top of page

الجلسة الثانية 11:45 - 10:00
دور المنظمات الحكومية الدولية

رئيس الجلسة

الدكتور عمر جريك، مدير مركز دراسة وممارسة حل النزاعات بجامعة مالطا

المتحدثون

معالي نايف فلاح مبارك الحجرف، الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية

معالي الطيب البكوش، الأمين العام لاتحاد المغرب العربي

معالي سالم محمد المالك، المدير العام لمنظمة الإيسيسكو

السيد عبدالقوي أحمد يوسف، الرئيس السابق لمحكمة العدل الدولية

سعادة خالد خليفة، الممثل الإقليمي لمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين

سعادة السفير محمد الشافعي، ممثل جامعة الدول العربية

الدكتور ألفريد ج. فيلا، رئيس جامعة مالطا

 

 



كلمة معالي الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية

الدكتور نايف فلاح مبارك الحجرف


بسم الله الرحمن الرحيم.

فخامة الرّئيس الدكتور جورج فيلا – رئيس جمهورية مالطا،

العم الفاضل عبدالعزيز سعود البابطين، رئيس مؤسسة عبدالعزيز سعود البابطين الثقافية،

أصحاب المعالي،

السيدات و السادة الحضور الكرام،

السّلام عليكم ورحمة الله وبركاته،

لعلنا نبدأ بشكر مستحق لرائد من رواد الفكر وعَلَم من أعلام الثقافة وداعٍ من دعاة الأمن والسّلام، فشكرًا بقدر إيمانكم برسالة الثقافة والسّلام العادل أيها العم الفاضل الجليل عبدالعزيز سعود البابطين، والشكر موصول لجميع القائمين على المنتدى العالمي لثقافة السّلام العادل بنسخته الثانية ممثلة بمؤسسة عبدالعزيز سعود البابطين الثقافية على دعوتهم الكريمة لنا للمشاركة في هذا المنتدى الهام والذي يأتي في وقت نحن فيه جميعًا بأشد الحاجة لمن يذكرنا بأن الأمن والسّلام نعمة تتطلب المحافظة عليها، بإيمان الجميع بها وعمل الجميع المتكامل لصونها و تعزيزها لخدمة البشرية.

كما أود أن أشيد بنتائج أعمال المنتدى العالمي لثقافة السّلام بنسخته الأولى والذي عقد في لاهاي في عام 2019، والتي أكدت على تعليم قيم ومبادئ السّلام في المناهج التعليمية، والعمل على تنشئة جيل واعٍ في بيئة آمنة يسودها السّلام والاحترام، وإدراج الوعي الوطني الذي يحافظ على التراث الثقافي ونشر ثقافة السّلام بين المجتمعات، وتعزيز الثراء الثقافي وهويات المناطق وتعزيز قيم التسامح والتواصل بين مكونات المجتمعات، ووضع الاستراتيجيات اللازمة لمنع النزاعات المسلحة، وتعزيز الدبلوماسية الوقائية في ظل ما يشهده العالم من صراعات واضطرابات وتهديدات مستمرة للأمن والاستقرار الدوليين.

أصحاب الفخامة والمعالي،

السيدات والسادة الحضور،

يأتي المنتدى العالمي الثاني لثقافة السّلام العادل اليوم تحت عنوان (القيادة من أجل السّلام العادل)، وسوف أتطرق لهذا العنوان في محورين:

الأول: جهود مجلس التعاون لدول الخليج العربية في تعزيز ثقافة السّلام العادل.

الثاني: ضرورة حشد وتكامل الجهود لترسيخ ثقافه السّلام العادل.

ففي المحور الأول المتعلق بجهود مجلس التعاون لدول الخليج العربية في تعزيز ثقافة السّلام العادل، لقد لعب مجلس التعاون لدول الخليج العربية منذ تأسيسه في 25 مايو 1981 وعلى مدى أربعة عقود ولايزال، دورًا رئيسيًا ومحوريًا في تعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة والعالم، فأصبح ركيزة له، ومؤمنًا به، وساعيًا الي صونه والمحافظة عليه، وداعيًا الي الحوار باعتباره وسيلة لحل النزاعات تحت مظلة ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي.

واستشعر مجلس التعاون أهمية ثقافة السّلام العادل وضرورة تعزيز مفاهيم السّلام والعمل الجماعي لتحقيقه، حيث يولي أصحاب الجلالة والسمو قادة دول مجلس التعاون «حفظهم الله» الاهتمام البالغ في صون الهوية الثقافية، وجعلها ركناً أساسياً في الخطط الاستراتيجية والتنموية الهادفة لبناء الدولة والإنسان، فقد اعتمدوا، حفظهم الله، الاستراتيجية الثقافية لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية 2020-2030م، والتي أكدت على أنَّ المشاركة الثقافية حق لكل مواطن إنتاجاً واستفادة وحواراً ونقداً، والعمل على استيعاب روح العصر بتوظيف العلم والتقنية في المجالات الثقافية والحوار مع الثقافات الأخرى لتعزيز قيم السّلام، باعتبارها مكوناً أساسياً من مكونات الحضارة الإنسانية، والتركيز على مبادئ التسامح والتعايش والحوار واحترام الآخر ونبذ مظاهر العنف والتعصب والتطرف.

كما ركز محور الأمن الثقافي على تعزيز قيم الوسطية والتسامح والحوار والتعايش واحترام القانون بين مكونات المجتمع، ودعم حرية الفكر والإبداع وحماية المجتمع، وخصوصاُ الطفل، من الثقافة المحرضة على العنف.

ومن هذا المنطلق يسعى مجلس التعاون لدول الخليج العربية، من خلال تعزيز مشاركاته في المحافل والفعاليات الدولية، إلى بناء وتفعيل الشراكات الاستراتيجية مع الدول والمؤسسات والمنظمات الدولية والاستفادة من تجاربها في دعم وتشجيع وإرساء ثقافة السّلام بين أطياف المجتمع، والمشاركة في كل ما يضيف ويثري مفهوم السّلام، فبناء ثقافة السّلام مهمة مشتركة تتطلب تضافر الجهود الدولية، وتوحيد الصفوف في مواجهة التطرف الفكري، ونبذ العنف، وتربية النشء الجديد على القيم الفاضلة والتسامح واحترام حقوق الانسان.

كما أن ثقافة السّلام مفهوم يحتوي على منظومة قيم إيجابية تترجم إلى أفعال وسلوكيات تؤدي إلى تغييرات ونتائج داخل المجتمع، من خلال تهيئة الظروف المؤدِّية إلى إحلال السّلام سواء على صعيد التعامل بين الأفراد أو الجماعات أو على المستويين الوطني والدولي، وهنا بالإمكان النظر لثقافة السّلام على أنها منهجية واعتبارها نمط حياة وهدفًا عالميًّا وضرورة بقاء.

ومن هنا أولت دول مجلس التعاون، باعتبارها دُوَلاً محبة للسلام، في خططها الاستراتيجية والتنموية ورؤاها المستقبلية، إشراك كافة فئات المجتمع في ثقافة السّلام، وبخاصةً المرأة التي تعد نصف المجتمع وفئة الشباب التي تمثل عماد المستقبل، وتشكل ما يزيد عن 60% من فئات المجتمع، أهميّة قصوى.

السيدات والسادة الحضور الكريم،

أما المحور الثاني المتعلق بضرورة حشد وتكامل الجهود لترسيخ ثقافه السّلام العادل، فينطلق مما استمعنا إليه وعلى مدى اليومين الماضيين وخلال جلسات هذا المنتدى من الجهود الكبيرة التي تبذل وعلى كافة المستويات لتعزيز ثقافة السّلام العادل.

ولعل استثمار منصة المنتدى العالمي للسلام والذي تبنَّتْهُ مؤسسة عبدالعزيز سعود البابطين الثقافية بوصفها منصَّةً عالمية تجمع أصحاب القرار والفكر والمجتمع المدني والجامعات والمختصين والمهتمين، تمثل فرصة تاريخية لحشد وتكامل الجهود العالمية لترسيخ ثقافة السّلام العادل من خلال المبادرة والقيادة من أجل السّلام العادل.

إن جهودنا جميعًا لتعزيز ثقافة السّلام العادل على أنه أسلوبُ تعايش ومطلب ضروري لضمان مستقبل أفضل للجميع، أقول إن جهودنا نحو ذلك ستبقى غير مكتملة لتحقيق أهدافها إن لم تضع في الحسبان كلَّ مهددات السّلام العادل وكل عوامل نقضه وتقليصه.

ففي الوقت الذي نناقش فيه اليوم جهود تعزيز ثقافه السّلام العادل، يموج العالم باضطرابات غير مسبوقة وتصم الآذان طبول الحرب التي تقرع في أكثر من مكان، والكوارث والأزمات التي يواجهها الإنسان، فتُعِمْي الأبصار صور الدمار القبيحة والمجاعات البشعة والانفجارات الدامية والكوارث الطبيعية.

وفي الوقت الذي نأمل بتعزيز ثقافة السّلام العادل، هناك ملايين الأسر المشردة وملايين الأطفال الذين حرموا من التعليم بسبب الحروب والكوارث والنزاعات، والذين يمثلون أهدافًا سهلة للفكر المتطرف والإرهاب.

وفي الوقت الذي نعمل فيه على تعزيز ثقافة السّلام العادل، هناك عمل منظم لنقيضه ومن خلال بعض وسائل الإعلام وبعض منصات التواصل الاجتماعي والتي تهدف إلى تغذية الصراعات والنزاعات والإرهاب.

وفي الوقت الذي نشحذ فيه الهمم والجهود لتعزيز ثقافة السّلام العادل، هناك ملايين من الشباب في مناطق كثيرة حول العالم ممن فقدوا المستقبل واستسلموا لليأس والإحباط فخبت جذوة التفاؤل وضعفت شعلة الأمل، الأمر الذي يُحتِّم علينا جميعًا، باعتبارنا صوتًا للسلام ومن إيماننا الكامل بضرورة تعزيز ثقافة السّلام العادل، أن نضع هذه المهددات ضمن مستهدفات العمل الجماعي لكي نمنح الشباب أينما كانوا أملًا بغد أفضل.

وفي الختام لا يسعني إلا أن أكرر التحية لجميع الجهود التي بُذلت لتحفيز الأطراف المشاركة على المستوى الاجتماعي والسياسي والعلمي للتركيز على سياسات الوسطية والتسامح والتعايش بين الأجيال والثقافات والأعراق المختلفة من أجل مستقبل آمن للعالم. 

كما لا يفوتني شكر جميع من ساهم في الإعداد والتنظيم والمشاركة في هذا المنتدى، والشكر موصول لجمهورية مالطا رئيسًا وحكومة وشعبًا على استضافة المنتدى في ربوع هذا البلد الجميل.

أشكر لكم حسن الإصغاء،

والسّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 


كلمة معالي الأمين العام لاتحاد المغرب العربي

الطّيب البكوش


أصحاب الفخامة والمعالي والسعادة،

السيدات والسادة،

أود بدءًا أن أتقدّم بجزيل الشكر لمؤسّسة عبدالعزيز سعود البابطين على تنظيم المنتدى العالمي الثاني لثقافة السّلام بعنوان «القيادة من أجل السّلام العادل» التي تستضيفها مشكورة دولة مالطا برعاية من سيادة الرئيس الدكتور جورج فيلا.

ويسعدني أن أتناول الكلمة في المحور الثاني وهو دور المنظمات الدولية ومؤسسات المجتمع المدني في تجسيد مفهوم القيادة من أجل السّلام العادل.

وإني أنطلق في هذا المجال لا من الجوانب النظرية، الفلسفية أو الاجتماعية أو الحقوقية، وإنما من تجربتي الشخصية أمينًا عامًّا لاتحاد المغرب العربي قادمًا، قبل المسؤوليات السياسية، من منظّمات المجتمع المدني، النقابيّة والحقوقيّة والفكريّة.

فخلال السنوات الخمس الأخيرة التي اضطلعتُ فيها بمسؤولية الأمانة العامة للاتحاد المغاربي، أسعفني الحظّ بإمضاء اتفاقية تفاهم مع الاتحاد الأفريقي الذي كانت الأمانة العامة غائبة عنه، خلافًا للتجمعات القارية السبع الأخرى التي أمضت على اتفاقية التفاهم منذ سنة 2008، والتحقنا نحن بعد عشر سنوات، وتحديدًا سنة 2018.

ومن أهم الهياكل الأفريقية التي اندمجنا فيها اندماجًا تامًا فاعلًا هو هيكل الأمن والسلم الذي طوّر منظومة سلام للوقاية من الإرهاب، ونظّم عديدَ الندوات والورشات بهدف إسكات البنادق ونزع الأسلحة الخفيفة والثقيلة والتصدّي لتدفّقها، وإصلاح القطاع الأمني وإِرساء حَكامة الحدود، والحدِّ من مخاطر الكوارث، وتنظيم الهجرة، للحدِّ من الهجرة غيرِ النظامية التي تفتح الباب أمام تهريب المهاجرين واليد العاملة والاِتّجار بالبشر، ليتوسع إلى تهريب السلع الذي أصبح مقترنًا بالإرهاب تمويلًا وحماية، فهذا يمّول وذاك يحمي، حتى أصبحت الجريمة المنظمة وتجارة المخدرات وتبييض الأموال من الهواجس الأمنية.

وإزاء تشعّبِ هذه المسائل وترابطها، تمّ على الصعيد الأفريقي، ثمّ المغاربي، تركيز وحدات إنذار مبكر للوقاية من هذه الآفات إلى جانب بناء القدرات.

وتقوم الأمانة العامة لاتحاد المغرب العربي بالتعاون مع الاتحاد الإفريقي وأحيانًا بدعم من الاتحاد الأوروبي، في إطار البرنامج القاري لهيكل السلم والأمن «أبسا أربعة»، بتنفيذ أنشطة تهدف بشكل أساسي إلى نشر ثقافة السلم والأمن ونبذ العنف على المستويين الإقليمي والقاري، والحثِّ على الالتزام بالمبادئ العالمية لحقوق الإنسان والمعاهدات والمواثيق الدولية.

وفي السياق ذاته، تندرج هذه الأنشطة تحت ثلاثة مؤشرات رئيسية:

أولًا: تحسين تدبيرِ حلقاتِ النزاع في إطار برنامج أبسا (APSA)، مع التركيز على أنظمة الإنذار المبكر الفعَّالة والقوة الاحتياطية الأفريقية.

ثانيًا: تعزيز فعالية التعاون في إطار برنامج عمَلِ أبسا والأنشطة ذات الصلة (بما في ذلك منظمات المجتمع المدني).

ثالثًا: ضمان شمولية أكبرَ للشباب والأطفال في إطار هذا البرنامج.

وخلال هذه السنوات الخمس الأخيرة شاركت الأمانة العامة للاتحاد المغاربي في جلِّ هذه الأنشطة التي قاربت الأربعين بين قمم، ومجالسَ وزارية قطاعية، وندواتِ خبراء وكبار مسؤولين، هذا فضلًا عن النشاطات المشتركة الإفريقية - الأوروبية في إطار 5 + 5.

بيد أن التجربة أكدت لنا أكثرَ من مرة، أنه لا يمكن الاكتفاء بالمنظمات الرسمية وإنَّما يتحتَّم تشريك مؤسسات إقليمية تربط الحكومي بالمدني، لأن الشعوب هي الخاسر الأكبر من غياب الأمن والسّلام.

لذلك عملنا على التنسيق بين البلديات المغاربية، بالتعاون في البعض منها، مع المنظمة الدولية للبلديات الفرنكوفونية (AIMF)، وكذلك مع المنظمات الشبابية والنساء الرائدات والجامعات وكذلك البنوك في إطار اتحاد البنوك المغاربية. فلا مراء في أن الاستثمار وتوفيرَ مواطنِ الشغل للشباب، وخلق الثروة ورفعَ مستوى الإنتاج، والتوزيعَ العادلَ لنتاج النمو بترجمته إلى تنمية بشرية شاملة مستدامة، إنما هي جميعًا روافدٌ للاستقرار والأمن الإنساني والسّلام العادل الذي تتوسع رقعته من الإطار الوطني إلى الإطار الإقليمي فالإطار القاري ثم الدولي.

ولذا ختامًا، وجب نشر ثقافة العمل وحقوق الإنسان لأنها من القيم المرتبطة بقيم العدل والأمن والسّلام.

شكرًا لكم على حسن الإصغاء، والسّلام.


 

 

كلمة معالي المدير العام لمنظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة -  إيسيسكو

الدكتور سالم بن محمد المالك


بسم الله الرحمن الرحيم

في يوم من أيام السّلام الحفية التي يجسدها هذا المؤتمر العالمي الواعد، يطيب لي أن أحييكم بتحية السّلام العظيمة:

فالسّلام عليكم ورحمة اللَّه وبركاته،

وأنتم تلتقون في هذا المحفل الذي يُبين عن الجدية والعقلانية والتحلي بالمسؤولية، وهو يلتئم في ظروف بالغة التعقيد على الصعيد الدولي، ليتداول بالرأي والحكمة حول موضوع الساعة، وموضوع كل ساعة، فالسّلام يبقى أبدًا في حاجة إلى مناصرته فكريًا وعمليًا، إذ لا معنى لحِراك العالم كله ما لم تصنه رغبات السّلام، وعزائم السّلام، وأفعال السّلام الكبار.

والتحية تمضي إلى أصحاب الفخامة الرؤساء الأجلاء رئيس مالطا، ورئيس ألبانيا، ورئيسة كوسوفو، ولأصحاب المعالي والسعادة، وللحضور جميعًا، الذين أعلم كم يكتنفهم من العرفان للقائمين على أمر هذا المؤتمر، الذي يقتضينا إعمالًا مستنيرًا لخطى السّلام، وحملًا أمينًا لمشاعله في عالم يشهد من التحولات ما ينشد كل ما يحقق الاستقرار، الذي هو أساس التنمية، حيث لا تنمية بلا استقرار، ولا استقرار بلا سلام.

ولئن تكاثرت الدعوات باسم السّلام مؤخرًا، على المستويات المؤسسية والتنظيرية، فإنَّ مفهوم السّلام العادل يبقى هو المنشود الأهم الذي تنظر إليه مجتمعاتنا وتنتظره وهي تخوض حربًا ضد التخلف والفقر والجهل، وقد اختبأت مسبباتها جميعًا في ظلم الإنسان أخاه الإنسان.

وإيمانًا من منظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة - إيسيسكو - برجاحة كل جهد يبتغي تعزيز السّلام على أنَّه قيمة حياتية حاسمة، فإنها ما برحت تعمل على ترسيخ دعائم الفكر السلمي والنأي عن التطرف والبعد عن العصبية والكراهية، حفزًا لروح الحوار بين الثقافات، ويقينًا بأن الحوار هو أساس السّلام.

وعلى ذات النهج، مضت الإيسيسكو خطوة عملية باستحداثها برنامج «سفراء الإيسيسكو من أجل السّلام» الذي تطمح من خلاله إلى بناء قيادات شابَّة من مختلف دول العالم تحمل راية السلم الكفيلة بجعل المعمورة فضاءً رحبًا للتعايش الإنساني المبدع في مجالات العلوم، والفنون، والرياضة، والآداب.

وبذات الرؤية، أنشأت المنظمة مؤخَّرًا مركزًا متخصصًا للحوار الحضاري يُعنى بتعزيز مفهومه في الدول الأعضاء والمجتمعات المتاخمة، هذا فضلًا على سعي المنظمة لإدماج السّلام في مناهج التعليم الأساس، مع تركيزها على أن تكون تطبيقات الذكاء الاصطناعي في خدمة مفاهيم السّلام، والتأكيد على وجوب الحد من تنامي ظاهرة استخدام الألعاب الالكترونية وسط الناشئة، بما تحمله من مفاهيم خاطئة تُفضي إلى تفشِّي جرائم العنف والعنصرية القاتلة.

وبذا، فإن الإيسيسكو لا تقف عند حدود قولها «لا للحرب»، بل أكثر من ذلك تقول «نعم للسلام»، وهي تطمح عبر برنامج الريادة من أجل السّلام إلى أن تشهد خمسمئة من سفرائها الشباب يجوبون العالم بحلول عام ألفين وخمسة وعشرين.

أصحاب الفخامة والمعالي والسعادة،

الحضور الكريم،

إن إيلاء الثقافة الاهتمام اللائق بها باعتبارها مرتكزًا لخدمة السّلام هو توجهٌ ناجعٌ، إذ إن مدركات السّلام تحمل ذخائر نفيسة تُعين على تمثُّل التنوع الإنساني الرائع بما يتضمنه من تباينات هي مصدر قوة وثراء، لا كما يراها البعض مصدر بُغضٍ وعداء.

ومن هذا المنطلق، حَقَّ لهذا المؤتمر أن يتوافق على رؤيةِ تُعَبِّدُ الطريق أمام المجاميع المتلِّهفة لأن يسود العالم من روح السّلام ما يُجَنِّبُ البشرية نُذُرَ الخراب ويساند مسارات الإعمار الخلاقَّ.

فلْتُرِفْرِفْ حمائم السّلام، وَلْتَمْضِ قاطرة الأمن نحو غاياتها النبيلة، لتنتصر حقوق الإنسان والإنسانية التي تنشد دائمًا قامات ريادية استثنائية تدرك معاني السّلام وتلتزم بمبادئه وتحتمل التضحيات الجسام التي تتطلبها طريقه المحفوفة بالتحديات.

كما أن على مؤسسات المجتمع المدني واجبًا ضخمًا في تحمل تبعات نشر ثقافة السّلام، في ظل ظروف يصعب على كثير من المؤسسات الحكومية الرسمية الوفاء فيها بِتِلْكُمُ المتطلبات، ولنا في مؤسسة عبدالعزيز سعود البابطين الثقافية خير شاهد على مَدَى القدرة في النهوض بثقافة السلم والمنافحة عن مرتكزاتها، فالشكر لهذه المؤسسة المُخْلِصة للثقافة والمثقفين على تنظيمها المُتقَن لهذا المؤتمر، كما أحيي الحكومة المالطية على الاستضافة الكريمة في أرضها الجميلة التي عاهدت نفسها أن تكون أرضًا للسلام.

فمنها، من مالطا السّلام، ومن هذا المؤتمر الذي نثر في المُهَجِ والأرواح عدالة ثقافة السّلام العادل، أعلن انطلاقة الدورة الثانية من برنامج «الريادة في مجال السّلام والأمن»، وأدعو الشباب من كل دول العالم إلى التقديم للانضمام لهذا البرنامج الواعد.

وليكن مختتم الحديث تلك الإشارة القرآنية الموحية التي تُعظِّمُ من شأن السّلام، الذي اتخذه الله العليُّ اسمًا له، يقول تعالى «وإن جنحوا للسَّلم فاجنح لها وتوكل على اللَّه إنه هو السميع العليم.»

وفَّقكم اللَّه، والسّلام عليكم، مجددًا وفي كل حين.


 

 

كلمة معالي الرئّيس السّابق لمحكمة العدل الدولية

عبد القوي أحمد يوسف


فخامة الرئيس جورج فيلا، رئيس مالطا،

السيد عبدالعزيز سعود البابطين،

أصحاب الفخامة والمعالي والسعادة،

السيدات والسادة الحضور،

عندما ألقيت نظرة على موضوع هذا المنتدى، ذكرَني ذلك بمهمة محكمة العدل الدولية؛ وهي السّلام والعدل، حيث عُهِدَ بهذه المهمة إلى المحكمة بموجب ميثاق الأمم المتحدة، وتقوم المحكمة بتنفيذها من خلال تسوية كل النزاعات المعروضة عليها وفقًا للقانون الدولي، وكان أعظم ابتكار في ميثاق الأمم المتحدة، قبل 75 عامًا مقارنة بميثاق عصبة الأمم، هو حظر استخدام القوة، فبدلاً من اللجوء إلى استخدام القوة، قدّم الميثاق وأرسى مبدأ التسوية السلمية للنزاعات على أنَّه أحَدُ المبادئ الأساسية لهذه المنظمة.

من خلال هذا التعهد الوارد في ميثاق الأمم المتحدة، خلُصَ الجنس البشري أخيرًا إلى إدراك أن النظام القديم، الذي اعتبر الحرب أمرًا جائز الحدوث بين الدول لتصحيح الأخطاء، لم يكن همجيًّا ووحشيًّا فحسب، بل كان غير عادل في الأساس، وربما لم يساعد مصطلح «إن القوة هي الحق» البشرية على أن تعيش في سلام ووئام.

وخلال السنوات الـ 75 الماضية، اضطلعت محكمة العدل الدولية بكل فخر بتوليها ذلك الدور باعتبارها وَصيًّا على سيادة القانون الدولي، ولقد ساهمت بشكل كبير في تجنب اندلاع الحروب بين الدول، وكما قال القديس «توماس أكويناس» في القرن الثالث عشر الميلادي، «إن السّلام هو أمر من صنع العدل، بشكل غير مباشر، بقدر ما تزيل العدالة العقبات التي تعترض السّلام» وهذا هو صميم ما تقوم به المحكمة، تزيل العقبات التي تعترض تحقيق السّلام بين الأمم، وهذا ما سنحاول القيام به الأسبوع المقبل عندما تَمثُل أوكرانيا وروسيا أمام محكمتنا.

يستند عمل المحكمة إلى موافقة الدول، ويجب أن تكون الأطراف المتنازعة على استعداد لقبول اختصاص المحكمة لحل نزاعهم سلميًا، أو أن تكون قد قبلت بذلك بشكل مسبق. بعبارة أخرى، يجب أن يكون لديهم إيمان بسيادة القانون وبقدرة هيئة قضائية مستقلة على تفسيره وتطبيقه، والنبأ السار هنا هو أن ذلك الإيمان قد ازداد بشكل كبير خلال الــ 75 عامًا الماضية، واليوم، وُضِعَ قدر أكبر من الثقة في ما تقوم به المحكمة مِنْ عمل أكثر من أي وقت مضى.

إن الدور البارز لسيادة القانون باعتباره عاملًا فعّالاً نحو تحقيق الوئام والأمن في أي مجتمع، أصبح أمرًا غير قابل للتشكيك، ومع ذلك، فإن القانون دائمًا أداة ولا يشكل أبدًا غاية في حد ذاته، فالغاية هي رفاه المجتمع البشري، وتعزيز الصالح العام، فالسّلام والاستقرار والعدل جميعها تعتبر أهم رموز وأشكال هذا الصالح العام.

علينا أن نعترف أيضًا أن هناك العديد من الاضطرابات والتوترات والنزاعات الضعيفة، التي بطبيعتها بعيدة عن فهم القانون وبالتالي عن المحكمة، فحتى قوانين المجتمعات الأكثر تقدمًا لا يمكن أن تُغطِّي كلَّ شيء في المجتمع، لا يمكن للقانون أن يدعي، بحكم بُعده الأداتي، إدراك جميع جوانب الحياة والواقع الاجتماعي.

وبالتالي، فإن دور المحكمة في صنع السّلام، سواء على المستوى البلدي أو الدولي، قد يواجه أول قيد له من حيث درجة تغلغل القانون في العلاقات الاجتماعية ومن حيث مدى فعاليته، ويتوقف نطاق هذا التقييد على بيئة اجتماعية معينة وقيمها المجتمعية وضروراتها الأخلاقية، فضلًا عن العوامل السياسية، والثقافية، والاقتصادية، وغيرها.

وهذا هو السبب في ضرورة أن نأخذ هذه العوامل بعين الاعتبار أثناء البحث عن السّلام والعدالة، حيث يمكنها أن تكمل دور القانون في إحلال السّلام والوئام في المجتمع، وأشير هنا إلى التعليم، والقيم الثقافية المشتركة، وحشد التضامن الأخلاقي، وإلى حتمية العدالة الاجتماعية والاقتصادية، وبالطبع العدالة المناخية، وهنا تشتد الحاجة إلى إسهام مؤسسات مثل مؤسسة عبدالعزيز سعود البابطين الثقافية والمنتدى العالمي لثقافة السّلام العادل.

سأختتم حديثي بكلمات قليلة حول موضوع المؤتمر، «السّلام العادل»، إن السّلام والعدالة لا ينفصلان، بل يرتبطان ببعضهما البعض ارتباطًا جوهريًا، وإن أفضل طريقة لتحقيق السّلام هي من خلال ترسيخ العدالة، لا يمكن أن يكون السّلام العادل حكرًا على مجموعة واحدة أو أمة واحدة تمتلك نوعًا من السّلام، فالسّلام قيمة مشتركة، السّلام العادل هو ما يشمل الضرورات الأخلاقية والمعنوية، سلامٌ يضمن تحقيق العدالة الاجتماعية والاقتصادية ويحمي حقوق الإنسان.

السّلام العادل ليس مصطلحًا يقابل مصطلح الحرب العادلة، فليس هناك ما يسمى حربًا عادلة، فالحرب لا يمكن أن تؤدي إلى العدالة.

ولقد فعل ميثاق الأمم المتحدة الشيء الصحيح للإنسانية عندما حظر استخدام القوة في العلاقات الدولية، ويجب علينا الآن إيجاد طريقة لمنع استخدام العنف والنزاع المسلح وسيلةً لتسوية النزاعات بين جميع المجتمعات البشرية المنظمة، وأنا أعتقد شخصيًا بأن هذا الأمر ليس هدفاً مستحيلًا، بل يجب علينا أن نسعى لتحقيقه.

شكرا لكم.

 


كلمة سعادة ممثل المفوّضيّة السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين لدى دول مجلس التعاون الخليجي، ومستشار المفوّض السّامي للتمويل الإسلامي

خالد خليفة


فخامة رئيس جمهورية مالطا الدكتور جورج فيلا،

الأستاذ عبدالعزيز سعود البابطين، رئيس مؤسسة عبدالعزيز سعود البابطين الثقافية،

فخامة رؤساء الدول، والبرلمانيون وممثلي المنظمات الدولية ومؤسسات المجتمع المدني،

أصحاب المعالي والسعادة،

السيدات والسادة،

إنه لمن دواعي سروري أن أتواجد بينكم اليوم في المنتدى العالمي لثقافة السّلام في نسخته الثانية والذي تطلقه مؤسسة عبدالعزيز سعود البابطين الثقافية مشكورةً، في مثل هذا الوقت، فما أحوجنا اليوم لثقافة السّلام.

وبحُكم المهام الموكولة إليّ من قِبَلِ المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، أَلْـمَسُ، وبشكل يومي، أثر غياب السّلام وثقافته وأثره على حياة آلاف الأسر والأفراد العُزَّل الذين نزحوا وهُجِّروا قسرًا بحثًا عن الأمن والأمان والعيش الكريم. فيُظهر تقرير الاتجاهات العالمية الذي أطلقناه أواخر العام الماضي، استمرارَ الارتفاع في مستوى النزوح القسري ليتخطى مستويات قياسية جديدة، مع وجود أكثر من 84 مليون شخصًا مع فرار المزيد من الأشخاص هربًا من العنف وانعدام الأمن وتغير المناخ، من انعدام ثقافة السّلام، أغلبيتهم من النساء ناهيكم عن الآثار النفسية التي يخلفها غياب السّلام، خصوصًا في ظل النزاعات المطولة، والتي غالبا ما يكون أثرها ظاهرًا على الأطفال وتجعل مشاعر الخوف والقلق واقعًا أليمًا بين اللاجئين والنازحين، يستنفذ به طاقات ويبدد أحلام أجيال يعتمد عليها المستقبل.

فبناء ثقافة السّلام والحفاظ على ديمومته في المجتمعات التي مزقتها النزاعات هو من أصعب التحديات، إذ يتطلَّبُ تضافرًا للجهود المحلية، والدولية بمختلف القطاعات وتشعباتها، وإشْراكًا لمختلف مكونات المجتمع لوضع خطط عملية من شأنها أن تضمن الاستقرار وأن تهيئ بيئة لبناء مستقبل آمن ومزدهر.

دورنا شاهد على ذلك، تأسست المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين عام 1950، وكان من المقرر أن ينتهي عملها بعد ثلاث سنوات، ولكن مع ظهور نزاعات جديدة وازدياد الاحتياجات الإنسانية، استكملت المفوضية مهامها وتوسعت أنشطتها في مسيرة إنسانية تمتد لأكثر من 71 عامًا، مُنحت خلالها جائزة نوبل للسلام مرتين، تقديرًا لجهودها في خدمة الإنسانية والسّلام. واسمحوا لي أن أقتبس كلمة المفوّض السّامي «في الذكرى السبعين على تأسيس المفوضية، اجعل هدفك بناء عالم لا تحتاج فيه حقًّا إلى وكالة للاجئين تابعة للأمم المتحدة وحيث لا أحد مجبر على الفرار». لا تسيئوا فهمي: كما هو الحال، فإن عملنا يعتبر بالغ الأهمية - لكن المفارقة هي أنه لا ينبغي أن نكون موجودين، مما يؤكد موقف المفوضية حول ضرورة إحلال السّلام.

لا يمكن إرساء ثقافة السّلام إلا من خلال أجيال من القادة، لأن واقعنا اليوم يظهر، آسفًا فشلنا في تحقيقه، وواجبنا أن نستثمر في جهود إرسائه من خلال البرامج التعليمية الهادفة والمناهج الدراسية في مختلف المراحل، لتتضمَّن مبادئ الأخوة والإيثار وأن تسلط الضَّوءَ على أهمية التنوع وتعزيز روح المواطنة المجتمعية ووحدة المصير ليكون السّلام هَدَفًا مجتمعيًّا ووسيلة تقود الازدهار للوصول إلى مستقبل مشرق للجميع، تسوده ثقافة التنوع لا الاختلاف.

ومن بين المبادرات التي اتخذتها المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، إنشاء «مجلس القادة متعددي الأديان» بالتعاون مع منظمة «الأديان من أجل السّلام»، بغرض دعم الجهود المشتركة التي يبذلها القادة الدينيون في مختلف المناطق ومن كافة العقائد للتصدي للمسببات الجذرية، وذلك عبر رفد جهود حشد الدعم العالمية، وتلافي الصراعات، ومبادرات المصالحة وبناء السّلام والتلاحم الاجتماعي.

في الختام، نثّمن الشراكة العميقة التي تربطنا مع مؤسسة عبدالعزيز سعود البابطين الثقافية الموقرة، ممثلة بالأستاذ عبدالعزيز سعود البابطين، والتي تهدف إلى دعم جهود تعزيز السّلام حول العالم للفئات الأكثر حاجة. علينا أن نتذكر دومًا أننا ما زلنا نواجه العديد من التحديات في عالمنا اليوم، وأن السّلام أصبح رفاهية لبعض الشعوب وتحول إلى حلم لشعوب أخرى، وواجبنا اليوم أن نؤكد سوية على أن السّلام حق لا يمكن أن يتحقق إلا بتضافر الجهود مجتمعة.

شكرًا لكم.

 


 

كلمة سعادة ممثل جامعة الدول العربية

السفير محمد الشافعي


بسم الله الرحمن الرحيم

فخامة د. جورج فيلا، رئيس جمهورية مالطا،

السيد الدكتور عبدالعزيز سعود البابطين، رئيس مؤسسة عبدالعزيز سعود البابطين الثقافية،

السيدات والسادة الحضور،

السّلام عليكم ورحمة اللَّه وبركاته

يسعدني أن أكون معكم اليوم ممثلًا لمعالي الأمين العام لجامعة الدول العربية، السيد أحمد أبو الغيط، ومشاركتكم اليوم في افتتاح «المنتدى العالمي الثاني لثقافة السّلام العادل»، تحت عنوان «القيادة من أجل السّلام العادل»، والذي تنظمه مؤسسة عبدالعزيز سعود البابطين الثقافية مع حكومة مالطا.

أود في البداية أن أنقل لكم جميعًا تحيات معالي الأمين العام لجامعة الدول العربية السيد/ أحمد أبو الغيط، متمنيًا لفعاليات هذا المؤتمر الدولي النجاح والتوفيق وأن يحقق الأهداف المنشودة منه.

السيدات والسادة،

يأتي انعقاد هذا المنتدى في توقيت بالغ الحساسية وذلك في ضوء تنامي خطاب الكراهية وارتفاع معدلات التمييز وكراهية الأجانب وانتشار الأفكار المتطرفة، وتصاعد تلك الظواهر يؤكد الحاجة الماسة إلى الحوار باعتباره السبيل الوحيد لتعزيز الاحترام والتفاهم المتبادل بين الشعوب المختلفة، وبوصفه أحد السبل المساهمة في ترسيخ ثقافة السّلام وقيم التعايش السلمي بين الشعوب، من خلال تكريس ثقافة التعددية الثقافية والدينية باعتبارها عامل إثراء، وليس منطلقًا للفتنة.

إن السّلام هو عملية إيجابية تشاركية مرتبطة بتحقيق الديمقراطية والعدالة والتنمية المجتمعية، وبما يكفل الاختلافات وتشجيع الحوار، ويتطلب بناء ثقافة للسلام عملاً تربوياً وتثقيفياً واجتماعياً ومدنياً شاملًا، فهي مجموعة من القيم والتقاليد والعادات وأنماط السلوك وأساليب الحياة تعبر عن احترام البشر وحقوقهم، مع رفض كل أشكال العنف والاعتراف بحقوق البشر في حرية التعبير والتمسك بالديمقراطية والعدالة والتنمية والتسامح والتفاهم بين الأمم.

وفي ظل تنامي معدلات الإرهاب والتطرف والتمييز العنصري، وإدراكاً من قِبَلِ منظمة الأمم المتحدة لمخاطر تلك الظواهر وتداعياتها السلبية على مختلف الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والفكريّة، كانت الجمعية العامة للأمم المتحدة قد أعلنت في 20 نوفمبر 1997 بموجب قرارها 15/52 اعتبار سنة 2000 بوصفها «السنة الدولية لثقافة السّلام».

وبتاريخ 8 ديسمبر 2017، تبنَّت الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار رقم 2 باعتبار يوم 16 مايو يومًا عالميًا للعيش معًا في سلام.

ولذا أغتنم الفرصة للإشادة بجهود كافة المنظمات الدولية والإقليمية لنشر ثقافة السّلام والتسامح بين الشعوب والأمم، والتصدي لظواهر التطرف والإرهاب والتمييز العنصري على أساس اللون، أو الدين، أو العرق، أو الجنس.

وفي ظل التحديات الراهنة فإن جامعة الدول العربية تسعى بكل جهدها على حث الدول الأعضاء من ناحية، وعلى التعاون والتنسيق مع كل المنظمات الإقليمية والدولية ومؤسسات المجتمع المدني، على الحوار بشكل سلمي وتدبير الاختلاف في إطار ديمقراطي يحفظ الكرامة والحرية وقيمة الإنسان، وكذلك العمل على تحقيق أهداف التنمية المستدامة لعام 2030، وبالأخص تحقيق الهدف السادس عشر والذي يدعو إلى العمل على بناء مجتمعات متماسكة شاملة ومسالمة، وذلك بما يضمن تحقيق العدالة للجميع وبناء مؤسسات فاعلة ومسؤولة على كافة المستويات.

كما تسعى الأمانة العامة لجامعة الدول العربية لبناء جسور التواصل بين مختلف المجتمعات والثقافات والأديان سبيلًا إلى تعزيز التفاهم وضمان التعايش السلمي بين أجيال اليوم والغد، وإدراكاً منها بأن المؤسسات الدولية والإقليمية الأضلاع الرئيسية في دفع عجلة التنمية إلى جانب الحكومات، حرصت الجامعة العربية على بناء شراكات مع العديد من المؤسسات في هذا المجال منها مؤسسة «الأزهر الشريف» و«مؤسسة عبدالعزيز سعود البابطين الثقافية» و«المجلس العالمي للتسامح والسّـلام»، ومؤسسة «أناليند للحوار بين الثقافات»، و«مجموعة أصدقاء تحالف الحضارات»، من أجل تعزيز الحوار بين أتباع الحضارات والثقافات المختلفة ونشر قيم التسامح وقبول الآخر ودعم التفاهم والاحترام المتبادل بين مختلف الأمم والشعوب، ونشر ثقافة السّلام المستدام وتحقيق أهداف التنمية المستدامة،

السيدات والسادة الحضور،

أغتنم هذه الفرصة لكي أتوجه بجزيل الشكر وعظيم الامتنان إلى السادة المنظمين لهذا المنتدى الهام، ونتمنى أن يمثل إضافة نوعية للجهود المبذولة لنشر ثقافة السّلام المستدام والتسامح والتعايش السلمي بين المجتمعات، ومكافحة ظواهر التعصب والعنف والتمييز.

وفَّقنا اللَّه جميعًا لما فيه خير الأمم والشعوب.

 



كلمة رئيس جامعة مالطا

الدكتور ألفريد ج. فيلا


أصحاب الفخامة والمعالي والسعادة،

السّيدات والسّادة،

أودّ أولًا أن أتقدّم بالشّكر لفخامة الرئيس جورج فيلا والسيد عبدالعزيز سعود البابطين، رئيس مؤسسة عبدالعزيز سعود البابطين الثقافية، على دعوتهم لي لإلقاء كلمة ضمن فعاليات هذا الحدث الرائع، في النسخة الثانية من المنتدى العالمي لثقافة السّلام العادل، وإنه ليسعدني أن تنضمَّ جامعة مالطا إلى هذه المبادرة، وأودّ، نيابة عن جامعة مالطا أن أسجل تقديري لمؤسسة عبدالعزيز سعود البابطين الثقافية على دعم أنشطتنا في مركز دراسة وممارسة حل النزاعات في الجامعة، فقد أنشأت مؤسسة عبدالعزيز سعود البابطين الثقافية خلال الأشهر القليلة الماضية منحةً لبناء السّلام في المركز، والتي أثق تمامًا في أنها ستحقق النتائج المنشودة.

قبل أن أركز على ملاحظاتي حول علاقة التعليم العالي والجامعات التي تخضع للتعليم العالي ببناء السّلام، أود أن أعبر عن تضامني لكامل الشعب الأوكراني ولضحايا هذا الهجوم المشين الذي سبب حالة من الدمار والخراب وفقد الكثير من الأرواح، وأفكر بشكل خاص في الطلبة الأوكرانيين والأكاديميين والمعلمين على جميع الأصعدة الذين أصبحت حياتهم مهددة وانقطعوا عن التعليم بشكل وحشي بسبب هذه الأحداث، حيث تستضيف جامعة مالطا حاليًا 13 طالبًا أوكرانيًا وهم يدرسون حاليًا في جامعتنا، إضافة إلى تسعة أفراد من أعضاء هيئة التدريس من البلد نفسه، كما أن لدينا عدَدًا كبيرًا من الأوكرانيين ممن تخرَّجوا في جامعتنا، والذين آمل أن يكونوا في أمان أيضًا أثناء هذه الاشتباكات.

سوف أشارككم اليوم في ملاحظاتي الموجزة بعضًا من الأفكار حول الأسباب التي توجب على الجامعات أن تنخرط في بناء السّلام، كما سأقترح بعض الطرق التي يمكن من خلالها القيام بذلك.

وفي هذا السياق، سأقدم أولًا بعض الأفكار حول الهدف من وجود الجامعات، ولماذا يجب بالضرورة أن يكون بناء السّلام من بين مهامها.

دور الجامعات في بناء السّلام:

أود أن أسأل؛ ما الهدف من إنشاء الجامعات؟ لا يجب أن يُنظر إلى الجامعات ومؤسسات التعليم العالي من خلال عدسة نفعية باهتة على أساس مساهمتها في الاقتصاد أو الصناعة أو سوق العمل، فدور الجامعات أوسع نطاقًا ويتجاوز مجرد الدور النفعي أو الاقتصادي، وكما أشار رئيس جامعة أكسفورد، «اللورد باتين»، في ملاحظاته «إن الجامعات تخدم المستقبل عبر تشكيل المواطنين الذين سيصنعون هذا المستقبل، فإذا قمنا بعملنا على أكمل وجه، سنقوم بتشكيل مواطنين، ليس عبر نقل المعرفة والمهارات فقط، لكن عبر الالتزام بإشراكهم مدنيًا وسلوكيًا، وهو ما سيلقي بآثاره على المجتمع والعالم من حولنا».

إن من واجب الجامعات أيضًا أن تشجع الطلاب على المشاركة الفعالة والنشطة في مفاهيم المواطنة والأخلاق العامة، فيجب على كل من التحق بالجامعة، أن يكون ذا فهم ووعي إيجابي بالحقوق والواجبات المرتبطة بالمواطنة ومبادئ الاستدامة وشتى مناحي العدالة المختلفة، مثل العدالة فيما بين الأجيال والعدالة الاجتماعية.

السلام والعدل:

في الواقع، إن عنوان هذا اللقاء «القيادة من أجل السّلام العادل» لهو شيء يستحق كل الثناء والتقدير، فنحن جميعًا ندرك الآن أنه لا يمكن تحقيق السّلام دون عدالة، ولأختم حديثي في هذا السياق، فإن الجامعات لها دور خاص في نشر العدالة بوصفه قيمةً أساسية، فذلك الرابط ما بين السّلام والعدالة يفند وجهات نظر عديدة؛ الحاجة إلى تحقيق المساواة بين الدول وبين الأفراد، الحاجة إلى احترام الحقوق الأساسية والحريات، بما في ذلك حق تقرير المصير للأمم، إضافة إلى الحق في عدم  التعرض للتمييز من أي نوع لكل المجتمعات ولكل الأفراد، وتحقيق هذه الأهداف هو بمثابة أمر ضروري وعاجل، لكنه مُعقّد وصعبٌ في نفس الوقت، فتحقيقه يتطلب الكثير من الجهود المضنية في العالم وفي المجتمعات، ليس على مستوى الحكومات أو القادة السياسيين فحسب، بل حتى على المستوى التعليمي، وهو المكان الذي يتم فيه تشكيل المواطنين وحتى قادتهم.

ووضعت «ماريا مونتيسوري»، واحدة من أكثر الخبراء التربويين تميزًا في القرن العشرين، عنوانًا في مجموعة مقالاتها تحت اسم «التعليم والسّلام»، ينص بشكل لا لبس فيه على أن «إقامة سلام دائم هو من عمل التعليم، وأن كل ما يمكن أن تقوم به السياسة، هو أن تبقينا بعيدًا عن الحرب»، ولا أقصد هنا تقليلًا للدور الذي يقوم به القادة السياسيون والوطنيون في مجال السياسة والدبلوماسية، ولكن بينما نشهد اليوم، ومن خلال ما تعلمناه على مر العصور، وبينما قد يكون للقادة السياسيين دور حاسم في مفاوضات وقف إطلاق النار لنزع فتيل الصراعات والنزاعات المسلحة أو محاولات عدم التصعيد لبعض تلك النزاعات، فإن الأسباب الجذرية للحروب سواء كانت هيكلية أو ثقافية أو نفسية لن تُحل بهذه البساطة عبر المفاوضات والدبلوماسية والتشريعات أو الإملاءات السياسية، فالأسباب الجذرية لهذه النزاعات تحتاج إلى مزيد من الفحص والتدقيق والتحليل والمعالجة، والتعليم هنا يعتبر أمرًا محوريًا في هذه العملية. إن الحقائق التي أبرزتها «منتسوري» في عام 1949، أن السّلام الحقيقي أكثر من مجرد غياب الحرب، أكدها أيضًا مؤسسو مبدأ حل النزاعات وبناء السّلام كمجالات أكاديميةً متميزة.

ولقد طوَّر الرواد في هذا المجال مثل «يوهان جال-تونج»، و«جون بورتون»، العديد من الأفكار التي ساعدتنا على أن نفهم بشكل أفضل أنواع النزاعات وطبيعتها، كما أنهم طوروا طرقًا يمكن من خلالها معالجة هذه النزاعات، فقد طور «يوهان جال-تونج» مبدأ السّلام الإيجابي ومفهومَه، وجادل في أن مجرد غياب العنف الجسدي، (الذي أسماه سلامًا سلبيًا)، هو مفهوم غير كافٍ، فما يحتاج القائمون على حل النزاعات وبناة السّلام أن يركزوا عليه، هو معالجة الأشكال الهيكلية والثقافية للعنف، فالأشكال الهيكلية للعنف، وفقًا «لجال-تونج»، تحدث عندما يضطهد الهيكل الاجتماعي مجموعات بعينها أو مجتمعات أو حتى دول بأكملها أو قارات، فالتمييز العنصري أو الديني، أو الهياكل الاقتصادية غير العادلة وغير المتكافئة، وكذلك الهياكل البطريركية، هذه كلها أمثلة على العنف الهيكلي، ويمكن تحقيق السّلام بشكل إيجابي فقط عندما يتم وضع إعادة تصوّر لهذه الهياكل التي تسبب العنف والصراع.

بينما طور «جون بورتون»، على الناحية الأخرى نظرية «الاحتياجات البشرية للصراعات»، والتي تفترض أن عدم تلبية الاحتياجات البشرية هي أحد أهم المحركات الرئيسية للصراعات، هذه الاحتياجات التي تبدأ من الحاجة إلى الطعام ووصولًا إلى التقدير والمساواة والاحترام، فحين لا يمكن تلبية الاحتياجات الأساسية، وفقًا لبورتون، سيحدث نتيجة لذلك العديد من ردود الفعل المدمرة والصراعات.

إن تقدير احتياجات الآخرين لهو أمر شديد الأهمية أيضًا، ويجب على الجامعات أن تعمل على تعزيزه، وفي هذا السياق، يبدو من البديهي أن للتعليم العالي دورًا محوَريًّا، ليس فقط في ما يتعلق بأبحاث السّلام الرائدة، ولكن في تشكيل المواطنين الذين يتفقون مع متطلبات السّلام والعدالة أيضًا.

التعاون بين الجامعات:

تُعَدُّ الجامعات مكانًا خصبًا وفريدًا من نوعه يلتقي فيه الفاعلون الأساسيون وبناة السّلام، والذين جمعهم هذا المؤتمر سويًا هذا اليوم، ويتفاعلون مع القادة الوطنيين ممن درسوا في هذه الجامعات، إضافة إلى البرلمانيين وقادة المجتمع المدني في أغلب الحالات.

في الواقع، إنه من الشائع أن يشارك القادة السياسيون وقادة المجتمع المدني اليوم في النشاطات الجامعية كطلاب، وبالتالي، فإن الجامعات هي تلك المساحات التي يمكن فيها لمثل هؤلاء القادة أن يجربوا كيفية تشكيل هذه الأفكار وكيف يتحدُّونها، وحيث يتعلمون ويكتسبون تلك القيم التي تظل متجسدة في نفوسهم وعقولهم ويكون لها ذلك التأثير في سلوكياتهم اللاحقة في حياتهم على الصعيد المحلي والدولي.

إذا تحملت الجامعات مسؤولية نشر ثقافة السّلام العادل بشكل جاد، فسيكون أثر ذلك عظيمًا، ولتحقيق ذلك، يجب أن يتوفر للجامعات المصادر والموارد الكافية لتحقيق مهامها، شريطة أن يظل استقلالها الأكاديمي دائمًا ومصانًا.

يعد التعاون ما بين فقرة منفصلة مؤسسات التعليم العالي أمرًا ذا قيمة كبيرة في أجندة بناء السّلام في المجتمع الأكاديمي، فنحن في حاجة إلى المزيد من التعاون، ليس على الصعيد الإقليمي فحسب، بل على الصعيد المناطقي والعالمي، فلمثل هذا التعاون ثمار كثيرة، سواء على الصعيد الأكاديمي أو العلمي أو حتى الاقتصادي، لأنه حين تتوفر الموارد الكافية للجامعات، سيمكنها تطوير المعرفة الجديدة والإجراءات والمخرجات بشكل أكثر فعالية، وهو الأمر الذي يمكن بدوره أن يحسِّن من أسلوب حياتنا ورفاهيتنا ويساهم أيضًا في تحقيق التنمية الاقتصادية.

إن التعاون فيما بين الجامعات، يخلق روابط صداقة قوية بين المجتمعات الأكاديمية، ويساهم بطريقة أفضل في فهم ومعرفة عادات وثقافات بعضها البعض، وعندما ينتقل هذا التعاون ليشمل الطلاب، ستكون الآثار المتعددة لمثل هذه الروابط شيئًا مبهرًا، وفي هذا السياق، أود أن أوضح أن أحد أكثر مشاريع الاتحاد الأوروبي نجاحًا وتأثيرًا كان برنامج «أراذموس للتبادل»، وآمل أن يواصل الاتحاد الأوروبي جهوده لتوسيع رقعة عمل هذا البرنامج بشكل أوسع نطاقًا وأعمق ليشمل أكبر عدد ممكن من الطلاب من جميع أنحاء العالم، وليس من أوروبا فقط.

أفكار ختامية:

وأود أن أختتم كلمتي بأن أكرر التزام جامعتنا (جامعة مالطا) في المساهمة في بناء السّلام، وهذا الالتزام يأتي أولًا عبر نشر القيم الإيجابية، مثل العدالة الاجتماعية والأخلاق البيئية وحقوق الإنسان والمساواة والحوار الثقافي، وثانيًا عبر مبادرات التعاون وبناء السّلام مع المؤسسات الأكاديمية ذات التفكير المماثل، وكذا مع الفاعلين الحكوميين وغير الحكوميين، ودعوني أشير هنا إلى ملاحظة أنقلها عن البروفيسور «جوليان ميليجان»، والتي أرى شخصيًا أنها تستحق أن نعيد التفكير فيها:

«إن الجامعات عبارة عن مؤسسات معقدة تضم متخصصين في العديد من المجالات وتفصلهم عن بعضهم البعض وفق ضوابط وقواعد محددة، وقد تكون الاستجابة المشتركة بين المؤسسات بعضها البعض أو بين التخصصات بعضها البعض، والتي يعمل من خلالها الباحثون والممارسون والطلاب من شتى التخصصات سويًا لمعالجة أسباب الصراعات والنزاعات، هي النهج الأكثر جدوى والأكثر قابلية للتطبيق لإدارة هذه الصراعات أو على الأقل خفض معدلاتها على المدى الطويل، نحن بحاجة إلى نهج منهجي وهيكلي يعترف بوجود تلك النزاعات ويعترف بمسؤولية التعليم العالي عن معالجتها وحلها».

وأنا أؤيد تمامًا وجهة النظر هذه لدور الجامعات في حل النزاعات وبناء السّلام الإيجابي، ونحن في جامعة مالطا بالتأكيد ملتزمون بهذه الرؤية ونتطلع إلى العمل مع الآخرين للمساهمة في تحقيق السّلام الإيجابي القائم على العدل، وآمل مخلصًا أن تولي منصة بناء السلام التي تعمل مؤسسة عبدالعزيز سعود البابطين الثقافية، عبر جهودها المبهرة، على إنشائها أهميةً لإمكانيات الجامعات باعتبارها ركيزة أساسية في هذا العمل النبيل.

شكرًا لكم.

bottom of page