top of page

اليوم الأول: 3 مارس 2022
الجلسة الافتتاحية 11:15 - 10:30

فخامة الرئيس جورج فيلا، رئيس مالطا

معالي مرزوق الغانم، رئيس مجلس الأمة بدولة الكويت

السيد عبدالعزيز سعود البابطين، رئيس مؤسسة عبدالعزيز سعود البابطين الثقافية

معالي أنطونيو جوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة (كلمة مكتوبة)

معالي السيد عبدالله شاهد، رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة (رسالة فيديو مسجلة)

 


تقديم المنتدى

الدكتور تهامي العبدولي


         "السّلام العادل"، إنها كلمات ليست كالكلمات»، لن توفيها الكلمات حقَها لأنها أعظم من جُلِّ الكلمات.

         في السّلام العادل ثمَّة أنا وأنت وأنتم ونحن جميعًا، الواحد المتعدّد، بهويَّاتٍ متعددة في واحدة، هي هويّة الإنسان، متوحّدة ومجتمعة في عالم ممكن وعالم واجب الوجود… a possible world.

         من هناك من أقصى الشّرق العربيّ، شاعرٌ إنسانٌ جاء يسعى تحدوه رغبة حارقة burning desire أن يحقّق هدفًا أسمى وأسمى وأنبل، أتى من بلد صغير في مساحته لكنه عظيم في إنجازه: الكويت مركز العمل الإنسانيّ في العالم. جاء نحو جزيرة صغيرة المساحة هي الأخرى، دولة مالطا، لكنّها في قلب المتوسط مركز للحضارات مجمع للهويات، حين نزورها على تنوعنا حيثما وجهنا وجوهنا فيها وجدنا أنفسنا.

         فقَدَرُكُما أيها البلدان الصغيران مساحة أن تكونا أكبر من الأكبر بكتابة تاريخ السّلام العادل ليس ذلك الذي نتوهّمه أو نتخيله أو نظنه، بل ما ينبغي أن نحقّقه.

         جاء عبدالعزيز سعود البابطين، مُشبَعًا بالأمل والحـبّ والعدل في كل نفَسٍ منه، نحو رجلٍ مدَّ له يده، الرئيس جورج فيلا، رجل في تجربته السياسية يختزل الحكمة المتوسّطية والرّؤية بعيدة المدى، جورج فيلا الإنسان الذي يرفع رأسه في سماء المتوسّط فلا يرى غير عدالة السماء؛ عدالة الخالق.

         تعاهدا على خدمة الإنسان بأن ينبجس منه الإنسان القائد للسلام العادل من أجل السّلام العادل.

         لعلّكم لا تعرفونهما جيدًا، لكن إذا عرفتم السّلام العادل، عرفتم جورج فيلا وعبدالعزيز سعود البابطين.

         رجلان تعاهدا على قرع طبول العدل لأنّهما لا يعرفان سواها، أي طبول الفرح.

         أقول لهما باسمنا جميعًا.

         نُقدّركما تقديرًا جاوز التقدير بعضه.

         وفي طول عمرنا ليس يمكن عرضه.

         أطال اللّه عمركما، لأن العظماء يظلون دائمًا واقفين، ولأن السّلام العادل، فوق الأرض وليس تحتها.

         الإخوة الكرام، إنّهما يستحّقان منّا أن نقف لهما تبجيلًا. هما معلما السّلام العادل.

         Is it so long to see just peace tomorrow!

         هل سننتظر كثيرًا كي نرى السّلام العادل غدا!

         اليوم في هذا المنتدى نريد ألا ننتظر كثيرًا كي نرى السّلام العادل غدًا.

         بهذه الكلمات التي هي ليست كالكلمات ينطلق المنتدى العالمي الثّاني لثقافة السّلام العادل، لقاء مالطا 2022.

شكرًا.

 

 

 

 

كلمة فخامة رئيس جمهورية مالطا

الدكتور جورج فيلا


 

السّيد عبدالعزيز سعود البابطين،

أصحاب الفخامة الرّؤساء،

أصحاب المعالي رؤساء البرلمانات،

السّادة الحضور الأعزّاء،

         إنَّه ليسعدني أن أرّحب بكم في مالطا لحضور «المنتدى العالمي الثّاني لثقافة السّلام»، ولقد اجتمعنا هنا اليوم لنناقش مختلف جوانب القيادة من أجل السّلام العادل.

         أودّ أن أعبّر عن تقديري لمؤسّسة عبدالعزيز سعود البابطين الثقافية لاختيار مالطا لعقد «المنتدى العالمي الثاني لثقافة السّلام»، وهي اللحظة المناسبة والأكثر أهمية لمناقشة أجندة السّلام.

         إنَّ ما يشهده العالم الآن هو هجوم شائن على جميع مفاهيم الديمقراطية والاستقرار والسّيادة وسلامة الأراضي، حيث يشهد العالم تجاهلًا كاملًا للاتفاقيات والمؤسّسات الدولية.

         وإنّي على ثقة من أن الحاضرين في هذا المؤتمر سيشاركونني في أنَّنا نأمل في التوصّل إلى وقف سريع لإطلاق النار والعودة إلى طاولة المفاوضات وإيجاد حلول دبلوماسية، فالمأساة الإنسانية التي تتكشف أمام أعيننا غير مقبولة، وهي بالفعل لحظة حزينة لأوروّبا وللمجتمع الدوّلي كلّه.

         اسمحوا لي في البداية أن أقول وأكرر أن ما نشهده في القارة الأوروبية هو تهديد كبير للاستقرار وإهانة مباشرة للإنسانية.

         وبقلوب مثقلة، نرى أن ذلك ليس حالة فردية، حيث لا يزال البشر من جميع أنحاء العالم، يواجهون الاضطهاد والتهديد والعنف العسكريَّ والتفكّك المستمرّ للوجود المتناغم.

         لسوء الحظ، وضعتنا هذه الأحداث في مواجهة العواقب الوخيمة للحرب، وهو الشيء الذي اعتقدت أوروبا أنه شيء من الماضي.

         كان الشّاعر الروماني الكلاسيكي «فرجيل» محقًا حين قال «الحرب، الحرب مُروّعة»، فهذه الأحداث المروعة التي جلبت الفقر والموت لملايين الأبرياء، ما هي إلا صدًى للسياسات الخارجية والداخلية المدمّرة الأخرى التي تقرْها الدول، فلا مجال لأي عدوان أو تحدٍّ للقانون الدولي ومعاهدات حقوق الإنسان في هذا اليوم وهذا العصر.

         لا ينبغي، في فترة ما بعد الجائحة، أن نتحدث عن الحرب، ولكن يجب أن نتحدث عن الحوار وعن العدالة الاجتماعية والسّلام، وهذا هو بالضبط سبب قطع معظمكم مسافات طويلة للانضمام إلينا هنا في هذه النقاشات ضمن هذا الحضور الكريم هنا، لدينا العديد من ممثّلي البلدان من شتى أنحاء العالم، والعديد من الأشخاص من مختلف الثقافات وخلال اليومين المقبلين، سنتبادل الأفكار ونتناقش حول كيفية أن نكون جميعًا دعاة للسلام العادل، بغضّ النظر عن اختلاف الجنسيات أو الآراء.

         وإذا قمنا بتحليل تاريخ الحضارات السابقة، سنتوصّل إلى حقيقة واضحة مفادها أن السّلام في أغلب الأحيان كان سلامًا غير عادل، وما تمَّ تصويره على أنه عدالة، كان في أغلب الأحيان أكثر عدوانية وعنفًا من السلمية التي يصورونها، حيث فرض المنتصرون أفكارهم الخاصّة عن السّلام دون التّشاور مع الشّعوب التي يقع عليها الضرر، ووصفوا ما يحدث نتيجة لكّل ذلك بأنه السّلام؛ وهو ما أدى في كثير من الأحيان إلى فرض وقف مؤقت للعنف، وأدّى إلى خلق شعور بعدم الرضا لدى معظم الأطراف أو جميعها.

         كان "إيمانويل كانط" قد ذكر بالفعل في كتابه «السّلام الدائم» أن "... اتفاقيات السّلام يجب أن تتجنّب البنود التي تحمل بذور اندلاع المزيد من الحروب ..." كما ذكر "كانط"، وهو رجل ذائع الصيت، أن "...هناك التزام أخلاقي بالسّلام ..."، لذلك يتبادر إلى الذهن بعض الأسئلة؛ ماذا نريد أن نحقق بالسّلام؟ كيف يمكن أن نجعله سلامًا عادلاً؟ والأهم من كل شيء، كيف نجعل هذا السّلام سلامًا دائمًا؟

         اقترح البروفيسور "جون جال تونج"، الذي كان رائدًا في نظريات السّلام المعاصرة، تعريف السّلام على أنَّه "...مهمة لا تنتهي أبدًا..." في تلك المقولة الكثير من الحقيقة فقد تطوَّر تعريف السّلام على مدى الأزمنة والعصور، وانتقلنا من مفهوم أن «السّلام ما هو إلا غياب الحرب، أو غياب العنف، أو غياب الوضع السياسي المعاكس للحرب»، إلى ما قام به العلماء المعاصرون من تفسير للسَّلَام العادل على أنه "حالة اجتماعية من الرفاه، تتوافق فيها جميع العلاقات".

         يعالج السّلام العادل العنف الهيكلي والعنف المباشر على حدٍّ سواء، فيشمل شفاء صدمات العدالة التصالحية، وتحول الصراعات، واستراتيجيات بناء السّلام التي تضع الإنسان في مركز كل هذا، كما أنه يصنع توازنًا متساويًا بين السّلام والعدالة، وهذه الصلة بين السّلام والعدالة هي جوهر عمل الأمم المتحدة، والواقع أن إعلان الأمم المتحدة بشأن الحق في السّلام ينصُّ على أنَّ السّلام ليس عدم وجود النزاع فحسب، بل يتطلَّب أيضًا عملية تشاركية ديناميكية إيجابية، يتم فيها تشجيع الحوار وحل الصراعات بروح من التفاهم المتبادل والتنمية الاقتصادية الاجتماعية المضمونة.

         وعلاوة على ذلك، يصف إعلان الأمم المتحدة بشأن ثقافة السّلام وبرنامج علمها، المعتمديْن في سبتمبر 1999، ثقافة السّلام بأنها مجموعة من القيم والمواقف والتقاليد وأنماط السلوك وأساليب الحياة، التي تستند إلى احترام الحياة وإنهاء العنف وتعزيز ممارسة اللاَّعنف من خلال التعليم والحوار والتعاون.

         أصحاب الفخامة والمعالي والسعادة، الحضور الكريم، الذين ستساعدنا تعاريفهم ونظرياتهم على فهم تلك العملية، نحن في حاجة إلى استيعاب هذا الأمر وكذلك تطوير أدوات جديدة بهدف تحقيق السّلام، كما يجب أن تكون لدينا نظرة عامة وواقعية للأوضاع على أرض الواقع.

         لقد قيل إن الصلة بين العدالة والسّلام كثيرًا ما تطغى عليها مخاوف أكثر إلحاحًا مثل الأمن والاستقرار، وكثيرًا ما تتغير الدلالات لتلائم مصالحنا الشخصية فتطغى على الصالح العام، وبخصوص هذه النقطة، يجب أن تتكاتف جهودنا معًا باعتبارنا قادة وبرلمانيين وأكاديميين ومجتمعًا مدنيًا.

          ولا يمكننا أن نحظى بالسّلام العادل إذا كنا لا نزال نعيش في عالم من التفاوتات، كبيرة كانت أم صغيرة، ولا يمكن أن يكون سلامٌ عندما يعادي الناس بعضهم البعض لمجرد أنهم مختلفون أو يُعاملون معاملة مختلفة، ولا يمكن أن يكون سلامٌ حيث توجد مظالم اجتماعية وحيث توجد نزاعات صناعية مزمنة، ولا يمكن أن يكون سلامٌ حيث توجد عنصرية وكراهية الأجانب ونبذ للآخرين، كما أن مبدأ المسالمة أيضًا شيء خطير جدًا، ولا يمكن أن نغض الطرف عن أولئك الذين يعيشون في فقر أو في أوضاع هشة، ولا نستطيع أن نتجاهل محنة من وقع عليهم نوع من الضرر نتيجة الإعاقة، أو البطالة المزمنة، أو الإدمان، أو الإجرام؛ وهذه بعض المجالات التي نحتاج إلى معالجتها في هذا الصدد.

         كما نحتاج إلى أن ندعم دور النساء والفتيات في شتى مناحي الحياة، وأن نحافظ على استمرارية ذلك الدور من خلال مشاركات نشطة وهادفة للنساء والفتيات في المجتمع، لأنَّ النساء يشكلن نصف سكان العالم، ولا غنى عن مساهمتهنّ لضمان وجودٍ عادل وسلمي. ولقد أدركنا هذا الواقع وبكل أسف في وقت متأخر، ولكن هذا لا يُعد مبررًا لكي لا نغير ما اعتدنا عليه في الماضي، بل على العكس من ذلك، ينبغي أن يعلمنا ذلك أن نعوض كل الوقت الذي أهدرناه حين لم نستغل القدرات الكامنة في النساء والفتيات على أفضل وجه.

         وعلينا أيضًا أن نستمع بقدر أكبر إلى أصوات الشباب، فهم ليسوا المستقبل فحسب، بل هم حاضر حي بيننا، وما نقوم به سيؤثر فيهم في السنوات المقبلة، نحن بحاجة إلى أن نفهم أن مشاركة العديد من الشباب الموهوبين سيساعد في تطوير وتحويل نُظمٍ أفضل من شأنها أن تجعل عالمنا أكثر عدلاً.

         ثمة اعتبار هام آخر، وهو خلق بيئة من السّلام والحوار واحترام المعتقدات المختلفة. فغالبًا ما تستخدم المعتقدات ذريعة لبدء النزاعات، ولكن نشر المزيد من التسامح والمزيد من قبول الآخر سيبني حالة من الثقة، ويقلل من مخاوف أن تفرض مجموعة ما سيطرتها على أخرى، مما يعزز الشعور بالتفاهم ويقلل من الحاجة إلى اللجوء إلى الممارسات العنيفة إلى حدها الأدنى.

         كما أنَّ تَغيُّرَ المناخ، بما في ذلك الآثار المترتبة عليه فيما يخص أمن الغذاء والطاقة، هو مجال آخر يستحق اهتمامنا، فرفاه كثير من الناس يعتمد على هذه المجالات، والتغيرات الجذرية التي تحدث في البيئة تفرض على الكثيرين أحيانًا النزوح إلى مناطق جديدة، والبحث عن حياة وفرص أفضل، كما أن الجفاف وتدهور المحاصيل والتصحر؛ كلها ظروف بيئية يمكن أن تؤثر في مجتمعات بأكملها وتنهي أيَّ سلام قائم.

         وثمة مصدر قلق آخر، وأنا واثق من أن الكثير منا يشتركون معي فيه، هو سهولة الوصول إلى الأسلحة الصغيرة والخفيفة، فباستخدام هذه الأسلحة، تندلع وتيرة معظم النزاعات، كبيرة كانت أم صغيرة، لذا يجب تفعيل ضوابط توزيع تلك الأسلحة الصغيرة والخفيفة، مع الحدِّ من الأنشطة العنيفة والعدوانية التي تؤدي إلى نشوب الصراعات ونزوح السكان، وبالتالي، إلى حالات الطوارئ الإنسانية الكبرى، مثل المجاعات التي تنتج عن حالة فشل وصول المساعدات الإنسانية والأدوية، أو منعها من الوصول في الأساس.

أصحاب السعادة والمشاركين الأعزاء،

         يمكننا جميعًا إحداث فرق فيما يخص تعزيز ثقافة السّلام العادل، ولقد علَّمنا الوباء العالمي جميعًا كيف أن التعاون الدولي والتضامن المتعدد الأطراف أمران ضروريان لضمان عدم تخلف أحد عن الركب.

         حدَّدت خطة الأمم المتحدة لعام 2030 وأهداف التنمية المستدامة 17 معيارًا لتحقيق عالم أكثر عدلاً وإنصافًا، ولكن الأمر متروك لنا لتحديد مدى تحقيقها، واسمحوا لي أن أشير إلى أنه لم يتبق على عام 2030 سوى 8 سنوات من الآن، إذ تقع على عاتقنا مسؤولية مواصلة العمل على المستوى المحلي لتحقيق هذه الأهداف، كما شعرتُ أيضًا بالحاجة الملحة للمساهمة، هنا في مالطا، في تعزيز وحدتنا الوطنية، ولتحقيق هذا الغرض، سيظهر هذا التأثير جليًا خلال الأسابيع القادمة، حين ترى المؤسسة استمرار هذا الحوار والتفاهم عبر جميع الرئاسات المستقبلية.

         وعلى المستوى متعدد الأطراف، تهدف مالطا حاليًا إلى أن يتم انتخابها لعضوية مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في وقت لاحق من هذا العام، كما أنَّ مالطا لأنَّها دولة صغيرة محايدة وذات موقع استراتيجي في وسط البحر الأبيض المتوسط ​، كانت دائمًا جسرًا بين الدول المطلة على الشواطئ الشمالية والجنوبية للبحر الأبيض المتوسط، كما أن هدفنا هو الاستمرار في نشر السّلام بشكل أكبر داخل هياكل الأمم المتحدة.

أصحاب الفخامة والمعالي والسعادة،

الحضور الكريم،

         أتطلع خلال اليومين القادمين إلى الاستماع إلى المناقشات والآراء حول الطرق والوسائل التي يمكن للقيادة أن تعزز من خلالها ثقافة السّلام العادل، وآمل أن تحظوا جميعًا بإقامة سعيدة هنا في مالطا.

         أود أيضًا أن أشارككم إحدى ملاحظات «غراهام سيمبسون»، المؤلف الكبير الذي كتب عن الشباب والسّلام والأمن، والذي كلفه الأمين العام للأمم المتحدة بتنفيذ تقرير مرحلي على النحو المنصوص عليه في قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2250 بشأن الشباب والسّلام والأمن؛ فقد قال "...إن العدالة والسّلام جزء من سلسلة متصلة..."، مما يعني أننا بحاجة إلى العمل على الحفاظ على توازن العدالة والسلام كل يوم لضمان تحويل السّلام العادل إلى سلام دائم ومستدام.

         وأختتم حديثي بالإعراب عن دعمي الكامل للأفكار التي عبر عنها سعادة عبدالعزيز سعود البابطين في كتابه "تأملات من أجل السّلام العادل" للبشرية جمعاء لاعتناق السّلام على أنّه قيمة وهدف وأسلوب حياة.

شكرًا لكم على انتباهكم.



كلمة معالي رئيس مجلس الأمة الكويتي

السيد مرزوق الغانم


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين

والصلاة والسّلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد النبي الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين.

فخامة الرئيس جورج فيلا، رئيس جمهورية مالطا الصديقة،

العم الفاضل الأستاذ عبدالعزيز سعود البابطين، رئيس مؤسسة عبدالعزيز سعود البابطين الثقافية،

معالي الأخ أنجيلو فاروجيا، رئيس برلمان مالطا،

أصحاب الفخامة والمعالي والسعادة،

الحضور الكرام،

السّلام عليكم ورحمة اللَّه وبركاته.

         بداية أجد لزاما عليَّ أن أتوجه برسالة حب وصدق وعرفان إلى العم الكبير عبدالعزيز سعود البابطين، على دعوته الكريمة ورسالته الصادقة. إن ما تفعله أيها الكريم من نشاطات ثقافية ومنتديات معرفية عالمية، أمر مهمّ جدًا، وثق أننا مسكونون بـ العرفان لما تقوم به، فأنْ تجمع مثل تلك القامات السياسية والثقافية من مختلف أقطار العالم، وأن تربط تلك النخب الفكرية بقضايا مصيرية عابرة للقارات والأديان والأعراق أمر ليس بالسهل، وأعرف أنه يحتاج إلى مثابرة وجهد وطاقة، كتلك التي تملكها ويحسدك عليها الكثير، فلك منا جميعًا كل الشّكر والتّقدير.

         وأسأل الله أن يوفقك فيما تعمل، ويسدّد خطاك فيما تمضي إليه، وأن تبقى مؤسسة عبدالعزيز البابطين الثقافية منارة وشعلة وقدوة.

         والشكر موصول لمالطا الصديقة، رئيسًا وشعبًا.. إن رعايتكم واستضافتكم لهذا المنتدى المهم، يا فخامة الرئيس، يعكس حرصكم وحرص مالطا على احتضان كل ما من شأنه تجسير الهوات الثقافية بين شعوب الأرض، وترسيخ ثقافة السّلام والتعايش.

         كيف لا ومالطا التي تتربع في قلب البحر المتوسط، كانت ومنذ القدم، وبالرغم من صغرها، مسرحًا لما مر بالمنطقة من أمم وحضارات عريقة، من فينيقيين وإغريق ورومان وعرب ونورمان وعشرات الحضارات والثقافات، فكانت بحق شاهدة وتجسيدًا حقيقيًا للتنوع الثقافي الإنساني، فشكرًا لكم يا فخامة الرئيس على حسن الضيافة وكرم الوفادة، وشكرًا لشعب مالطا الصديق.

الإخوة الحضور،

         وأنا اقرأ مصطلح "ثقافة السّلام"، الذي تسمّى به المنتدى منذ لاهاي 2019، يتبادر إلى ذهني سؤال: هل يحتاج السّلام الى ثقافة؟ وبالتبعية، هل هناك ثقافة للحرب والتصارع بصفتهما نقيضًا للسلام؟، "عن نفسي، أجيب بنعم"، لأنَ للأسفَ العنصرية والتمذهب والتمييز والتحزب الضيق والرغبة في التوسع والنزعات الاستعمارية، كلها ثيمات ثقافية، وكلها مواد خام أولية تتغذى بنسق ثقافي ممنهج، وتكون مآلاتها دائمًا الاحتراب والتصارع والفوبيا المتبادلة.

         لذلك، فإنَّ مفهوم السّلام مفهوم ثقافي بالدرجة الأولى قبل أن يكون سياسيًا، بمعنى آخر، جنوح الإنسان إلى السّلام والتصالح لا يجب أن يكون هدفًا تكتيكيًا، ولا يجب أن يكون ناتجًا عن عجزك عن الحرب أو كسبًا للوقت. السّلام يجب أن يكون هدفًا استراتيجيًا، وغاية أخيرة، ونهج حياة وطريقة عيش، أو بعبارة أخرى ثقافة.

         ولكي يتحقق ذلك، فإننا مطالبون دائمًا بتعزيز ثقافة الوحدة الإنسانية المبنية على احترام التنوع، ثقافة التكامل والتعاون، بدلًا من ثقافة الاستغلال والاختراق والتفوق العرقي أو الديني.

 الإخوة الحضور،

         ولأنَّني في هذا المنتدى أتحدث كوني برلمانيًا، إلى جانب ثلة من البرلمانيين المرموقين من كافة أقاليم العالم، فسأشدد على حقيقة أن دور البرلمانات والبرلمانيين في إشاعة وترسيخ ثقافة السّلام، هو دور محوري ومفصلي.

         ولأن البرلمان هو صوت الناس، فالناس بالضرورة تجنح للسلم، فالشعوب مهمومة بلقمة العيش والسكن المحترم والأمن والتعليم والخدمات العامة الجيدة وغيرها من المطالب الإنسانية الطبيعية.

         أما بعض أصحاب النفوذ والمهووسون بالتوسع والتربح والسيطرة، فهؤلاء هم المستفيدون من الاحترابات، ويكون الناس وقودًا لتلك الصراعات؛ مرة باسم الدين، وتارة باسم الوطن، ومرة باسم العرق، وغيرها، لذلك فدور البرلمانات الحقيقي، هو دور تنويري، أو هكذا يجب أن يكون، والخطر كل الخطر عندما تتحول البرلمانات إلى منتديات لتكريس الشعبوية والغوغائية وتأجيج العواطف والغرائز البدائية وكل أنواع التوحش السياسي.

          أقول هذا الكلام، لأن السّلام بطبعه أمر يتعلق بالاستثمار بالمستقبل لا اللحظة الراهنة، ولأن السّلام طريقة عيش أبدية وليس أمرًا طارئًا، ولأن بناء السّلام – كما قلتُ في منتدى لاهاي قبل ثلاث سنوات - يحتاج إلى عقلاء كثر، بينما الحرب تحتاج أحيانًا إلى شخص واحد أحمق، فهنا تبرز أهمية الممارسة البرلمانية الرشيدة؛ الممارسة التي تدفع باتجاه السلم الأهلي والأمن المجتمعي، حتى وإن كانت على حساب الخسائر الشخصية.

         وأنا على المستوى الشخصي وبعد تجربة برلمانية عمرها 16 عامًا، أقول آسفًا إن الكثير من البرلمانيين في كل بقاع العالم يعملون للانتخابات القادمة بدلًا من العمل للأجيال القادمة، إلاَّ من رحم اللَّه، حتى لو كان الطريق إلى الانتخابات القادمة يتطلب خطابًا عُصابيًا موتورًا، خطابًا مفرِّقًا لا جامعًا، خطابًا عاطفيًا وانفعاليًا لا خطابًا عقلانيًا وهادئًا.

         السّلام، أيها الأخوة، يحتاج الى هدوء وحكمة ونضج وتعقل وتروٍ وتقليب الآراء على أكثر من وجه؛ السّلام يحتاج الى خطاب التفهّم لا التشكيك، خطاب الوعد لا الوعيد، خطاب المستقبل بكل ما يتطلبه من بُعد نظر ومسؤولية وأمانة.

         هذا هو التحدي الحقيقي أمام كلّ برلمانيّي العالم؛ اتباع الحكمة بدلًا من دغدغة العواطف، التصارح بدلًا من التسويف، والعمل للمستقبل بدلًا من استنزاف الحاضر بكل ما فيه من عابرية ومؤقتية وزوال، وأنا أمامي الآن الكثير من القامات وأدرك جيدًا أنهم يعرفون ماذا أعني بكلامي.

         لذلك أيها الإخوة والأخوات، إن الاستثمار في ثقافة السّلام ليس ترفًا أو لغوًا أو لهوًا، بل هو خيار استراتيجي وحيد، لأن كل البدائل مقلقة ومُدمّرة وتنذر بالكوارث، إذا لم تكن الآن، فبالتأكيد بعد حين، والتاريخ يخبرنا أن كل الحروب خاسرة، وكل الصراعات تحمل في طياتها آثارًا مدمرة، آنية وبعيدة المدى، وأن السّلام شرط أساسي ووحيد لكل تنمية وتقدم.

         ختامًا، شكرًا لمؤسسة عبدالعزيز البابطين الثقافية مرة أخرى على هذه الفرصة التي تَجَمَّعَ من خلالها أسماء ثقيلة الوزن سياسيًا وفكريًا، والشكر مجددًا مرة أخرى للعم الفاضل عبد العزيز سعود البابطين الذي يقوم بجهد تنويري مهم وفارق في التعاطي مع قضايا الإنسان الملحة، في وقت يمور فيه العالم بصراعات مكلفة إنسانيًا، جلها كان بالإمكان تفاديه وتحاشيه لو أعطي للعقل فرصة وللحكمة فسحة.

         ولا أنسى مرة أخرى أن أتوجه بالشكر الجزيل لجمهورية مالطا، رئيسًا وقيادةً وشعبًا.

شكرًا لكم،

والسّلام عليكم ورحمة الله وبركاته




كلمة رئيس مؤسسة عبدالعزيز سعود البابطين الثقافية

السيد عبدالعزيز سعود البابطين


فخامةَ رئيسِ جمهوريةِ مالطا، الدكتور جورج فيلا

فخامةَ رئيسِ جمهوريةِ ألبانيا، السّيد إيلير ميتا

فخامةَ رئيسِ جمهوريةِ كوسوفو، السيدة فيجوزا عثماني

معالي رئيسِ البرلمان المالطي، أنجلو فاروجيا

معالي رئيسِ مجلسِ الأمّةِ الكويتي، السّيد مرزوق الغانم

معالي السيد محمد ناشيد، رئيسِ برلمانِ جمهوريةِ المالديف

السَّادَةُ الرُّؤسَاءُ،

السادةُ نوابُ رؤساءِ البرلماناتِ والسادةُ البرلمانيون،

السادةُ الأمناءُ العامونَ والمدراءُ العامونَ للمنظماتِ الدوليةِ وممثلو المؤسساتِ التعليميةِ وممثلو منظماتِ المجتمعِ المدني،

السَّادَةُ الوزَرَاءُ،

السيداتُ والسَّادَةُ السُّفَراءُ،

السَّيداتُ والسُّادةُ الحُضورُ،

السَّلامُ عليكُمْ ورَحْمَةُ اللهِ وَبَركاتهُ.

         يُسعِدُني، في إِطارِ التَّعاونِ بينَ مُؤسسةِ عَبدِالعزيزِ سُعودِ البابطين الثقافيةِ ورئاسةِ جمهوريةِ مالطا الصديقة أَنْ أتقدَّمَ بجزيلِ الشكرِ إلى فخامةِ الرئيسِ الدكتور جورج فيلا على استضافةِ المُنتدَى العَالَميِّ الثاني لثقافةِ السّلامِ العادلِ، ورعايتِهِ وحضورِه. وهو ما يؤكدُ إيمانَهُ بتوجُّهاتِنَا والتزامَهُ والتزامَ دولةِ مالطا بالدفاعِ عن السّلامِ العادل.

         وإنه لَيطيبُ لي أيضًا أنْ أُرَحِّبَ بِكُمْ جَميعًا وأن أشكرَكُم على الحضورِ والمشاركةِ التي ستكونُ دونَ شكٍّ قِيمةً نوعيّةً. كما أنّني أعتذرُ للسادةِ الرؤساءِ الذين وافقوا على الحضورِ والتزمُوا بذلك، ولكنَّ جائحةَ كورونا والشروطَ الصحيَّة المُتّبَعةَ في السفرِ منعتهُم من ذلكَ، وهم فخامةُ رئيسِ مونتينيجرو مِيلُو دوكانوفِيتشْ، وفخامةُ رئيسِ جمهوريةِ السودانِ الجنوبي سَالفا كير، وفخامةُ رئيسِ البرتغالِ مارسيلُو ريبَالُو دي سُوسَا الذي اعتذرَ في آخرِ لحظةٍ لأسبابٍ قاهرةٍ. وكذلك نائبُ رئيسِ كينيا وِليَامْ رُوتُو، وملكُ مملكةِ تورو أُويو نِيامْبا. إنّهم الغائبونَ الحاضرونَ بينَنا. فلهم مِنّا كلُّ التقديرِ.

         إِنَّ جهودَنَا مستمرةٌ لتنفيذِ مُبَادَرَتِنَا حَولَ «ثقَافَةِ السَّلامِ العادلِ مِنْ أَجْلِ أَمْنِ أَجْيَالِ المُستَقبلِ»، وأذكرُ أنَّنا قَدَّمْنَاهَا في جَلْسَتيْنِ مُتَتَالِيَتَينِ إلى الجَمْعِيَّةِ العَامَّةِ للأُممِ المُتحدَةِ في السَّابِعِ مِنْ سِبتَمبر عَامَ 2017 ثمَّ في الخَامِسِ مِنْ سِبتَمبَر 2018، بِهَدفِ تَدْريسِ مَبادِئِ ثَقافَةِ السَّلامِ العادلِ بينَ الطلَبَةِ مِنَ الحَضَانَةِ إلى الجَامِعَةِ وحظيتْ بموافقةِ واعتمادِ مكتبِ رئيسِ الجمعية العامة.

         كان المنتدى الأوَّلُ في محكمةِ العدلِ الدوليةِ في لاهاي بهولندا خطوةً أولى نَحْوَ تَدْريسِ ثقافَةِ السَّلامِ وحِمَايَةِ التُّرَاثِ الثقافِيِّ، ورَكَّزْنَا على العِرَاقِ واليَمَنِ مِنْ أَجْلِ حِمَايَةِ التُّرَاثِ الثقافِيِّ في هَذينِ البَلَدَينِ، وعلى جُمهورِيَّةِ إفرِيقيا الوُسْطَى لإحلالِ السّلامِ داخلَها.

السيداتُ والسادَةُ..

         إنَّ لقاءَنا اليومَ الذي يتمُّ في مالطا في العاصمة فاليتا ضِمنَ المنتدى العالميِّ الثاني حولَ «القيادةِ من أجلِ السّلامِ العادلِ» يكتسبُ رمزيتيْنِ خاصَّتيْنِ. الرمزيةُ الأولى هي رمزيةُ المكانِ، فجزيرةُ مالطا رمزُ التعايشِ بينَ الشعوبِ وهي فُسيفساءُ جميلةٌ مِن الثقافاتِ والحضارات: فينيقيّةٍ وقرطاجنيّةٍ ورومانيّةٍ وبيزنطيّةٍ وعربيّةٍ ونورمانيّةٍ وإسبانيّةٍ وفرنسيّةٍ وإنجليزيّةٍ، وتتعايشُ فيها كلُّ الأديانِ. إن لها هُويّةً جامعةً فريدةً ووحدةً وطنيةً متميّزةً. إذنْ هي مثالٌ يجبُ أن يُقتدى به.

         أما الرمزيةُ الثانية، فهي الإجماعُ على هدفٍ مشتركٍ واحدٍ وغايةٍ نبيلةٍ ساميةٍ: «السَّلامُ العادلُ». وهذا الجَمْعُ الطيِّبُ مِنَ الإخوةِ والأصدقاءِ، هو مِنْ حوالي سبعٍ وعشرينَ دولةً وخمسِ قارّاتٍ، وبمشاركةِ مؤسساتٍ قياديةٍ في العالمِ في الجلساتِ الثلاثِ، مُتمثلةً في رئاساتِ جمهورياتٍ، وحكوماتٍ، وبرلماناتٍ، ومؤسساتٍ دوليةٍ، ومدنيةٍ. إنها مشاركةٌ عاليةُ المستوى تدلُّ على أن هناكَ إجماعًا مُنقطعَ النظيرِ على ما نقومُ به وما نودُّ تحقيقَهُ وهذا يندرجُ ضِمنَ ما جعلتُهُ في كتابي «تأملاتٌ من أجلِ السّلامِ العادلِ» وسيلةً خامسةً وسَمّيتُهَا «العملَ التفاعليَّ المشتركَ». فبمثلِ هذا الإجماعِ وهذا التفاعلِ سنواصلُ بثقةٍ كبيرةٍ وثباتٍ مسارَ عملِنَا. ويجبُ أن نتيقَّظَ ههنا، فنحن جميعًا مُؤمنونَ بِقِيَمِ السَّلامِ العَادِلِ، لكنَّ الإيمانَ وحدَهُ غيرُ كافٍ إذا لم يقترنْ بالفعلِ والعملِ، فعلينا أنْ نتقدَّمَ سويًّا لإنجازٍ عظيمٍ مِنْ أَجلِ المُحَافَظةِ على إِنسانِيةِ الإنْسَانِ، وعَلَى قِيمِ الإنسَانيةِ الرَّفيعَةِ بدايةً بنشرِ ثقافةِ السَّلامِ العادلِ وتجفيفِ منابعِ الظلمِ ثمَّ تحقيقِ الوِئامِ.

         أيها القادةُ السياسيونَ وممثلو المؤسساتِ والخبراءُ رفيعو المستوى في الهيئاتِ الحكوميةِ الدوليةِ ومنظماتِ المجتمعِ المدنيِّ والمثقفونَ، إنكم تجتمعونَ اليومَ وغـدًا للتحاورِ بصدقٍ حولَ كيفيةِ دفعِ المجتمعِ الدوليِّ ضِمنَ مسارٍ مِنَ التعاونِ لإعدادِ مشروعِ «القيادةِ من أجلِ السّلامِ العادلِ وتأسيسِ مِنَصّةٍ عالميةٍ خاصةٍ بذلك». وهو ما يقتضي تحفيزَ جميعِ الأطرافِ المعنيةِ على المستوى السياسيِّ والاجتماعيِّ والتعليميِّ، مِن أجلِ العملِ مُؤَسَّساتيًّا وجماعيًّا بصفتِكُم «قادةَ السَّلامِ العادل» من أجلِ أمنِ مستقبلِ العالم.

         هي رحلتُنَا معًا مِن أجلِ السَّلامِ العادلِ ومن أجلِ إرساءِ ثقافتِه، والوعيِ بضرورتهِ والانتصارِ له، ويجبُ ألَّا نتوقفَ وأنْ نُذكّرَ وأنْ نُكرّرَ المحاولةَ وفي النهايةِ سننجحُ بإذنْ الله.

         وفَّقنا اللَّـهُ جميعًا، شكرًا فخامةَ الرئيس جورج فيلا وشكرًا أيها السيداتُ والسادةُ القادةُ وشكرًا للأخواتِ والإخوةِ الحاضرينَ..

والسّلامُ عليكم ورحمةُ اللّهِ وبركاته.



كلمة معالي الأمين العام للأمم المتحدة

 أنطونيو جوتيريش

(رسالة مكتوبة)


         يسرّني أن أوجّه تحيّاتي إلى الحاضرين في المنتدى العالمي الثّاني لثقافة السّلام.

         أشكركم على اجتماعكم من أجل استكشاف الآليات المؤسسية والبرامج التعليمية والأدوات وخطط العمل اللازمة لدعم «القيادة من أجل السّلام العادل».

         إن عالمنا يعيش في حالة من الاضطراب.

         وبدأت الصراعات تخرج عن نطاق السيطرة.

         وبدأت الفجوات الجيوسياسية تزداد عمقًا، وهو الأمر الذي يعوق الجهود الرامية إلى تحقيق السّلام.

         وقد بدأت حالة عدم الثقة والانقسام في دفع الناس بعيدًا عن بعضهم بعضا.

         وتسببت جائحة كورونا في وقوع الدّمار في كل مكان وسبَّبَتْ زيادةً في معدلات عدم المساواة والفقر.

         كما أنَّ أزمة المناخ بدأت تتفاقم، مما يؤدي إلى تفاقم أوجه الضعف وتصاعد الاحتياجات الإنسانية.

         ويجب أن تكون استجابتنا لجميع هذه التحديات متأصلة في التضامن وأن نركز على التعاون الفعال المتعدد الأطراف.

         إن مفهوم ثقافة السّلام يوفر إطارًا فكريًا ودافعًا سياسيًا للعمل.

         إنه يُجسّد التَّوقَ لجعل السّلام سبيلًا إلى الحياة.

         ويجب أن يكون السّلام هدفنا ودليلنا.

         فالكرامة والأمل والتقدم والرخاء كلها تعتمد على السّلام، ولكن السّلام يعتمد علينا.

         ويعتبر السّلام أمرًا أصيلًا في صميم ميثاق الأمم المتحدة وفي كل ما نفعله.

         فلْنلتزمْ بثقافة السّلام اليومَ وكلَّ يومٍ.

         أتمنى لكم النجاح في هذا المنتدى.

 

 

 

كلمة معالي رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة

 عبدالله شاهد

(رسالة فيديو مسجلة)


فخامة الدكتور جورج فيلا، رئيس جمهورية مالطا،

السيد عبد العزيز سعود البابطين، رئيس مؤسسة عبد العزيز سعود البابطين الثقافية،

الزملاء والأصدقاء الكرام،

         لقد بدأنا هذا العام الجديد بمواجهة العديد من التحديات القديمة والحديثة، مثل التوترات الدولية المتصاعدة، وحالة من عدم الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، وسلاسل التوريد العالمية المعرضة للخطر، وتغيّرات المناخ، وأزمات اللاجئين والأزمات الإنسانية الأخرى، واستمرار جائحة كورونا الذي لا يزال يلوح في الأفق مهددًا وجودنا.

         وتهدد هذه التحديات مجتمِعةً النِّظام مَتعدِّدَ الأطراف الذي ساهم في تأسيس عالمنا الحالي، وحافظ على استقراره منذ الحرب العالمية الثانية، فتلك التحديات تعزز حالة الاستياء وانعدام الثقة، وتهدد بهدم كل العمل الشاق الذي قمنا به على مدى عقود، لتشكيل نظامٍ عالميٍّ للتعاون والسّلام.

         والآن، نحن بحاجة، أكثر من أي وقت مضى، إلى إعادة الالتزام بثقافة السّلام، وتعزيز البنية المتعددة الأطراف اللّازمة لازدهار ذلك السّلام.

         ولنحقق النجاح المنشود في ذلك، يجب أن ننتهج منهجًا شموليًا، وأن نشكل نظامًا متعدد الأطراف يعود بالفائدة علينا جميعًا، نظامًا يتصدى للتحديات التي تواجه المجتمعات المهمشة، مدعومًا بمؤسسات قوية، ويستثمر في الشباب الذين سيكونون في يوم من الأيام رعاةً له.

أصحاب الفخامة والمعالي والسعادة،

         وكما أظهر الوباء، فإن المجتمعات التي تم تهميشها ولم تحظ بالقدر الكافي من الاهتمام هي نفسها التي تتحمل النصيب الأكبر من الخسائر البشرية التي نتجت عن هذه الأزمات العالمية، كما أن هذا الوباء أدى إلى تفاقم حدة الانتهاكات العديدة التي كانت تعاني منها تلك المجتمعات في الأصل، مثل؛ الفقر، والإقصاء، والتمييز، وعدم المساواة، وانتهاكات حقوق الإنسان، كما أن هذه الانتهاكات تؤجج بدورها حالة من الاستياء والصراع المحتمل.

         ولهذا السبب، يجب على الأمم المتحدة أن تعمل جنبًا إلى جنب مع جميع أصحاب المصلحة، بما في ذلك الجهات الفاعلة المحلية والمجتمع المدني، لتحديد التحديات التي يواجهها القسم الجنوبي من العالم، ولا سيما البلدان الأقل نموّاً، والبلدان النامية غير الساحلية، والدول الجُزرية الصغيرة النامية.

         ويجب علينا أن نحشد جهودنا لتلبية أهداف خطة التنمية المستدامة لعام 2030 في الوقت المحدد وبطريقة شاملة وكاملة، فهذه هي الطريقة التي سنضمن بها أن الجميع سيستفيد من حالة التعافي العالمي، وأن ذلك التعافي سيخفف من حدة الظروف الاجتماعية والاقتصادية التي تؤدي إلى حالة القلق الجماعي والصراع.

         ولا يجب، تحت أي ظرف من الظروف، أن ينظر جزءٌ من الناس إلى مستقبل عالمهم في مرحلة ما بعد الوباء على أنه سيكون «أفضل حالًا» بينما يرى الجزء الآخر أن ذلك العالم سيكون «أسوأ حالًا» مما كان عليه قبل أن يبدأ كل هذا، فذلك بالطبع لن يؤدي أبدًا إلى أي نتيجة إيجابية.

أصحاب الفخامة والمعالي والسعادة،

         لترسيخ ثقافة السّلام وصَوْنِها، يجب على الأفراد والجماعات والحكومات أن يقوموا بالسعي بشكل استباقي نحو تحقيق ذلك من خلال عملية استراتيجية تعمل على بناء الظروف المناسبة لازدهارها.

         والسعي إلى بناء ثقافة السّلام عملية نشطة تنطوي على نهج تصاعدي، ويهدف إلى منع جميع أشكال العنف وتقليله ومساعدة الناس على التعافي من شتى أشكاله.

         وفي هذه المرحلة الحاسمة من التاريخ، أصبح من الضروري أن نعزز آليات منع نشوب الصراعات. وتحقيقًا لتلك الغاية، أتفق تمامًا مع دعوات الأمين العام للأمم المتحدة إلى زيادة الاستثمار العالمي في بناء السّلام، حيث يدرك المجتمع الدولي الآن الدور القيِّم لبناء السّلام في مساعدة البلدان على أن تحافظ على السّلام من تلقاء نفسها، من خلال دعم مؤسساتها وحكمها.

         وتماشياً مع القراريْن التوأميْن الصادريْن عام 2020 بشأن خطة بناء السّلام، أتطلع إلى عقد اجتماع رفيع المستوى للجمعية العامة للأمم المتحدة للمضيّ قُدُمًا نحو استكشاف الخيارات المتاحة والنظر فيها من أجل الحصول على تمويل كافٍ ومستدامٍ ويمكن التنبؤ به من أجل بناء السّلام.

         كما أتفق أيضًا مع رأي الأمين العام للأمم المتحدة بأنه يجب علينا تسهيل مشاركةٍ أكبرَ للشّباب، والاستثمار في القادة الشباب الذين سيحلون مكاننا في يوم من الأيام.

         ومن خلال دعم التعليم الذي يغرس قيم التعاون الدولي في نفوس شبابنا، ومن خلال توفير كافة السبل لهم لتشكيل الشؤون العالمية، سنعمل على تأمين مستقبل تعددية الأطراف العالمية المستمر.

         وانطلاقًا من هذه الروح، أطلقتُ برنامج «زمالة الشباب» للدبلوماسيين الشباب من البلدان المُمَثَّلة تمثيلًا منخفضًا، حيث سيعمل هؤلاء الدبلوماسيون الشباب عبر تلك الزمالة ومن خلال مكتبي، وسيلقون نظرة قريبة على طريقة عمل الأمم المتحدة وأدائها.

         سيتعلمون هنا الكثير من الدروس، التي سينقلونها معهم إلى بلدانهم، والتي نأمل أن تجعلهم أكثر جاهزيّةً لدعم بلدانهم في الانخراط في النظام متعدد الأطراف.

         إلى جانب أقرانهم، آمل أن يصبحوا دُعاةً مهمين ومؤثرين داخل هذا النظام؛ وأن يكونوا أنصارًا للتعددية وأن يستخدموا رؤاهم وخبراتهم وشبكاتهم لبناء الشراكات وحلّ القضايا المشتركة.

أصحاب الفخامة والمعالي والسعادة،

         سأستمر، طوال فترة ولايتي باعتباري رئيسًا للجمعية العامة للأمم المتحدة وما بعد ذلك، في الاسترشاد بمعرفة أن السّلام العالمي والتعددية مرتبطان ارتباطًا وثيقًا. وأعرض هذه القناعة أمامكم وأدعو في نفس الوقت المجتمع الدولي إلى الاعتزاز بالتعاون وتقوية أواصر الصداقة.

         لنتقدم معًا، ولنتابع المضي قدمًا، ونواجه تحديات عصرنا ونؤمن سلامًا عادلًا ودائمًا.

شكرًا لكم.

 

bottom of page