؛ حيث إنه من المقرر تحقيق 15 ٪ فقط من مؤشرات أهداف التنمية المستدامة، وترجع أسباب هذه الظاهرة إلى أمور عدة، منها؛ أن جائحة كورونا أدت إلى انتكاسة كبيرة في التنمية، كما أدى الغزو الروسي غير القانوني لأوكرانيا إلى زيادة غير عادية في أسعار الطاقة والغذاء، وتسبب في وجود حالة من انعدام الأمن في جميع أنحاء العالم. بالإضافة إلى ذلك، تزايدت أعداد البلدان التي تعاني بشدة تحت وطأة الديون الثقيلة لتفقد بذلك قدرتها على الوصول إلى نوع من التمويل الميسور التكلفة لتحقيق التنمية في اقتصاداتها، كما لا تزال رقعة الصراعات تتسع بصورة ملحوظة في أماكن كثيرة في العالم، وبالتالي تتعرض المكاسب التي حققتها عملية التنمية خلال العقود الأخيرة إلى نوع من الانتكاسة.

وتشير أحدث الإحصائيات إلى أن 701 مليون نسمة لا يزالون يعيشون في حالة فقر مدقع، يتركز معظمهم في بلدان أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، وقد كان من بين أسباب هذا التباطؤ ضعف النمو الاقتصادي، فضلًا عن الصراعات حول الطاقة والأمن، وفقدان التنوع البيولوجي، والتدهور البيئي، كما أصبحنا نشعر جميعًا بآثار تلك التغيرات المناخية وفقدان التنوع البيولوجي، وأصبحنا نشهد تسارعًا في موجات الطقس السيء، وارتفاع مستويات سطح البحر، وانهيار النظام البيئي، حيث تكون تلك الآثار أكثر حدة في البلدان النامية.

وتشير التقديرات إلى أن التغيرات المناخية وفقدان التنوع البيولوجي سوف يتسببان في زيادة أسعار المواد الغذائية بنسبة تصل إلى 20 ٪ لمليارات السكان من ذوي الدخل المنخفض، كما ستسهم التغيرات المناخية وفقدان التنوع البيولوجي في زيادة المخاطر الناجمة عن انعدام الأمن وعدم الاستقرار، وسيدفعان بالتالي إلى هجرة السكان، مما يؤدي بدوره إلى مزيد من حالة عدم الاستقرار وانعدام الأمن، وهو ما أصبحنا نراه بشكل واضح في جميع أنحاء العالم في ظل تزايد هشاشة الدول التي تعاني من الصراعات؛ فقد بلغت أعداد الصراعات العنيفة على مستوى العالم في عام 2022 خمسًا وخمسين صراعًا اتسمت جميعها بحالة العنف المفرط، كما شهدنا زيادة بنسبة بلغت 100 ٪ تقريبًا في معدلات الوفيات مقارنة بالعام السابق (97 ٪)، ويمكننا القول أن التكاليف البشرية لمثل هذه الصراعات مرتفعة للغاية، وترتفع معدلاتها بشكل خاص بين فئة النساء والأطفال الأكثر تأثُّرًا وتضررًا.

كما تشير التقديرات أيضًا إلى أن الصراعات وانعدام الأمن يمثلان أهم أسباب ارتفاع مستويات الأمن الغذائي الحاد خلال عام 2022 لنحو 117 مليون نسمة في 19 دولة، ومن المتوقع لما يصل إلى ثلثي السكان ممن يعيشون في فقر مدقع في جميع أنحاء العالم، أن يعيشوا في دولٍ تتسم بهشاشتها وتأثرها بالصراعات بحلول عام 2030، ومن المثير للصدمة هنا أن الاحتياجات الإنسانية قد بلغت ذروتها منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، حيث أصبح ما يقرب من 360 مليون نسمة في حاجة إلى مساعدات إنسانية خلال عام 2023، أي ضعف ما كان عليه هذا العدد قبل خمس سنوات، ومن المقدر أن الدافع الرئيسي وراء ما يقرب من 80% من الاحتياجات الإنسانية يتمثل في انتشار النزاعات والصراعات.

لقد بلغ التنافس الجيوسياسي ذروته منذ نهاية الحرب الباردة، وأصبح ما يقرب من ثلاثة أرباع سكان العالم الآن يعيشون في بلدان ذات نظام استبدادي، ويمثل التقارب والتعاون بين الدول الاستبدادية القوية تحديًا أساسيًا للنظام الدولي الحالي، كما أن هناك عوامل أخرى تفترس أي صراع أو حالة عدم استقرار وتنقض عليه، حيث تشمل هذه الخيوط المتداخلة الإرهاب، وأشكال التطرف العنيف، والجرائم السيبرانية، والجريمة الخطيرة والمنظمة، والتمويل غير المشروع، والكلبتوقراطية.

تميل البلدان الضعيفة أو الهشة إلى أن يكون لديها ديون مرتفعة ومتزايدة مما يزيد من ضعفها ويشكل تحديًا إنمائيًا كبيرًا، حيث تعاني ما يقرب من 60 ٪ من البلدان منخفضة الدخل بالفعل أو معرضة لخطر كبير من ضائقة الديون، يضاف إلى ذلك التغيرات الديموغرافية التي من شأنها أن تزيد من الضغط على العديد من البلدان النامية، حيث ستمثل بلدان جنوب الصحراء الكبرى في أفريقيا وبعض البلدان في مناطق غرب آسيا معظم حالات النمو السكاني في العالم، ويبدو أن عدد سكان أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى سيتضاعف إلى أكثر من 2.8 مليار نسمة بين عامي 2020 و 2060، وسيتسبب هذا النمو السكاني المتسارع بطبيعة الحال في زيادة التحديات التي نواجهها أو يقف حاجزًا أمام توفير ما يكفي من الخدمات والوظائف والفرص والتصدي لتغير المناخ والتكيف معه. ولوضع هذه الزيادة السكانية في سياقها الصحيح، سيتطلب التعليم الشامل في جميع أنحاء أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى بحلول عام 2030، أي في نهاية هذا العقد، ما يقدر بنحو 4.3 مليون معلم إضافي في المدارس الابتدائية، و 10.8 مليون معلم إضافي في المدارس الثانوية.

نحن نعيش في عالم سوف يشتد فيه التأثير السلبي للتغيرات المناخية التي يصاحبها ارتفاع في درجات حرارة كوكب الأرض، ويجب على أي شخص يشكك في حقيقة أو تأثير التغيرات المناخية أن يدرك أنه خلال الفترة ما بين عامي 2000 و 2020، أي خلال العشرين عامًا الماضية، تم تسجيل ما يقرب من 7500 حدث مناخي متطرف في جميع أنحاء العالم، مما أودى بحياة 1.23 مليون نسمة، وأثَّرَ على 4.2 مليار شخص، وتسبب في خسائر اقتصادية بلغت قيمتها حوالي 3 تريليونات دولار، وهذا بالطبع شيءٌ ضخم للغاية.

والحقيقة هي أنه ما لم يتم اتخاذ إجراءات فعالة بشأن تلك التغيرات المناخية، فإن العديد من الظواهر الطبيعية المدمرة مثل العواصف، والجفاف، والفيضانات، والإجهاد الحراري، والذوبان الجليدي، وحرائق الغابات، والارتفاعات غير المسبوقة في منسوب مياه البحر ستزداد بشكل ملحوظ، مصحوبةً بتأثير ملموس في جميع جوانب حياتنا بداية من الصحة ومرورًا بالنزاعات ووصولًا إلى الهجرة، وسيتعين علينا بطبيعة الحال أن ندرك أن:

·       الدول الجُزرية الصغيرة النامية

·       والبلدان الأقل نموًا

·       والدول الهشة والمتأثرة بالصراعات

سوف تتأثر بشكل غير متناسب بالتغيرات المناخية.

تؤثر التغيرات المناخية بشدة على الفئات ألأكثر فقرًا والأكثر ضعفًا في عالمنا، وسوف تشكل الظواهر المناخية القاسية والمتكررة على نحو متزايد عبئًا أكبر على الاحتياجات الإنسانية؛ ولقد كان لانعدام الأمن الغذائي المرتبط بموجات الحر الشديدة شديد الأثر على 98 مليون نسمة خلال عام 2020 مقارنة بما كان عليه الحال سنويًا بين عامي 1980 و 2010.

سوف تتسبب الزيادات التي نشهدها في درجات الحرارة الناجمة عن التغيرات المناخية في وقوع خسائر أكبر بكثير في الناتج المحلي الإجمالي في البلدان النامية، وما لم يتم اتخاذ إجراءات مناسبة حيال ذلك، من المتوقع أن يتعرض نحو 100 مليون نسمة إضافية لخطر الوقوع في براثن الفقر المدقع بحلول عام 2030، ثم يصل هذا الرقم بعد ذلك إلى 720 مليون نسمة بحلول عام 2050.

تؤدي التغيرات المناخية والصراعات إلى النزوح القسري وهجرة العديد من السكان إلى مناطق أخرى؛ وقد شهد عام 2022 تسجيل ما يقرب من 110 ملايين نازح قسري، ولاجئ، ونازح داخلي، ومعدوم الجنسية في جميع أنحاء العالم، حيث تتسبب الصراعات والتغيرات المناخية ونقص الفرص الاقتصادية المتاحة للسكان في ارتفاع معدلات الهجرة بشتى أنواعها، خاصة الهجرة غير الشرعية التي تضع عبئًا كبيرًا على المجتمعات خاصةً بما تفرضه من أعباء مالية على دول العبور والمقصد؛ حيث تشير الإحصائيات إلى أن أربعة من كل خمسة أشخاص محتاجين كانوا يعيشون في بلدٍ يعاني من أزمة ممتدة أو طويلة الأمد خلال عام 2022، مع الأخذ في الاعتبار أن تقديرات السكان المحتاجين كانت قد تضاعفت على مدى السنوات الخمس الماضية

لقد وُلدتُ في أعقاب الحرب العالمية الثانية مباشرة، في وقت كان فيه إنشاء الأمم المتحدة يمثل محاولة عالمية للسعي إلى ضمان عدم حدوث حرب عالمية مماثلة مرة أخرى.

يتمثل جوهر ميثاق الأمم المتحدة في أهمية السيادة والسلامة الإقليمية والاستقلال السياسي للأمم وحقوق الإنسان العالمية لجميع الأفراد، إلا أننا شهدنا خلال السنوات الأخيرة على الرغم من ذلك تراجعًا متزايدًا في المساءلة عن انتهاكات القانون الإنساني الدولي، وتزايدٍ في تجاهل أطراف النزاع بصورة كبيرة، وبالتالي نشهد تجاهلًا للقواعد والقوانين المصممة لحماية المدنيين في حالة وقوع النزاعات وتلك المصممة لغرض الحؤول دون وقوع الفظائع الجماعية، وهو ما يتسبب بدوره في صعوبة حصول السكان على المساعدات الإنسانية اللازمة في كثير من الأحيان، وبالتالي زيادة مستويات الحاجة إلى المساعدات الإنسانية. بالإضافة إلى ذلك، تتعرض المعايير (الأعراف) الدولية لحقوق الإنسان إلى حالة من التآكل، وهو ما ينطبق بشكل خاص على النساء والفتيات فيما يتعلق بصحتهن وحقوقهن الجنسية والإنجابية، وفي كثير من الأحيان يتم تقويض حقوق بعض المجتمعات والأقليات الدينية أو العقائدية.

إن الأمر المؤسف هنا أن هذه الهشاشة المتزايدة على المستوى العالمي تأتي بعد عقود من التقدم الهائل الذي شهدته البشرية.

أحدثت أهداف الأمم المتحدة الإنمائية للألفية الجديدة (UNMDGs)، التي تم الاتفاق في عام 2000 على أن يتم تحقيقها بحلول عام 2015، تغيرًا سريعًا؛ حيث تم تحقيق الهدف المتمثل في خفض عدد السكان الذين يعيشون في فقر مدقع إلى النصف قبل الموعد المحدد، كما تحسن متوسط عمر الأفراد المتوقع من 50 إلى 65 عامًا في البلدان منخفضة الدخل، وتحسنت النتائج الصحية وارتفعت معدلات إمكانية الوصول إلى خدمات التعليم في جميع أنحاء العالم، وانخفضت معدلات الإصابات الجديدة بفيروس نقص المناعة البشرية (HIV) بسرعة كبيرة، وتم انتشال مئات الملايين من الناس من براثن الفقر المدقع منذ منتصف القرن العشرين، كما حققت العديد من البلدان تنمية ملحوظة في اقتصاداتها وقدرتها على الصمود، ولكن كما أعتقد أنه واضح من الإحصاءات التي قدمتُها، فإن التقدم يتباطأ، بل ويتعثر بشكل خطير.

فما الذي يمكن عمله حيال ذلك؟

أولًا، أود أن أقترح على جميع الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن أن يتساءلوا عما يمكن القيام به كي تستعيد الأمم المتحدة سلطتها ونفوذها، ولا أرى أن أي عضو من الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن بريء من تحمل اللوم هنا.

عندما كنتُ عضوًا في مجلس العموم البريطاني، قمتُ بالتصويت ضد الغزو الأمريكي والبريطاني للعراق، لسببين رئيسيين؛ أولهما أنني لم أر دليلًا على وجود أسلحة دمار شامل في العراق، وثانياً، أنه لم يكن لغزو معين لدولة ذات سيادة أي سلطة على الإطلاق من الأمم المتحدة، وبالتالي كان من الصعب على الولايات المتحدة والمملكة المتحدة الشكوى من سلوك الأعضاء الدائمين الآخرين في مجلس الأمن إذا كانوا هم أنفسهم من تجاهلوا ببساطة الأمم المتحدة والقانون الدولي في وقت كانا يَرَيَا ذلك مناسبًا لهما.

وهناك الكثيرون في أجزاء أخرى من العالم يتساءلون عن وجه الاختلاف بين غزو روسيا لدولة ذات سيادة دون مبرر وغزو الولايات المتحدة والمملكة المتحدة لدولة ذات سيادة دون مبرر.

وإذا ما بحثنا في الصراعات أو الأزمات التي اشتعلت خلال السنوات الأخيرة، سنجد أنه من الصعب أن نجد للأمم المتحدة دورًا رئيسيًّا في حل أيٍّ منها، وإذا كنا قد احتجنا يومًا إلى هيئة مثل الأمم المتحدة في صورتها التي كانت عليها في أعقاب الحرب العالمية الثانية مباشرة، فإننا في أشد الحاجة الآن إلى مثل هذه الهيئة أكثر من أي وقت مضى، كما أننا بحاجة أيضًا إلى تكون هذه الهيئة على مستوى عالٍ من الفعالية والاحترام والدعم، ثم علينا أن ندرك بعد ذلك أنه لا يوجد لأي بلد، أو نظام حكم معين، الحق في أن يحتكر وحده التخفيف من حدة الفقر في بلد أو مجتمع ما.

تمكنت الصين على مدى السنوات الأربعين الماضية أو نحو ذلك، من انتشال 800 مليون شخص من براثن الفقر، وهذه إحصائية مذهلة بالطبع، إلا أنه من المهم على الرغم من ذلك أن تكمل المبادرات المحلية للصين الجهود متعددة الأطراف بدلاً من تقويضها؛ حيث لا يمكن لبلد واحد أن يلبي احتياجات التنمية في العالم، ونحن جميعًا بحاجة إلى الاستماع بصورة أكبر إلى البلدان النامية.

يمثل المال بالنسبة إلى العديد من البلدان النامية أمرًا حيويًا للغاية وذا قدرٍ كبيرٍ من الأهمية، إلا أن الأموال يمكن أن تأتي من مصادر مختلفة ومتنوعة - السلام والأمن، والدول التي تتمتع بقدر فعال من الحُكم، فضلًا عن استثمارات القطاع الخاص، والتحويلات المالية، والموارد المحلية، والإيرادات التجارية - وكلها تساهم في دخل تلك البلدان وإمكانية اعتمادها على ذاتها، ولكن لا شك في أن هناك حاجة إلى أشكال جديدة من التمويل للمساعدة في تحقيق أهداف التنمية المستدامة والاستجابة لتحديات تغير المناخ، كما أن هناك حاجة إلى إدخال إصلاحات كبيرة على النظام المالي الدولي من شأنها أن تساعد البلدان على الوصول إلى المزيد من الموارد، والاستجابة للتغيرات المناخية والصدمات الأخرى، وأن يكون لتلك البلدان صوت مسموع في اتخاذ القرارات.

وهناك مجموعة ضخمة من الإعلانات الدولية الصادرة لتحقيق هذا الغرض، من بينها ما يلي:

·       مبادرة بريدجتاون؛                                                              (The Bridgetown Initiative)

·       حافز أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة؛                             (The UN SDG Stimulus)

·       إعلان نيروبي؛                                                                  (The Nairobi Declaration)

·       أجندة باريس للناس والكوكب.          (The Paris Agenda for People and the Planet)

هناك حاجة ماسة إلى تحقيق قفزة نوعية في حجم التمويل الدولي ورأس مال القطاع الخاص الذي يتم توجيهه إلى البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل، وهناك حاجة إلى ما يقدر بنحو 4 تريليونات دولار كل عام لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، كما أننا بحاجة إلى إصلاح المؤسسات المالية الدولية وضخ المزيد من رؤوس الأموال الخاصة للبلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط.

هناك فرصة كبيرة لزيادة حجم التمويل المتاح من بنوك التنمية متعددة الأطراف (MDBs) من خلال تنفيذ توصيات مراجعة مجموعة العشرين لأطر كفاية رأس المال (CAF) الخاصة ببنوك التنمية المتعددة الأطراف، وقد وضع هذا توصيات حول كيفية قيام بنوك التنمية المتعددة الأطراف بتوسيع ميزانياتها العمومية من خلال تحمل المزيد من المخاطر، باستخدام رأس مالها الحالي مع الحفاظ على تصنيفاتها الائتمانية AAA.

وقد ذكرت بنوك التنمية متعددة الأطراف في أكتوبر أن هذا الإجراء الذي حددته يمكن أن يحقق تمويلًا إضافيًا يتراوح بين 300 و 400 مليار دولار على مدى العقد المقبل، إلا أنه لا يزال هنالك الكثير يمكن القيام به؛ فعلى سبيل المثال، يمكن أن يؤدي انخفاض نسبة حقوق الملكية إلى القروض للبنك الدولي للإنشاء والتعمير من 20٪ إلى 19٪ إلى تحرير 40 مليار دولار من التمويل الإضافي، وقد يؤدي تنفيذ تخفيض آخر من 19٪ إلى 18٪ إلى تحرير المزيد، ويمكن القول إن البنك الدولي قد انخرط الآن في عملية الإصلاح من خلال مهمة معلنة تتمثل في "خلق عالم خالٍ من الفقر - على كوكب قادر على العيش".

بالإضافة إلى ذلك، نحن في حاجة إلى رؤية صندوق النقد الدولي يتطور بطريقة تلبي احتياجات أفقر البلدان، كما أن هناك حاجة وفرصة لتعبئة المزيد من رأس المال الخاص، سواء في الداخل أو على المستوى الدولي، للمساعدة في تحقيق أهداف التنمية المستدامة ودعم العمل بشأن تغير المناخ.

وتشير التقديرات إلى أن مخزون رأس المال المؤسسي الخاص يصل إلى نحو 98 تريليون دولار في جميع أنحاء العالم، مع ما يزيد قليلاً عن 48 تريليون دولار في صناديق المعاشات التقاعدية في بلدان منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، ومن شأن إعادة توجيه جزء أكبر من رأس المال هذا إلى البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل أن يتجاوز بكثير نطاق التمويل من مصادر التمويل العامة والمتعددة الأطراف، وأظن أن نسبة كبيرة للغاية من المدخرين وأصحاب المعاشات التقاعدية في بلدان مثل المملكة المتحدة يرغبون في رؤية تلك المدخرات ومعاشاتهم التقاعدية تستخدم لدعم تحقيق أهداف التنمية المستدامة وأن يكون لها تأثير مفيد على الناس والكوكب على حد سواء.

ولا يزال هناك الكثير الذي يتعين القيام به لبناء مجموعة أقوى من المشاريع القابلة للتمويل، لا سيما في البنية التحتية منخفضة الكربون والقادرة على التكيف مع المناخ، وتشير تقديرات البنك الدولي إلى أن هناك خط أنابيب قائم بقيمة 1.2 تريليون دولار لمشاريع البنية التحتية المستدامة في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل، لكن هذا أقل بكثير من مبلغ 3.9 تريليون دولار المطلوب سنويًا حتى عام 2030 لتحقيق أهداف التنمية المستدامة.

هناك حاجة إلى وسائل جديدة لتوجيه التمويل إلى البلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط التي تلبي متطلبات المستثمرين المؤسسيين، كما أن هناك مجموعات كبيرة من المدخرات داخل الاقتصادات ذات الدخل المنخفض والمتوسط والتي يمكن تعبئتها بشكل أكثر إنتاجية، بما في ذلك أكثر من 1.4 تريليون دولار من الأصول المؤسسية في أفريقيا وحدها؛ لذا ستكون تعبئة كل مصدر من مصادر المال أمرًا بالغ الأهمية إذا أردنا معالجة الفقر العالمي بنجاح.

ما لا تستطيع الدول فعله هو ببساطة تكديس الديون المتزايدة على أمل أن يتم إنقاذها من قبل صندوق النقد الدولي، أو على أمل أن تمنح دول مثل الصين تلك الدول إعفاءً من الديون، كما اكتشفت سريلانكا مؤخرًا، ومثلما نحتاج جميعًا إلى أن نأخذ على محمل الجد الحاجة إلى تنشيط الأمم المتحدة كمنتدى فعال لتعزيز السلام الحقيقي، نحتاج أيضًا إلى أن نأخذ على محمل الجد تحذيرات صندوق النقد الدولي من أن العالم يتجه نحو "حرب نووية" تهدد "بإبادة" التجارة الحرة كما نعرفها وفوائد تلك التجارة الحرة.

خلقت "خطوط الصدع المتنامية" في الاقتصاد العالمي، مثل التوترات القائمة الآن بين الولايات المتحدة والصين، والغزو الروسي الأخير لأوكرانيا، تحولات دائمة في الطريقة التي تمارس بها البلدان أنشطتها التجارية، وقد أدى ذلك للأسف إلى حدوث التجزئة بعد عقود من العولمة التي أدت إلى توثيق الروابط التجارية بين البلدان

هناك خطر من أن ينقسم الاقتصاد العالمي إلى كتلتين؛ إحداهما تهيمن عليها الولايات المتحدة وأوروبا في الغرب، والأخرى تقودها الصين وروسيا في الشرق، ويمكن أن تكون التكاليف الاقتصادية لمثل هذه الحرب الاقتصادية الباردة كبيرة للغاية، ويمكن أن تهدد مستوى الانبعاثات الصفرية والأمن الغذائي، كما يحذر صندوق النقد الدولي من أن الخسائر قد تصل إلى ما بين 2.5٪ و 7٪ من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وهذه بالطبع نسبة كبيرة للغاية، خاصة وأننا نشهد حاليًا قطع الروابط التجارية المباشرة بين أكبر الاقتصادات في العالم؛ حيث تقدمت المكسيك على سبيل المثال بطلبٍ لتحل محل الصين كأكبر شريك تجاري لأمريكا، وفي عام 2022، تم فرض حوالي 3000 قيدٍ تجاري على مستوى العالم في جميع أنحاء العالم – أي ثلاثة أضعاف العدد الذي تم فرضه في عام 2019.

وإذا لم نكن على قدر كافٍ من الحذر والحيطة، فإننا سنشهد بأعيننا القضاء على المكاسب التي تحققت من التجارة المفتوحة؛ فمن مصلحة الجميع أن يكون هناك نظام تجاري متعدد الأطراف قائم على القواعد، بل إن من مصلحة البلدان الأشد فقرًا بشكل خاص أن يكون هناك نظام تجاري متعدد الأطراف قائم على القواعد.

إن ما رأيناه في الواقع نتيجة لتصاعد التوترات الجيوسياسية، والحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا، والآثار الكبيرة التي ترتبت على عمليات الإغلاق خلال جائحة كورونا، ما هو إلا انتشارٌ لموجة من الحِمائية في جميع أنحاء الاقتصاد العالمي، حتى أن هناك مفردات أو تعريفات جديدة لهذه الِحمائية الجديدة:

تسميها الولايات المتحدة "دعم الأصدقاء" (التكتل التجاري).

يسميها الاتحاد الأوروبي "إزالة المخاطر".

تسميها الصين "الاعتماد على الذات".

عادةً عندما يقدم أحد البلدان إعانة ما، يتبعه في ذلك بلد آخر؛ حيث تظهر الأرقام الصادرة عن صندوق النقد الدولي على سبيل المثال أنه عندما تقدم الصين دعمًا، نجد أن هناك احتمالًا يصل إلى نحو 90٪ بأن الاتحاد الأوروبي سيفرض قيودًا تجارية انتقامية في غضون اثني عشر شهرًا، لذا تسببنا في إضعاف النمو العالمي والبلدان التي تتنافس مع بعضها البعض بقواعد غامضة وبدون حكم فعال، وهنا سيخسر الجميع في ظل المزيد من ظاهرة تجزئة التجارة.

فيما يتعلق بالتمويل، نحتاج إلى أن نتذكر مشكلة عادةً ما يتم تجاهلها. على سبيل المثال، تتمتع التحويلات المالية بتدفق مالي أكبر بثلاثة أضعاف من المساعدة الإنمائية الدولية كما أن لها تأثير مباشر على ارتفاع حوالي مليار شخص، وهنا نأخذ نيجيريا مثالًا على هذا، حيث تتلقى نيجيريا حاليًا حوالي 140 مليون جنيه إسترليني من المساعدات الثنائية الأطراف من المملكة المتحدة كل عام، ولكن يتم إرسال ما يقدر بنحو 2 مليار دولار سنويًا من النيجيريين الذين يعيشون في المملكة المتحدة إلى نيجيريا في شكل تحويلات مالية.

والواقع أن نسبة ما يرسله المهاجرون من دخولهم ومدخراتهم إلى بلدانهم الأصلية يمثل فائدة من فوائد الهجرة التي تتم إدارتها بشكل جيد، والتي تقدر قيمتها بنحو 650 مليار دولار سنويًّا، بحيث تمثل التحويلات المالية ثلث إجمالي تدفقات رأس المال المسجلة إلى البلدان ذات الدخل المنخفض/المتوسط. وبالتالي فإن خفض تكلفة التحويلات يمكن أن يكون له تأثير إنمائي كبير.

تلعب التحويلات المالية دورًا حيويًا في الحياة اليومية؛ حيث يتم استخدام حوالي ثلاثة أرباع تلك التحويلات لتغطية الضروريات الحياتية اليومية مثل الرسوم المدرسية، والنفقات الطبية، والغذاء، والإيجار، وفي كل مرة يرسل فيها أحد الأفراد حوالة مالية، تفقد تلك الحوالة في المتوسط حوالي 6٪ من قيمتها مقابل تكاليف تنفيذ هذه المعاملة، ويمكن أن يرتفع هذا الرقم إلى أكثر من 35 ٪ في بعض الحالات، لذلك ليس من المستغرب أن يكون هناك هدف من بين أهداف التنمية المستدامة يسعى إلى تقليل تكاليف المعاملات لإرسال التحويلات إلى حوالي 3٪ والتي ستزداد بسبب التدفق المالي إلى بعض الأشخاص الأكثر ضعفًا اقتصاديًا في العالم. علاوة على ذلك، يمكن أن تساعد التقنيات الجديدة في خفض تكاليف المعاملات والاستفادة بشكل أفضل من بيانات التحويلات العالمية.

وتتمتع تلك البلدان، مثل المملكة المتحدة التي لديها مراكز مالية كبيرة، بوضع جيد للمساعدة في زيادة تأثير تدفقات التحويلات المالية وتأثير السياسات واللوائح التنظيمية التي تؤثر على تكاليف تحويلات الأموال.

نحن بحاجة إلى سياسات جديدة للتحويلات المالية؛ سياسات يمكنها أن تعود بالفائدة على كل من مرسلي ومستلميها.

يجب أن يكون هدف الدول الغنية هو السعي إلى التغلب على الفقر المدقع، لكننا بحاجة أيضًا إلى معالجة التغيرات المناخية وفقدان التنوع البيولوجي بشكل جماعي.

من المهم بالنسبة لنا أن نعترف بأن أكثر الدول فقرًا هي الأكثر تضررًا من تكاليف الكوارث المناخية.

ينتشر تأثير تغير المناخ وانهيار المناخ بشكل غير متساوٍ في جميع أنحاء العالم؛ فعلى سبيل المثال، كلفت حرائق الغابات التي اندلعت في هاواي في عام 2023 كل ساكن في نطاق المنطقة المتضررة حوالي 4000 دولار، بينما كلّف إعصار ماوار، الذي ضرب غوام في مايو من العام الماضي، كل شخص تأثر بنحو 1500 دولار، كما أثَّر إعصار فريدي، الذي ضرب ملاوي في ربيع العام الماضي، على مليوني شخص وتسبب في وفاة ما يقرب من 1000 شخص.

في كثير من الأحيان، تعاني المجتمعات التي ساهمت بأقل قدر في التسبب في تغير المناخ من الأسوأ، كما تبلغ تكاليف الخسائر والأضرار الناجمة عن التغيرات المناخية مئات المليارات من الدولارات سنويًا في البلدان النامية.

أصبح هناك الآن إجماع عالمي عام على أنه مع تواتر وشدة الكوارث المناخية، التي من المتوقع أن تزداد بشكل كبير، يتعين على جميع الحكومات اتخاذ إجراءات حاسمة الآن، سواء بشكل فردي وجماعي، للحد من الاحترار العالمي إلى 1.5 درجة، والتكيف مع آثار تغير المناخ.

شهد مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ (COP 28) في دورته الثامنة والعشرين، في نهاية العام الماضي، تحركًا نحو إنشاء مخصصات مالية لمساعدة البلدان على التكيف مع آثار تغير المناخ والتعافي من الكوارث، إلا أنه من الضروري ألا يكون النقاش حول تغير المناخ نقاشًا يؤدي إلى هلاكنا دائمًا.

ومن الصواب بطبيعة الحال التركيز على التحديات التي تنتظرنا، لكننا نحتاج أيضًا إلى الاعتراف بالتقدم الذي تم إحرازه لأنه عند القيام بذلك، يمكننا أن نثق في أنه من الممكن إحراز مزيد من التقدم.

ولقد كان جلالة الملك تشارلز محقًا تمامًا في مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ في دورته الثامنة والعشرين حين قال إن "الأرقام القياسية تتحطم الآن في كثير من الأحيان لدرجة أننا ربما أصبحنا محصنين مما يخبروننا به حقًا".

إلا أنه لا يزال يتعين علينا الاعتراف بأن المملكة المتحدة، على سبيل المثال، أصبحت في نهاية العام الماضي أول دولة في مجموعة العشرين تخفض انبعاثاتها الكربونية إلى النصف، وتمكنت المملكة بمساعدة التكنولوجيا وتأثير المنافسة والرأسمالية المتنافسة معًا من استخراج والحصول على مزيد من الطاقة بالاعتماد على كميات وقود أقل وبطرقة أكثر نظافة.

تستخدم الأسرة المتوسطة في بريطانيا اليوم طاقة أقل بنسبة 40 ٪ مما كانت عليه في منتصف التسعينيات.

قد يكون من الصحيح في كثير من الأحيان أن انبعاثات الكربون لا تزال تسجل ارتفاعًا ملحوظًا على مستوى العالم، ويرجع ذلك أساسًا إلى التطور السريع في البلدان الأكثر فقرًا، وهذا يعني بالطبع أن المزيد من العالم يمكنه تحمل تكاليف المرافق الأساسية التي اعتبرها الكثيرون في الغرب أمرًا مفروغًا منه لفترة طويلة.

لذلك لا يوجد هنالك من الأسباب ما يدفعنا إلى الاعتقاد بأننا لا نستطيع بشكل جماعي تحقيق أهدافنا المتعلقة بتغير المناخ العالمي من خلال المجهود الجماعي، وبينما نواجه تحديات هائلة، نحتاج أيضًا إلى أن ندرك أننا نعيش في وقت يتم فيه إحراز تقدم غير عادي، ونادراً ما نتوقف لنفكر في أنه بالنسبة لجميع الكوارث التي تحدث من حولنا في العالم، فإن ما يحدث بشكل صحيح يفوق بكثير ما يحدث بشكل خاطئ.

 

 

 

 

 

 

 

2- الدكتور محمد الرميحي - دولة الكويت

متواضع دون تصنع

محب للخير دون اعلان

متواصل مع الناس دون تفرقة

عاشق لوطنه دون افتخار

عامل لامته دون منه

مؤمن بالعلم دون تفريط بالتراث

هذه هو الرجل المرحوم عبد العزيز البابطين ، الذي نستظل جميعا اليوم بتراثه الباقي

 

مقدمة:

1-    في قول مأثور (إذا كانت السياسة هي العربة ، و الحصان هو الاقتصاد) فمن المعيب ان تضع العربة قبل الحصان ،

2-    تبحث الدول و المجتمعات عن طريق سالك ومستقر للأمن و الاستقرار، ووجد العالم نفسه امام تحدي عنوانه (الاقتصاد) و يشكل هو لا غيره هدف النمو الدائم للمجتمعات على عكس ما يظن كثيرون انها السياسة ،

3-    لا يوجد نمو أو تنمية بلا خطط عقلانية موضوعة واضحة و متسلسلة في المجتمع ، ويمكن قياسها ،تتضمن تلك الخطة الشاملة ، الرؤية (ماذا هو شكل المجتمع المراد و أهدافه العامة)، و الرسالة التي يحب تبنيها من القطاع الحكومي و الأهلي و الخاص ، و المنهجية المتبعة (لتسكين الوظائف العامة) و الأهداف الاستراتيجية للخطة الشاملة للدولة ،

4-   مع وجود جهاز تطوير منظومة الأداء R&D، وتقييم الأداء دوريا ، والتحقق من بيانات المتابعة ، و تحديد الشركاء الاستراتيجيين ، منهم (القطاع الخاص) والأهلي و (شركاء التقنية) .

 

ذلك يتطلب

1-   تحقيق أكبر قدر من التنسيق بين الوزارات والجهات المختلفة. وتسليط الضوء على حجم الإنجازات التي تقوم بها الدولة و الاعتراف بالقصور . من خلال التنسيق بين أهداف الحكومة وبين الأداء الفردي للجهات الحكومية والعاملين بها. وتحسين جودة الخدمات المقدمة للمواطنين. وضمان تحقيق كفاءة وفاعلية الإنفاق العام. وقياس أثر البرامج التنموية التي تنفذها الحكومة على تحقق أهداف التنمية المستدامة وبشكل دوري.

تلك هي القواعد العامة التي يتوجب أن تتبع

أما الأهداف: فهي :

  • ضمان تنفيذ المستهدفات التنموية التي توافقت عليها الحكومة.

  • تحقيق أكبر قدر من التنسيق بين الوزارات والجهات المختلفة.

  • تسليط الضوء على حجم الإنجازات التي تقوم بها الدولة.

  • التنسيق بين أهداف الحكومة، وبين الأداء الفردي للجهات الحكومية والعاملين بها.

  • تحسين جودة الخدمات المقدمة للمواطنين.

  • ضمان تحقيق كفاءة وفاعلية الإنفاق العام.

  • قياس أثر البرامج التنموية التي تنفذها الحكومة على تحقق أهداف التنمية المستدامة.

  • وضع حلول عاجلة للمعوقات، وتقويم الأداء ضماناً لتنفيذ المستهدفات.

  • مأسسة التخطيط الاستراتيجي وقياس أداء داخل الجهاز الإداري للدولة.

  • تعزيز قدرات العاملين بالجهاز الإداري للدولة في مجال خطط البرامج وأداء.

مراحل المتابعة من ثلاث مراحل:

  • المرحلة الأولى: مرحلة التخطيط: إعداد خطة عمل تنفيذية ربع سنوية

  • المرحلة الثانية: مرحلة المتابعة: استلام نماذج المتابعة من كل الجهات بشكل ربع سنوي، ومراجعتها، قبل إدخالها على منظومة المتابعة.

  • المرحلة الثالثة: مرحلة التقييم: تقوم المنظومة بتقييم الأداء بشكل تلقائي، عن طريق مقارنة الحصة المنفّذة في كل مؤشر أداء مع القيمة المستهدفة في ذات الفترة.

مخرجات منظومة الأداء

  • تقرير ربع سنوي يتضمن تقييم أداء كل وزارة، ويوضح المؤشرات ذات الأداء المرتفع والمتوسط والمنخفض.

  • تقرير ربع سنوي بعنوان: حصاد مرحلة البناء في 90 يوماً يتضمن توثيقاً شاملاً لكل المشروعات الاستثمارية التي انتهى تنفيذها كل ربع سنة، ويتضمن بيانات عن أهمية كل مشروع، وتكلفته الكلية، وموقعه الجغرافي، وتاريخ بداية العمل فيه، وتاريخ الانتهاء من تنفيذه، وكذلك صوره للمشروع.

  • تقرير دوري عن المعوقات التي تحول دون تنفيذ المستهدفات التنموية.

 

1-   تعد الادارة الحكومية من أهم القطاعات التنموية في المجتمعات المختلفة، فهي التي تقدم هيكل الخدمات الإنتاجية و الرعائية ، على راسها التعليم بمراحله المختلفة و الخدمات الصحية و البنية التحتية ، ولذلك تتسابق حكومات ودول العالم على النهوض بهذا القطاع وتطوير دوره التنموي، وهو ما تعمل عليه حكومة دولة الكويت من أجل التنمية الشاملة لوطنها ، وتحقيق التنمية الإدارية لمؤسساتها. ومن أجل تحسين الأداء الحكومي، يتم تطبيق برامج ومبادرات التميز في الأداء الحكومي وفق رؤية الكويت 2035، تغيرت في الهدف الزمنى شن والتي تهدف إلى تحسين جودة الخدمات المقدمة للمواطنين، ورفع كفاءة البنى التحتية، وتفعيل الخدمات الإلكترونية بشكل أوسع، وبناء قنوات للتواصل الفعّال بين مقدمي الخدمات الحكومية والعملاء والمستفيدين، (مجموع الشعب) للوصول إلى تجربة عميل متميزة. 

 

تستخدم حكومة الكويت العديد من البرامج والمبادرات لتحسين الأداء الحكومي وتحقيق التنمية الإدارية لمؤسسات الدولة. بعض هذه البرامج والمبادرات تشمل:

1.    برنامج الحكومة الإلكترونية: يهدف إلى تحسين الخدمات الحكومية المقدمة للمواطنين والمقيمين في الكويت، وتفعيل الخدمات الإلكترونية بشكل أوسع، وبناء قنوات للتواصل الفعّال بين مقدمي الخدمات الحكومية والعملاء والمستفيدين، للوصول إلى تجربة عميل متميزة 1.

2.    برنامج التميز في الأداء الحكومي: يهدف إلى تحسين جودة الخدمات المقدمة للمواطنين، ورفع كفاءة البنى التحتية، وتفعيل الخدمات الإلكترونية بشكل أوسع، وبناء قنوات للتواصل الفعّال بين مقدمي الخدمات الحكومية والعملاء والمستفيدين، للوصول إلى تجربة عميل متميزة .

3.    برنامج إعادة هيكلة القوى العاملة والجهاز التنفيذي للدولة: يهدف إلى تحسين الأداء الحكومي، وتحسين جودة الخدمات المقدمة للمواطنين، وتفعيل الخدمات الإلكترونية بشكل أوسع، وبناء قنوات للتواصل الفعّال بين مقدمي الخدمات الحكومية والعملاء والمستفيدين، للوصول إلى تجربة عميل متميزة .

4.    برنامج الأجندة الاقتصادية: يهدف إلى تحسين جودة المعيشة، وزيادة فاعلية القطاع الخاص في دعم القطاع الاقتصادي، وتحويل دولة الكويت إلى مركز استثماري مهم في المنطقة .

5.    برنامج عمل الحكومة 2022-2026: يهدف إلى تحقيق استدامة الأمان الاجتماعي للمواطن، وتحسين جودة المعيشة، كما تعالج جودة التعليم والصحة، وتطوير نظم الرعاية السكنية، وتركز أيضا على تمكين المرأة، ودمج ذوي الإعاقة، والاهتمام بالشباب الذين هم الثروة الحقيقية لهذا الوطن 

6.    برنامج عمل الحكومة 2023: الذي مدد ويتضمن خمسة محاور رئيسية تضمن كل منها مجموعة من الأهداف .

 ما تقدم هو التصور النظري إلا أن المشكلة هو تنزيل هذا التصور النظري على الواقع

وأمامنا مجموعة من العقبات هي خمس رئيسية :

1-   مستوى التعليم بشكل عام و الذي يفتقد الكفاءة و الجدارة

2-   بيئة تسكين الوظائف الحكومية العليا و المتوسطة (الولاء قبل الكفاءة)

3-   نقص في التشريعات

4-   تقاعس في تطبيق التشريعات القائمة لأسباب سياسية او اجتماعية

5-   ضمور فكرة الدولة الوطنية و انتعاش جماعات ما قبل الدولة او ما فوق الدولة .

6-   الفساد الإداري رغم محاولات محاربته

كفاءة الجهاز الحكومي اليوم أمامه مجموعة عقبات

الاقتراحات:

أولا: حتى يتم انتاج سياسة عامة فعالة فذلك يعتمد على جودة المعلومات التي تصل الى صانع القرار ، وهي معلومات خاصة بالاقتصاد و الاجتماع و التعليم و الصحة و الامن و العلاقات الخارجية و أخرى كثيرة ، وهي تصنع ان صح التعبير من جهاز او أجهزة تقليدية حتى الان ، فجودة المعلومات تتطلب أولا النظر في مصادر تلك المعلومات ودقتها و حداثتها ، ولا اعرف من خبرة ، ان هناك جهازا في الدولة يملك او يهتم بما يُعرف (البحث و التطوير) مركزيا، كي يبني القرار و خيارته على معلومات دقيقة ، و هناك الكثير من القرارات في السابق بنيت على معلومات خاطئة ، لذلك هناك أهمية قصوى لرسم رؤية، ووضع خطط للقضايا الرئيسية ،و تنظيم أولوياتها و الشروع التدريجي في تنفيذ العاجل منها، ومتابعة منظومة الأداء ، و النظر الجاد في منظومة تسكين الوظائف الحكومية .

ثانيا : الفريق الوزاري ، وكثيرا ما قيل ان كثير من الحكومات (في السابق) هي ائتلافية ،وفي قول اخر (محاصصة) طبيعي ان يشترك فيها اشخاص من أطياف المجتمع ،ولكن الحرص على الكفاءة من جهة و الانسجام بين اعضائها له أهمية خاصة ، ومن التجارب السابقة ما عطل العمل الحكومي هو (الاذان خارج المواقيت) ان صح التعبير ، أي ان كل وزير له خططه الخاصة ، و قد تتعارض مع خطط وزير اخر ، قد جرب المجتمع الكويتي ذلك في اكثر من مرحلة سابقة ، دون الدخول في تفاصيل ، لذلك فان الانسجام و العمل كفريق له أهمية قصوى في المرحلة القادمة.

ثالثا: من الأوليات اجتثاث (ما أمكن) منظومة الفساد ، والأخير تعريفه (استخدام سلطة لتحقيق منفعة) و الفساد ليس جديد ولا طاري في المجتمعات سواء كانت غنية أو فقيرة ،هو كالفطر ينمو في غياب عاملين (الرقابة الفعالة ، و التراخي في اتخاذ القرار) لذا فان جهاز متابعة الفساد (نزاهة) يحتاج أن (تنمو له أسنان) من خلال النظر في تطوير قانونه الحالي !

رابعا: التقنية هي المستقبل ولا تقوم صناعة تقنية متقدمة دون تعليم له أولوية في التجويد وليس في الكم فقط ، و أحد معوقات تقدم الكويت ما تردى فيها من التعليم ، أولا من جراء تدخلات سياسية، وثانيا من نقص في كفاءة حجم وازن من كثير من القائمين على الخدمة ، لذلك فإن الاقتراح المعطل منذ سنوات و القائل باستقدام مؤسسات تعليمية ذات كفاءة ، وأيضا جامعة أهلية (غير ربحية) لتشجيع المنافسة بين المؤسسات التعلمية، فالاقتصاد القادم هو اقتصاد خدمات قائم على التقنية العالية ، كما أن الأخيرة تساهم في خفض نسبة الفساد في العمل العام و الخاص ، ما هو متوفر من اجتهادات تعليمية حتى الآن، لها مردود ضعيف و بعضه غير ذي قيمة ، كما أن شعار (الحكومة الإلكترونية) رغم ما خلفه من أمنيات طيبة، إلا أنه لم يتحقق كما يجب ، مقارنة بالجيران.

خامسا : دون تقليل في النجاح النسبي لقطاع الصحة ، إلا أن إعادة الزيارة له من جديد ، فهو يحتاج ليس إدارة حديثة فقط ولكن رؤية شاملة ، و قد طُلب من مؤسسة الكويت للتقدم العلمي منذ سنوات تقديم دراسة لتطوير القطاع ، و صرفت على تلك الدارسة مبالغ كبيرة ، إلا أنه بمجرد تغيير الوزير ، وضعت تلك الدراسة على الرف (مثال لكثرة العازفين وعدم وجود المايسترو)!

سادسا : التكتلات الإقليمية هي رادف مهم للأمن الاقتصاد معا ، لذلك توثيق العلاقات مع الجوار الخليجي ، حيث أن الإقليم يغلي بمشكلات سياسية و صراعية ، تحتاج إلى فريق يقود تلك العلاقات بحذق ، يعظم المشترك و يقلل الخلاف ، مع ترتيب دولي فاعل، بعيد عن الأنانية و المصالح الضيقة .

سابعا : خلق بيئة فعالة لتنشيط القطاع الخاص ، من أجل تعظيم مساهمته في الدخل الوطني ، من خلال عدد من الخطوات، منها إزالة التناقض في التشريعات القائمة ، وبعضها معطل و ربما متناقض ، بسبب (الاجتهادات الشخصية) و تحويل البلاد الى مكان جاذب للاستثمار و الشراكات النافعة للمجتمع .

ثامنا : هناك قوة ناعمة (اقتصادية و ثقافية) تميزت بها الكويت ، تم في السنوات الأخيرة إجهاضها ، بسبب الضغط غير العقلاني من (حراس النوايا) وهي القطاع الثقافي و الإعلامي ، بمشمولاته المختلفة من تأليف نشر و نشاط مسرحي و نشطات ثقافية ، وتذخر الساحة بهؤلاء المبدعين، والذي يعطل انطلاقهم عقبتنا قوانين جامدة و إدارة لا تعرف أهمية النشاط الثقافي كقوة ناعمة ورافعة للبلد ، عُرف بها وتميز .

 

 

 

 

ب- المشاركة الشعبية والتنمية

3- الدكتور آربين سي سي - جمهورية ألبانيا

التحديات في القرن الحادي والعشرين

I.                   الملخص

II.                مقدمة إلى المشاركة الشعبية

III.             المشاركة الشعبية والتنمية في القرن الحادي والعشرين

IV.            الأصل والتعريف

V.               تصنيف المشاركة الشعبية

VI.            المشاركة الشعبية في مختلف القارات والبلدان

VII.         فوائد وأثر المشاركة الشعبية

VIII.       المشاركة الشعبية                  التنمية والديمقراطية

IX.            المشاركة الشعبية والسياسة، صُناع القرار

                  1- لماذا يجب على السياسيين أن يقدروا دور المشاركة الشعبية؟

            2- لماذا قد يتسم السياسيون بالحذر أو التردد تجاه المشاركة الشعبية؟

            3- في أي المجتمعات يخاف السياسيون من المشاركة الشعبية؟

X.               المشاركة الشعبية في عصر العولمة والعصر الرقمي؛ المزايا والتحديات

            1- مزايا المشاركة الشعبية في القرن الحادي والعشرين

            2- التحديات التي تواجه المشاركة الشعبية في القرن الحادي والعشرين

XI.            الاستنتاجات: المشاركة الشعبية والتنمية في القرن الحادي والعشرين أمر بالغ الأهمية؟

XII.          قائمة المراجع

مرفق:  المنظمات الدولية التي تعزز المشاركة الشعبية والتنمية

 

 

 

      I.            الملخص

تُشكل المشاركة الشعبية والتنمية في القرن الحادي والعشرين تآزرًا حيويًا لتعزيز المجتمعات الشاملة والمستدامة والعادلة، وتضمنُ من خلال الاعتراف بالاحتياجات والتطلعات المتنوعة اتخاذ قرارات دقيقة ومحددة السياق في مواجهة تحدياتٍ مثل العولمة والتقدم التكنولوجي، كما يؤكد التحول نحو الديمقراطية على دورها في تمكين الأفراد من صياغة السياسات ذات الأثر على حياتهم اليومية. بالإضافة إلى ذلك، تُرَسِّخُ المشاركة الشعبية المسؤولية المشتركة من أجل التنمية المستدامة في ظل وجود التكنولوجيا التي تعمل كعامل تمكين قوي ومن خلال سد الفجوات والمساعدة في سماع الأصوات بشكل أكبر، كما أن تَبَنِّيْ المشاركة الشعبية في نهاية المطاف ليس مجرد خيار، بل إنها تمثل ضرورةً لتشكيل عالمٍ مستدامٍ وعادلٍ يعكس التطلعات والتنوع الإنساني.

الكلمات المفتاحية:     #المشاركة الشعبية، #التنمية، #العولمة، #التمكين، #الحوكمة، #صنع القرار، #الشمولية، #المساءلة، #الشفافية.

 

   II.            مقدمة إلى المشاركة الشعبية

تشير المشاركة الشعبية، وهي مفهوم متجذر بعمقٍ في مبادئ الديمقراطية  والمشاركة المجتمعية، إلى المشاركة النشطة للأفراد والمجتمعات في عمليات صنع القرار والحوكمة ومبادرات التنمية، كما أنها تجسد الاعتقاد بأن الناس، بشكل جماعي، لديهم الحق والمسؤولية للمساهمة في صياغة السياسات والأنشطة التي لها الأثر على حياتهم اليومية، حيث يشكل هذا المفهوم حجر الزاوية في تعزيز المجتمعات الشاملة والتنمية المستدامة.

تعكس المشاركة الشعبية في جوهرها خروجًا عن النهج التقليدي الذي يتجه من أعلى إلى أسفل في التعامل مع الحوكمة والتنمية، حيث إنها تدافع عن فكرة أنه لا ينبغي فرض القرارات من السلطة الأعلى، بل يجب أن تنشأ هذه القرارات من خلال عملية تعاونية تتضمن الاستماع إلى وجهات النظر والخبرات والاحتياجات المتنوعة لعامة الناس، وتؤكد المشاركة الشعبية على أهمية المسؤولية المشتركة والتمكين، سواء في سياق صنع القرار السياسي أو مشاريع التنمية المجتمعية أو المبادرات التعليمية.

لا تقتصر المشاركة الشعبية على الإدلاء بالأصوات في الانتخابات؛ بل تمتد إلى المشاركة النشطة في  الأنشطة المدنية والمناقشات المجتمعية والمشاركة في إيجاد حلول لمواجهة التحديات المحلية، حيث يعترف هذا النهج الشامل بأن قوة المجتمع تكمن في الوكالة الجماعية لمواطنيه، كما أنه هو يعزز الشفافية والمساءلة والتماسك الاجتماعي من خلال تعزيز الشعور بالملكية والمسؤولية المشتركة بين أفراد المجتمع.

وبينما نتعامل مع تعقيدات العالم المعاصر، حيث تمتد القضايا من التحديات العالمية إلى التعقيدات المحلية، تبرز المشاركة الشعبية كآلية حيوية لصنع القرار المستنير والديمقراطي، وهو مبدأ يتردد صداه في مختلف المجالات، من العلوم السياسية والحوكمة إلى تنمية المجتمع والتعليم، وتقف المشاركة الشعبية في عصر الترابط هذا، الذي تُسَهلُ فيه التكنولوجيا التواصل والتعاون غير المسبوقين، كمنارة لبناء مجتمعات لا تستجيب لاحتياجات الناس فحسب، بل تتميز بالمرونة والشمولية والتطور النشط.

تمهد هذه الورقة البحثية الطريق لفهم أعمق للدور متعدد الأوجه الذي تلعبه المشاركة الشعبية في تشكيل  ديناميكيات المجتمعات في القرن الحادي والعشرين وصياغتها والتحديات في مختلف البلدان وجوانب المجتمع والسياسة والتنمية في الوقت الحاضر.

 

III.     المشاركة الشعبية والتنمية في القرن الحادي والعشرين

تطورت العلاقة بين المشاركة الشعبية والتنمية في القرن الحادي والعشرين إلى شراكة ديناميكية وأساسية، تشكل مسار المجتمعات في جميع أنحاء العالم، ويتميز هذا العصر بمستوى غير مسبوق من التواصل والتقدم التكنولوجي والاعتراف المتزايد بالدور الحاسم الذي تلعبه المجتمعات في تعزيز التنمية المستدامة، وقد برز مفهوم المشاركة الشعبية، الذي ينطوي على المشاركة النشطة للأفراد والمجتمعات في عمليات صنع القرار، كمحور للتنمية الشاملة والمؤثرة.

واحدة من الخصائص المميزة للقرن الحادي والعشرين هي الترابط الذي تسهله التكنولوجيا الحديثة؛ حيث أدى انتشار وسائل التواصل الاجتماعي والمنصات المتنوعة عبر شبكة الإنترنت وإمكانية التواصل الفوري إلى إضفاء الطابع الديمقراطي على المعلومات، مما أتاح للأفراد القدرة على الوصول غير المسبوق إلى المعرفة والقدرة على التعبير عن آرائهم، وتجاوزت المشاركة الشعبية في هذا السياق الحدود التقليدية، مما أسهم في تمكين المجتمعات المحلية  من المساهمة بنشاط في خطة التنمية.

وتعمل المشاركة الشعبية في مجال التنمية المستدامة كحافز لتشكيل السياسات  والمبادرات التي تتوافق مع الاحتياجات الحقيقية للمجتمعات، خاصةً وأن العديد من التحديات التي نتعرض لها في القرن الحادي والعشرين، بما في ذلك  التغيرات المناخية والأزمات الصحية العالمية والحروب والخسائر والتفاوتات الاقتصادية واتجاه هجرة الأدمغة، تتطلب حلولاً مبتكرة وملائمة للسياق المحلي، وهنا تضمن المشاركة الشعبية مراعاة وجهات النظر المتنوعة، مما يعزز اتباع نهج تعاوني يتجاوز عملية صنع القرار من أعلى إلى أسفل.

علاوة على ذلك، شهد القرن الحادي والعشرون تحولًا في فهم التنمية؛ وهو ذلك المفهوم الذي لم يعد يقاس بالاعتماد على عدد من المؤشرات الاقتصادية فحسب، بل أصبح يشمل نهجًا شاملاً يأخذ في الاعتبار مختلف الأبعاد الاجتماعية والبيئية والثقافية، وهنا تتوافق المشاركة الشعبية مع هذه الرؤية الأوسع لمفهوم التنمية، مع التأكيد على أهمية مشاركة القواعد الشعبية في صياغة الاستراتيجيات التي لا تعزز النمو الاقتصادي فحسب، بل تعزز أيضًا العدالة الاجتماعية والاستدامة البيئية والحفاظ على الثقافة والسلام أيضًا.

يرتبط مفهوم المشاركة الشعبية ارتباطًا وثيقًا بمبادئ الديمقراطية  وحقوق الإنسان، وهناك اعتراف عالميٌّ في القرن الحادي والعشرين بأن التنمية لا يمكن أن تكون مستدامة حقًا ما لم تكن شاملة وتحترم الحقوق الأساسية للأفراد، وهنا تصبح المشاركة الشعبية أداة لضمان التزام عمليات التنمية بالمبادئ الديمقراطية، وتعزيز الشفافية والمساءلة والتضامن  وحماية حقوق الإنسان.

علاوة على ذلك، شهد القرن الحادي والعشرون تركيزًا متزايدًا على دور المجتمعات المحلية بصفتها عوامل فاعلة في عملية التغيير، وأصبح من المرجح أن تتبنى المجتمعات مبادرات التنمية المدفوعة بالمشاركة الشعبية، مما يؤدي إلى الشعور بالملكية والمسؤولية، ويساهم هذا التمكين المحلي في إضفاء مزيد من المرونة والاستدامة على جهود التنمية، مما يخلق حلقة تغذية راجعة إيجابية تشارك المجتمعات من خلالها بنشاط في تحقيق تقدمهم.

تتقاطع المشاركة الشعبية أيضًا مع نظريات القوة والتمكين؛ حيث تعترف بأن السلطة لا تنحصر فقط في المؤسسات الرسمية، ولكنها تشمل المواطنين على قدم المساواة، ويمكن للأفراد والمجتمعات من خلال المشاركة اكتساب الشعور بالوكالة، والتأثير على عمليات صنع القرار، وتحدي هياكل السلطة الحالية، ويُعد هذا الجانب التمكيني  من المشاركة الشعبية أمر بالغ الأهمية لتعزيز العدالة الاجتماعية، والحد من أوجه عدم المساواة، وتعزيز الشرعية الديمقراطية.

يمكن تصور المشاركة الشعبية والتنمية والسلام على أنها علاقة مُثَلَّث مترابطة، حيث يلعب كل عنصر دورًا حيويًا ويؤثر ويتأثر بالعناصر الأخرى، ويمكن أن يكون للتطورات الإيجابية في أحد العناصر تأثيرات متتالية على العناصر الأخرى. وعلى العكس من ذلك، يمكن للتحديات في أي من هذه المجالات أن تخلق توترات يتردد صداها في جميع أنحاء النظام، ويؤكد هذا الترابط على أهمية النظر في أوجه التآزر بين المشاركة الشعبية والتنمية والسلام  والتنمية السياسية من أجل التقدم الاجتماعي الشامل.

على الرغم من ذلك، لا تلبث المشاركة الشعبية إلا أن تتعرض لمجموعة من التحديات والانتقادات، حيث يجادل المنتقدون بأن المشاركة الشعبية يمكن أن تكون رمزيةً، أي أن تكون مساهمة المواطنين مسألة رمزية فقط ولا تؤثر فعليًّا على عمليات صنع القرار، كما أن هناك مخاوف بشأن تمثيل المشاركين، حيث قد تواجه الفئات المهمشة حواجز أمام المشاركة. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يعوق عدم تناسق الموارد والمعلومات بين المواطنين والمؤسسات المشاركة الهادفة.

تظل المشاركة الشعبية جانبًا أساسيًا من جوانب الحكم الديمقراطي، حيث إنها ترتكز على مفاهيم مثل الديمقراطية التداولية ورأس المال الاجتماعي والسلطة والتمكين، كما تهدف من خلال إشراك المواطنين في صنع القرار إلى تعزيز الشرعية الديمقراطية والمساءلة والاستجابة.

ومع ذلك، تظل مواجهة التحديات وضمان المشاركة الهادفة والشاملة مسعىً مستمرًا لصانعي السياسات والممارسين الملتزمين بتعزيز العمليات الديمقراطية في القرن الحادي والعشرين.

وفي الختام، فإن المشاركة الشعبية في القرن الحادي والعشرين ليست مجرد عنصر مرغوب فيه للتنمية؛ بل هي ضرورة حتمية. وبينما نتعامل مع تعقيدات عالم سريع التغير، فإن مشاركة الأفراد والمجتمعات يُعَدُّ أمرًا لا غنى عنه لصياغة مسارات تنمية تتمتع بقدرتها على تحقيق الاستجابة وتتسم بأنها شاملة ومستدامة، وهنا يتطلب المشهد المتطور للقرن الحادي والعشرين نقلة نوعية حيث لا يتم الاعتراف بالمشاركة الشعبية فحسب، بل يتم تبنيها بنشاط باعتبارها حجر الزاوية لمجتمع عالمي أكثر عدلاً وإنصافًا وازدهارًا.

 

IV.     الأصل والتعريف

استُخدم مصطلح "المشاركة الشعبية" في سياقات مختلفة عبر التاريخ، ويمكن إرجاع تطبيقه النظري إلى تخصصات مختلفة، وفي حين أنه من الصعب تحديد اللحظة الدقيقة التي استُخدم فيها هذا المصطلح للمرة الأولى بشكل نظري، إلا أن ظهوره يتزامن مع تطور النظريات المتعلقة بالعلوم السياسية والحوكمة وتنمية المجتمع والتعليم وسياق التنمية الدولية أيضًا.

ففي مجال العلوم السياسية، ناقش علماء مثل روبرت دال، الذي قدَّم عددًا من المؤلفات على نطاق واسع عن النظرية الديمقراطية في منتصف القرن العشرين، المفاهيم المتعلقة بمشاركة المواطنين، وبالمثل، وضع الفلاسفة السياسيون مثل جان جاك روسو  في القرن الثامن عشر الأساس للأفكار المتعلقة بالسيادة الشعبية ومشاركة المواطنين.

وفي سياق التنمية المجتمعية والحركات الشعبية، يمكن ربط الأسس النظرية للمشاركة الشعبية بالمناقشات في منتصف القرن العشرين وما بعده، وقد اكتسب التركيز على التنمية التي يقودها المجتمع وأهمية إشراك السكان المحليين في صنع القرار زخماً خلال هذه الفترة.

وفي حين أن المصطلح نفسه ربما لم يكن يُستخدم بشكل ثابت في الماضي البعيد، إلا أن المبادئ المرتبطة بالمشاركة الشعبية لها جذور تاريخية عميقة، وأصبح مصطلح "المشاركة الشعبية" مع مرور الوقت، ومع تطور نظريات الديمقراطية والحكم وتنمية المجتمع، طريقةً موجزةً للتعبير عن المشاركة النشطة لعامة الناس في مختلف جوانب الحياة الاجتماعية.

          1. من منظور العلوم السياسية

التعريف: تشير المشاركة الشعبية إلى المشاركة النشطة للمواطنين في العمليات السياسية، مثل التصويت في الانتخابات، والمشاركة في الأنشطة المدنية، والانخراط في الخطاب السياسي.

مثال: المواطنون الذين يمارسون حقهم في التصويت في الانتخابات  وحضور الاجتماعات المجتمعية المفتوحة.

          2. من منظور تنمية المجتمع:

التعريف: تشمل المشاركة الشعبية المشاركة النشطة لأفراد المجتمع في عمليات صنع القرار والمبادرات التي تؤثر على بيئتهم المحلية، مما يعزز الشعور بالملكية والتمكين.

مثال: تعاون أفراد المجتمع مع السلطات المحلية لتصميم وتنفيذ مشاريع تحسين الأحياء.

          3. في سياق التعليم:

التعريف: في التعليم، تعني المشاركة الشعبية المشاركة النشطة للطلاب وأولياء الأمور وأفراد المجتمع في عمليات صنع القرار في المدارس والمؤسسات التعليمية.

مثال: يشارك أولياء الأمور في اجتماعات مجلس إدارة المدرسة، ويقدمون مدخلات حول تطوير المناهج الدراسية، ويدعمون بنشاط تعليم أطفالهم.

          4. في سياق التنمية الدولية:

التعريف: في سياق التنمية الدولية، تشير المشاركة الشعبية إلى إشراك الناس في تخطيط برامج التنمية وتنفيذها وتقييمها، مع ضمان مراعاة احتياجاتهم ووجهات نظرهم.

مثال: مشاركة المجتمعات المحلية بنشاط في تصميم وتنفيذ مشاريع التنمية المستدامة بالتعاون مع المنظمات غير الحكومية.

 

V.      تصنيف المشاركة الشعبية

تُظهر المشاركة الشعبية في مختلف البلدان وبين المجموعات المجتمعية المتنوعة تصنيفًا يتشكل من خلال العوامل والقيود.

عند دراسة دراسات الحالة عبر مختلف الدول، يمكن تصنيف هذه المشاركة بناءً على بدايتها إلى ثلاثة أشكال أساسية.

أولاً، هناك مشاركة تلقائية أو عفوية، والتي تُمثل وضعًا شبه مثالي تكون المشاركة فيه طوعية ومدفوعة بالقواعد الشعبية وخالية من الدعم الخارجي، ويشير هذا النموذج إلى جهد منظم ذاتيًا يبذله الناس لتناول القضايا ومعالجتها بشكل مستقل، دون الاعتماد على التدخل الحكومي أو الخارجي.

ثانيًا، تَبْرُزُ المشاركة المستحثة باعتبارها الأسلوب الأكثر انتشارًا، لا سيما في البلدان النامية، وهنا، تلعب الحكومة دورًا محوريًا في تحفيز وتشجيع المشاركة الشعبية وإضفاء الطابع المؤسسي عليها، وتتضمن الاستراتيجيات تحفيز وتدريب القادة المحليين، وإنشاء هياكل الإدارة الذاتية، وتعزيز المنظمات التعاونية، وتعزيز الهيئات المدنية والمجتمعية، ويتم رعاية هذا النموذج وتفويضه وإقراره رسميًا، مما يعكس نهجًا أكثر تنسيقًا للمشاركة.

أخيرًا، تتخذ المشاركة القسرية طبيعة إلزامية ومتلاعَب بها ومفتعلة، وفي حين أنها قد تشبه، في بعض الحالات، المشاركة المستحثة، إلا أنها تتميز بطبيعتها القسرية، وعلى الرغم من أن الأساليب القسرية قد تسفر عن تحقيق نتائج فورية، لا سيما على المدى القصير، إلا أن المشاركة الشعبية المستدامة التي تفتقر إلى الدعم الشعبي الحقيقي تميل إلى أن تكون ذات نتائج عكسية، ويهدد ذلك على المدى الطويل بتآكل أو تراجع اهتمام المواطنين بالمشاركة في الأنشطة الإنمائية.

لذلك، يؤكد تصنيف المشاركة الشعبية على الطرق المتنوعة التي تظهر بها، مع التأكيد على أهمية النظر في عملية البدء وطبيعة المشاركة عبر مختلف المناطق والمجتمعات.

 

VI.     المشاركة الشعبية في مختلف القارات والبلدان

تتباين المشاركة الشعبية عبر مختلف القارات والبلدان نتيجة لتنوع السياقات والمناخات الثقافية، والسياسية، والاقتصادية، والتاريخية. وبشكل عام، يمكننا أن نرى العديد من التجارب، ويمكننا أيضًا أن نرى مزيجًا من المشاركة المجتمعية التقليدية، والحركة الناشئة التي يقودها الشباب، والحركات الجماهيرية، ونشاط وسائل التواصل الاجتماعي، ويشهد هذا المزيج المتنوع مشاركة قوية من المواطنين وإسهامًا منهم في مناقشات السياسات وتشكيل الحوكمة، كما يشارك المواطنون بنشاط في العمليات الديمقراطية من خلال التصويت والتأييد ويمثلون من خلال ذلك مشاركة مدنية نشطة من خلال الاحتجاجات والمجتمع، ويشارك المواطنون في الحوكمة من خلال تمثيل السكان الأصليين والمشاركة المدنية. وتتجلى المشاركة الشعبية بطريقة مميزة عبر القارات، مما يعكس الديناميكية الإقليمية والاتجاهات والسياقات الثقافية:

          1. قارة أفريقيا:

          المشاركة المجتمعية: تؤكد العديد من البلدان الأفريقية على النُهُج المجتمعية للتنمية، وإشراك السكان المحليين في عمليات صنع القرار.

          الحكم  المحلي: نفذت بعض البلدان سياسات لامركزية، مما يعزز هياكل الحكم المحلي والمشاركة المجتمعية.

          كينيا:

شهدت كينيا جهودًا عديدة في سبيل زيادة إشراك المواطنين، لا سيما في الحكم المحلي. تهدف الأيلولة (تفويض السلطة) إلى تقريب عملية صنع القرار من الناس، على الرغم من استمرار التحديات المتعلقة بالفساد والتوترات السياسية.

          تونس:

أنشأت تونس في أعقاب ثورة الياسمين عام 2014 هيئة الحقيقة والكرامة كمبادرة فريدة ورائدة، بغرض الاستماع إلى المواطنين، بما في ذلك العديد من شهادات المجتمعات المهمشة، وبغرض توثيق الانتهاكات التي ارتكبت بحق الشعب، والمشاركة في جلسات الاستماع العامة.

          جنوب أفريقيا:

خطت جنوب إفريقيا بعد الفصل العنصري خطوات واسعة في تعزيز الشمولية ومشاركة المواطنين، وقد بُذلت جهود دؤوبة لإشراك المجتمعات المحلية في عمليات صنع القرار، لا سيما في سياق معالجة المظالم التاريخية وتعزيز التماسك الاجتماعي.

 

          2. قارة آسيا

          نماذج متنوعة: تختلف نماذج المشاركة الشعبية اختلافًا كبيرًا عبر البلدان الآسيوية بسبب التنوع الثقافي والسياسي التي تتميز به بلدان هذه القارة.

          الحوكمة الإلكترونية: تستفيد بعض البلدان من نمو قطاع التكنولوجيا فيما يتعلق بإشراك المواطنين، وتعزيز منصات الحوكمة الإلكترونية للتغذية الراجعة والمشاركة والخدمات العامة.

          الصين:

يتميز النظام السياسي في الصين بسلطة مركزية قوية، وفي حين أن هناك آليات لمشاركة المواطنين على المستوى المحلي، إلا أن المشهد السياسي العام يتأثر بالحوكمة المركزية.

          الهند:

تتمتع الهند بديمقراطية نابضة بالحياة ولها تاريخ طويل من المشاركة الشعبية، وتوظف الهند هياكل الحوكمة اللامركزية لإشراك المجتمعات المحلية في مشروعات التنمية. ومع ذلك، لا تزال هناك تحديات مثل العقبات البيروقراطية والتفاوتات الاجتماعية والاقتصادية.

          كوريا الجنوبية:

تعمل منصة e-People، التي تم إطلاقها في عام 2007، بمثابة بوابة إلكترونية للمواطنين تسهل لهم الوصول إلى الخدمات الحكومية، وتقديم الالتماسات، والمشاركة بنشاط في النقاشات السياسية، كما توفر هذه المنصة واجهة سهلة الاستخدام للمواطنين للتعبير عن آرائهم، وتقديم اقتراحات في مجال السياسة، فضلًا عن تقديم الشكاوى مباشرة إلى الوكالات الحكومية.

 

          3. قارة أوروبا:

          إشراك المواطنين: غالبًا ما يكون لدى الدول الأوروبية آليات راسخة لإشراك المواطنين وإجراء المشاورات العامة فيما يتعلق بالحوكمة.

          الموازنة التشاركية: يتم تنفيذ مبادرات مثل الموازنة التشاركية في مدن مختلفة، مما يسمح للمواطنين بتخصيص أجزاء من الموازنات العامة.

          السويد:

تتمتع السويد بنظام رعاية اجتماعية قوي، يؤكد على مشاركة المواطنين في عمليات صنع القرار، كما تشجع الدولة على اتباع نهج تعاوني في وضع السياسات وتطويرها لضمان توافقها مع احتياجات السكان وتفضيلاتهم.

 

          4. قارة أمريكا الشمالية:

المنظمات المجتمعية: تلعب المنظمات المجتمعية في الولايات المتحدة وكندا دورًا مهمًا في النشاط الشعبي والعمليات التشاركية.

الاجتماعات البلدية: توفر الاجتماعات التي تعقدها بلديات المدن فرصًا للمواطنين للتواصل بشكل مباشرٍ مع المسؤولين المنتخبين.

          الولايات المتحدة الأمريكية:

تتمتع الولايات المتحدة بنظام ديمقراطي يركز على الديمقراطية التمثيلية، ويشارك المواطنون من خلال التصويت والتعامل مع الممثلين المنتخبين. ومع ذلك، هناك مناقشات مستمرة حول تعزيز المشاركة المباشرة ومعالجة قضايا مثل إمكانية وصول الناخبين.

 

          5. قارة أمريكا الجنوبية

          الديمقراطية التشاركية: تبنت بعض دول أمريكا الجنوبية، مثل البرازيل، الديمقراطية التشاركية بآليات مثل الميزنة التشاركية.

          الحركات الاجتماعية: تدعو الحركات الاجتماعية القوية إلى المشاركة الشعبية في عمليات صنع القرار.

          البرازيل:

شهدت البرازيل فترات تعرضت خلالها للعديد من الاضطرابات السياسية والاجتماعية، كما تتمتع البلاد بتاريخ طويل من الحركات الاجتماعية ومشاركة المواطنين، بدرجات متفاوتة من النجاح في دمج المشاركة الشعبية في عمليات الحوكمة والتنمية.

 

          6. أوقيانوسيا:

          مشاركة السكان الأصليين: هناك تركيز متزايد في أستراليا ونيوزيلندا على إشراك مجتمعات السكان الأصليين في عمليات صنع القرار.

          الإشراف البيئي: غالبًا ما تشرك دول جزر المحيط الهادئ المجتمعات في مبادرات الحفاظ على البيئة والاستدامة.

          أستراليا:

ينخرط الأستراليون الأصليون في العملية الديمقراطية من خلال وسائل مختلفة، مثل الهيئات التمثيلية وحقوق الأراضي وملكية السكان الأصليين، والمساهمة في المناقشات السياسية، والدفاع عن حقوقهم، والمشاركة في عمليات صنع القرار.

 

من المهم ملاحظة أن ديناميكيات واتجاهات المشاركة الشعبية والتنمية المستدامة معقدة ويمكن أن تختلف بمرور الوقت، كما تؤثر عوامل مثل الهياكل السياسية والحكومية والسياقات الثقافية والظروف الاجتماعية والاقتصادية وقوة منظمات المجتمع المدني على درجة مشاركة المواطنين بنشاط  في تشكيل مجتمعاتهم وصياغتها.

 

VII.    فوائد وأثر المشاركة الشعبية

ينتج عن المشاركة الشعبية مجموعة من الفوائد في مختلف المجالات، بما في ذلك الحوكمة، والتنمية، والتماسك الاجتماعي، والسلام.

وتؤثر المشاركة الشعبية بشكل إيجابي على التنمية من خلال تعزيز الشمولية وتمكين المجتمعات  وضمان توافق مبادرات التنمية مع الاحتياجات والأولويات الفعلية للناس؛ فعندما يشارك الأفراد بنشاط في عمليات صنع القرار، فإنهم يطرحون بذلك وجهات نظر متنوعة ويوفرون قدرًا من المعرفة المحلية وفهمًا أعمق لتحدياتهم الخاصة، ويساعد هذا بدوره على وضع استراتيجيات إنمائية أكثر ملاءمة واستدامة وفعالية. بالإضافة إلى ذلك، يمكن لزيادة مستوى المشاركة الشعبية أن يعزز اللامركزية  والتماسك الاجتماعي وأن يسهم في تقوية هياكل الحوكمة وتعزيز الشعور بالملكية والمسؤولية، مما يساهم في النجاح العام وطول عمر جهود التنمية واستدامتها.

ومن خلال ضمان أن يكون للناس صوت مسموع في صياغة السياسات والمشاريع التي تؤثر عليهم وعلى سير حياتهم، هناك احتمال أكبر لخلق تنمية مستدامة وشاملة؛ حيث يساهم هذا النهج في بناء مجتمع أكثر سلامًا من خلال تلبية الاحتياجات المحلية وتعزيز الشعور بالملكية والتعاون بين أفراد المجتمع.

فيما يلي العديد من المزايا المرتبطة بالمشاركة النشطة للأفراد والمجتمعات في عمليات صنع القرار:

١- المشاركة الشعبية

الفوائد

الآثار

صناعة القرار الشمولية

تضمن المشاركة الشعبية أخذ مجموعة متنوعة من الأصوات ووجهات النظر والخبرات في الاعتبار عند صنع القرار.

يؤدي اتخاذ القرار بشمولية إلى انبثاق سياسات ومبادرات تعكس بشكل أفضل احتياجات وتطلعات المجتمع بأكمله.

 

المشاركة المدنية المُعَزَّزَة

إن إشراك المواطنين بنشاط في عمليات صنع القرار يعزز المشاركة المدنية ويدعمها.

من المرجح أن يساهم المواطنون الأكثر انخراطًا ومشاركة بشكل إيجابي في الرفاه الاجتماعي، مما يعزز بدوره الشعور بالمسؤولية والملكية.

نتائج التنمية المُحَسَّنَة

يضمن إشراك المجتمعات في عملية التنمية توافق المبادرات مع الاحتياجات والأولويات المحلية.

من المرجح أن تكون جهود التنمية المستنيرة بالمشاركة الشعبية فعالة ومستدامة وتعالج الأسباب الجذرية للعديد من القضايا.

التماسك الاجتماعي

تعزز المشاركة النشطة شعورًا بالمجتمع المحيط وحالة من التماسك الاجتماعي.

تتسم المجتمعات المتماسكة بأنها أكثر مرونة في مواجهة النزاعات، وتعزز الدعم المتبادل، وتسهم في الاستقرار الشامل.

تمكين المجتمعات

إن إشراك المجتمعات يمكّنهم من المشاركة بنشاط في تشكيل مصائرهم.

من المرجح أن تتخذ المجتمعات الممكّنة مبادرات من أجل تنميتها وتدافع عن حقوقها.

الحوكمة المستجيبة

تعزز المشاركة الشعبية الحوكمة الشفافة والخاضعة للمساءلة.

من المرجح أن تستجيب الحكومات، التي تشرك المواطنين بنشاط، للاحتياجات الحقيقية للسكان، مما يسهم في إضفاء الثقة والشرعية.

منع نشوب النزاعات وإيجاد حلول لها

يمكن لقنوات الاتصال المفتوحة وآليات صنع القرار التشاركية أن تحول دون وقوع النزاعات

توفر العمليات الشاملة آليات لمعالجة المظالم، مما يقلل من احتمال تصاعد التوترات إلى مستوى النزاعات أو الصراعات.

اتخاذ القرارات المدروسة والمستنيرة

تضمن المشاركة الشعبية أن تكون القرارات مستنيرة بالمعرفة المحلية ووجهات النظر المتنوعة

يؤدي اتخاذ القرارات المستنيرة إلى حلول أكثر شمولاً وفعالية للتحديات المعقدة

الحفاظ على الثقافة

إشراك المجتمعات المحلية في عمليات صنع القرار يحترم التنوع الثقافي ويحافظ عليه.

من المرجح أن تحظى مبادرات التنمية التي تأخذ في الاعتبار السياقات الثقافية قبول المجتمعات واحتضانها.

الفرص التعليمية

يمكن أن توفر المشاركة في عمليات صنع القرار فرصًا تعليمية للأفراد

يمكن للناس، من خلال المشاركة النشطة، التعرف بشكل أفضل على الحوكمة والقضايا الاجتماعية والتعقيدات التي تمر بها عمليات صنع القرار.

مرونة المجتمع

غالبًا ما تكون المجتمعات المشاركة أكثر مرونة في مواجهة التحديات الخارجية.

يمكن أن يساعد الشعور بالمجتمع والمسؤولية المشتركة المجتمعات على التنقل والتغلب على التحديات المختلفة.

باختصار، تعد المشاركة الشعبية مهمة للغاية  وتساهم في مجتمعات أكثر شمولاً وإنصافًا واستدامةً وديمقراطيةً  من خلال الاستفادة من الحكمة والمعرفة والطاقة الجماعية للمجتمعات المتنوعة؛ فهي تعزز أسس الديمقراطية، والعدالة الاجتماعية، وتُمَكّن الأفراد والمجتمعات  من الإسهام بنشاط في تحقيق تنميتهم.






 



VIII.  المشاركة الشعبية                 التنمية والديمقراطية

يتم استخدام العديد من الأدوات والأساليب لتعزيز المشاركة الشعبية، وتعزيز التنمية، وتعزيز العمليات الديمقراطية، وتختلف هذه الأدوات عبر سياقات مختلفة ويمكن تطبيقها على المستوى المجتمعي أو الوطني أو الدولي. فيما يلي بعض الأدوات والنُهُج الشائعة المستخدمة في تقاطع المشاركة الشعبية والتنمية والديمقراطية:

الأدوات

الهدف

التطبيق

الموازنة التشاركية

إشراك المواطنين في تخصيص جزء من الميزانيات العامة، مما يسمح لهم بالتأثير بشكل مباشر على أولويات الإنفاق.

عمليات الميزنة الحكومية المحلية

اللجان الاستشارية للمواطنين

إنشاء لجان تضم المواطنين الذين يقدمون المدخلات والملاحظات حول قضايا أو مشاريع محددة

يستخدم في قطاعات مختلفة مثل التخطيط الحضري والرعاية الصحية والتعليم

بطاقات الأداء المجتمعي

الغرض: ** إشراك المجتمعات في تقييم وتسجيل جودة وفعالية الخدمات العامة

الرعاية الصحية والتعليم والخدمات العامة الأخرى

الاجتماعات البلدية

يوفر منصة للمناقشات المفتوحة بين المواطنين والمسؤولين الحكوميين

يمكن تطبيقها على المستويات المحلية أو الإقليمية أو الوطنية لمناقشة السياسات وجمع التعليقات

المنصات الإلكترونية للمشاركة المدنية

يستخدم الأدوات الرقمية لتسهيل المناقشات العامة واستطلاعات الرأي والتعليقات

يمكن تطبيق ذلك من خلال المنتديات الإلكترونية وعبر وسائل التواصل الاجتماعي والمنصات المخصصة لإشراك المواطنين

الاقتراع التداولي

يجمع بين المعلومات والنقاشات التي تتم بين المجموعات الصغيرة واستطلاعات الرأي التي تقيس الرأي العام حول قضايا محددة

يُستخدم لإبلاغ صانعي السياسات بالقضايا الخلافية

أدوات المساءلة الاجتماعية

تمكين المواطنين من مراقبة المؤسسات ومساءلتها عن تقديم الخدمات والموارد العامة

أدوات مثل بطاقات الأداء المجتمعي وبطاقات تقرير المواطن وتتبع الإنفاق العام

التنمية التي يقودها المجتمع

تمكين المجتمعات من تحديد وتنفيذ أولوياتها التنموية

مشاريع ومبادرات التنمية الشعبية

 

البحوث التشاركية المجتمعية (CBPR)

تنطوي على التعاون بين الباحثين وأفراد المجتمع لمعالجة القضايا المحلية والمساهمة في خلق المعرفة

مشاريع بحثية في مجالات مثل الرعاية الصحية والتعليم والدراسات البيئية

 

المبادرات الحكومية المنفتحة

تعزز الشفافية والتعاون وإشراك المواطنين في العمليات الحكومية

المنصات التي توفر الوصول إلى البيانات الحكومية، وصنع السياسات المنفتحة، وصنع القرار التشاركي

جلسات الاستماع العامة والاستشارات

تسمح للمواطنين بالتعبير عن آرائهم ومخاوفهم بشأن السياسات أو المشاريع المقترحة

العمليات التشريعية ووضع السياسات ومشاريع البنية التحتية الرئيسية

تساهم هذه الأدوات والأساليب في تعزيز نهج شامل وتشاركي وديمقراطي للتنمية، وغالبًا ما تعتمد فعالية هذه الأدوات على السياق والتزام أصحاب المصلحة وإدماج مدخلات المواطنين في عمليات صنع القرار.

 

IX.     المشاركة الشعبية والسياسة، صُنَّاع القرار

في عالم السياسة، تمثل العلاقة بين صانعي القرار والمشاركة الشعبية تفاعلًا ديناميكيًا يشكل أسس الحكم الديمقراطي، وهنا يتحمل صانعو القرار، من المسؤولين المنتخبين إلى صانعي السياسات، مسؤولية صياغة السياسات واتخاذ الخيارات التي تؤثر على المجتمع، حيث تؤثر قراراتهم على توجه الأمة، وتؤثر على كل شيء بدايةً من الخدمات العامة ووصولًا إلى الأطر التشريعية.

ومن ناحية أخرى، تؤكد المشاركة الشعبية على المشاركة النشطة للمواطنين في العمليات السياسية، وتشمل أشكالًا مختلفة من المشاركة، بما في ذلك التصويت في الانتخابات، والمشاركة في المنتديات المجتمعية، واستخدام المنصات الرقمية للخطاب المدني، وعندما يتبنى صانعو القرار المشاركة الشعبية ويشجعونها، فإنهم يعززون بذلك مشهدًا سياسيًا أكثر شمولًا واستجابة، وبالتالي يساهم المواطنون، بصفتهم مشاركين نشطين، في طرح وجهات نظر متنوعة، مما يلفت الانتباه إلى مجموعة واسعة من الاهتمامات والتطلعات.

كما تصبح العلاقة تكافلية عندما لا يستمع صانعو القرار إلى أصوات الناس فحسب، بل يدمجون هذه الملاحظات أو التعليقات أيضًا في عمليات صنع القرار الخاصة بهم. وبذلك، فإنهم يعززون شرعية قراراتهم ويضمنون أن تعكس السياسات التي يتم صياغتها الاحتياجات المتنوعة للسكان.

وعلى العكس من ذلك، تعتمد المشاركة الشعبية القوية على تقدير واحترام صانعي القرار لمدخلات المواطنين وإسهاماتهم، مما يخلق علاقة متبادلة تكمن في صميم الحكم الديمقراطي الفعال، ويضمن هذا التوازن المعقد ألا تصبح السياسة مجرد عملية صنع قرار تنطلق من أعلى إلى أسفل  بل تصبح جهدًا تعاونيًّا يتضمن الحكمة الجماعية للسكان.

يمكن أن يختلف تصور مفهوم المشاركة الشعبية بين السياسيين، وقد تتأثر الآراء بعدة عوامل. فيما يلي بعض الأسباب التي قد تجعل السياسيين يقدرون المشاركة الشعبية ويكونون حذرين أو مترددين بشأنها على حد سواء:

 

1. لماذا يجب على السياسيين أن يبدوا تقديرًا للمشاركة الشعبية؟

لدى السياسيين مصلحة راسخة في تقدير المشاركة الشعبية لأنها بمثابة وسيلة قوية لتعزيز شرعية وفعالية حكمهم، حيث إن تبني مدخلات المواطنين وتقييمها يعزز الشعور بالشمولية والاستجابة، وهو أمر بالغ الأهمية للحفاظ على ثقة الجمهور. يُظهر السياسيون الذين يشاركون بنشاط في المشاركة الشعبية التزامًا بتمثيل الاحتياجات والاهتمامات المتنوعة لناخبيهم.

إن تقدير المشاركة الشعبية ليس مجرد خطوة استراتيجية؛ بل هو اعتراف أساسي بأن الديمقراطية المزدهرة تزدهر عندما يكون المواطنون مساهمين نشطين في العملية السياسية، مما يعزز في نهاية المطاف أساس الحكم التمثيلي.

الموقف

التقدير

التأثير

الشرعية والثقة

يمكن أن يؤدي إشراك الجمهور في عمليات صنع القرار إلى تعزيز شرعية السياسات وبناء الثقة مع الناخبين

عندما يشعر المواطنون بأنهم مسموعون ويرون مدخلاتهم تنعكس في القرارات، يمكن أن يعزز ذلك الشرعية المتصورة أو الملموسة للمسؤولين المنتخبين

اتخاذ القرارات المدروسة (المستنيرة)

يمكن أن توفر المشاركة الشعبية رؤى قيمة ومعرفة محلية ووجهات نظر متنوعة ربما لم يأخذها السياسيون في الاعتبار

من المرجح أن تتناول القرارات المستنيرة الاحتياجات والاهتمامات الحقيقية للمجتمع

التماسك الاجتماعي

تعزز المشاركة الشعبية التماسك الاجتماعي من خلال إشراك المواطنين في صنع القرار المشترك

يكون المجتمع المتماسك أكثر استقرارًا ودعمًا بشكل عام، مما يساهم في خلق بيئة سياسية إيجابية

القيم الديمقراطية

تتماشى الحوكمة التشاركية مع المبادئ الديمقراطية، مع التأكيد على إشراك المواطنين في صنع القرار

تبني القيم الديمقراطية يعزز الشرعية الديمقراطية الشاملة للمؤسسات السياسية

 

2. لماذا قد يُبدي السياسيون حذرًا وترددًا تجاه المشاركة الشعبية؟

قد يُظهر السياسيون نوعًا من الحذر أو التردد تجاه المشاركة الشعبية بسبب المخاوف بشأن عدم القدرة على التنبؤ والتحديات المحتملة المرتبطة بالرأي العام المتنوع للغاية، كما يمكن للخوف من ردود الفعل العنيفة، والتعقيد الذي قد تتسم به إدارة وجهات النظر المتنوعة، وخطر استقطاب القضايا أن يتسبب في ردع بعض السياسيين. بالإضافة إلى ذلك، قد تجعل الطبيعة السريعة لمنصات التواصل الاجتماعي السياسيين أكثر قلقًا بشأن السرعة التي يمكن أن تتصاعد بها المشاعر العامة، وهنا يتطلب تحقيق التوازن بين تمثيل الأغلبية ومعالجة مخاوف المجموعات المختلفة براعة وحنكة، وقد يكون بعض السياسيين حذرين من التعقيدات التي تنطوي عليها إدارة المشاركة العامة الواسعة النطاق والمتنوعة.

موقف

المخاوف

الأثر

صناعة القرار المعقدة

قد يكون إشراك الجمهور في القرارات السياسية المعقدة أمرًا صعبًا وتحديًا كبيرًا، حيث قد لا يكون لدى المواطنين النطاق الكامل للمعلومات.

قد يساور بعض السياسيين قلقًا بشأن إمكانية إيجاد حلول مبسطة أو شعبوية لا تعالج القضايا الدقيقة بشكل كامل.

إمكانات الشعبوية

هناك خطر من إمكانية التلاعب بالمشاركة الشعبية لصالح الأجندات الشعبوية، مع إعطاء الأولوية للشعبية قصيرة الأجل على الحلول طويلة الأجل.

قد يصبح السياسيون أكثر حذرًا تجاه القرارات التي تعطي الأولوية للموافقة العامة الفورية على حساب النظر في الآثار الأوسع لتلك القرارات.

المعوّقات أمام الوقت والموارد

يمكن أن تكون عمليات المشاركة العامة الشاملة مستهلكة للوقت وكثيفة الموارد

قد يتردد السياسيون إذا أدركوا أن الاستثمار في العمليات التشاركية يمكن أن يفوق الفوائد الناتجة عنها

مقاومة التغيير

قد تتحدى المشاركة الشعبية هياكل السلطة الحالية والتقاليد السياسية

قد يقاوم السياسيون التغييرات التي يمكن أن تقلل من سلطتهم أو تعطل الديناميكيات السياسية الراسخة

ضغط المساءلة

قد تؤدي المشاركة النشطة إلى زيادة التوقعات والمطالب بالمساءلة

قد يكون السياسيون أكثر حذرًا إذا كانت لديهم مخاوف من زيادة التدقيق والضغط عليهم لأجل الوفاء بالوعود التي قطعوها خلال العمليات التشاركية

الخبرة والتخصص

قد لا تتوافق الآراء العامة دائمًا مع آراء الخبراء أو المعرفة المتخصصة

قد يشعر بعض السياسيين أن بعض القرارات يجب أن تُترك لذوي الخبرة في مجالات محددة، وقد يؤدي إشراك الجمهور إلى قرارات تستند إلى المشاعر الشعبية بدلاً من أن تكون قائمة على أساس الحكم المستنير

المخاطر السياسية

قد تُعَرِّضُ العمليات التشاركية السياسيين لمخاطر سياسية، خاصة إذا كانت القرارات مثيرة للجدل أو تواجه معارضة كبيرة

قد يخشى السياسيون ردود الفعل العنيفة أو ردود الفعل العامة السلبية، مما يؤثر على حياتهم السياسية أو ترتيبهم الحزبي

يُشَكل التعقيد الذي تتسم به إدارة الآراء المتنوعة وتحقيق التوازن بين المصالح المتضاربة تحديًا كبيرًا، وقد يفضل بعض السياسيين بيئات أكثر قدرة على التحكم في عملية صنع القرار. أخيرًا، قد يقاوم النهج التقليدي للحوكمة الذي ينطلق من أعلى إلى أسفل التحول نحو نماذج أكثر شمولية، لأن ذلك النهج يتحدى ديناميكيات السلطة الراسخة، وتساهم هذه العوامل في إحجام بعض السياسيين عن تبني نهج المشاركة الشعبية ودمجها بشكل كامل في عمليات صنع القرار.

من الأهمية بمكان التأكيد على أن هذه المخاوف أو الترددات لا تنتشر بين السياسيين على المستوى العالمي، وأن الكثيرين على وعي بقيمة المشاركة الشعبية في تعزيز الحكم الديمقراطي، ويمكن أن تتشكل المواقف السياسية تجاه المشاركة الشعبية من خلال عوامل متنوعة مثل الثقافة السياسية والمعتقدات الفردية والسياق المحدد الذي يعمل فيه السياسيون.

 

3. في أي المجتمعات يخاف السياسيون من المشاركة الشعبية؟

يمكن أن يختلف مستوى تخوف السياسيين من المشاركة الشعبية اختلافًا كبيرًا عبر المجتمعات المختلفة، كما يمكن أن يتأثر مستوى تخوفاتهم بمزيج من العوامل السياسية والثقافية والتاريخية. ومع ذلك، قد يعبر السياسيون عن المزيد من المخاوف بشأن المشاركة الشعبية في المجتمعات التي توجد فيها ظروف أو ديناميكيات معينة. فيما يلي بعض السيناريوهات العامة التي قد يكون فيها السياسيون أكثر ترددًا أو حذرًا حيال المشاركة الشعبية:

الموقف

السياق

الأنظمة السُّلطوية أو الاستبدادية

في المجتمعات ذات أنظمة الحكم السلطوية أو الاستبدادية، التي تتركز فيها السلطة في أيدي قلة من الناس، قد يصبح السياسيون أكثر ترددًا في تبني نهج المشاركة الشعبية لأنها حينئذ قد تتحدى النظام القائم في تلك المجتمعات.

المجتمعات المنقسمة أو المستقطبة بشدة

قد يُبدي السياسيون قدرًا من الحذر في المجتمعات التي تعاني من انقسامات عميقة أو استقطاب، خشية أن تؤدي العمليات التشاركية إلى تفاقم التوترات القائمة أو أن تؤدي إلى صياغة قرارات قد تفضل مجموعة على أخرى.

الفساد ونقص الشفافية

قد يقاوم السياسيون في المجتمعات التي ينتشر فيها الفساد فكرة المشاركة الشعبية بسبب المخاوف من زيادة مستويات التدقيق والمطالب بالمساءلة والكشف المحتمل عن الممارسات الفاسدة.

المؤسسات الديمقراطية الضعيفة

قد يتردد السياسيون، في المجتمعات ذات المؤسسات الديمقراطية الضعيفة، في تبني أسلوب المشاركة الشعبية، خوفًا من أن تؤدي المشاركة الشعبية إلى تحديات في الحكم أو أن تتسبب في تعطيل هياكل السلطة القائمة.

عدم الاستقرار الاِقْتِصَادِيّ

في المجتمعات التي تواجه تحديات اقتصادية أو حالة عدم استقرار، قد يشعر السياسيون بالقلق من أن المشاركة الشعبية يمكن أن تؤدي إلى ظهور مطالبات بإجراء تغييرات اقتصادية جذرية أو سياسات اجتماعية يرون أنها محفوفة بالمخاطر.

مقاومة التغيير تاريخيًّا

في المجتمعات التي لديها تاريخ من مقاومة التغيير أو تلك التي كانت هياكل السلطة التقليدية متأصلة فيها بعمق، قد يكون السياسيون أكثر ترددًا في تبني عمليات تشاركية يمكن أن تتحدى الوضع الراهن.

نقص التثقيف المدني

عندما يكون هناك نقص في التثقيف والوعي المدني، قد يشعر السياسيون بالقلق من أن المشاركة الشعبية يمكن أن تتأثر بنوع من التضليل والمعلومات المغلوطة أو حتى بمستوى من عدم الفهم، مما يؤدي إلى صياغة قرارات قد لا تكون في مصلحة المجتمع.

المخاوف الأمنية

قد يتردد السياسيون، في المجتمعات التي تواجه تحديات أمنية كبيرة، في إشراك الجمهور في عمليات صنع القرار، خوفًا من أن تؤدي هذه المشاركة إلى صياغة قرارات يُنظر إليها على أنها ضعيفة فيما يتعلق بالمسائل الأمنية.

 

هذه كلها مجرد ملاحظات عامة، ويمكن أن تكون هناك استثناءات لكل تلك الحالات؛ فالمجتمعات متنوعة، ويمكن أن تتشكل مواقف السياسيين تجاه المشاركة الشعبية من خلال العديد من العوامل. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تتطور الديناميات السياسية بمرور الوقت، وقد تخضع المجتمعات لتغييرات تؤثر على مستوى القبول أو المقاومة للمشاركة الشعبية.

باختصار، يمكن أن تكون مواقف السياسيين تجاه المشاركة الشعبية دقيقة، مما يعكس التوازن بين الاعتراف بفوائد مشاركة المواطنين والتغلب على التحديات والمخاوف المتعلقة بالتنفيذ العملي للعمليات التشاركية.

 

X. المشاركة الشعبية في عصر العولمة والعصر الرقمي. المزايا والتحديات.

تقف المشاركة الشعبية في عصر العولمة في مفترق طرق بين العديد من المزايا غير المسبوقة والكثير من التحديات المعقدة؛ وقد أدت الوتيرة المتسارعة لعملية تبادل المعلومات، التي يسهلها الترابط العالمي الذي نراه حاليًّا، إلى ظهور عصر رقمي يمكن فيه للمواطنين في جميع أنحاء العالم المشاركة بنشاط في نقاشات متنوعة على المستوى العالمي، وتعمل منصات وسائل التواصل الاجتماعي كساحات مفتوحة وواسعة النطاق للحوار بين الثقافات، مما يمكّن الأفراد من التعبير عن مخاوفهم وحشد الحركات وتعزيز الشعور العالمي بالتضامن. على سبيل المثال، تجاوزت حركة (#أنا_أيضًا) الحدود، حيث تبادل العديد من الأفراد من مختلف البلدان تجاربهم ودعوا إلى تحقيق المساواة بين الجنسين.

علاوة على ذلك، تستفيد مبادرات مثل؛ تقديم الالتماسات عبر شبكة الإنترنت وحملات المناصرة العالمية، من توفر الاتصالات الرقمية فيما يتعلق بتضخيم الأصوات وممارسة المزيد من الضغوط من أجل إحداث تغيير على المستوى الدولي. إن إمكانية الوصول إلى المعلومات والقدرة على التواصل مع الأفراد ذوي التفكير المماثل على مستوى العالم تُمَكِّن المواطنين من مواجهة التحديات المشتركة، بدايةً من الحفاظ على البيئة وحتى الدفاع عن حقوق الإنسان، وتكمن مزايا المشاركة الشعبية العالمية في قدرتها على تعزيز الشعور بالمواطنة العالمية، حيث يدرك الأفراد ترابطهم ويتعاونون فيما بينهم من أجل تحقيق أهداف مشتركة.

ومع ذلك، فإن المشهد الذي نرى فيه مستوى المشاركة العالمية هذا لا يخلو من المخاطر؛ حيث يمكن أن تؤدي السرعة التي تنتشر بها المعلومات إلى التضليل، مما يساهم في انتشار الأخبار المزيفة وتراجع الثقة في المؤسسات، وهنا يتطلب التعقيد الذي تتسم به العديد من القضايا العالمية، مثل السياسات الاقتصادية أو التغيرات المناخية، والصراعات والحروب المختلفة  فهمًا دقيقًا، وقد تعيق الروايات المبسطة في العالم الرقمي اتخاذ قرارات مستنيرة. بالإضافة إلى ذلك، تفرض الفجوة الرقمية العديد من التحديات، حيث لا تتمتع جميع المجتمعات بإمكانية الوصول المتساوي إلى المنصات الإلكترونية المتوفرة على شبكة الانترنت التي تسهم في تشكيل المحادثات العالمية.

علاوة على ذلك، يمكن أن تؤدي الطبيعة التشاركية لوسائل التواصل الاجتماعي في بعض الأحيان إلى ما يُعرف بغرف الصدى، التي يتعرض الأفراد فيها فقط لوجهات النظر التي تتوافق مع معتقداتهم الحالية، ويمكن أن يعوق هذا الاستقطاب الحوار العالمي البناء، حيث تكافح وجهات النظر المختلفة لإيجاد أرضية مشتركة.

عند استكشاف مزايا وعيوب المشاركة الشعبية على المستوى العالمي، نجد أن هناك حاجة ملحة إلى محو الأمية الرقمية القوية، وإنشاء المنصات الشاملة، والآليات التي تضمن الإدماج الهادف لوجهات النظر المتنوعة في عمليات صنع القرار الدولية.

وتوضح الأمثلة التأثير العميق للمشاركة الشعبية العالمية في تشكيل عالمنا المترابط، مما يستدعي البحث عن استراتيجيات مدروسة ومستنيرة لتسخير نقاط قوة المشاركة الشعبية مع التخفيف من تحدياتها، كما توضح الأمثلة أن التأثيرات على المستوى الوطني والتحديات على المستوى الدولي مترابطة ومدمجة  مع المزايا والعيوب التي تتناول حلاً مشتركًا ومتكاملاً.

1. مزايا المشاركة الشعبية في القرن الحادي والعشرين

المميزات

المستوى الوطني

المستوى الدولي

التمكين الديمقراطي

تعزز المشاركة الشعبية الديمقراطية من خلال منح المواطنين صوتًا مباشرًا في عمليات صنع القرار، ويمكن لهذا بدوره أن يعزز شرعية الحكومات والمؤسسات

المستوى الدولي: في عصر العولمة، يمكن أن تساهم مشاركة المواطنين في إضفاء مزيد من الشرعية والفعالية للمنظمات الدولية، مما يعزز الشعور بالحوكمة العالمية التي تعكس وجهات نظر متنوعة

صياغة السياسات الشمولية

يضمن إشراك المواطنين في صياغة السياسات فهمًا أكثر شمولاً للاحتياجات المتنوعة، مما يعزز السياسات الشاملة والتمثيلية

تتيح المشاركة العالمية لمختلف البلدان الإسهام في صياغة السياسات الدولية، مما يعكس نهجًا أكثر شمولية لمواجهة التحديات العالمية

الاتصال التكنولوجي

تسهل التطورات التكنولوجية عملية التواصل والمشاركة، مما يمكّن المواطنين من المشاركة في عمليات صنع القرار من أي مكان.

تعزز التكنولوجيا الاتصال العالمي، مما يسمح للأفراد في جميع أنحاء العالم بالمشاركة في المناقشات والإسهام في المبادرات الدولية، والتغلب على الحواجز الجغرافية.

زيادة المساءلة

تعزز مشاركة المواطنين الشفافية والمساءلة حيث تصبح الحكومات أكثر استجابة لاحتياجات وتوقعات ناخبيها.

في السياق العالمي، يمكن أن تؤدي زيادة المشاركة إلى مساءلة المنظمات الدولية عن أفعالها، مما يضمن معالجتها لشواغل الدول المختلفة.

 

2. تحديات المشاركة الشعبية في القرن الحادي والعشرين

التحدِّيات

المستوى الوطني

المستوى الدولي

احتمالية وجود معلومات مضللة

قد تؤدي زيادة المشاركة إلى انتشار المعلومات المضللة، مما يؤثر على الرأي العام وعمليات صنع القرار.

يمكن أن تكون المشاركة العالمية عرضة لنشر معلومات كاذبة على نطاق دولي، مما يؤثر على وجهات النظر العالمية.

التحديات في سرعة اتخاذ القرار

قد تؤدي المشاركة الواسعة النطاق إلى إبطاء عمليات صنع القرار، مما يعوق تنفيذ السياسات في الوقت المناسب.

يمكن أن يؤدي تحقيق التوازن بين الآراء المتنوعة على نطاق عالمي إلى استنزاف عملية صنع القرار في المنظمات الدولية للوقت، مما قد يؤثر على الحل السريع والسلس للقضايا العالمية.

عدم المساواة في المشاركة

قد تكون بعض الفئات السكانية أكثر نشاطًا في المشاركة، مما قد يؤدي إلى استبعاد الأصوات المهمشة وإدامة أوجه عدم المساواة الحالية.

قد تهيمن بعض الدول القوية على المشاركة العالمية، مما يخلق اختلالات في التأثير على السياسات الدولية.

التعقيد في التنسيق

يمكن أن يكون تنسيق الآراء المتنوعة على المستوى الوطني أمرًا صعبًا، مما يؤدي إلى صعوبات في التوصل إلى توافق في الآراء.

يمكن أن يؤدي تنسيق مشاركة العديد من البلدان ذات الاهتمامات والأولويات المختلفة إلى تعقيدات وصعوبات في تحقيق التعاون العالمي.

تجلب المشاركة الشعبية في القرن الحادي والعشرين كلًا من الفرص والتحديات على المستويين الوطني والدولي، وفي حين أنها تعزز القيم الديمقراطية، وتعزز الشمولية والمساءلة وتستفيد من التقدم التكنولوجي، فإنها تتطلب أيضًا التنقل الدقيق لمعالجة قضايا مثل المعلومات المضللة، وكفاءة صنع القرار، وعدم المساواة، وتعقيدات التنسيق. إن تحقيق توازن يعمل على تعظيم المزايا مع تخفيف العيوب في الوقت نفسه يُعَدُّ أمرًا بالغ الأهمية لتعزيز الحوكمة الفعالة والشاملة في عصر العولمة.

 

XI. الاستنتاجات

برز التآزر بين المشاركة الشعبية والتنمية في القرن الحادي والعشرين كنموذج حاسم لتعزيز المجتمعات الشاملة والمستدامة والمنصفة، وبينما نتعامل مع تعقيدات هذا العصر الذي يتسم بالعديد من التحديات والفرص غير المسبوقة، أصبحت مركزية إشراك المجتمعات في عمليات صنع القرار أكثر وضوحًا من أي وقت مضى.

أولاً، تُعَد المشاركة الشعبية أمرًا بالغ الأهمية في القرن الحادي والعشرين لأنها تضمن الاعتراف بالاحتياجات والتطلعات متعددة الأوجه لمختلف السكان وتلبيتها، وفي عصرٍ يتميز بالعولمة السريعة والتقدم التكنولوجي، تواجه المجتمعات تحديات معقدة تتراوح من تغير المناخ والأوبئة إلى التفاوتات الاقتصادية. تسمح عمليات صنع القرار الشاملة للمجتمعات بالمساهمة بوجهات نظرها الفريدة ومعرفتها المحلية، مما يضمن أن تكون مبادرات التنمية دقيقة ومحددة السياق ومستجيبة للحقائق المعقدة على أرض الواقع.

ثانياً، يشهد القرن الحادي والعشرون تحولاً نموذجياً في ديناميكيات السلطة، مع التركيز المتزايد على الديمقراطية واللامركزية، وتُعتبر المشاركة الشعبية حجر الزاوية في الحكم الديمقراطي، حيث توفر للأفراد القدرة على صياغة السياسات التي تؤثر على حياتهم. هذه الروح التشاركية ليست مثالية ديمقراطية فحسب، بل هي أيضًا استجابة عملية للمشهد العالمي المترابط، حيث غالبًا ما تفشل النُهُج التنازلية في فهم التعقيدات التي تتسم بها السياقات المحلية.

علاوة على ذلك، تؤكد ضرورة التنمية المستدامة على الحاجة إلى التفكير والتعاون على المدى الطويل، ولا يقتصر دور المشاركة الشعبية على إشراك المواطنين في عملية صنع القرار فحسب، بل تغرس أيضًا شعورًا بالمسؤولية المشتركة تجاه الرفاه الجماعي، وهذه المسؤولية المشتركة لا غنى عنها لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، حيث تصبح المجتمعات مساهمًا نشطًا في تقدمها وراعية له.

في القرن الحادي والعشرين، تعمل التكنولوجيا كعامل تمكين قوي للمشاركة الشعبية، وسد الفجوات الجغرافية وتسهيل المشاركة في الوقت الفعلي؛ حيث تعمل المنصات الرقمية ووسائل التواصل الاجتماعي على تمكين المواطنين من التعبير عن مخاوفهم والمشاركة في الخطاب العام ومساءلة المؤسسات، كما تؤدي عملية إضفاء الطابع الديمقراطي التكنولوجي على المعلومات إلى تضخيم تأثير المشاركة الشعبية، مما يجعلها أكثر سهولة وشمولية.

في الختام، تعد المشاركة الشعبية والتنمية في القرن الحادي والعشرين عنصران لا ينفصلان عن المجتمع العالمي التقدمي والمرن، وبينما نتصارع مع تحديات غير مسبوقة ونبحر في عالم سريع التطور، تصبح حكمة الحشود والجماهير، التي يتم تسخيرها من خلال العمليات التشاركية، رصيدًا لا يقدر بثمن.

ومن خلال الاعتراف بوكالة الأفراد والمجتمعات، وتعزيز الشمولية، والاستفادة من التقدم التكنولوجي، فإننا نمهد الطريق لمستقبل لا تكون فيه التنمية مجرد أجندة ذات شكل تنازلي، بل مسعًى جماعي يعكس تطلعات البشرية وتنوعها.

إن تبني المشاركة الشعبية ليس مجرد خيار؛ بل هو ضرورة لتشكيل عالم تنمية مستدام ومنصف في القرن الحادي والعشرين:

"الإجماع الأوروبي الجديد بشأن التنمية: 'عالمنا، كرامتنا، مستقبلنا'".

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

4- الدكتور معتز سلامة - جمهورية مصر العربية

اكتسب مفهوم المشاركة الشعبية درجة كبيرة من التوافق الدولي عليه في العقود الأخيرة، باعتباره أحد المتطلبات الأساسية لتحقيق التنمية. ووجهت المنظمات الدولية (الأمم المتحدة والبنك الدولي واليونيسيف)، أهمية كبيرة للمشاركة الشعبية ولإشراك المجتمعات المحلية في التعليم والمدارس والصحة، وحتى في برامج رعاية الأطفال ذوي الإعاقة، وجعلت المشاركة الشعبية بندا من بنود عملها وجزءا من أجندتها، وأصبح إشراك المجتمعات أساسيا في بناء التصور التنموي الشامل. وكانت منظمة العمل الدولية قد أكدت على أن المشاركة هي "حاجة إنسانية أساسية" وهي قيمة في حد ذاتها.

وليس هناك تعريف واحد أو شامل للمشاركة الشعبية؛ لذلك من الأفضل فهمها في سياق كل بلد ووفق نظامه السياسي والاجتماعي والاقتصادي. ويعطي التعريف العام المطروح مفهومًا عامًا وشاملا للمشاركة الشعبية يربطها بالتنمية، فيعرفها بأنها "خلق فرص تمكن جميع أعضاء المجتمع والمجتمع الأكبر للمشاركة الفاعلة والتأثير على العملية التنموية ليشاركوا بعدالة وإنصاف في ثمار التنمية. ويعرفها برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بأنها "الإسهام الفعلي للمواطنين في صنع السياسات واتخاذ القرارات المتعلقة بالصالح العام بطريق مباشر أو عن طريق ممثليهم، والتي تتم من خلال إتاحة الفرصة للمواطنين كي يكون لهم دور فاعل في مقدرات وطنهم عن طريق مجموعة من التدابير السياسية والتشريعية والإدارية". وفي تعريف آخر، فإن المشاركة الشعبية هي: "العملية التي تتيح لجميع أفراد المجتمع وجماعاته المؤهلة بموجب القوانين فرصًا للتعبير عن آرائهم، ودورًا في إعداد الخطط والمشروعات وتنفيذها ومتابعتها والرقابة عليها بشكل مباشر وغير مباشر، بهدف تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وتحسين نوعية حياة السكان، وإشباع حاجاتهم بعدالة دون الإضرار بالمصالح الوطنية".

وإذا كان مفهوم المشاركة بمدلوله العام يشير إلي أنها "العملية التي من خلالها يكون للفرد دور في الحياة السياسية والاجتماعية لمجتمعه وتكون لديه الفرصة لأن يشارك في وضع الأهداف العامة واختيار أفضل الوسائل لتحقيقها وإنجازها"، فإنه يمكن الاستنتاج أن المشاركة الشعبية بمفهومها التنموي هي "إشراك الناس بدرجة أو بأخرى في التصميم والإشراف علي تنفيذ سياسات ومشروعات التنمية، سواء بجهودهم الذاتية أو بالتعاون مع الأجهزة الحكومية المركزية والمحلية. وتعد المشاركة الشعبية عنصراً أساسياً ضمن أي نظام اجتماعي، سواء أكان ديمقراطياً أو غير ديمقراطي.

في ضوء ذلك تنقسم الورقة إلى أربعة أجزاء تنتهي بخلاصة عامة، على النحو التالي:

أولا: المشاركة المجتمعية والتنمية السياسية.. تشابكات العلاقة

ثانيا: المشاركة الشعبية ... وبناء الإطار التوافقي والحكم الرشيد

ثالثا: المشاركة الشعبية وصناعة القرار الخاص بالتنمية

رابعا: المشاركة الشعبية والتنمية ... محصلة التجارب العربية

أولا: المشاركة المجتمعية والتنمية السياسية.. تشابكات العلاقة

تعتبر المشاركة الشعبية أمرا أساسيا للتنمية في نظر معظم الهيئات الوطنية والدولية المعنية بالتنمية، ويرى عدد من هيئات التعاون أنه من المستحسن أن يضاف إلى المعايير المتعارف عليها لتخصيص المساعدات من أجل التنمية: "الإمكانية التي يتيحها مشروع التنمية لأجل تلبية الاحتياجات الحقيقية للسكان من خلاله" المشاركة الفعالة". وترتبط المشاركة الشعبية بعمليات التغيير والنمو المجتمعي التي يشير إليها مصطلح التنمية. كما يلاحظ التأثير الإيجابي للمشاركة الشعبية على التنمية من وجود معدلات مشاركة أعلى في المناطق الأكثر تقدما في المجتمع، ومعدلات مشاركة أقل في المناطق الأقل نموا. وتعتبر المشاركة الشعبية أساسية في دفع عملية التنمية وفي مراقبتها وضبط مسارها، وهي الضامن ضد انحراف هذا المسار، وهي أيضا القادرة على تصحيح مسار التنمية إذا واجه عراقيل أو عقبات.

وبقدر ما تكتسب المشاركة الشعبية أهميتها للتنمية السياسية، بقدر ما تشكل التنمية السياسية ذاتها وعاءً للمشاركة المجتمعية، لذلك فالعلاقة بين الاثنين علاقة تبادلية؛ حيث تهدف التنمية السياسية إلى تعزيز المشاركة المجتمعية، بينما تعتبر المشاركة الشعبية إحدى أهم غايات التنمية السياسية، وتسعى التنمية السياسية إلى زيادة فاعلية مشاركة الجماهير في الحياة العامة سواء بما يتصل باختيار الحكام، أو ما يتعلق بتأثير عملية صنع القرارات السياسة العامة في المجتمع. ومن دون المشاركة المجتمعية، لن يكون من الممكن تنفيذ حتى أكثر الخطط مثالية من الناحية الفنية، وسيكون هناك خطر من احتمال اغتصاب مفهوم التنمية من قبل الجماعات المهيمنة أو الناشطة داخل المجتمع. وإدراكا لدور المشاركة الشعبية في إحداث التنمية، برز مفهوم "التنمية بالمشاركة"، الذي يقصد به تشجيع جميع الأفراد في مجتمع معين أو منظمة معينة على المشاركة في رسم مستقبلهم، بما يعني أن تركز البرامج العامة على حاجات يحددها المجتمع المحلي بنفسه، وبما يمكن أفراد المجتمعات النامية من المشاركة في العملية الإنمائية ويساعد في تمكينهم من المساهمة بكفاءة في الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. وأصبح ثابتا أن المجتمعات تتعرض للقصور إذا افتقد أي من أبنائها في عملية التنمية أو أصبح خصما عليها، مثل المرأة والشباب والأقليات والمهمشون والمناطق العشوائية.

وتقيم المشاركة الشعبية صلة بين المساهمة التي يقدمها الناس في التنمية من خلال عملهم والفوائد التي يتلقونها مقابل جهودهم، والتي تتمثل في: مشاركتهم في صنع القرار على المستويات المحلية والإقليمية والوطنية، بما يمكن أن تساعد في تحقيق التنمية، وبناء علاقة عادلة بين مساهمات الناس ومنافعهم. كما أن المشاركة الشعبية هي عنصر حاسم في ضمان عملية إنمائية موجهة نحو المستفيدين. ويتضمن هذا البعد ضرورة مشاركة الناس الإيجابية والفعالة في مراحل التفكير والتخطيط والتنفيذ والتقويم للتنمية المحلية، وضرورة عدالة هذه المشاركة وفتح أبوابها أمام كل الناس دون تمييز. ومن دون مشاركة أفراد المجتمع وإذا انصرف المواطنون عن المشاركة والاهتمام بالشأن الوطني، تتسع الفجوة بين الدولة والمجتمع، ويشعر المواطنون بأن عملية التنمية لا تستهدفهم، ويزداد انصرافهم عن المفهوم الوطني العام إلى الولاءات الجزئية الأدنى المناطقية والطائفية أو العرقية. وفي هذه الحالة إذا حققت الدولة مؤشرات تنمية مرتفعة، لن يكون شعور المواطنين بها بالقدر نفسه في حال مشاركتهم في صنعها. وتصبح الخطط والاستراتيجيات الحكومية أشبه بالرؤى الفوقية، التي لا تندمج مع دورة حياة المجتمع ولا تدور دورة المجتمع مع أهدافها.

ولقد انتبهت الدول الأفريقية إلى أهمية المشاركة الشعبية منذ مطلع تسعينيات القرن العشرين، فقرر الميثاق الأفريقي للمشاركة الشعبية في التنمية الذي تم اعتماده بالتزكية من قبل المشاركين في المؤتمر الدولي حول المشاركة الشعبية في عملية الازدهار والتنمية في أفريقيا، الذي عقد في أروشا 1990، إعلان اليوم الحادي عشر من شهر فبراير من كل عام يوم المشاركة الشعبية في أفريقيا، وجعل شعاره "وضع المشاركة الشعبية في المقام الأول". كما أن مفهوم مشاركة الشعوب في تنميتها مكرس في الوثائق الرئيسية للأمم المتحدة، ولا يبدأ ميثاق المنظمة الدولية نفسه بعبارة "نحن شعب الأمم المتحدة" فحسب، بل يعلن أيضا أنهم، مصممون، من بين أمور أخرى، على "إعادة تأكيد الإيمان بحقوق الإنسان الأساسية، وبكرامة الإنسان وقدره وفي الحقوق المتساوية للرجال والنساء..." و"تعزيز التقدم الاجتماعي وتحسين مستويات الحياة في جو من الحرية أفسح".

وفي الفقرة 6 من قرار المجلس الاقتصادي والاجتماعي رقم 1929 (د-58) المؤرخ 6 مايو 1975، طُلب إلى الأمين العام للأمم المتحدة، عند تنفيذ برنامج عمل المنظمة وأهدافها المتوسطة الأجل، وفي حدود الموارد المتاحة، أن يعطي الأولوية، من بين أمور أخرى لـ "تشجيع تبادل المعرفة والخبرات بين البلدان فيما يتعلق بالبرامج والممارسات المبتكرة لتعزيز المشاركة الشعبية في التنمية، وطلب منه أيضاً إعطاء الأولوية "للبحث والدراسة التي من شأنها أن تؤدي إلى تطوير تدابير سياسية للمشاركة الشعبية من شأنها أن تعزز فعاليتها في تنفيذ الاستراتيجية الإنمائية الدولية لعقد الأمم المتحدة الإنمائي الثاني" والاستراتيجيات العالمية المستقبلية". وأقرت الوثيقة التي اعتمدتها لجنة حقوق الإنسان، التابعة للأمم المتحدة، في الدورة السادسة والخمسون المنعقدة في 13 أبريل 2000، بأن المشاركة الشعبية الفعلية هي عامل أساسي من عوامل نجاح التنمية ودوامها، وأن الديمقراطية، واحترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية كافة، بما فيها الحق في التنمية، وشفافية ومساءلة الحكم والإدارة في كل قطاعات المجتمع، وكذلك المشاركة الفعالة للمجتمع المدني، تشكل كلها جزءاً أساسياً من الركائز الضرورية لتحقيق التنمية المستدامة المتمحورة حول المجتمع والناس.

ثانيا: المشاركة الشعبية .. وبناء الإطار التوافقي والحكم الرشيد

على الرغم من أن تفعيل آليات المشاركة الشعبية يستغرق بعض الوقت، وقد تبطئ المشاركة الشعبية عملية صنع القرارات، إلا أنها في ظل توافر آليات صناعة القرار وسلاسة خطواته ووضوحها دستوريا وقانونيا، فإنها تحقق أهدافا كثيرة تمكنها من أن تكون ساعدا أساسيا للتنمية؛ فهي تعمل على توفيق عمليات التنمية والخدمات التي تقدمها للسكان مع احتياجاتهم التي حددوها واختاروها بأنفسهم، كما أنها تتيح الفرصة لمختلف فئات المجتمع للقيام بدور إيجابي في مساندة وتنفيذ وتتبع سير المشروعات التنموية التي تمس مجتمعهم، إضافة إلى ترشيد توزيع الخدمات بين مختلف الفئات والمستويات في المجتمع. وتعمل المشاركة الشعبية على زيادة تماسك أفراد المجتمع وإتاحة الفرصة للممارسة الديمقراطية، وتكريس أسلوب الإدارة اللامركزية. ومن بين أهداف المشاركة الشعبية تعزيز ممارسات الحكم الرشيد على مستوى الهيئات المحلية، وتعزيز الثقة بين المواطن ومؤسساته من جهة وهيئة الحكم المحلي من جهة أخرى، وتطوير سبل التواصل بين الهيئات المحلية والمواطنين مما يتيح الفرصة للمواطن للاطلاع على المعلومات وتقديم تغذية راجعة حولها، وزيادة فاعلية الخدمات التي تقدمها الهيئات المحلية، ورفع وعي المواطن ومؤسساته حول الدور التشاركي في إحداث التنمية المحلية، وزيادة شعور المواطن بالانتماء والمسؤولية والالتزام تجاه مجتمعه، وتعزيز الشعور لديه بملكية الإنجازات وضرورة الحفاظ عليها. وتعمل المشاركة الشعبية على ترشيد القرارات وترتيب الأولويات حسب حاجات السكان، وضمان التأييد الجماهيري والشعبي للمشروعات؛ ففي حال غياب المشاركة فإن الضغوط الشعبية تتجه نحو التركيز على الحاجات المادية والاستهلاكية، ولا تتفهم أهمية المشروعات الإنتاجية التنموية المستقلة، لكن المشاركة الشعبية تعزز الفاعلية للمشروعات، من خلال توفير بيانات حقيقية، وتقيم نسقا من العلاقات السليمة يراعي قيم وعادات المجتمع، وتعمل على تحقيق إدارة كفء للموارد المحلية.

وقد أثبتت التجارب الميدانية والعملية أن المشاركة الشعبية في القرارات تنعكس بالإيجاب على تحسين مستوى الأداء والخدمات؛ على سبيل المثال، ففي عام 1989، أطلق حزب العمال في البرازيل مبادرة المشاركة في وضع الميزانية، قامت في إطارها عدة مجموعات من المواطنين بإعداد ميزانيات البلديات. وحدد المواطنون المطالب التي أرادوا إدراجها في ميزانية المدينة وخطط الاستثمار، من خلال المشاركة في عدد من النقاشات والاجتماعات التحضيرية. وجرى تحديد أولوية هذه المطالب من خلال ربطها بالحاجة إلى خدمات معينة وبعدد السكان، الأمر الذي أدى إلى تحسين الخدمات وسبل المعيشة بشكل ملحوظ؛ فارتفع بين عامي 1989 و 1996 عدد المنازل التي تصلها المياه من 80 إلى 98%، كما ازداد عدد المنازل الموصولة إلى شبكة الصرف الصحي 46 إلى 85%، وتضاعفت نسبة التسجيل في المدارس، وتم تعبيد 30 كيلومتراً من الطرقات سنويا، وارتفع معدل جباية الضرائب المحلية بنسبة 50% تقريبا، وأدى نجاح هذه العملية إلى اعتمادها في أكثر من 80 مدينة في البرازيل وأمريكا اللاتينية. وهي أيضا النتيجة التي أثبتتها دراسات أخرى جرت في الحالة العربية، حيث أشارت نتائج دراسة حول آثار المشاركة الشعبية في محافظة الخليل بفلسطين، أن المشاركة الشعبية على المستوى المحلي تسهم في الاستفادة المثلى من ذوي الخبرة والاختصاصات، وأنها تساعد على إقناع المواطنين بالمساهمة في تطوير وتنمية مناطقهم. وفي الأردن، توصلت دراسة أخرى إلى وجود أثر إيجابي للمشاركة المجتمعية في تحقيق التنمية المحلية المستدامة بأبعادها (الاقتصادية، والمجتمعية، وفي المحافظة على البيئة)، في مدينة الزرقاء.

وإذا كانت المشاركة الشعبية ضرورية للتنمية بوجه عام، فإن أهميتها تزداد خلال المراحل الانتقالية التي تمر بها الشعوب في أعقاب التغييرات الراديكالية كالاضطرابات والثورات، حيث تتطلب تلك المراحل إعادة بناء العقد الاجتماعي وإعادة صياغة التوافق الوطني وإعادة كتابة الدستور والاتفاق على القواعد الأساسية لإدارة المرحلة الانتقالية، التي سيترتب عليها إدارة الدولة في المرحلة المقبلة، وهي محطات أساسية تتطلب مشاركة الأغلبية في القرارات والتوجهات الخاصة بصياغة وبناء السياسات الجديدة. ووفقا لما يمكن أن تصل إليه الدول في هذه المرحلة تتأسس مرحلة جديدة من الاستقرار أو الاضطراب. فإذا وُظفت عملية المشاركة الشعبية في هذه المرحلة على نحو جيد، فإنها يمكن أن تشكل إطارا سياسيا يكون قابلا للحياة لسنوات أو عقود ولا تضطر بعد فترة محدودة للانقلاب على المسار، لأن عملية التوافق على السياسات العامة تكون قد حظيت بأكبر إجماع وتوافق في اللحظة الاستثنائية التي جرى خلالها التعبير عن كل المصالح وتمثيلها، وهي اللحظة التي يكون قد أسهم في صناعتها والاتفاق عليها مختلف أطياف النخبة الممثلة للقواعد الاجتماعية والتقسيمات الاجتماعية، وفتحت آليات صناعة القرار خلالها فرصا لم تكن متاحة في السابق.

لكن خطورة الفترات الانتقالية أنها تخضع أيضا لموازين النفوذ والسيطرة والقوة، وخلالها قد تندفع جماعات طائفية أو عرقية أو قبلية إلى معترك الحياة السياسية، مستغلة لحظة ضعف السيطرة وهشاشة الدولة، لتعيد بناء أدوات السلطة وفق ما يخدم مصالحها، وهو ما لا يكون إيجابيا على مستقبل عملية التنمية السياسية وبناء التوافق الداخلي، لذلك فإنه من المهم في المراحل الانتقالية أيضا أن تتم المشاركة الشعبية على نحو متوازن، بما يحقق الأهداف الكبرى للأغلبية الشعبية والجماعة السياسية. لكن الخبرات التي تكون قد تحصلت عليها طوائف معينة شاركت في المراحل السابقة من الحكم، تمكنها بعد فترة أكثر من غيرها من إعادة هندسة المشهد الداخلي.

وهكذا تعمل المشاركة الشعبية على بناء قرارات التنمية على أوسع إطار توافقي، على نحو يسهم في تحقيق الاستقرار السياسي، فمن شأن القرارات التي تصنع بعد إدارة عملية حوار ونقاش مجتمعي طويلة وممتدة، وبناء على أوسع قدر من المعلومات أن تصدر القرارات عنها وفقا للمصالح الوطنية العامة على أوسع قاعدة للمعلومات، وليس خدمة لمصالح ضيقة وشرائح جزئية، وهي القرارات التي تحمل الدول والمجتمعات تكاليف على المدى البعيد تنال من عملية التنمية. ومن شأن المشاركة الشعبية تحصين التشريعات السياسية والمجتمعية من الاضطراب والتغيير السريع، وهو ما يعطي الثقة بالتشريعات والمؤسسات وأجهزة الدولة، بينما تخضع التشريعات التي تصنع في فترات الاضطراب للتغيير المستمر على نحو يخل بصورة القانون والمؤسسات على الصعيد الاجتماعي.

ويترتب على حرمان المواطنين من المشاركة في قرارات التنمية، حالة عامة من الانصراف عن الدولة، خصوصا في حال مواجهة خطة التنمية بعراقيل وعثرات ناتجة عن عوامل خارجية لم تكن في الحسبان، حيث يكون هناك ميل طبيعي للمواطنين لتحميل الدولة والنخب التي استأثرت بالقرار المسؤولية عن العراقيل والمشكلات، وهو أمر يضع الدولة أحيانا في مأزق كبير، حتى لو تضمنت قراراتها بالمشروعات القومية أهدافا كبرى للأجيال الجديدة، فإن المواطنين يكون لديهم الاستعداد الطبيعي لإلقاء اللوم على الدولة. وتفيد النظرة السريعة على تجارب وفرص توسيع المشاركة السياسية في الدول العربية التي شهدت ثورات بأن أيا منها لم يتمكن من المرور بعملية الانتقال السياسي بأمان عبر توسيع المشاركة السياسية، وانتهى الأمر بها إلى تقليص المشاركة، أو انهيار الدولة أو دخولها في أزمة طاحنة استمرت لسنين، ولم تتعاف منها حتى الآن، وكل ذلك يشير إلى تباين القناعات بين الدولة والمجتمعات، أحيانا ليس بشأن الاقتصاد ومقومات التنمية وإدارة الدولة وإنما بشأن هوية الدولة وطابعها الحضاري والسياسي، وهي أمور تبدو الهوة بينها كبيرة وبين أجندة المنظمات الدولية الخاصة بالتنمية.

ثالثا: المشاركة الشعبية وصناعة القرار الخاص بالتنمية:

تعتبر مشاركة المواطنين في التقرير لحياتهم العامة أساسية، بدءا من أدنى مستويات القرار، اللازمة لدرء مخاطر الكوارث القومية وتلك الخاصة بالحرب والسلام، وحتى قرارات التخطيط العمراني والسكني في حي من الأحياء أو مدينة من المدن؛ إذ تتيح المشاركة الشعبية فرصا لكل الفاعلين لإبداء آرائهم، والتعبير عن انشغالاتهم بالشكل الذي يضمن توظيف وتجسيد هذه الآراء، وتغطية العجز في النقائص، وتلبية الحاجيات اليومية. كما تسهم المشاركة المجتمعية في تدعيم مفهوم الديمقراطية، بالإضافة إلى تعزيز الشعور بالمسؤولية، وزيادة الانتماء للوطن. وتسهل مشاركة المواطنين في تحمل مسؤولية صنع القرار عملية تنفيذ الخطط والبرامج، لأن تقبل المواطنين لأي مشروعات قائمة أو جديدة، وكذلك العمل على إتمام نجاح هذه المشروعات لا يتم إلا إذا شاركوا في التخطيط لهذه المشروعات بناء على معرفتهم التامة وإدراكهم لفوائد هذه المشروعات وأهميتها. 

في ضوء ذلك، يمكن تحديد أهمية المشاركة الشعبية في علاقتها بصناعة القرار المرتبط بالتنمية السياسية من خلال خمس مجموعات أساسية، على النحو التالي:

1-   تنظيم الجدل العام وتحديد الأولويات الوطنية: فمن خلال الانخراط الشعبي بالمشاركة في الفعاليات النقاشية حول الخطط والتوجهات الحكومية من مستوى القواعد المحلية في المدن والريف وعلى المستويات الفئوية والأدنى، وحتى مستوى الأبنية والهياكل المركزية في المدن الكبرى والعاصمة، من خلال ذلك كله تتبلور أنماط مختلفة من التفكير وتتأطر النقاشات في حزم من المقترحات والبدائل والسيناريوهات التي تشكل بدائل للقرارات، ويجري الاسترشاد بها في الخطط الحكومية وتقرير التوجهات والأولويات الوطنية، عبر أوسع نطاق تجميعي واستطلاعي للمصالح الوطنية، وأخذا في الاعتبار محاذير وعراقيل السياسات، وصعوبات التنفيذ المستقبلية. وهي عملية تماثل بناء مختبرات لدراسة وصناعة الأفكار الوطنية والتوافق على مفاهيم التنمية. والمهم أن تتأسس هذه العملية من إدارة الحوار المجتمعي حول السياسات على الصراحة والصدق والانضباط، بحيث لا يكون الهدف منها هو إقرار واعتماد السياسات التي يكون قد تم الاتفاق عليها مسبقا في المستوى الأعلى، وبحيث ينحصر دور القواعد الشعبية في إقرارها وتمريرها وبسط الشرعية القاعدية عليها، لأنه في هذه الحالة لا تكون المشاركة الشعبية قد حققت الكثير من الفائدة على الصعيد الوطني، أكثر من كونها بددت الوقت وأوهمت القواعد الشعبية بالمشاركة في القرار، وهو أمر لا تلبث أن تكتشف عدم حقيقته عند إعلان الخطط التي يجري الكشف عنها تاليا. فمن خلال المشاركة الشعبية يجري تحديد الأولويات والتوجهات وفق أوسع قاعدة من التوافق والتراضي، وهو ما يعوض عن نقص القدرة على تلبية الحاجات الوطنية. ويمكن تصور أن تحدث المشاركة الشعبية بعدة طرق وأساليب: المشاركة المباشرة، التي منها: استشارة الأهالي والمجموعات المستهدفة من خلال الاجتماعات والمقابلات والمؤتمرات العامة، واللامركزية الإدارية التي تتمثل في إيجاد مؤسسات وهيئات تخطيط على المستوى الإداري المحلي، والهيئات التطوعية وموظفي الإرشاد، ووسائل الإعلام المختلفة، والاستبيان والدراسات المختلفة، والاستفتاء العام حول قضية أو قضايا معينة. والمشاركة غير المباشرة، التي تحدث بواسطة أشخاص معينين، وبتكليف من جهات معينة أو بدوافع ذاتية.

2-   التدريب على الديمقراطية وبناء حواضن مؤسسية للفكر الوطني: حيث تتيح المشاركة الشعبية الفرصة لممارسة الديمقراطية، وتعلم الأهالي أداء الأدوار الاجتماعية والسياسية، وتدعم الرقابة الشعبية لتوجيه الرغبة في التغيير وترشيدها، حتى لا تتسع الفجوة بين المجتمع والدولة، وتفتح قنوات الاتصال بين الحكومة والشعب، من خلال استطلاع آراء الشعب في توجهات وقرارات التنمية. فمن خلال النقاشات والحوارات العامة عبر أدوات المشاركة المجتمعية، تجري أوسع عملية تدريب على الديمقراطية، وبناء ثقافة وقيم الديمقراطية، بما فيها احترام الآخر والرأي المخالف، كما تجري أكبر عملية من التثقيف السياسي وبناء وصناعة الكوادر. ومن خلال الأطر التي يمارس فيها الناس عمليات صناعة القرار والنقاش حول القرار تتفاوت الرؤى وتتمايز الآراء، فتكون مثل هذه النقاشات أطرا تأسيسية يمكن أن تتفرع عنها الأحزاب والقوى السياسية. وعلى الرغم من أنه لا يمكن اعتبار الديمقراطية كنظام حكم هي الإطار الأوحد للتنمية السياسية، فإنها في الأغلب الإطار الذي يتيح أوسع نافذة مجتمعية للمشاركة من خلال أدوات تنظيمية، وليس من خلال مهرجانات شعبية عرفها كثير من الدول ولم تنجح في بناء نموذج مختلف. فليس الهدف من المشاركة الشعبية في صناعة القرار هو فقط تأسيس الديمقراطية، وإنما بناء حواضن للفكر الوطني، الذي يلتف حول الدولة الوطنية، ولا ينخرط في نقاشات تكرس الولاءات الأدنى الطائفية والمناطقية والدينية.. وغيرها. وهذا الشق من التنمية السياسية ربما يكون هو أهم ما تحتاج إليه الدول العربية من المشاركة الشعبية، حيث أن مختلف الدول العربية تقف في مراحل وسط في بناء الدولة الوطنية، وهي تتوزع بين دول في أزمة شديدة وانهارت فيها معاني الدولة الوطنية واتجهت فعليا إلى تكريس الولاءات الأدنى على حساب الهوية الوطنية الجامعة، ودول ذات هوية وطنية مؤكدة لكنها تتعرض لضغوط شديدة، بسبب أوضاعها الاقتصادية، ودول لم تقحم ذاتها كثيرا في جدل الهوية الوطنية، لأن لديها وفرة مالية لا تدفعها إلى مثل هذا النوع من الجدل الآن. والحالات العربية الثلاث كلها في حاجة إلى بناء حواضن للفكر الوطني عبر زيادة المشاركة الاجتماعية في القرار، والذي يشكل مصدات أمان في مواجهة الاستحقاقات المقبلة.

3-   صناعة الرؤى والاستراتيجيات ومتابعة تنفيذ الخطط والبرامج: تبرز أهمية المشاركة الشعبية في بناء الرؤى وصياغة الاستراتيجيات الوطنية، حيث تميل أغلب الدول إلى بناء استراتيجيات ورؤى وطنية ورؤى قطاعية على مديات زمنية مختلفة 2025 و 2030 و 2040 و 2050 وربما 2070. ولقد أدخلت كثير من الدول العربية هذا النمط من التفكير المستقبلي لديها، فأقدمت على طرح رؤى واستراتيجيات مختلفة في السنوات سالفة الذكر، تضمنت أفكارا وطموحات وطنية في مجالات متنوعة. وهذه الرؤى والاستراتيجيات في حاجة إلى اعتماد وتوافق وطني حولها على أوسع نطاق شعبي ممكن. وكلما اقترب الموعد الزمني للرؤية فإنها تكون في حاجة إلى مراجعات وفرز، وتحديد المستهدفات الممكنة وتلك غير الممكنة، وتلك التي تحتاج لدفعات جديدة بعد أن حققت الدول مستهدفاتها بأسرع مما توقعت أحيانا. وعلى الصعيد المحلي تحتاج هذه الرؤى الوطنية إلى تقييمات ومراجعات حول تأثيرها ماليا وسياسيا واجتماعيا وتعليميا وإداريا في مختلف جوانب الحياة والمناطق في الدولة، وذلك حتى تتم عمليات متعددة من التجنيب والانضواء والاستيعاب؛ تجنيب لغير الصائب من التوجهات أو تلك التي تجاوزها الزمن، واستبعاد لتلك التي تبين عدم جدواها أو لتكلفتها أو لعراقيلها أو لتقادمها أو لغير ذلك من أسباب، وانضواء واستيعاب للجديد من الأفكار والفرص التي لم تنضو في إطار الرؤية من البداية. وهذا هو الشق الأساسي الذي يجب أن يتوجه إليه جل الاهتمام، حيث أن الفجوة الزمنية بين وضع الرؤية ربما منذ 2015 وحتى مدة نهايتها زمنيا، والتي تتفاوت بين 2025 و 2070، هي فترة جديرة بأن تحدث تغييرا في كثير من الأشياء، وأن تظهر فرصا ومجالات جديدة في المسيرة الوطنية، وهو ما ينبغي الانتباه إليه ويحتاج إلى مشاركة مجتمعية لإقراره، وإعادة النظر في الرؤية والاستراتيجية وفقا له. ولكن الأهم من ما تقدم أيضا هو متابعة ما تحقق من الرؤى القائمة، بدخول المجتمعات في أشكال من المناقشة والمشاركة بالجدل والحوار بشأن ما تحقق من بنود الرؤية وما لم يتحقق وعوامل القصور وعوامل النجاح، على أساس استراتيجي وعلمي، ووفقا لأوسع قاعدة معلومات متوافرة، وفي ضوء مقارن مع مستهدفات وإنجازات دول ومجتمعات أخرى. وهذا ما يمكن أن تقوم هياكل وفعاليات المشاركة الشعبية بإنجازه، بمراقبة تنفيذ مشروعات الرؤية، وتقديم آراء تثري هذه الرؤى والاستراتيجيات وتصحح آليات تنفيذها، فتعدل ما ترى تعديله وتضيف أو تستثني ما ترى ضرورة استثنائه، وهكذا تصبح المشاركة الشعبية في التخفيف على الدولة من الناحية الاقتصادية، كما تسهم في زيادة الحرص على المال العام، وتطلع المواطنين على الإمكانات المتاحة للتنمية من النواحي المادية والتقنية.

4-   بناء الكوادر السياسية وصناعة قادة المستقبل: يشكل بناء الكوادر السياسية الأولوية الأساسية للتنمية السياسية، فالكوادر هم أدوات التنمية السياسية، ومن دون عملية جيدة لبناء الكوادر تفتقد الدول إلى القادة والمسؤولين الجديرين بالثقة وتولي المناصب العامة. وهنا تسهم المشاركة الشعبية في الاستفادة المثلي من ذوي الخبرة والاختصاصات، وتمكن المواطن من المشاركة في عمليات التخطيط والتنفيذ والتقييم والاستخدام الأمثل للموارد المتاحة، كما تحفز المبادرات والمساهمات وإحداث التنمية المحلية، وهي تفيد في تمكين المجتمع المحلي من الاطلاع على المعلومات التي تهمه. ومن خلال هذه العمليات في صناعة القرار المحلي يجري اكتشاف وتنمية وصناعة القادة المحليين واكتشاف الموهوبين من الشباب الذين ينخرطون في النقاشات والمهام والعمليات حتى يصلوا إلى مستوى متميز، يمكن من الدفع بهم إلى مستويات أعلى، وهي عملية من التدريب والممارسة مهمة لتخليق القيادات والكوادر. ولا يمكن من ذلك سوى عمليات مشاركة شعبية تنصهر فيها الأجيال الشابة في عمليات صنع القرار. فالمجتمعات التي لا تدير عمليات نقاشية وحوارات عامة بشأن الخطط والرؤى الوطنية تحرم ذاتها من بناء الكوادر المؤهلة والمدربة لتولي مواقع القيادة في مختلف المستويات. وتسهم المشاركة الشعبية في تولي قيادات بعقلية مفتوحة بدلا من العقلية المنغلقة على موقف أيديولوجي واحد، في الأغلب ينتهي إلى الانحراف بصوابية القرار. وتكون المجتمعات التي تعتاد على المشاركة الشعبية بدائل للسياسات وسيناريوهات للتغيير القيادي والحكم تمكنها من توفير أطقم جاهزة لتولي المسؤوليات وقت الحاجة إلى التغيير الحكومي أو السياسي، على خلاف المجتمعات التي تسود فيها وجهة النظر الواحدة، والتي تكون في الأغلب غير قادرة على تخليق البدائل وقت الضرورة للتغيير، ومن ثم تضطر للتجريب والخطأ. كما تعمل المشاركة على تعزيز التدريب والتثقيف التنموي للمواطنين والهيئات، وتعزيز الأبنية التحتية للثقافة والفهم السياسي داخل قنوات التعبير مثل الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني وعبر مؤسسات القرار المختلفة، ومن خلال الصحف ووسائل الإعلام، ومن ثم تخليق قنوات لتوصيل المطالب والأفكار بين القواعد والقمة، وتعزيز الثقة بالقدرة على تحمل المسؤوليات. وفي ظل هذه الحالة فإنه حتى لو أخطأ المسار فإنه يكون لديها قدرات تصحيحية لذاتها وامتصاص الصدمات وتلافي الثورات وردات الفعل العنيفة، لمصلحة حالة تسمح بالإصلاح التدريجي وليس العنيف، وتمكن من التوليد الذاتي للأفكار البديلة.

5-   بناء الثقة الذاتية والارتقاء بمستوى السعادة: علاوة على تأثيرات المشاركة السياسية في القرارات وبدائل السياسات ونتائجها، فإن لها أهمية أخرى في الجوانب النفسية والحياتية، حيث تخلق حالة إيجابية حافزة على العمل والإنجاز والشعور بالوطنية، تصب في منسوب السعادة وإشباع الذات، إذ تعمل المشاركة الشعبية على زيادة الرضا عن الحياة بشكل عام وتزيد إحساس المواطن بذاته وتقديره لمجتمعه ووطنه، وهو ما يكون له آثار ارتدادية على العملية الإنتاجية. فالإنسان ليس هدف التنمية فحسب، بل هو مهندسها أيضا. وفي كتابه "التنمية كحرية"، يتحدث الاقتصادي أماراتيا سين عن حرية المشاركة باعتبارها شكلاً أساسيًا من أشكال التنمية، ويرى أن المشاركة في اتخاذ القرارات التي تؤثر على حياة الفرد وحياة الآخرين أمر أساسي لرفاهية الإنسان ولنوعية الحياة؛ وأن المشاركة السياسية الفردية تخلق فوائد نفسية من خلال تلبية الاحتياجات الإنسانية الأساسية وعلى مدى العقود الماضية، تأسست القناعة بأن الشعوب التي تعيش في كنف الأنظمة الديمقراطية يتمتع أفرادها بهامش أكبر من الحرية والكرامة، ويعيشون حياة أفضل، ويسهمون أكثر في عمليات التنمية والبناء في دولهم، وأن المواطنين في الأنظمة الفردية لا يشاركون في صناعة القرارات الحيوية لبلادهم. ومن ثم ترسخت القناعة بأن الأنظمة الديمقراطية هي الأقدر على إرساء أسس ثابتة للنمو السياسي والاقتصادي على المدى الطويل، وتهيئة بيئة خصبة للفكر والإبداع. وفي مرحلة تالية، دفع البعض بقناعة بأن إحلال الديمقراطية لا يحسن معيشة المواطنين فحسب، بل يعزز الأمن الإقليمي والسلام العالمي، ومن ثم نشأت ما تسمى بنظرية السلام الديمقراطي، التي تعني أن الشعوب الديمقراطية هي الأكثر اتجاها نحو السلام وهي الأكثر حرصا على التعايش.

رابعا: المشاركة الشعبية والتنمية ... محصلة التجارب العربية

على مدى العقود الماضية، لم توظف أغلب الدول العربية آليات المشاركة الشعبية كثيرا على النحو الذي يخدم صناعة القرار الوطني والتنمية. وعلى الرغم من وجود أطياف جديدة من القضايا التي شملتها الخطة التي اعتمدتها الأمم المتحدة عام 2015 (المكونة من 17 هدفا كجزء من جدول أعمال عالمي جديد) بشأن التنمية المستدامة لعام 2030، والتي لها تجليات كثيرة على قضايا التنمية السياسية في أجندة العالم الجديد، مثل قضايا: الصحة الجيدة والرفاه، والسلام، والازدهار، والشراكات، والمناخ والبيئة والطاقة والأعمال التطوعية، والقضاء على الفقر والجوع والمياه النظيفة والعمل اللائق، والابتكار، والتعليم الجيد...إلخ، فإنه من خلال تتبع أبرز محطات وصور التقاء المشاركة الشعبية بالتنمية السياسية في الدول العربية، يلاحظ ما يلي:

1-   المشاركة والتنمية في الحكم والسلطة: حرمت أغلب النظم السياسية العربية ذاتها من الكفاءات المتخصصة، وحتى الدول التي أرست نظمها السياسية على أساس المحاصصة الطائفية، لم تتمكن فيها آليات المشاركة في السلطة من العمل على نحو طبيعي، واستمرت في مأزق المحاصصة والطائفية، ولم تتخطاه إلى نسج بنيان وطني مندمج وفعال للسلطة السياسية. على سبيل المثال، فإن العراق الذي جرى تصديره على أنه سيكون عنوان الديمقراطية ومحرك الدومينو الديمقراطي في العالم العربي، تأثر كثيرا بالطائفية والمحاصصة السياسية، وعادت أجزاء منه إلى التحصن بالولاءات الأدنى والقديمة. كما أن أغلب الدول العربية التي سقطت فيها الدولة -على أثر ثورات 2011 أو ما بعدها- لجأت إلى شكل أو آخر من أشكال الولاءات الأدنى، وارتمت في أحضان الطائفية أو القبلية أو المناطقية والجهوية (لبنان، وسوريا اليمن). ولم تغتنم أغلب الدول العربية التي شهدت ثورات فرصة التغيير وانفتاح دولاب الدولة العربية في تصنيع بدائل وخيارات جديدة في الحكم تسهم في تغيير رؤاها التنموية أو آلياتها في إدارة عملية التنمية السياسية. وعلى الرغم من الحصاد الثري لسنوات التغيير، والتي شهدت جدالات ونقاشات وطنية ثرية ومناسبات كثيرة للتغيير النيابي والبرلماني والتشريعي والدستوري، وشهدت انعقاد مؤتمرات للحوار الوطني ولجان تأسيسية للدستور، فقد عاودت الأوضاع السابقة على سنوات الثورة ذاتها، وأكد بنيان السلطة العربية رسوخه في الشكل والمضمون وإن تغير في الأشخاص، وتفوقت طبائع الحكم المتوارثة على مختلف نوازع وحوافز التغيير.

2-   المشاركة والتنمية عبر الأحزاب السياسية: تعد الأحزاب السياسية أحد أهم مظاهر المشاركة الشعبية وممارسات الديمقراطية، وانعدام الحياة الحزبية أو ضعف الأحزاب وعدم وجودها يعني افتقاد قنوات التجنيد والمشاركة والتعبئة الجماهيرية. وعلى الرغم من أن الأحزاب السياسية تعد إحدى أهم أدوات المشاركة الشعبية وبناء الكوادر والتثقيف السياسي والاجتماعي والتجنيد السياسي، ومن ثم تكون مفرزة للقيادات من مختلف التيارات، ومن خلالها يجري بناء هذه القيادات فكريا وسياسيا، فإن ظروف النشأة الاصطناعية وغير الطبيعية أحيانا للأحزاب العربية الجديدة بعد ثورات 2011 حالت دون أن تجعل منها بوتقات لإعداد وتصنيع الكوادر والقيادات. وبالنظر إلى صعوبة توليها السلطة فإن نشاطها ينحصر في القضايا الهامشية، وبعضها يعيش على الدعم المالي للنظم. وفي الأغلب تعمل كأحزاب كرتونية (أحزاب شققية أو فللية) لا يتجاوز دورها مساحة المنشأة التي تتخذها مقرا لها، فاقدة الثقة بإمكان توليها الحكم يوما ما، فلا تعقد ندوات توعية أو مؤتمرات جماهيرية ولا تمارس أدوارا اجتماعية أو سياسية ولا تعمل حتى على زيادة مشاركة الناس سياسيا. وتشهد حالة انصراف عن العضوية أو تشهد عضوية جماهيرية (لأنها أحزاب سلطة)، دون قناعات بالمبادئ الحزبية ودون اهتمام بغرس هذه المبادئ، ويسودها ممارسات الشخصنة من جانب قادة الحزب. ولذلك ربما لم تشهد الدول العربية على كثرتها تجربة واحدة لبلد عربي أزاح فيه حزبا سياسيا مدنيا معارضا حزبا في السلطة عبر الانتخابات الديمقراطية، وإذا حدث ذلك فلفترة استثنائية محدودة، وهو ما يشكك في جدارة الحياة الحزبية العربية عموما. ونظرا لمحدودية فرصها في الحكم، فإنها لا تتجه إلى وزن مواقفها السياسية وفقا لميزان عملية رشيدة لصناعة القرارات ووفقا لمعايير الحكم الجيد والحوكمة، حيث لم تعتد إعداد أوراق سياسات مقبولة كبدائل للسياسات القائمة أو المطبقة، وباعتبارها حكومات ظل يمكن أن تتولى الحكم، نظرا لعدم قناعتها بأنها يمكن أن تكون بديلا للنظام يوما ما. ومن ثم تتجه إلى لغة المزايدات، وتعد تقارير أو برامج أو بيانات لتلافي الحرج السياسي وهي برامج تعرف قبل غيرها أنها غير قابلة للتنفيذ أو التطبيق، وهو ما يجعل أغلب نشاطها بعيدا عن تكوين وإعداد الكوادر اللازمة لإدارة وقيادة عملية التنمية. وأما الأحزاب الحاكمة في بعض الدول العربية التي تستند إلى حزب قائد أو طليعي، فإنه لا يمكن القول بأنها تشهد مشاركة شعبية في القرارات، بالنظر إلى استنساخ طبيعة الحكم في عملية صناعة القرار داخل الحزب، وهو ما يحرمها أيضا من أن تصبح آليات جيدة لبناء الكوادر وتوصيل الأفضل من الأفكار والقرارات والمساهمة في التنمية. ويقتصر دور الأحزاب على كونها أحزاب إسناد ودعم للنظام، وتعبئة الجماهير وتوصيل القرارات من أعلى إلى أسفل دون أن تقوم بالمسار العكسي الأساسي، بتجميع وتوصيل المطالب والمقترحات. وهنا تحتاج الأحزاب السياسية العربية إلى معرفة خريطة نشاط وممارسات الأحزاب في دول الأحزاب العريقة، وتحتاج أيضا إلى الوصول إلى أدنى القواعد الشعبية في الريف والمدن، على نحو يسهم في بناء الخطة التنموية والتوجه الوطني العام للدولة.

3-   المشاركة والتنمية في النقابات المهنية: تشكل النقابات المهنية والعمالية وغرف الصناعة والتجارة والأندية الاجتماعية والرياضية ونوادي أعضاء التدريس بالجامعات، إحدى أهم أدوات تمثيل المصالح وإعداد الكوادر المهنية، وهي تأتي بعد الأحزاب السياسية كوسائل وأدوات للمشاركة. لذلك فإن تطوير وتشجيع الجمعيات الأهلية والنقابات وإتاحة الفرصة لحرية عملها يحقق جزءا مهما من عملية المشاركة، حيث أنه من خلال هذه الجمعيات والنقابات تُفرَز الصفوة القيادية المهنية التي تكون على قدر كبير من الوعي للمشاركة في الأمور المتعلقة بصنع القرار، من خلال ممارستهم العمل داخل هذه المنظمات. وعلى الرغم من أن طبيعة عمل النقابات، تختلف عن الأحزاب السياسية وتتمحور وظائفها حول تعزيز أوضاع أبناء المهنة، إلا أنه في كثير من الأحيان يتداخل عمل النقابات ويتماس مع الوضع السياسي، فيجري توظيفها أحيانا من قبل السلطات في لعب أدوار سياسية لدى طوائف المهن والأعمال، ويجري تسييسها، حيث لعبت بعض النقابات أحيانا أدوارا خرجت بها عن أدوارها المهنية التي نشأت لأجلها، وأخذت مكان الأحزاب، في ظل ضعف الحياة الحزبية، وأحيانا تحملت عبء الأحزاب والحياة السياسية بشكل عام، وكان أمرا طبيعيا أحيانا أن تجمد السلطات أنشطتها أو أن تصدر ضدها أحكام قضائية وتشريعات، أبقت بعضها مجمدا لفترات طويلة. وتدفع طبيعة الحياة السياسية العربية النقابات وغرف الصناعة والتجارة إلى وضعية تقف فيها أحيانا في حالة صراع بين أدوارها المهنية ومساعيها لتعظيم أوضاع المهنة والارتقاء بأحوال أعضائها، وبين ممارسة أدوار تعرضها للأذى والضرر. ففي حال تراجع دور الأحزاب السياسية أو اختفائها أو ترويضها من قبل السلطة، تبقى النقابات دون أدوات حماية ومصدات سياسية تقيها من النظام، وذلك يجعلها تنغمس في نوعيات من الممارسات بعيدة عن طبيعة أدوارها المحددة لها بحكم التشريعات والقوانين واللوائح، ويحملها أحيانا نقائص وضغوط الحياة السياسية، وهو ما ينتهي بها في الأغلب ليس فقط إلى الفشل في الإحلال محل الأحزاب، وإنما الفشل في القيام بوظائفها المهنية الخاصة بها، وتفشل في الدفاع عن مصالح أعضائها من أبناء المهنة. ولن يجري إصلاح الوضع من دون عودة النقابات إلى أدوارها الطبيعية، فالدور المهني والوظيفي للنقابات لا يقل عن دور الأحزاب السياسية، وقد يفوقها، و هي بإمكانها أن تحقق عناصر رضا وأن تكون بوتقات حوار اجتماعي وسياسي مفقودة تساعد على ترشيد صناعة القرار والمساهمة في التنمية.

4-   المشاركة والتنمية في المجتمع المحلي (الأهلي والمدني): التنمية المحلية عملية يمكن بواسطتها تحقيق التعاون الفعال بين المجهود الشعبي والحكومي للارتقاء بمستوى التجمعات والوحدات المحلية اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا من منظور تحسين نوعية الحياة لسكان تلك التجمعات المحلية في أي مستوى من مستويات الإدارة المحلية في منظومة شاملة ومتكاملة. وقد ازداد الوعي الدولي بأهمية جمعيات المجتمع المحلي والمجالس المحلية ودورها في تنفيذ المشاريع التنموية والخدماتية المتنوعة، ومسؤوليتها عن تسيير شؤون المجتمع المحلي، ومسؤوليتها عن رفع درجة الوعي المحلي للمواطنين بشأن الشؤون المحلية والقضايا العامة. ومن جانبها تعمل الإدارة المحلية، إلى جانب منظمات المجتمع المدني (من غير الأحزاب والنقابات والغرف)، بمثابة "الإطار المؤسسي" الذي يستوعب وينظم مشاركة المواطنين في الشأن العام المحلي والأدنى. وتتضمن منظمات المجتمع المدني الأخرى: منظمات خيرية، ومنظمات للخدمات والرعاية الاجتماعية، ومنظمات التنمية، والمنظمات والجمعيات الثقافية المتنوعة، والمنظمات الحقوقية والدفاعية والجمعيات والروابط والتعاونيات، وهي تتصل أكثر باهتمامات المجتمعات المحلية في الريف والمدن وروابط الأحياء. وإلى حد كبير تعتبر المشاركة الشعبية على المستوى المحلي هي الأساس التعليمي والتدريبي للمشاركة الشعبية في القضايا الوطنية. وتضمن المشاركة الشعبية في المستويات المحلية خروج الخطط والرؤى والاستراتيجيات على أوسع دراية بالواقع وبالمطالب والاحتياجات. ومن خلالها يمكن ضمان توسيع أطر العملية التنموية وانتشارها في أرجاء الريف والمدينة وبناء القواعد الشعبية للحكم، وممارسة التثقيف والتدريب وإعداد القادة. ولقد قامت الهياكل والأبنية المحلية لصناعة القرارات بدور مهم في الثورات العربية، التي خرج الكثير من قادتها من المحليات ومن المناطق والجيوب التي مارست الثورة ضد أنظمة الحكم، فشارك أعضائها في الثورات في المركز وفي الأبنية التحتية في الريف والقرى، ولعبت دورا أساسيا خلال فترات الانتقال السياسي في ضمان الاستقرار السياسي خلال فترة الاضطرابات، ومن ثم فإنها أساس قوي استند عليها الاستقرار الداخلي في بعض الدول العربية.

5-   الانتخابات والتنمية والاستفتاءات على الدساتير: تشكل المشاركة الانتخابية الملمح الأبرز للمشاركة السياسية، فهي أبرز صورها وجزء مهم منها، خصوصا وأنها تغطي كافة الصور التقليدية لها مثل: الترشح والنشاط في العمل والتصويت، فالمشاركة الانتخابية إذا هي الوسيلة الأفضل والأكثر فعالية في تحقيق المشاركة السياسية، لأنها مقارنة بالصور والأشكال الأخرى من المشاركة تتسم بقدر كاف من الانتظام والديمومة. ويشارك الناس في التصويت في الانتخابات للدفاع عن مصالحهم الاقتصادية ومحاولة إعادة التوازن في المجتمع بين الفقراء والأغنياء وإعادة توزيع الثروة وعدم احتكار السلطة. لكن مفهوم المشاركة الشعبية في الانتخابات يتطلب ضمانات، وأهمها هو المأسسة، بحيث لا تكون المشاركة الشعبية مؤقتة أو موسمية، تنشط ساعة الانتخابات فقط؛ فهذا النوع من المشاركة لا تتحمله إلا الدول التي أرست قواعد المؤسسية، بحيث تقوم المؤسسات خلال فترات عدم الانتخابات بترجمة مصالح المواطنين. ومن ثم هي تصلح للدول التي تكون مأسست أوضاعها بشكل جيد، أما الدول التي لم تتمكن بعد من بناء مؤسساتها أو الدول التي تمر بفترات انتقالية، فيحتاج مواطنوها لأجل التعبير عن ذاتهم إلى قنوات تمثيل المصالح على نحو مستمر، حتى تتقوى مؤسساتها العامة، وتعتاد على ممارسات تجميع وتمثيل المصالح. ومن خلال مشاهد الانتخابات العربية، يتضح أنها قليلة الإسهام في التنمية السياسية، وقليلة المساهمة في تدريب وتثقيف المواطنين سياسيا، حيث لا يتاح الوقت الكافي لإعداد البرامج الانتخابية أو النقاشات الكافية حول مضمون تلك البرامج، كما أن محصلتها النهائية ربما لا تشجع المواطنين على مزيد من المشاركة، وهي تعكس في مظاهرها الكلية الحالة الاستمرارية العربية المتوارثة أكثر مما تعكس التنمية والتجديد.

الخلاصة:

تتمثل أهم جوانب العلاقة بين المشاركة الشعبية والتنمية في التساؤلات المهمة بالنسبة للدول العربية، والخاصة بـ: سبل توسيع المشاركة الشعبية الحقيقية، مع عدم تهديد الأمن القومي، وكيفية ممارسة الديمقراطية من دون تهديد الدولة الوطنية. حيث أكدت سنوات العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين (عقب الثورات)، أن هذه لا تزال هي المعادلة الصعبة (حيث تحركت بعض الدول في مساحات بين ممارسات الحرية وأعمال العنف والإرهاب)، أو هكذا أظهرت تجربة الأعوام الماضية، حتى لو تضمنت التجربة استهدافا متعمدا من جانب القوى السياسية أو من جانب أنظمة الحكم للتخويف من الديمقراطية وزيادة المشاركة، فإن كل ذلك يعكس واقعا سياسيا في الدول العربية ينبغي أخذه في الاعتبار.

ولا يمكن إنكار أن فترة الديمقراطيات المقيدة، التي شهدها عقد التسعينيات والعقد الأول من الألفية الثالثة، أتت ببعض المخاطر على التجربة، وليس من المعروف ما إن كانت هذه المرحلة من بين العوامل الأخرى التي مهدت إلى الثورات أم لا، وحجم مساهمتها فيها، لكن استقرار الأوضاع في بعض الدول العربية منذ 2017 تقريبا وحتى الآن، واستعداد بعض المجتمعات العربية لتحمل ما لم تكن تتحمله في السابق من أوضاع سياسية واقتصادية، وسيادة الاستقرار السياسي رغم الإجراءات الاقتصادية الصعبة، يطرح بالمقابل تساؤلات حول مستوى الوعي والرشادة، أو حول طبيعة نوعية الاستقرار القائم وما إن كان قويا أم ضعيفا، كما يلقي بالضوء على تقييمات المواطنين وموقفهم من مشروعات التنمية والمشروعات الوطنية، واستعدادهم لمزيد من الصبر.

بشكل عام، تؤكد التجارب العربية على اختلافها وتفاوتاتها أن المشاركة الشعبية تبقى هي أفضل الحلول للتنمية عامة والسياسية بشكل خاص، وأن الأنظمة العربية تحتاج إلى توسيع المشاركة ليس لفائدة الديمقراطية أو لفائدة الشعب، وإنما أيضا لفائدة الأنظمة الجديدة، التي تحتاج إلى تأييد ودعم شعبي لقراراتها، وتحتاج إلى عناصر إسناد وتأمين من ظهير مجتمعي قوي، يدعمها في مواجهة الإجراءات القاسية التي تضطر لها أحيانا، في ظل الظروف الدولية والإقليمية والوطنية، التي تدفع بأخطار وتحديات وتهديدات لاقتصاداتها ولأمنها القومي على نحو مفاجئ، لا يمكنها من مواجهته وصده إلى إسناد شعبي قوي، وتوسيع مساحة المشاركة في القرار. وعلى سبيل المثال، فإن أزمات مثل كورونا وأوكرانيا وغزة، وما دفعت به من ضغوط اقتصادية داخلية على بعض الدول العربية، وما صحبها من قرارات وطنية صعبة، وما هي أيضا مقبلة عليه من قرارات وطنية كبرى وهي لا تزال في منتصف الطريق، وفي مواجهة أزمات ديون شديدة، كل ذلك يدعو إلى بناء أكبر توافق شعبي لتأمين الجبهة الداخلية، وهو ما لا يكون إلا بتوسيع المشاركة الشعبية في القرار، وإعادة بناء الرؤية بشأن مستقبل الوضع السياسي.

بالمقابل، من المهم أيضا للقوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني والجمعيات الحقوقية، أن ترشد توجهاتها وقراراتها؛ لأن نتائج ممارسات ما قبل 2011 وما بعد 2011، ينبغي أن تعود بدروسها على الجميع، بحيث تتحلى دعواتها للتغيير بقدر أعلى من الرشادة، لأن الطموح الزائد يمكن أن يضر، وهو ما يتطلب تغيير الخطاب، والاعتبار بخصوصية الظروف والحالة العربية.

bottom of page