top of page

الجلسة الثانية: حماية التراث الثقافي (العراق واليمن)

رئيس الجلسة

معالي نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية الكويتي الأسبق، الشيخ محمد صباح السالم الصباح

المتحدثون

معالي رئيس هيئة البحرين للثقافة والآثار، الشيخة مي آل خليفة

معالي وزير التعليم العالي لجمهورية اليمن، عبدالله لملس

معالي ممثل إقليم كردستان العراق، سربست نبي


 


كلمة معالي نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية الكويتي الأسبق

الشيخ محمد صباح السالم الصباح


بسم الله الرحمن الرحيم،

صاحب السمو الملكي،

فخامة الرئيس،

الأخ العزيز عبدالعزيز سعود البابطين،

معالي رئيس مجلس الأمة الكويتي، الأخ المحترم مرزوق الغانم،

السادة الضيوف الأعزاء،

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،

         عندما كنت وزيرًا للخارجية، كان لي اهتمامين رئيسيين وأساسيين؛ أولهما: كيف يمكن أن أحمي بلدي من أي عدوان أجنبي؟ أو على الأقل كيف يمكن أن أَحُدَّ وأقلل التدخل الأجنبي في شؤوننا المحلية؟ وثانيهما: كيف أضاعف حجم الفائدة من وراء تفاعلنا وعلاقاتنا مع العالم الخارجي؟ ويتجلى في هذين الاهتمامين مبدأي الحماية والبقاء.

         يجب علينا أن نقوم بتوظيف استثمار ضخم في ميداني القوة الخشنة والقوة الناعمة، وقد وصف البروفيسور جوزيف ناي، معلمي السابق، القوة الناعمة بأنها "القدرة على الإقناع من خلال الثقافة والقيم والأفكار، على عكس القوة الخشنة التي تسعى إلى الفوز أو الترهيب من خلال القوة العسكرية".

         نحن محظوظون اليوم بأن يكون بيننا هؤلاء المتحدثون المتميزون ليصفوا لنا طبيعة هذه القوة الناعمة، خاصة فيما يتعلق بالتعامل مع اليمن والعراق.

         طوال هذا الصباح، قمنا بتزويد الجمهور الكريم بمعلومات ثقيلة في المضمون الثقافي، ولكن أعتقد أن الوقت قد حان الآن لتقديم معلومات من نوع آخر. ولهذا السبب سنقوم بتقليص مدة الكلمات الافتتاحية الخاصة بهذا اليوم، وهنا أرى أنه يتوجب عليّ أن أمارس سلطتي الصغيرة - بصفتي مديًا لهذه الجلسة - بأن أمنح كل متحدثٍ من المشاركين الكرام خمس دقائق فقط، حتى لا نواجه انقلابًا علينا من الجمهور الكريم، لذا دعونا نبدأ أولًا مع أختي الكريمة سمو الشيخة مي آل خليفة من البحرين.

 


كلمة معالي رئيس هيئة البحرين للثقافة والآثار في مملكة البحرين

سمو الشيخة مي آل خليفة


مساء الخير جميعًا،

صاحب السمو الملكي الأمير تركي الفيصل،

سعادة الأخ الكريم السيد عبدالعزيز سعود البابطين شكرًا جزيلًا لهذه الدعوة،

أصحاب السمو والمعالي والسعادة،

الضيوف الكرام،

         لن أطيل ولن أردد ما قيل، فكل ما قيل هذا اليوم هو من صميم السلام والثقافة والمحافظة على التراث الإنساني العالمي، ومن هذا المنطلق لا بد أن نقول ونشرح بعض التجارب الصغيرة بإيجاز.

         إن المحافظة على التراث والهوية هي وسيلتنا الوحيدة للمقاومة دائمًا، فالثقافة هي فعل المقاومة الحقيقي الذي به نحافظ على الهوية. يقال دائمًا: "وزراء الدفاع مسؤولون عن الحدود والدفاع عن الهوية"، وكذلك وزراء الثقافة والمسؤولون عنها يحافظون ويدافعون عن الهوية، لذلك تم إنشاء مركز إقليمي في البحرين للتراث العالمي للمحافظة على تراث هذه المواقع الأثرية التي يزخر بها عالمنا العربي، كذلك الخبراء الموجودون لدينا، والذين نعتز ونفخر بكونهم معنا في مملكة البحرين للعمل والحفاظ على هذا التراث.

         فهو تجربة رائدة ورائعة في التعلم منها والمحافظة عليها عبر هذه المؤسسات أو المساهمات الصغيرة، فدائمًا كل بداية صغيرة هي التي تكبر، ودور المركز الإقليمي العربي للتراث العالمي كذلك، هي دعوة للمختصين بزيارته والاطلاع على تجربته، فله دور مفصلي وهام في هذه الأوضاع الاستثنائية التي يعيشها عالمنا العربي، فكلنا نعلم ما يدور في اليمن والعراق وسورية، بحيث يكون هناك مبتعثون من مملكة البحرين لكي يكونوا مع الخبراء المختصين للمحافظة على هذه المواقع، وهو ما نعتز به ونتعاون فيه مع اليونسكو. أيضًا مبادرة الاستثمار في الثقافة والتركيز على البنى التحتية التي من خلالها نؤسس للمجتمع.

         تحدثنا عن التعليم في هذه الجلسات، فالتعليم سلاح مهم، ولكن ماذا نعلّم في مناهجنا؟ إذا نسينا الفلسفة والمنطق والموسيقى والعلوم الإنسانية، ماذا نقدم لجيل يتعلم التكنولوجيا ويغفل الجانب الإنساني الذي به ترتقي الشعوب؟ لا بد أن نركز على دور الثقافة والمحافظة على الهوية، ونقول: إن التجارب الصغيرة تبدأ صغيرة، لكن تأثيرها الكبير يمتد وينتشر ويعطي النتائج.

والسلام عليكم ورحمة الله.

 


كلمة معالي وزير التربية والتعليم لجمهورية اليمن

عبدالله لملس


يسعدني أن أكون اليوم ضيفًا في هذا المنتدى العالمي بدعوة كريمة من السيد عبدالعزيز سعود البابطين.

         في الحقيقة، نحن في اليمن نعاني من مشكلة كبيرة، حيث إن نسبة (%90) من السكان متقبلون للثقافة والسلام، بينما تعد النسبة المتبقية (%10) هي التي تعصف باليمن بحكم ثقافة قديمة حكمت اليمن أكثر من (1200) سنة إلى أن جاءت ثورة 26 سبتمبر وتم القضاء على النظام البائد.

         وعادوا إلينا مجددًا في سبتمبر 2014 ليحكموا اليمن مجددًا، هذه الفئة أقلية سكانية لا تتجاوز الـ %10 أكلت الأخضر واليابس، منذ صغرهم وهم يربون أطفالهم على أنهم الحكام والبقية عندهم خدّام، وأنهم السادة والبقية عبيد.

         خمس سنوات والحرب قائمة ليحكموا بلادنا وشعبنا - ولولا أشقاءنا في دول الخليج لبّوا دعوتنا ومساعدتنا - فهذه الفئة هي التي جلبت المآسي والكوارث ولابد من إعادة ثقافة وسلوك هذه الفئة وإلا سنظل من حرب إلى حرب.

         عندما قضت أوروبا في العصور الوسطى على حكم الكنيسة، سادت الديمقراطية وعمَّ السلام والاستقرار، لكن نحن لن نعيش في ظل ثقافة الحكم فالتعليم مهم جدًّا والحفاظ على الثقافة والتراث مهم جدًّا أيضًا، ولكن الأهم هو سلوك الناس وسلوك هذه الفئة خصوصًا، التي ما كان لها أن تستمر خمس سنوات لولا وجود مصادر تمويل لها من خلال بيع الآثار، ولعلكم سمعتم قبل أسبوع من الآن حيث بيعت آثار مسروقة بأكثر من مليون دولار، وهذا الذي ظهر على الساحة..

         إن الكثير من الآثار أصبحت عرضة للبيع والنهب وتم استخدامها في تمويل الإرهاب في اليمن، فالحرب ليست بين الحوثيين والأشقاء في المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، إنما الحرب هي من فئة قليلة على الفئة الكبيرة في اليمن.

         ومن تداعيات هذه الحرب أن أكثر من (2٫500) مدرسة أصبحت غير قابلة لاستيعاب الطلاب، وأكثر من ثلاثة وعشرين ألف معلم ومعلمة أصبحوا نازحين من المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون ونزوح أكثر من خمسة وسبعين ألف طالب وطالبة من المناطق التي يسيطر عليها الحوثيين إلى المناطق المحررة، التي باتت تشكل اليوم أكثر من (85 %) من مساحة الجمهورية اليمنية ولم يتبق سوى (15 %) دون تحرير، وهي المساحة الأكثر كثافة سكانية في الجمهورية اليمنية.

         نريد أن نعدِّ مناهجنا في ضوء الثقافة والسلام والاستقرار وعدم الكراهية، ونتمنى أن يسود العدل والسلام والاستقرار في جميع بلدان العالم ولدى شعوبنا العربية والإسلامية والشعب اليمني.

وشكرًا جزيلًا.


كلمة معالي ممثل إقليم كردستان العراق

سربست نبي


أصحاب المعالي والسمو،

السيدات والسادة الأفاضل،

الموقر عبدالعزيز سعود البابطين،

إنه لمن دواعي سروري أن أشارك هنا نيابة عن معالي وزير التعليم العالي،

         نحن على قناعة راسخة بأن التراث هو أكثر أهمية من المتعارف عليه لجهة تعزيز قيم السلام والتعايش، وهو رهانٌ تربويّ وثقافيّ.

         والمجال الفكري للصراع الأيديولوجي من جبهتين، الأولى تدافع عن قيم التعايش والمساواة والتعددية والتسامح، والجبهة الثانية هي تلك التي تسعى إلى إشاعة قيم ثقافية نمطية جامدة.

         من هذا المنطلق، أولت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي في إقليم كردستان أهمية خاصة للتراث القومي للشعب الكردي ولتراث القوميات الأخرى المتعايشة لشرق الإقليم كـ (السريال والآشوريين والتركمان والعرب) في مناهج التعليم العالي وأقسام العلوم الإنسانية التي كانت ثقافاتها مغيبة في حقبة الاستبداد الأيديولوجي للنظام السابق، وباتت مهددة في الوقت الحاضر لصعود الخطاب الأيديولوجي المتطرف للجماعات الإرهابية.

         نحن ندرك أن حماية هذا التنوع في التراث التاريخي والرمزي يعزز من غنى ثقافة الإقليم وهويته، ويكرس من قيم التسامح والتواصل بين مكوناته على قاعدة المساواة والاختلاف، وتشارك وزارة الإقليم بخاصة (التربية والثقافة والثروات الطبيعية) هذه القناعة وتترجم ذلك مناهج التربية والتعليم العالي في القرارات والقوانين التي تصدر بهذا الخصوص.

         إن التزام حكومة إقليم كردستان بالمواثيق والاتفاقات الدولية الخاصة بحماية التراث الإنساني والطبيعي دفعها لإصدار العديد من القوانين التي كان من شأنها حماية التراث الطبيعي في الإقليم وإعادة إحيائه كالمحميات الطبيعية والمتنزهات والثروات الحيوانية لضمان عدم الإضرار بها.

         علينا أن نتذكر في هذا السياق أن النظام البائد كان قد قضى ومحق أكثر من أربع آلاف قرية ومزرعة في إقليم كردستان، وجفف آلاف الينابيع الطبيعية وقضى على مئات الغابات والثروات الحرجية وهجّر الملايين من سكانها في حروبه ضد الكرد.

         والآن يبدو المشهد الطبيعي مختلفًا إلى حدٍّ كبير، حيث تهتم وزارات الإقليم - وبخاصة وزارة التعليم - بتراث السكان القدماء وأصحاب العقائد الدينية والمذهبية التي باتت تركة إنسانية بغاية الأهمية؛ كـ (الإزدية والكاكئية والزرادشتية)، وبات الإقليم الآن منازلًا لعقائد عراقية في غاية القدم كالمندائية التي يلوذ معتنقوها بإقليم كردستان ليجدوا فيه الأمان والحرية.

         كذلك تمنح وزارة الثقافة والتعليم والتربية والسياحة في الإقليم أهمية للتراث التاريخي لشعوب بلاد ما بين النهرين، خاصة الأوابد التاريخية كالقلاع والمعابد القديمة لشعوب بلاد الرافدين، وتسعى بكل الوسائل الممكنة للحفاظ عليها بصفتها تراثًا إنسانيًّا مشتركًا. كذلك الأمر مع التراث الثقافي واللغوي للقوميات والهويات المذهبية والدينية؛ إذ أجازت الحكومة حرية ممارسة تقاليدها القومية ومعايشتها، وضمنت لها الشروط المتكافئة للارتقاء بهويتها الثقافية والقومية.

         إن اعتقادنا راسخ بأن التراث في مظهريه المادي والمعنوي في جوهره يعد أهم ركائز هويتنا الكردستانية وأن هذا التراث حامل للذاكرة الجمعية وهو الحاسم في تعزيز قيم التعايش المشترك وتكريسها، لكن ثمة تحديات قوية تواجهنا في هذا السياق؛ أولها: التحدي الناشئ عن تركة النظام السابق السياسية والثقافية والمؤسسات والقوى السياسية التي لا تزال تتعاطى مع الراهن بمتغيراته بمنطق النظام السابق وذهنية الإقصاء لديه، وأوضح دليل ملموس على ذلك هو سياسة التغيير الديموغرافي التي اتبعها النظام والتي باتت معروفة في المادة (140) من الدستور العراقي بالمناطق (المتنازع عليها)، والدستور العراقي طالب بتطبيع الأوضاع فيها وإعادة محور آثار التغيير الديموغرافي فيما حدث خلال السنوات، لأن الحكومة العراقية المركزية تماطل حتى الآن منذ عام 2005 وهو زمن صدور الدستور العراقي.

         أما التحدي الثاني وهو التحدي الأهم وهو ديموغرافي أيضًا، ويتعلق بالتهديد الوجودي للجماعات والهويات الحاملة للتراث وبخاصة الجماعات القومية والأولويات الثقافية المهددة بالانقراض مثل (ازدين والمندائيين والمتصابئة ومسيحيي نينوى) الذين هجّروا من مناطقهم التاريخية قسرًا.

         إن علاقة التراث بالمكان تبدو وثيقة في هذا السياق؛ فالحامي الاجتماعي للتراث إذا اقتلع من موطنه الأصلي وهجّر لأي سبب كان فإنه لا يظلُّ للتراث دعائم اجتماعية أو مكانية تضمن بقاء استمراره.

         هنا تبرز المسؤولية الأخلاقية المشتركة أمام المجتمع الدولي والدولة العراقية التي تدعونا إلى إدانة تلك الجرائم، ومنها جرائم الإبادة الجماعية بحق الثقافة الإنسانية وخاصة محنة الأزديين، فالكل يعلم هذه التراجيديا الفظيعة التي حدثت في مناطق سنجار وسهل الموصل، وأعباء هذا الخراب الاجتماعي والثقافي الشامل الذي حدث في تلك المناطق عبر إعادة تأهيل المجتمعات المحلية وتوطينها في مناطقها الأصلية، وتنمية تلك المجتمعات اقتصاديًّا وثقافيًّا واجتماعيًّا وضمان ازدهارها.

شكرًا جزيلًا.

bottom of page