top of page

اليوم الثاني: 4 مارس 2022
الجلسة الثالثة 13:30 - 12:00
دور البرلمانيين ومنظمات المجتمع المدني

رئيس الجلسة

معالي أنجيلو فاروجيا، رئيس برلمان مالطا

المتحدثون

معالي محمد ناشيد، رئيس برلمان المالديف

معالي بهجت باكولي، عضو البرلمان الكوسوفي (رئيس الجمهورية السابق)

معالي هانو بيفكور، النائب الأول لرئيس برلمان إستونيا

السيد عبدالسّلام لبار، رئيس الفريق الاستقلالي بمجلس المستشارين بالمملكة المغربية

السيد ستروين ستيفنسون، عضو البرلمان الأوروبي الأسبق

السيد جيسموند ساليبا، مفوض المنظمات التطوعية في مالطا

السيد جان كريستوف باس، الرئيس التنفيذي لمؤسسة جسور لأجل السّلام

 



كلمة معالي رئيس برلمان مالطا 

أنجيلو فاروجيا


فخامة الرئيس جورج فيلا، رئيس جمهورية مالطا،

السيد عبدالعزيز سعود البابطين، رئيس مؤسسة عبدالعزيز سعود البابطين الثقافية،

أعضاء البرلمانات الموقرين،

الضيوف الكرام،

السيدات والسادة،

إنه ليشرّفني حقًا أن أكون معكم اليوم في المنتدى العالمي لثقافة السّلام، وإنه لامتياز آخر بالنسبة إليَّ أن أفتتح هذه الجلسة التي سوف نبحث فيها دور البرلمانيين بوصفهم قادةً من أجل السّلام.

نحن نعيش حاليًا في ما أُفَضِّلُ أن أطلق عليه اسم «العالم الفوري»، وهو العالم الذي نريد أن يحدث فيه كل شيء بشكل سريع وفوري؛ قهوة سريعة التحضير، صور فورية، معكرونة أو عصيدة فورية، فعندما نأخذ تطبيق الإنستغرام مثالاً، وهو بالطبع من التطبيقات التي تعتبر أداة للتصوير والمراسلات الفورية، سنجد أنفسنا أمام عالم من الشخصيات المؤثرة (المؤثرين)، والإثارة، والعديد من الناس ممن يقومون بعمل متابعات لصفحات بعضهم البعض، سنجد أنه عبارة عن نافذة تطل على العديد من القصص الفورية التي ينشرها الناس على صفحاتهم الشخصية، أما في الماضي وأقصد هنا عصر البرقيات والمراسلات الورقية، وأنا أتذكر تلك الأيام جيدًا بكل تأكيد، قبل أن يتمكن أحدنا من القول إن البرلمانيين أصبحوا في طليعة الأشخاص الذين ينشرون مثل هذه القصص الشخصية على صفحاتهم ليعرضوا من خلالها تجاربهم الشخصية وما يدور في  دوائرهم الانتخابية وكونهم قادة من منظورهم الشخصي، حيث تجد العديد من الناس بالطبع يستمعون إليهم ويتابعونهم.

قد تؤثر قيادتنا في مجتمعنا على طريقتنا في صياغة عملية تفكيرنا بينما نقوم بالطبع أيضًا بالتشريع والسعي نحو السّلام العادل، ونحن، وأقصد هنا في الإطار السياسي في جمهورية مالطا، نقوم ببناء العلاقات مع الناخبين بأسلوب شخصي، ونتشارك معهم العديد من المواقف واللحظات التي يغمرها شعور بالإخلاص والضعف وأحيانًا الحزن والتعاطف والدموع كذلك، لا سيما في ضوء الغزو العسكري لأوكرانيا من جانب القوات الروسية. وأنا أخشى بشكل شخصي أن يكون لهذا الهجوم الروسي المزيد من العواقب التي قد تؤثر في السلم والأمن الدوليين، ولقد سبق أن أعربت بكل تأكيد عن تضامني مع الشعب الأوكراني في هذه المحنة الصعبة حين كنت أخاطب البرلمان الأوروبي بشكل افتراضي قبل ساعة، بحضور أعضاء آخرين من جميع أنحاء أوروبا وحتى بوجود أعضاء من البرلمان الأوكراني، وهنا أود أن أكرر ندائي وأدعو إلى ضبط النفس واستئناف الحوار الدبلوماسي حتى نتوصل إلى تسوية سلمية لهذا النزاع.

واليوم، يمكننا أن نرى بصورة مباشرة عواقب تلك الحرب عبر ما تنقله شتى وسائل التواصل الاجتماعي، وبالتالي بدلًا من أن ننتهج سياسة الترويج الذاتي أو أن نروج لأجندات سياسية تافهة، يجب علينا أكثر من أي وقت مضى أن نتحد معًا، أن نوحد قوانا، وأن نقدم حلولًا من أجل الصالح العام.

بالإضافة إلى ذلك، لا يمكننا أن نغفل عمَّا أحدثته جائحة كورونا التي تسببت في أن نقع جميعًا في حالة من الارتباك الشديد عند إدارة العديد من الأزمات التي تسببت فيها تلك الجائحة، وإنه لمن السهل أن نشعر باليأس نتيجة ما نرى من أهوال تحدث أمامنا قد تدفعنا بالنهاية إلى حالة من التشاؤم؛ تشاؤم قد يدفعنا بدوره إلى حالة من عدم الانتباه، ويجب هنا أن أشير إلى القديس «ماكسيميليان كولبي»، ضحية معسكر «أوشفيتز» (أحد معسكرات الاعتقال والإبادة الجماعية أثناء احتلال ألمانيا النازية لبولندا) الذي أقتبس عنه «إن السمَّ الأكثر فتكًا في عصرنا هذا هو اللامبالاة»، ولهذا السبب يجب علينا سويًا أن نحارب اللامبالاة، فالدور الأساسي الذي يجب أن نقوم به نحن، أي البرلمانيون والمنظمات غير الحكومية والصحفيون الموجودون هنا اليوم، هو ألا نحيد عن هذا النهج، بل يجب علينا أيضًا أن نُظهر باستمرار لجميع أصحاب المصلحة، بما في ذلك الحكومات ومجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة، شتى أشكال وقصص الظلم الفردية، وهؤلاء المدنيين الذين يعانون من اضطرابات سياسية في بلدانهم، وأن نسعى إلى اتخاذ إجراءات فورية حيال ذلك، لذا أرى أنه من المناسب جدًا انعقاد هذا المنتدى اليوم في مالطا، لأنه يمثل مهمة طويلة الأمد نحو الحوار والسّلام في هذه المنطقة من العالم، وهو ما كان واضحًا عام 1975.

وهنا، يجب أن نتذكر مؤتمر هلسنكي حول الأمن والتعاون في أوروبا في ذلك الوقت، حين شددت مالطا على ضرورة أن يدرك القادة الأوروبيون أهمية الحوار والحاجة الماسة إلى أن يشمل ذلك الحوار جميع دول البحر الأبيض المتوسط، لذا تم إدراج ذلك في «فصل البحر الأبيض المتوسط» من الوثيقة النهائية كـما تعرفون، في ذلك الوقت دافعت مالطا عن أنه لا يمكن أن يتحقق السّلام في أوروبا دون أن يكون هناك سلام في منطقة البحر الأبيض المتوسط، واليوم ما زالت مالطا تتمسك بشدة بهذه الدعوة ومن خلال مختلف المؤسسات والمنظمات في مسعًى حثيث لتعزيز الحوار والسّلام باعتباره وسيلةً لتحقيق المزيد من الاستقرار والأمن والرخاء بالطبع.

اسمحوا لي أن أتطرق أيضًا إلى مسألة إنشاء «المجلس العالمي للتسامح والسّلام»، والذي تأسس أيضًا في البرلمان مؤخرًا في عام 2017، وقد ساهم كثيرًا في زيادة الوعي بأهمية تعزيز التسامح والسّلام، مع تسهيل الحوار بين مختلف أصحاب المصلحة والبرلمانيين، ومن المثير للاهتمام أن نذكر أن رؤية وآلية عمل المجلس العالمي للتسامح والسّلام يُكمِّلان، كما قلت، عمل البرلمان الدولي من أجل السّلام، الذي يضم العديد من أعضاء البرلمانات، ويساهم بشكل مباشر في هذه الحركة العالمية من أجل السّلام وقبول الآخر.

دعونا نكن، واسمحوا لي أن أقتبس الكلمة التي استخدمتها في حديثي الأصلي اليوم، «دعونا نكن مؤثرين من أجل السّلام ومن أجل العدالة السياسية والأمن في كل مكان»، وإني على ثقة من أن المتحدثين المميزين الذين انضموا إلينا في هذه الجلسة لإجراء النقاشات التالية سيقدمون وجهات نظر عديدة ومتنوعة حول أفضل السُبل التي يمكن من خلالها أن ننشر السّلام ونجعله سلامًا مستدامًا.

يجب أن يصبح تعليم السّلام جزءًا أساسيًا من مناهجنا الدراسية، لأنه يمكن من خلال التعليم فقط أن نوفر العقليات والسلوكيات والاستعدادات اللازمة التي من شأنها أن تكون أرضًا خصبة ومناسبة لتحقيق السّلام والازدهار.

شكرًا جزيلًا لكم.

 

 

 

كلمة معالي رئيس برلمان المالديف

محمد ناشيد


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسّلام على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم،

فخامة الرئيس جورج فيلا، رئيس مالطا،

السيد عبدالعزيز سعود البابطين،

فخامة رئيس ألبانيا،

فخامة رئيس كرواتيا الأسبق،

معالي رئيس وزراء الأردن الأسبق،

السادة أعضاء البرلمانات،

الضيوف الكرام،

السيدات والسادة،

أدرك جيدًا أن المنتدى الذي نعقده اليوم إنما هو عن السّلام العادل، وعن كيفية تحقيق ذلك السّلام على أفضل وجه، ولكن قبل أن أبدأ كلمتي، أشعر أنه يجب عليَّ أن أحدثكم عن ديوان «بوح البوادي» فهو أول ديوان شعري أصدره السيد البابطين، رئيس مؤسسة عبدالعزيز سعود البابطين، وتلاه ديوان شعري آخر، وهو ديوان «أغنيات الفيافي»، ولقد كتب السيد عبدالعزيز سعود البابطين مجموعة رائعة من الأشعار، وأحسست أنه من المهم أن أبين لكم كم أنها مجموعة رائعة ويجب أن تلقوا نظرة جيدة عليها.

أنا من دولة المالديف كما ذكرت لكم، حيث تقع دولتنا في وسط المحيط الهندي، وتمتد مساحتها ألف ميل من الشمال إلى الجنوب، وستمائة ميل من الشرق للغرب، وتحتل دولتنا الأجزاء الصالحة للملاحة من المحيط الهندي.

لقد كتب المؤرخان المسعودي والبيروني من القرنين العاشر والحادي عشر عن المالديف وكيف كان نظام الحُكم فيها في القرن العاشر، وعندما بدأ الرحالة العرب التجارة في الشرق، بدأوا بزيارة جزر المالديف وكذا الطريق المؤدي إلى الشرق، حيث كانوا يقضون نحو خمسة أو ستة أشهر في المالديف قبل أن يكملوا طريقهم وتحملهم الرياح باتجاه الشرق، كما أنهم تزوجوا وأنجبوا أطفالًا في المالديف وبدأ التجار يستقرون فيها، كما اعتقد ملوك المالديف الفيديين قديمًا أنها كانت ستكون فكرة رائعة لو أنهم يدعون بعض سكان تلك المناطق والجزر إلى اعتناق الدين الإسلامي حتى تزدهر تلك التجارة، وأما الرحالة المشهور «ابن بطوطة»، والذي كان رئيسًا للقضاء لمدة بلغت أربَع سنوات، كان قد كتب كثيرًا عن جزر المالديف، كذلك قصائد الصوفية، التي كتبها ملاّحون وشعراء صوفيون، وَالتي جاء فيها ذكر أداة كانت تستعمل في الملاحة اسمها «كمال»، وهو اسم عربي، ويبدو وَأن هذا الشخص «كمال» كان ملاحًا معروفًا في جزر المالديف، حيث ابتكر طريقة أكثر فعالية يعتمد من خلالها على النجوم في رحلاته وأسفاره.

هذا هو الإسلام الذي جاء إلى المالديف عبر وسائل سلمية للغاية، حيث نقله العديد من الشعراء والأئمة الصوفيين الذين قدموا مع التجار أيضًا، وعلمونا الكثير عن الثقافة العربية وعن الدين الإسلامي، هذا الدين الذي انتشر في معظم مناطق جنوب آسيا وأصبح توليفةً من المعتقدات الفيدية والمُثل الإسلامية، وللأسف، فإن هذه الثقافة هي نفسها التي يتم تحديها الآن من قِبَلِ نسخة ضيقة الأفق من الإسلام، ولهذا السبب، فإن هذه المؤسسة، والتي أذكرها ثانية في حديثي، من المؤسسات الهامة جدًا، التي يجب عليها أن تنشر التسامح وتقبّل الآخر.

وبينما أنتقل في كلمتي إلى الحديث عن هذا المنتدى، ورغم أن هذا المنتدى أيضًا يتحدث عن السّلام، أجد أنه من الصعب ألا نبدأ بالحديث عن الحرب، وأقصد هنا الحرب التي تدور رحاها في أوكرانيا على مقربة من هنا، وبينما نراقبها من بعيد ونراقب ما يحدث فيها، نجد أنه من المستحيل ألا نتأثر بشجاعة وبطولة الرئيس الأوكراني «زيلينسكي» والشعب الأوكراني، فعلى الرغم من هذا العدوان الشائن وغير المبرر، إلا أنه لا يزال يقود بلاده ويحث شعبه على الدفاع عن وطنهم، وهو الأمر الذي يقومون به بشجاعة بالغة.

أعتقد أننا يجب أن نستحضر «وينستون تشرشل» لنرى فيه صورة القائد الوطني الذي كان يعرف جيدًا معنى أن يكون قائدًا في زمن الحرب، وإذا كنا في حاجة إلى مزيد من الدلائل عن السبب الذي يجعلنا نسعى جاهدين لتحقيق الديمقراطية، فإن تلك الحرب التي اندلعت في أوكرانيا هي أحد هذه الدلائل؛ هذه هي الحقيقة الباردة والقاسية للسياسة، فالدَيكتاتوريون من السياسيين هم من يشعلون الحروب، فيحاربون شعوبهم أولًا ثم يأتي الدور على جيرانهم، وهذا يقودني في النهاية إلى النقطة الرئيسية التي أود أن أوضحها اليوم، وهي الحاجة الماسة إلى السياسة المنظمة والسلمية، وأعني بالسياسة المنظمة الأحزاب السياسية القادرة على إجراء وخوض انتخابات حرة ونزيهة، وفي رأيي، فإن السياسة الحرة والمنظمة هي السبيل الوحيد نحو تحقيق السّلام في أي دولة، ومن أجل التعايش السلمي بين الدول.

ومن واقع تجربتي الشخصية في دولة المالديف، كان تطوير الأحزاب السياسية أمرًا أساسيًا بالنسبة إلى تـنمية الديمقراطية والسّلام، فالأحزاب السياسية هي المؤسسات الرئيسية للديمقراطية وهي في جوهر النضال من أجل الديمقراطية، فهي توفر وسيلة يمكننا من أجلها تنظيم السياسات، فمن خلال الأحزاب السياسية، يمكنك أن تنظم مظاهرات سلمية في الشوارع وأن تطور من عملية المنافسة في خوض الانتخابات، كما أن ضمان وجود أحزاب سياسية قوية لها انتخابات داخلية خاصة بها وقواعد أيضًا، يعني أنه لديك وسيلة سياسية قوية يمكن أن تستمر مدى الحياة.

كانت جزر المالديف تدار من قِبَل نظام استبدادي لمدة بلغت نحو 30 عامًا قبل أن نتمكن من تحقيق نظام متعدد الأحزاب وإجراء انتخابات حرة، حيث تأسس حِزْبِي، الحزب الديمقراطي المالديفي، في وقت كانت لا تزال المالديف تقبع تحت سيطرة الديكتاتورية وفي وقت حُظرت فيه الأحزاب بشكل رسمي، وبالطبع دفعنا جميعًا ثمن ذلك، حيث أنني شخصيًا قضيت نصف حياتي تقريبًا في السجن، لكن الآن، تمكن الحزب الديمقراطي في المالديف من أن يكون آلة انتخابية قوية، حيث أجرينا أول انتخابات متعددة الأحزاب في عام 2008، ومنذ ذلك الحين، استطاعت دولة المالديف أن تغير حكوماتها ثلاث مرات متتالية عبر انتخابات متعددة الأحزاب.

يعود جزء كبير من هذا النجاح في عملية انتقال السلطة بشكل سلمي إلى أننا نجحنا في تطوير مؤسسات ديمقراطية والعديد من الأحزاب السياسية التي أصبحت من أهم الأحزاب على الإطلاق، كما أننا أتحنا مساحة كبيرة للمعارضة ولحرية التعبير وحرية التظاهر، فهذه هي المتطلبات الأساسية التي يحتاجها أي مجتمع لينجح في عملية الإدارة.

وفضلًا عن كوني رئيسًا لحزبي، أصبحت كذلك رئيسًا للبرلمان كما أشرت سابقًا، ودور البرلمانات أساسيٌ أيضًا للحكم الرشيد والديمقراطية في أبهى صورها، فالبرلمان هو المكان الذي ينتهي فيه أعضاء الحزب السياسي الناجح بالجلوس ممثلين منتخبين للشعب، وقد أشار معالي رئيس برلمان مالطا إلى أنه يتفاعل بشكل شخصي مع ناخبيه، ونحن كذلك لدينا هذه الميزة لأن تعداد السكان لدينا قليل، ولكن، حتى لو كان عدد السكان كبيرًا في بلدٍ مَّا، أعتقد أنه من الممكن أن يكون هناك تفاعل حقيقي مع الناخبين.

إن أعضاء البرلمان لهم دوران أساسيان؛ أن يقوموا بمساءلة الحكومة ومحاسبتها وأن يَسُنُّوا القوانين، لأن سنَّ القوانين يعتبر غاية العملية السياسية التي تبدأ بالأحزاب، والتنافسات الحزبية، والانتخابات، وتقديم أوجه من البرامج الانتخابية التنافسية التي يصوت لصالحها عامة الناس لِيتمَّ انتخابهم في الحكومة، ويمكن بعد ذلك أن تتحول تلك الوعود الانتخابية إلى قوانين وتشريعات نأمل أن تحقق التغيير المنشود، لذا عندما نفكر في السّلام العادل، يجب حينها أن نفكر في الشروط اللازمة لتحقيق هذا السّلام العادل، وفي رأيي، هذه هي الحريات السياسية الأساسية؛ نظام ديمقراطي يمكن من خلاله التنافس السياسي بشكل سلمي مع أحزاب سياسية قوية.

شكرًا لكم.

 

 

كلمة معالي عضو البرلمان الكوسوفي

(رئيس الجمهورية السابق)

بهجت باكولي

(رسالة مكتوبة)


فخامة الرئيس فيلا،

سعادة السيد البابطين،

أصحاب الفخامة والمعالي والسعادة،

المشاركون الأعزاء،

السيدات والسادة،

نجتمع اليوم في ظل وجود مشهد مختلف عما نعرفه في أوروبا، مشهد يختلف كثيًرا عما كان عليه الوضع قبل أيام قليلة مضت، كنت أفكر في إلقاء خطاب مختلف عن خطابي الحالي، لكن الأحداث الجارية في أوكرانيا جعلتني أغيره قليلًا.

على الرغم من أن أوكرانيا تقع الآن في مكان بعيد عنا، إلا أننا نتابع الأزمة الأوكرانية بقلق بالغ، ويمكننا الشعور بآثارها الاقتصادية هنا، على سبيل المثال، في ارتفاع أسعار الكهرباء والبنزين، ولكن هذه ليست الأسباب الرئيسية التي جعلت الوضع في أوكرانيا ذا أهمية بالنسبة إلينا.

إن النظام العالمي القائم على مبدإ «البقاء للأقوى»، أو حيث «ليفعل الأقوياء ما في وسعهم وليتحمل الضعفاء ما يجب عليهم»، سيكون نظامًا عالميًا معاديًا بشدة لأمن الدول الصغيرة وبقائها، ولا يمكننا أن نقبل أن تقوم دولة بالاعتداء على أخرى دون مبرر بحجة أن استقلال الأخيرة جاء نتيجة «أخطاء تاريخية وقرارات مجنونة»، فمن شأن هذا المنطق أن يتعارض مع الشرعية المعترف بها دوليًا وسلامة أراضي العديد من البلدان، بما في ذلك كوسوفو.

لهذا السبب نحن في كوسوفو من أشد المؤيدين للقانون الدولي والمبادئ المنصوص عليها في ميثاق الأمم المتحدة، حيث يجب احترام السيادة والاستقلال السياسي وسلامة أراضي جميع البلدان، كبيرها وصغيرها، ويجب أن تأخذ كوسوفو أي انتهاك لهذه المبادئ الأساسية على محمل الجد، متى وأينما حدث ذلك، وهذا هو سبب إدانة كوسوفو وإداناتنا جميعًا وبشدة للهجوم الروسي غير المبرر ضد أوكرانيا.

إنه لأمر محزن ومفجع أن نرى كم الخسائر الفادحة في الأرواح من المواطنين الأبرياء نتيجة هذا الهجوم غير المبرر والذي يعتبر عملًا حربيًا، وإنني أحث روسيا وبشدة على وقف هذا العمل العسكري العدواني على الفور، والعمل من أجل الوصول إلى تسوية سلمية وفقًا لميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي، كما ندعو إلى وصول المساعدات الإنسانية بأمان ودون عوائق إلى أوكرانيا وجميع من يحتاجونها.

هناك دروس مهمة يجب أن نستخلصها من الأزمة الأوكرانية الحالية:

أولاً، في حين أن القانون الدولي والمبادئ الدبلوماسية ذوا ضرورة، إلا أنهما ليسا كافيـيْـن، حيث إن الاتفاقات والمعاهدات لا تكون ذات فائدة إلا إذا احترمتها جميع الأطراف، وإذا كان من الممكن إنفاذها، هذه هي الحقيقة الواضحة أمام جميع البلدان الصغيرة، وكوسوفو ليست استثناءً.

لا يمكنك أبدًا الاعتماد على الآخرين لكي تحمي بلدك، وبالتالي، لا يجب أبدًا أن نفقد القدرة على الدفاع عن أنفسنا والاعتناء بها.

ثانيًا، من السَّهل للغاية على أي دولة صغيرة أن تنخرط في الألعاب الجيوسياسية التي تديرها القوى الكبرى، ويجب على الدول الصغيرة أن تتجنب أن تصبح يومًا ما بيادق أو دولًا تابعة أو «كفوف قطة» ليستخدمها جانب ضد الآخر. قال «جوليوس نيريري»، رئيس تنزانيا الراحل، «عندما تتقاتل الأفيال، يعاني العُشْب»، وهذا هو السبب في أننا نعمل بجد للحفاظ على علاقات جيدة مع جميع جيراننا ومع القوى الكبرى، وعندما تنشأ مواقف جديدة، فإن تقييماتنا تجاه تلك المواقف وكذلك أفعالنا تستند إلى مبادئ معلنة بوضوح وثابتة باستمرار، تصب في مصلحتنا الوطنية على المدى الطويل.

ثالثًا، نحن في كوسوفو وبوصفنا أمّة فتية، من الضروري بالنسبة إلينا الحفاظ على الوحدة الوطنية والتماسك الداخلي، مع الأخذ في الاعتبار مدى سهولة استغلال الخصوم للانقسامات الداخلية، خاصة في عصر الإنترنت هذا وظهور الحروب الهجينة، حيث أصبح تقسيم الخصم وإضعافه داخليًا، علنيًا وبشكل سري، المكمل القياسي للحروب التقليدية التي عهدناها، لذلك، يجب أن تتوقف سياستنا الداخلية عند حدود شواطئنا.

رابعًا، غالبًا ما يتطلب الحفاظ على سيادة الفرد ومصالحه الوطنية بعض التضحية والألم، حيث يدفع الأوكرانيون الثمن النهائي للحرية بحياتهم وسبل عيشهم، كما سيتعين على بقية المجتمع الدولي، الذي يتَّخذ موقفًا ضد العدوان السافر من خلال فرض العقوبات، أن يكون له نصيب من تلك الآلام أيضًا وأن يدفع الثمن كذلك، ويجب أن نكون على أتم الاستعداد للتعامل مع العواقب، وأن نتحمل الألم، وأن نساعد بعضنا البعض، وأن نقف معًا أمام كل هذا.

اسمحوا لي أن أشير إلى أنَّنا شهدنا خلال العقدين الماضيين كثيرًا من حالات تحول العلاقات بين البلدان والشعوب في منطقة غرب البلقان، وهو نوع من التحول يمكن قياسه ورؤيته جليًا، حيث يمكننا أن نرى تحولًا واضحاً في العلاقات من كونها علاقات عدائية إلى أخرى سلمية، ومن مناطق غير مستقرة إلى أخرى مستقرة، كما أن معدل التفاعل بين الحكومات والشعوب والحركة التجارية قد ارتفع كذلك، وأصبح هناك حالة من التواصل أكثر من ذي قبل، وتعتبر كل هذه التغييرات علامات على الاستقرار والمستقبل الواعد.

وقد أمكن تحقيق هذه التغييرات بفضل الدعم الملحوظ الذي قدمه الاتحاد الأوروبي إلى المنطقة من خلال عملية التوسع والمساعدات التقنية والإنمائية والمالية وغير ذلك من أشكال الدعم السياسي، ويستحق الاتحاد الأوروبي أن ينسب إليه الفضل في جعل المنطقة منطقةً أكثر سلامًا، وتعزيز التعاون الإقليمي، وتيسير الحلول السلمية للعديد من القضايا الثنائية المعلقة، ولكننا نرى أن عملية التوسع تلك قد توقفت، وقد حان الوقت لكي يحدد الاتحاد الأوروبي موعدًا واضحًا لمنطقة غرب البلقان حول انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي.

لا شك في أن الحوار الذي ييسّره الاتحاد الأوروبي بين كوسوفو وصربيا من أجل تطبيع العلاقات يمكن اعتباره إنجازًا متميزًا في منطقتنا، فلقد كانت الاتفاقية الأولى التي تم التوصل إليها في أبريل من عام 2013 بمثابة اتفاقٍ تاريخيٍّ حقاً، ولكن هذه مجرد بداية لعملية تاريخية وليست نهاية، حيث أن التطبيع الكامل للعلاقات بين صربيا وكوسوفو أبعد ما يكون عن كونه صفقة رابحة، فقد كانت الاتفاقية الأولى مغيرةً لقواعد اللعبة فيما يتعلق بتخفيف حدة العلاقات السياسية، ولكن ينبغي لنا أن نتعامل مع ذلك بقدرٍ كافٍ من التفاؤل، لأن العديد من التحديات لا تزال قائمة.

ومن وجهة نظرنا، نعتقد أنه ينبغي التنفيذ الفوري لجميع الاتفاقات التي تم التوصل إليها حتى الآن، ونحن طموحون فيما يتعلق بمواضيع الحوار ومستقبله، ونعتبر هذا الحوار عملية مربحة للجانبين وليست عملية ذات حصيلة صفرية، واستنادَا إلى هذا الفهم، كنا مستعدين للمضي قدمًا.

ولكي أكون أكثر دقة، فإننا مستعدون خلال السنوات الأربع القادمة لحل جميع القضايا العالقة بين كوسوفو وصربيا، وهو الوقت الذي لن تُجرى فيه أي انتخابات محلية سواءً في صربيا أو كوسوفو أو في الاتحاد الأوروبي قد تؤخر حدوث هذه العملية الهامة أو تعقيدها، ولكن المهم هو ألا يجري الحوار بلا غاية أو هدف نهائي واضح، وبالنسبة إلى كوسوفو، فإن التوصل إلى اتفاق ملزم قانونًا في نهاية هذه العملية أمر ممكن، مِمَّا يؤدي في النهاية إلى الاعتراف المتبادل وفتح الطريق لكوسوفو نحو الاتحاد الأوروبي ومنظمة حلف شمال الأطلسي والمنظمات الدولية الأخرى.

وكما قلت في الماضي، فإن السبيل الأكثر استدامة لبناء سلام دائم بين كوسوفو وصربيا هو التوقيع على معاهدة سلام تشمل الاعتراف بسيادة كوسوفو وتشجيع عضويتها في المنظمات الدولية والإقليمية، بما في ذلك الأمم المتحدة، وإقامة علاقات دبلوماسية ثنائية.

والواقع أن دمج عملية التكامل بين الاتحاد الأوروبي والتطبيع الكامل للعلاقات بين صربيا وكوسوفو هو أفضل سبيل لضمان مصداقية العملية وتحقيق نتائج لها، ولذلك فإننا نعول على دعم الاتحاد الأوروبي في المستقبل في تيسير هذا الحوار الهام بين دولتينا.

وأعتقد أن الوضع الحالي في أوكرانيا أظهر لنا جليًا أنه لم يعد هناك وقت لنضيعه، وأننا بحاجة إلى معاهدة سلام بين كوسوفو وصربيا، وأنه قد حان الوقت لكي نتكاتف وندافع عن المبادئ، ونتمسك بالمبادئ الأساسية لبقائنا، ووجودنا باعتبارنا دولةً مستقلة ذات سيادة.

شكرًا لكم.

 

كلمة معالي رئيس الفريق الاستقلالي بمجلس المستشارين بالمملكة المغربية

عبدالسّلام اللَّبَار


بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسّلام على النبي المصطفى الكريم، وعلى آله وصحابته أجمعين،

فخامة رئيس جمهورية مالطا،

الأخوة الأفاضل أصحاب الفخامة والمعالي،

إخواني البرلمانيين،

الحضور الكريم؛ كل واحد باسمه وصفته، والصفة اللائقة بقدره الكريم،

لم أغفل أن أثني وأحيي عاليًا سعادة السيد عبدالعزيز سعود البابطين، رئيس هذه المؤسسة، مؤسسة البابطين للسلام العادل، فهنيئًا لنا بأن نسمع صوت يأتي من بعيد، صوت يأتي عاليًا من صومعةٍ تنادي بالرجوع إلى الحق، بالرجوع إلى السّلام والسّلام العادل، فما أحوجنا إلى مثل هذه الأصوات النادرة في عهدنا هذا.

حضرات الأخوات والإخوة الكرام،

تلقينا بشغف وحب وتقدير دعوة مؤسسة عبدالعزيز سعود البابطين الثقافية لحضور هذا المنتدى، فكنتُ من القابلين ومن المسرعين لأحظى بشرف تواجدي معكم باعتباري برلمانيا من شمال إفريقيا، من المملكة المغربية.

حضرات السادة،

اجتماعنا هذا اجتماع ناجح، شكلًا ومضمونًا، ناجحٌ فعلًا لأننا استطعنا أن نجهر بكلمة حق، أن نُرجعَ عالمنا هذا إلى جادة الصواب، فاجتماعنا هذا اجتماعٌ ناجح بكل المقاييس، وما علينا إلا أن ننوه إلى مؤسسة عبدالعزيز سعود البابطين الثقافية ونشكرها على ما تبذله من جُهدٍ جبار لإسماع صوت السّلام، صوت العدل، صوت الحق، الخالق الجليل من أسمائه الحسنى السّلام، والسّلام سيستمر ما دامت أصواتٌ تردد السّلام وتدعو إلى جادة الصواب، فأشكر كل من ساهم في إنجاح هذا اللقاء؛ جنود الخفاء الذين يبذلون قصارى جهدهم تنظيمًا، وشكلًا، وتوجيهًا، وإرشادًا، والشكر موصول لجمهورية مالطا؛ رئيسًا وَبرلمانًا وشعبًا على كرم الضيافة وحسن الاستقبال وتوفير المناخ الجيد للحوار الهادف والجاد.

أصحاب الفخامة،

حضرات السادة والسيدات،

نجتمع اليوم ونحن نشهد عالمًا يَعُجُّ بالتوترات؛ هل فشل الحوار؟ هل نحتاج إلى عقلٍ سليم آخر؟ «أليس منكم رجل رشيد؟» قول الله سبحانه وتعالى، وهنا أقف لأنوه بمخرجات هذا المنتدى الثاني عندما قرر رئيسه والمشرف عليه أن نُكَوِنَ لجنة تفتح الحوار من جديد مع الأطراف المتنازعة حاليًا، والتي شدت أنظار العالم؛ صغيرها، كبيرها، شيخها، حيث عالمنا اليوم مشدود الانتباه إلى ما يجري اليوم من تقتيل، من حرب لن يكون الرابح فيها أصلًا، فالرابح لن يكون رابحًا، والخاسر لن يخسر وحيدًا، فالعالم سيخسر اليوم كل حرب أينما كانت وحيثما وُجِدَتْ، العالم الذي لم يستطع أن يتغلّب على حلّ المشاكل ما بين الطرفين المتنازعين، كل واحد في ذلك العالم يضع يده على قلبه ويتذكر الحرب أينما كانت، ويتذكر بالضبط همومها ومخلفاتها؛ كم من متشردٍ يبقى، كم من لاجئ، كم من طفل، كم من امرأة، كم من مُسِنٍّ سيضيع تائهًا ويأسف على وجوده في هذه الحياة.

وُجد الإنسان ليعيش حياة كريمة، قال الله تعالى: «تبارك الذي بيده المُلك وهو على كل شيء قدير، الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملًا»، العالَم اليوم يجب أن يُحسِنَ العمل، العالَم اليوم يجب أن يوجِّهَ نحو السّلام، العالَم أرضٌ صغيرة، قريةٌ، مدينةٌ، بل بيتٌ صغير، حياتنا جِدٌ صغيرة وقصيرة جدًا، فلماذا التطاحن؟ لماذا إراقة الدماء؟ ماذا ستُخَلِّفُ الحرب؟ أتعرفون ماذا؟ ستخلف اليتامى، ستخلف الضحايا، ستخلف ما هو أكثر؛ ستخلف دمار الإنسانية، دمار ما فعلته الإنسانية، المآثر الاجتماعية، ثقافتنا ستذهب. اليوم نعيش بنشوة ممَّا خلفه أجدادنا وأسيادنا، هذه آثارنا تدل علينا، فاسألوا بعدنا عن الآثار؛ أي آثار سنخلف نحن اليوم في هذا العصر؟ سنتحدث عن الاقتتال؟ سنتحدث عن الدمار؟ أفٍ للماء والأرض التي لا تساوي أي شيء، أسباب النزاع؛ الموارد الطبيعية، الماء، الأرض وغيرها، كل شيء لا يساوي أمام حياة فرد واحد، الفرد اليوم يجب أن يعيش، وأحيي الشعوب التي فتحت الحدود وجعلت العالم كله في كأس صغير جدًا؛ الكل يعيش ينشد السعادة، ينشد الفرحة ولا ينشد الدمار وقتل الأبرياء.

نتأسف، أيٌ منا لا يتأسف اليوم والعين بصيرة واليد قصيرة؟ فلا يسعُنا إلا أن نكثف جهودنا نحن البرلمانيين والحكومات والمجتمع المدني، كلنا اليوم مسؤولون، عندما تقع الحرب، معنى أننا فشلنا؛ نحن فشلنا في التوافق، في نشر المحبة، في نشر الإخاء، الشيء الذي جعلني أرى مؤسسة عبدالعزيز سعود البابطين الثقافية في قمة من ينادي إلى الرجوع إلى الحق والابتعاد عن الظلم، عن الكراهية، عن العدوانية، وهيَّا جميعًا نعمل من أجل شعوبنا؛ عدم التفرقة ما بين المرأة والرجل، عدم القهر والاحتقار، عدم الغطرسة، عدم الاستقواء والأنانية المفرطة التي تؤدي إلى هذا الدمار، عاشت الأمم السعيدة النشيطة.

مَن منَّا اليوم يحب أن يموت دون أجل؟ أبدًا، حتى ولو كان الإنسان السوي يحاول أن يقتل نفسه، لن يستطيع، قوة داخلية في جسمنا تحول دُونَ أن نموت، فما بالك بمن يأتي بأسلحة مدمرة؟ فهيا جميعًا نوقف الاتجار في الأسلحة، كيفما كان نوعها.

إن الحقد والكراهية لا يُوَلدان إلا العداوة، وهذه العداوة يكون مصيرها الاقتتال والحرب والدمار. نحن بوصفنا برلمانيين، علينا اليوم أن نجتهد في تأطير شعوبنا، في تأطير مؤسساتنا بمشاريع تنشر المحبة والتقدير. لن أتوقف لأن كلما ذكرنا وتأملنا في واقعنا، نجد أننا مقصرين في عملنا، والحمد للّه نرى أن هذه المؤسسة وهذا المنتدى يُرجعنا إلى جادة الصواب، يقول الله سبحانه وتعالى «إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا بالله، عليه توكلتُ وإليه أنيب».

والسّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.


 

كلمة معالي عضو البرلمان الأوروبي الأسبق

ستروين ستيفينسون


فخامة الرئيس جورج فيلا،

سعادة السيد عبدالعزيز سعود البابطين،

أصحاب الفخامة والمعالي والسعادة، السادة الوزراء، والمشرعون،

السيدات والسادة،

إنه لشرف عظيم لي أن تتم دعوتي لإلقاء كلمة في هذا المنتدى المتميز، وفي ظل هذا المشهد المأساوي لتلك الحرب الأخيرة، نحتاج إلى قيادتكم من أجل السّلام العادل وإلى هذا الجهد الرائع لتعزيز ثقافة السّلام، لذا إنّي لأجد أنَّ هذا هو الوقت المناسب لأخبركم عن انطلاق مبادرة عالمية جديدة لصياغة معاهدة دولية تحظر الاستخدام السياسي للدين، خاصة وأن تلك المهمة تجسد روح هذا المنتدى، كما أنها جزء طبيعي من الجهد المذهل الذي يبذله الرئيس فيلا والسيد عبدالعزيز سعود البابطين وكل الطامحين إلى تحقيق السّلام العادل.

يدرك الجميع أنَّ إحدى الرسائل الرئيسية التي تقرها وتنقلها جميع الأديان هي أن نتعامل بلطف مع بعضنا البعض، لكن لسوء الحظ، لطالما استُخدم الدين سلاحًا، وعندما ننظر إلى العالم اليوم وحتى خلال العقود القليلة الماضية، نرى أن ذلك الخلط المشين ما بين الدين والسياسة كان السبب الرئيسي والجذري في اندلاع أسوإ النزاعات، وكانت هناك الآلاف من المحاولات لحل هذه المشكلة، لكن لطالما انتهى الأمر في أغلب الأحيان بالتسبب بوقوع أضرار أكثر من تحقيق منافع من خلال إعطاء الذخيرة للمتطرفين.

أعتقد أننا لدينا الآن الحلَّ النهائي لوضع قواعد عالمية لنزع سلاح التطرف الديني، مبادرة بقيادة منظمة غير حكومية مقرها لندن، وهي منظمة (BPUR) الدولية، والتي تُعنى بحظر الاستخدام السياسي للدين، وعلى عكس جميع المحاولات السابقة، تأتي هذه المهمة التاريخية من منطلق أقصى درجات الاحترام لجميع الأديان مع فهم فريد لجميع الحساسيات المحيطة بحقل الألغام هذا، وكيفية بناء إجماع عالمي ومحترم.

تمثل المعاهدة المقترحة نهجًا جديدًا لعرض قواعد دولية واضحة وبسيطة ولا جدال فيها لحظر جميع الاستخدامات السياسية للدين التي تقوض مبدأ المساواة الإنسانية، وحظر شتى أنواع التمييز الديني في الحقوق والواجبات، والإقصاء على أساس الدين، وكل القيود التي تُفرض على الحرية في الدين والمعتقد، وتنطبق هذه الشروط البسيطة على جميع الانتهاكات دون أي تضارب مع المعتقدات الدينية.

إحدى النقاط المركزية في هذه المبادرة هي حقيقة أننا لا نستطيع تمييز أي دين بعينه أو أي بلد بعينه على أي أساس، ولا يوجد حل لهذه المشكلة على أي صعيد من الأصعدة الوطنية، لذا فنحن بحاجة إلى قواعد عالمية عادلة لمشكلة عالمية، فهذا ليس فصلًا ما بين الدين والسياسة، بل على العكس، نعتقد أن مثل هذا الفصل ليس فقط غير ذي صلة، ولكنه أيضًا غير ممكن حتى في معظم الدول الغربية، ناهيك عن أجزاء أخرى من العالم، فنحن نحتاج فقط إلى وقف الاستغلال السياسي للدين وكل أشكال التمييز على أساس ديني.

تقوم هذه المبادرة ببناء دعم هائل في جميع أنحاء العالم لأنه مما لا شك فيه، لا يمكن لأي حكومة مسؤولة أو شخص أن يرفض هذه القواعد الأساسية والعادلة، لا أحد يستطيع أن يقول، «لا، أنا أريد استخدام الدين للتمييز بين الأشخاص،» ونعتقد أن هذا النهج غير التصادمي هو السبيل الوحيد لبناء إجماع عالمي لمساعدة المجتمع الدولي على القضاء على الأسباب الجذرية للتطرف الديني والتعامل مع معظم الصراعات الحالية والمستقبلية، والدليل على ذلك موجود أمامنا هنا، حيث أن الدعم المقدم لهذه المبادرة يتسارع بشكل كبير بين قادة الدول البارزين والمسؤولين والمشرِّعين والجهات الخيرية والأشخاص ذوي التأثير والعائلات الملكية ومسؤولي الأمم المتحدة والزعماء الدينيين من جميع أنحاء العالم، إضافة إلى المنظمات الدولية، حيث تتمثل خارطة الطريق لهذه المهمة التاريخية في ضمان تَبنِّي الحكومات لطرح المعاهدة المقترحة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، ونحن قريبون جدًا من تحقيق هذا الهدف.

وبكل تأكيد يمكن لمالطا والكويت وكل بلدانكم أن تصنع التاريخ هنا من خلال قيادة هذه المهمة للقضاء على ظاهرة الاستخدام السياسي للدين، حيث إن لدينا اتفاقيات وارتباطات متقدمة مع العديد من الحكومات، كما أن هناك مجموعات كبيرة من البرلمانيين قد طلبوا من حكوماتهم بالفعل تبني هذه المبادرة وخاصة في المغرب وفي بنغلاديش وإيطاليا والنمسا وباكستان ومؤخراً في المملكة المتحدة، حيث تقدم 27 برلمانيًا من الأحزاب المختلفة بطلبات إلى رئيس الوزراء لتبني هذه المبادرة، فكيف ولماذا يمكن أن يرفضها؟ وهذا ليس سوى غيض من فيض لأن لدينا مستويات مختلفة من الدعم مع أكثر من 60 دولة أخرى بما في ذلك العديد من بلدانكم.

وفي مايو القادم، سننظم مؤتمرًا دوليًا في المغرب بالاشتراك مع سبع منظمات مغربية غير حكومية إضافة إلى المجلس الوطني لحقوق الإنسان، وسيجتمع أكثر من 100 شخص من مشرعي القوانين والمسؤولين والزعماء الدينيين لتنسيق الجهود الدولية لِسَنِّ هذه المعاهدة الهامة للأمم المتحدة.

أصحاب الفخامة والمعالي والسعادة،

نحن نقترب كثيرًا من حقبة جديدة تتوافق فيها البشرية جمعاء على وقف جميع الانتهاكات السياسية للدين، وأعتقد أنها فرصة عظيمة لبلدانكم ليكون لها أدوار قيادية ضمن هذه المهمة التاريخية.

من السهل جدًا على أي حكومة أن تقول نعم لتبني هذه المبادرة، لأنه لا يمكن تصور أن تقول لا، وسيكون من المجزي جدًا لأي حكومة أن تقود العالم إلى مستقبل أفضل، ومن المؤكد أن المعاهدة المقترحة ستحدث فرقًا كبيرًا في حياة المليارات، كما ستخدم جميع الأهداف الإنسانية الدولية من خلال القضاء على الأسباب الجذرية للعديد من الصراعات المستعصية والقائمة الطويلة من انتهاكات حقوق الإنسان، كما ستعمل لاحقًا على تعزيز الاستقرار وفتح الباب أمام تحقيق التنمية المستدامة.

يمكن حل العديد من الصراعات في العالم اليوم إذا اتحدت أصواتنا، وسيستفيد من هذه المعاهدة كل ركن من أركان العالم، وليس فقط الدول التي تظل حبيسة دائرة العنف الديني، وهنا يمكن لأحدكم أن يسأل؛ «لما فوتنا على أنفسنا حلًا بسيطًا مثل هذا لفترة طويلة؟» لو كانت لدينا هذه المعاهدة منذ 70 أو 50 أو حتى 20 سنة مضت، لكان بإمكاننا أن نمنع تدمير العديد من البلدان، ولكان بإمكاننا إنقاذ حياة الملايين من البشر والحفاظ على سبل عيشهم، كما ستنعكس هذه المعاهدة على كل جوانب الحياة، من خلال إقامة مجتمعات عاملة ومسؤولة في جميع أنحاء العالم.

فخامة الرئيس جورج فيلا،

سعادة السيد عبد العزيز سعود البابطين،

أصحاب الفخامة والمعالي والسعادة الرؤساء والوزراء والمشرعون،

إن هذه المبادرة عبارة عن ترجمة لجهودكم الرائعة وجزء طبيعي من قيادتكم المذهلة من أجل السّلام العادل، هذه هي مبادرتكم لأن قيادتكم ستحدث فرقًا كبيرًا في هذه الجهود لِسَنِّ معاهدة أممية مهمة من شأنها أن تجعل العالم أكثر تسامحًا وعدلاً وسلامًا.

شكرًا جزيلًا لكم.

 


كلمة السيد مفوض المنظمات التطوعية في مالطا

جيسموند ساليبا


شكرًا لك معالي السيد فاروجيا،

فخامة الرئيس جورج فيلا،

سعادة السيد عبدالعزيز سعود البابطين،

أصحاب الفخامة والمعالي والسعادة،

الضيوف الكرام،

أودُّ أن أشكركم على منحي الفرصة لإلقاء كلمة خلال هذا المنتدى. وأكرر تلك الجملة التي ذُكرت عدة مرات حول «أننا نعيش في ظروف مأساوية»، حيث أنني أنتمي إلى جيل شهد في مراهقته السقوط التاريخي للجدار الفاصل، وعاصر عملية توحيد القارة على مُثُل السّلام ورحَّب بذلك كثيرًا، أتذكر أنه كان وقت يغمره الحلم والأمل، وعلى الرغم من ذلك، شهد أطفالي ذوي الأصول البولندية التي تعود إلى أجدادهم من ناحية الأم، وهم حاليًا في سن المراهقة، حجم الرعب والدمار الذي سببته الحرب الدائرة، وهذا الصباح، على غرار كل الصباحات الأخرى على مدار الأسبوع الماضي، توجب عليَّ أن أشرح مرة أخرى لبناتي، واللاتي لم تتجاوز أعمارهن اثنتي عشرة عامًا، ما الذي يحدث عند عتبة أحد أوطانهن، فقبل بضعة أشهر فقط، كنا نتحدث عن العملية التي أدت إلى نشأة بلديهما الأم، مالطا وبولندا، باعتبارهما جزءًا من المشروع الذي وُلِدَ من رماد الحرب.

إن شرح ما يجري من حولنا للأطفال أمر صعبٌ ومرهق حقًا ومهمة شاقة للوالدين، ناهيك عن مدى مأساوية الفرار من الحرب خاصة إذا كنتَ طفلًا، فالأطفال دومًا في حاجة إلى أن يشعروا بالأمان، في حاجة إلى أن يشعروا بأنهم في عالم آمن، وهم لا يفهمون دائمًا لِمَ يعوق الجشع مثل هذا الأمان الذي ينشدون.

إن الأطفال بالنسبة إليَّ هم جوهر للصالح العام وتجسيد له، هم ذلك المحيط الذي لطالما تكلمنا عنه لكننا بالكاد نراه في قلب أنشطتنا اليومية، لأننا إذا كنا نؤمن حقًا بالصالح العام، وإذا سعينا جاهدين من أجله، كنا سنفعل جميعًا أشياء مختلفة كثيرًا عما فعلناه.

ينص إعلان «شومان» الشهير الذي ساهم في إنشاء ما يُعرف اليوم بالاتحاد الأوروبي، على أنه لا يمكن حماية السّلام العالمي وصونه إلا عندما نبذل جهودًا إبداعية تتناسب مع الأخطار التي تهدده، وها نحن هنا اليوم، فما نشهده في أوكرانيا اليوم يشبه ما شهدناه خلال السنوات والعقود الماضية في منطقة دول البلقان والشرق الأوسط والخليج العربي، وهو أن هناك تهديد وخطر حقيقي يحيط بالسّلام، ويكون ذلك الخطر حقيقيًا عندما نتجاهل الصالح العام ويتولى الجشع زمام الأمور وتُهدَّدُ حريات الناس وسلامتهم.

كيف يمكننا أن نرد على ذلك، وبصفتي مفوضًا للمنظمات التطوعية ومنظمات المجتمع المدني، أقول «ما هو الدور الذي يلعبه المجتمع المدني في كل هذا؟» علينا أن نتحلى بالجرأة لنحلم بعالم يسوده السّلام، لكن لا ننسى في نفس الوقت تلك المسؤولية التي يجب أن نتحملها لجعل هذا الحلم حقيقة، وكلٌّ منا له دور في ذلك.

إن لمنظمات المجتمع المدني سلطة التمكين للتماسك الاجتماعي، والترويج للمواطنة النشطة، وضمان الصالح العام والأكبر في المجتمعات من خلال ما تتمتع به من خصائص وقيم خاصة بها، ومع ذلك، فقد أظهر الباحثون الدوليون مؤخرًا أن العديد من المنظمات، والتعاونيات، والجمعيات، والصناديق المشتركة، والمنظمات الخيرية، وجماعات الدعوة عبر الوطنية، ومؤخراً، رواد الأعمال الاجتماعيون، لهم أغراض وثيقة الصلة بمصالحهم الخاصة، وبالتالي، فهي ليست موجهة بالضرورة نحو الصالح العام، لذلك تقع على كاهلنا جميعًا المسؤولية.

وتأتي هذه الحقيقة من واقع أنه يتعين على منظمات المجتمع المدني أيضًا أن تتعامل مع مجموعة من أصحاب المصلحة الذين عبروا عن ادعاءات مختلفة، بل ومتباينة أحيانًا، في الآونة الأخيرة، وللمانحين والممولين والمستفيدين والعمال والمشرعين، والأهم من ذلك، المتطوعين الذين هم قلب أي منظمة مجتمع مدني، مصالح وتصورات مختلفة في أداء المنظمة وهويتها وتمثيلها، لذا فإن كون المنظمة مسؤولة أمام الجميع، وهي إحدى الاستراتيجيات من بين العديد من الاستراتيجيات الأخرى لإضفاء الطابع الإقليمي على دور المنظمة وطبيعة عملها، قد يكون ذلك مجرد مهمة مستحيلة ولكنها تشكل أيضًا مصدرًا للعديد من الفرص نظرًا لعدم وجود تسلسل هرمي واضح فيما بينها وعدم وجود أي أرضية مشتركة واضحة.

إن لمفهوم السّلام العادل عدة عناصر محددة، ومع ذلك، فهو يرتكز على فهم محدد لكلمة «السّلام»، وأحد أهم التعريفات للسلام العادل ينص على أنه «عبارة عن حالة اجتماعية من الوئام والكمال والاكتمال والازدهار والرفاه والهدوء، إنه حالة من الرفاه الاجتماعي والمجتمعي تُلَبَّى فيها جميع العلاقات والاحتياجات الأساسية للشعوب»، ويمكن بسهولة النظر إلى هذا على أنه الصالح العام المتجسِّد، كما سبق تعريفه، في الأطفال وأجيال المستقبل.

إن رفاهية المجتمع في المستقبل في حاجة إلى مواطنين فاعلين، وهذا أمر أساسي إذ أصبحت السياسة في اقتصاد السوق المتحرر وبشكل متزايد نوعًا من الممارسة في إنشاء هياكل مؤسسية للسعي لتحقيق المصلحة الذاتية القطاعية، لذا فإننا في حاجة إلى بذل كل التزام معًا للعيش من أجل الصالح العام.

وخلال هذه الفترة الخاصة جدًا من تاريخ البشرية، وخلال هذا الفصل الحزين للغاية من التاريخ العالمي، لدينا نداء نحتاج جميعًا أن نلبيه، باعتبارنا قَادَةً سياسيين ومجتمعًا مدنيًّا ومواطنين نشطين، كلنا معًا ملتزمون كل الالتزام بالعيش والسعي من أجل الصالح العام، يجب ألا ينظر كل قطاع إلى نفسه مستقلًا عن القطاعات الأخرى، وإلى جانب كل أفكارنا وقيمنا وتنوعنا، يمكننا أن نُحدثَ فرقًا: ونضع الصالح العام هدفًا لنا من أجل تحقيق السّلام العادل.

شكرًا لكم.

 

كلمة الرئيس التنفيذي لمؤسسة «جسور لأجل السّلام»

جان كريستوف باس


شكرًا لك سيدي مدير الجلسة على كلماتك الرائعة،

أصحاب الفخامة والمعالي والسعادة،

السيدات والسادة،

أسعد الله صباحكم، وإنه لمن دواعي سروري أن أكون هنا معكم اليوم، كما أنني أدرك تمامًا كوني المتحدث الأخير في الجلسة الأخيرة في اليوم الأخير من هذا المنتدى، وعلاوة على ذلك، فقد جاءت كلمتي قبل الغداء مباشرة، لذا أعتقد أنه سيكون من المستحيل أن تحظى كلمتي بكامل انتباهكم، ومع ذلك أود أن ألقي بعض الكلمات التي أعرب من خلالها عن تقديري وشكري لمؤسسة عبدالعزيز سعود البابطين الثقافية، وبالطبع لجمهورية مالطا على كرم الضيافة، وعلى تنظيم هذا المنتدى الذي جاء في الوقت المناسب بالفعل، كما أود أن أعبر عن شكري وتقديري العميقين إلى السيد عبدالعزيز البابطين وفخامة الرئيس جورج فيلا، وكذلك الدكتور تهامي العبدولي على تنظيم هذا الحدث، وبالطبع أشكر كل المتحدثين سواء ممن ألقوا كلماتهم هنا اليوم أو بالأمس، وأقول إنني قد تعلمت الكثير من كلماتهم الملهمة والمؤثرة للغاية، ولقد سعدت أنني شهدت اجتماعنا جميعًا هنا اليوم والأمس كوننا أبطالًا للسلام.

كما أنني أود أن أعرب عن تأثّري الشديد بهذا الكتاب الذي قرأته ليلة أمس، «تأملات من أجل السّلام العادل»، الذي قام بكتابته السيد عبدالعزيز سعود البابطين، والذي أرى من وجهة نظري أنه يجب أن يكون من بين المناهج الإلزامية في المدارس بشتى أنواعها حول العالم، وأعتقد أن العالم كان ليكون مكانًا أفضل إذا ما قرأنا جميعًا هذا الكتاب الرائع، وأوجه كلامي لك سيدي رئيس المؤسسة خاصة حين استخدمت تلك الجملة المجازية الجميلة لمفهوم السّلام العادل عندما وصفته بأنه شمعة، لذا كن متأكدًا من أننا اجتمعنا هنا جميعًا اليوم لنؤكد التزامنا بالحفاظ على هذه الشمعة حية ونابضة بالحياة، وعلى الرغم من أننا نمر بظروف صعبة للغاية، إلا أنه لا يزال هناك أشخاص ملتزمون بالسّلام وملتزمون أيضًا بأن يسود هذا السّلام.

اسمحوا لي أن أتكلم بشكل موجزٍ قليلًا نظرًا لضيق الوقت، وأعتقد أنه قد يكون هذا امتياز آخر لي كوني آخر المتحدثين في هذا الجلسة، لتقديم منظور يستند في الواقع إلى البحث والأدلة الأكاديمية، وبالرغم من ذلك، إلا أننا ومنذ الأسبوع الماضي نعيش في عالم مختلف تمامًا، حيث تتجلى واضحة حقيقة أحداث ما بعد الحرب الباردة، كما يتضح من التقرير الذي أجرته منظمة اليونيسكو ومعهد هايدلبرغ للنزاعات الدولية، وهي أن معظم الصراعات الحالية في العالم ليست صراعات بين الدول، لكنها صراعات داخلية في تلك البلدان، وأن ما نشهده حاليًا مرة أخرى بحسب تلك الأبحاث، يشير إلى أن ثلثي الصراعات الحالية، أو حتى أكبر من تلك النسبة، متجذرة في الثقافة، والانقسامات الثقافية، والعرقية والانقسامات في الهوية بشكل ما،  ومن اللافت للنظر أن نرى أن معظم الصراعات اليوم هي صراعات داخلية قائمة على نزاعات بين أشخاص من ثقافات وهويات مختلفة، وأصبحنا نرى المزيد والمزيد من البلدان في أجزاء مختلفة من العالم قد اقتربت بشكل أو بآخر من الوقوع في حرب أهلية.

هناك حالة لم نشهدها قط في الآونة الأخيرة، وهي أننا أصبحنا نرى وبشكل متزايد مجتمعات متصدعة ومنقسمة، حيث ذلك الخط الفاصل الذي كان موجودًا خلال الحرب الباردة وحتى وقت قريب، حين سادت الأيديولوجيات فيما بين الهويات، لذلك انتقلنا الآن من مرحلة الخطوط الفاصلة التي كانت قائمة على أساس الأيديولوجيات إلى تلك القائمة على أساس الهويات، ويمكنني أن أضرب لكم العديد من الأمثلة، لكننا في مؤسسة «جسور من أجل السّلام» طورنا نوعًا من النظريات أو الملاحظات حول خطين فاصلين رئيسيين، أطلقنا على أحدهما خط التقسيم الرأسي، وهو الخط الذي يفصل ما بين مناصري العولمة ومناصري المحلية، وهما مجموعتان من الأشخاص لهما وجهات نظر مختلفة تمامًا عن بعضهم البعض، فأولئك الذين لديهم منظور حصري للعولمة، يتسمون بأنهم مرنون للغاية فيتحدثون اللغات المختلفة ويطوفون العالم، ولكن في الوقت نفسه يفقدون الإحساس بأصولهم وجذورهم وثقافاتهم، وعلى الجانب الآخر من هذا الخط الفاصل، نجد القسم الآخر من الأشخاص، المحليون، والذين انغمسوا بعمق في عاداتهم وثقافاتهم، وبالطبع تتحرك هاتان المجموعتان بشكل متزايد في اتجاهين متعاكسين، منصرفين عن بعضهما البعض وكارهين لبعضهما البعض.

ثم لدينا خط فاصل من نوع آخر، وهوما أسميناه الخط الأفقي، الذي يفصل ما بين مناصري العلمانية والمتدينين، فالقسم العلماني هنا يعتقدون أن الدين ليس له أي علاقة بالمجتمع ولا بالسياسة العامة وأنه أمر شخصي بحت، بينما على النقيض، نجد القسم الثاني من الأشخاص الذين يعتبرون أننا باعتبارنا أفرادًا، لسنا سوى انبثاق مطلق للروح والدين، وأن الدين يجب أن يتولى زمام السياسات العامة وكذلك المجال العام، وهاتين المجموعتين تذهب كل منهما في اتجاه معاكس للأخرى أيضًا.

ثم بعد ذلك لدينا عدة خطوط فاصلة أخرى؛ مثلاً الخط الفاصل ما بين مؤيدي المثلية الجنسية والتحول الجنسي وبين المجموعة الموجهة نحو بناء الأسرة، والخط الآخر ما بين مؤيدي الإجهاض والمعارضين له، وبين نشطاء المناخ وأولئك الذين يرفضون أو يتجاهلون كل ما له علاقة بذلك، وبين الأشخاص النباتيين وغيرهم ممن يأكلون اللحوم. كل هذه الموضوعات تعمل على تمزيق مجتمعاتنا وتؤدي، كما شاهدنا في عدد كبير من دول العالم التي اقتربت من الانهيار أو كما شاهدنا في العديد من المجتمعات المنقسمة للغاية، إلى أنه لم تَبْقَ أية قواسم مشتركة تقريبًا، ويتكرر الأمر أيضًا مع وسائل التواصل الاجتماعي، وتراجع دور السياسيين ونفوذهم في بعض الأحيان.

إن خطاب الكراهية والأخبار الكاذبة يجعلان لأولئك المتطرفين صوتًا مسموعًا وعاليًا، ونحن نرى مجتمعاتنا وقد أصبحت تشهد حالة استقطاب متزايد، لكن بطريقة ما، فإن واقع مجتمعاتنا لا يمثل هؤلاء المتطرفين الذين تُسمع أصواتهم كثيرًا بسبب وسائل التواصل الاجتماعي التي تعمل على تضخيم أصواتهم وإكسابها مزيدًا من التأثير، فواقع مجتمعنا يقع بين تلك الفئات من الأشخاص الذين يتذبذبون بين هؤلاء المتطرفين بطريقة ما، وهم من نطلق عليهم اسم الغالبية الصامتة من المعتدلين، وأحد واجباتنا، إن لم يكن هو الحتمية الرئيسية للقادة السياسيين وللمجتمع المدني ولوسائل الإعلام وللجميع هو تعزيز صوت المعتدلين، حيث أن محور حديثنا اليوم حول أنه يمكن للحكومات أن تلعب دورًا هائلاً من خلال السياسة العامة ومن خلال قوانين لمنع التوترات أو على الأقل التخفيف من مخاطرها، ولكن الحقيقة أنكم لا تلامسون قلوب أو عقول الناس باعتمادكم على السياسة العامة، وهنا يأتي دور «الجسور» ، وهم عبارة عن مجموعات كاملة من الأشخاص والأنشطة الذين يكون شغلهم الشاغل هو الربط بين الناس والتقارب بينهم.

أعلم أن الوقت المتبقي لي قصير، لكن اسمحوا لي أن أوضح وجهة نظري خلال دقيقة واحدة، فإذا اعتبرت الرياضة أو الموسيقى أو وسائل الترفيه أو الفن أو شتى القطاعات بشتى اختلافاتها مثالًا، ستجد أنها تقرب الناس من بعضهم البعض وتجمعهم سويًا بغض النظر عن معتقداتهم وهوياتهم، فمثلًا حين أذهب أنا أو أنت إلى ملعب كرة القدم أو إلى أي ساحة تقدم فيها الموسيقى أو أي مكان مشابه، فإننا لا نسأل من يجلس بجوارنا عن توجهه السياسي أو الديني أو الغذائي أو الجنسي، فلقد اجتمعنا في هذا الملعب مثلًا لنتشارك شغفنا بالرياضة، وهذه هي طريقة بناء مجتمعات مشتركة، لذا فإن ما نقوم به في مؤسسة «جسور لأجل السّلام» عن طريق العمل بشكل وثيق مع منظمة اليونيسكو ومجموعة واسعة من الشركاء حول العالم، أن نجعل هذه «الجسور»؛ سواء كانت الاتحادات الرياضية أو الفنون أو وسائل الترفيه أو حتى صناعة الأفلام، على وعي كامل بدورهم ومسؤوليتهم وقدرتهم، لأنهم يلامسون عقول الناس وقلوبهم، على أن يكونوا صانعين للسلام ودعاة له، وهذا هو جوهر ما نقوم به في مؤسستنا.

ولسوء الحظ، فإن الوقت لا يسمح لي بالخوض في مزيد من التفاصيل حول ذلك، لكنني أود فقط أن اقول إن هدفنا في الحقيقة هو إنشاء تحالف عالمي من منظمات ذات أنماط تفكير وتوجهات متشابهة يدعم دور السياسيين والحكومات، الذين لا يمكن الاستغناء عن دورهم بالطبع ولكنه مع الأسف غير كافٍ لتعزيز السّلام والتماسك المجتمعي، لذا فإننا في حاجة إلى إقامة ذلك التحالف وأن نُشرك تلك القطاعات الاقتصادية والفنية والثقافية جميعها ليكونوا دعاة للسلام، وفي هذا الصدد، أؤكد أننا حريصون جدًا على العمل مع مؤسسة البابطين وتوحيد جهودنا، لأنني أعتقد أن تلك المهمة ضخمة للغاية لدرجة أننا إذا كنا نريد حقًا أن يكون لنا تأثير فعلي، فنحن بحاجة إلى العمل معًا وبحاجة إلى أن نوحِّد جهودنا.

شكرًا جزيلًا لكم.

bottom of page