top of page

الجلسة الثالثة: تنمية ثقافة السلام من خلال التعليم (جمهورية أفريقيا الوسطى)

رئيس الجلسة

معالي رئيس المعهد الدولي للسلام (IPI)، تيري رود لارسن

المتحدثون

معالي رئيس البرلمان المالطي ووزير الخارجية الأسبق، مايكل فرندو 

معالي وزير التربية وزير التعليم العالي لدولة الكويت، حامد العازمي

معالي وزيرة الخارجية لجمهورية أفريقيا الوسطى، سلفي بيبو تيمون

السيدة عضو البرلمان الأوروبي، طوكيا سيفي

معالي وزير التربية لجمهورية أفريقيا الوسطى، موگاداس نوري

السيد مستشار اليونسكو للتراث الثقافي، منير بوشناقي



 


كلمة معالي رئيس المعهد الدولي للسلام (IPI)

تيري رود لارسن


مساء الخير للجميع،

         قبل أن نبدأ، أريد الاعتراف أن من عادتي جمع الأسرار بسرعة والاحتفاظ بها في بئر عميق، لكني قررت اليوم أن أخرج عن القاعدة، فلدي سرَّان أريد أن أشاركهما معكم:

- ‏السر الأول: أن اليوم يصادف عيد ميلاد السيد عبدالعزيز سعود البابطين راعي هذا الحدث، وأقول له: «عيد ميلاد سعيد وكل عام وأنت بخير».. وأعتقد أننا سنقيم حفلة بالمناسبة بعد الجلسة.

- السر الثاني: هو عيد ميلاد زميلتنا (سلفي بيبو)، وأقول لها: «سنة حلوة لها وللجميع».

         إن موضوع الجلسة هو تنمية ثقافة السلام من خلال التعليم، مع اهتمام ‏خاص بجمهورية أفريقيا الوسطى، وذلك في إطار الموضوع‏ الرئيس؛ تعليم ثقافة السلام، ويحالفنا الحظ أنه لدينا عدد من المتحدثين المميزين، وهم:

- موكاداس نوري: وزير التربية في جمهورية أفريقيا الوسطى ورئيس رابطة المسلمين في أفريقيا الوسطى ومحاضر في قسم علم النفس في جامعة بودلي.

- سلفي بيبو تيمون: وزيرة الخارجية في جمهورية أفريقيا الوسطى منذ 4 ديسمبر 2018 وقبلها كانت تعمل محللة مالية في شركة (بي أند بي) لمدة خمسة عشر عامًا.

- حامد محمد العازمي: وزير التربية وزير التعليم العالي في دولة الكويت منذ ديسمبر 2017 وقبلها كان وكيلًا في وزارة التعليم العالي وأستاذًا في جامعة الكويت.

‏- مايكل فرندو: رئيس البرلمان المالطي، ووزير الخارجية الأسبق، والمدير العام لشركة فرندو للاستشارات، وعضو اللجنة الأوروبية للديمقراطية عبر القانون، وكان عضوًا في لجنة الهجرة، وفي العديد من اللجان البرلمانية.

- طوكيا سيفي: عضو البرلمان الأوروبي للشمال الغربي وفرنسا، إضافة إلى العديد من الوظائف داخل اللجنة البرلمانية، ‏وكانت نائبة رئيس وفد البرلمان لتطوير العلاقات مع دول المغرب العربي واتحاد الدول العربية المغاربية، وعضو وفد الجمعية البرلمانية إلى حوض المتوسط.

- منير بوشناقي: المدير العام للمركز العالمي للدراسات الخاصة بحماية الممتلكات الثقافية والمحافظة عليها، ومستشار اليونسكو للتراث الثقافي 2000 – 2006.

 

 


كلمة معالي رئيس البرلمان المالطي ووزير الخارجية الأسبق في مالطا

مايكل فرندو


         يبدو أن السيد رئيس الجلسة (تيري رود لارسن) مستودع للكثير من الأسرار، لكن هناك سرٌّ ثالثٌ لا تعرفه، إنه ليس عيد مولدي اليوم بل عيد ميلادي السياسي؛ لأنه في 30 يونيو 1987 تم انتخابي منذ اثنين وثلاثين عامًا للمرة الأولى عضوًا في البرلمان وكنت شابًّا وعضوًا مثاليًّا، وعليَّ أن أعترف بأن المثالية والسلوك الإيجابي لم يتركاني رغم تقدمي في السن، ‏وأود أن ينظر إليَّ بأنني لازلت شغوفًا بالمثالية والعمل الإيجابي وما هو مطلوب منا القيام به هنا، من قبل السيد عبدالعزيز سعود البابطين الذي كرس كثيرًا من وقته بصبر لأجل السلام.. فنحن كذلك يجب أن نتحلى بالصبر هنا من أجل الحديث عن السلام وثقافة السلام لأنها ضرورية لمعظم الناس.

         إن تجربة أفريقيا الوسطى بينت أنه يمكن التوصل إلى اتفاق وتفاهم بالحوار، وبه يمكن التغلب على النزاعات، ولكن من الضروري أن يكون الاتفاق قابلًا للتنفيذ والتطبيق من خلال التركيز على ‏ثقافة السلام بعيدًا عن الاختلافات الطائفية والقبلية.. فجميعنا مدعوون للمساهمة، وقد عبّر (أدموند بريك) عن ذلك بقوله: «من الضروري للتغلب على الشر أن لا يعمل الرجل الصالح شيئًا».

         يجب علينا جميعًا أن نتذكر هذا الشيء، ويجب أن نأخذ بعين الاعتبار نص دستور منظمة اليونسكو الذي يقول: «إن الحرب تولد في عقول الرجال». لكن نحن نقول: إن الدفاع عن السلام يجب أن ينشأ في عقول الرجال أيضًا. وكيف يمكن أن نبني فكرة الدفاع عن السلام في عقول الرجال؟

‏         ذلك يتم من خلال التعليم وإدخال ثقافة السلام في العملية التربوية في جميع مراحلها وفي جميع الدول وبخاصة الدول التي ‏هي بحاجة ملحة إلى تعزيز ‏ثقافة التسامح والتي تنشط فيها الصراعات العرقية والانقسامات الدينية وتنتشر فيها الكراهية ويسود عدم التفاهم الذي يؤدي إلى تشتيت المجتمع وانقسامه.

         لذا نحتاج إلى العمل في ضوء بعض الأحداث التي تظهر إمكانية المحافظة على السلام والوحدة، ومن أكبر الأمثلة على ذلك هو الاتحاد الأوروبي، فنحن في مدينة (لاهاي) وهي المدينة التي طالما كانت منبرًا للسلام وملاذًا للباحثين عنه.

         ألقى ونستون تشرشل خطابه المشهور في 7 مايو 1948 أمام البرلمان الأوروبي، واقترح فيه فكرة إقامة أوروبا الموحدة ‏لضمان السلام والأمان والازدهار للشعوب الحرة لهذه القارة، وبالفعل لازالت أوروبا محافظة على السلام لما يزيد عن سبعين عامًا، من خلال اعتماد نظام سياسي ونظام اقتصادي فريدين أقيما على أنقاض الدمار والخراب والدماء التي نتجت عن حربين عالميتين مدمرتين كانت أوروبا مسرحًا لهما خلال قرن واحد.

         وفي صلب مشروع هذا الاتحاد الأوروبي يظهر بناء أساس التعاون والسلام والرخاء ليكون روحًا تنتقل بالتعاون العالمي إلى مستوى جديد مع احترام سيادة الدول وإيجاد مؤسستين لإدارة هذا الاتحاد، ولابد من المحافظة على هذه الروح حتى في أوروبا نفسها، حيث تنشط القوميات، كما يجب أن يتم تعميمها في سائر أنحاء العالم.

         إن بذرة تعليم السلام تحتاج الرعاية والعناية بها، ولا بد من بناء حضارة علمية قائمة على السلام تخدم كل من الشعوب والحكومات معًا.

‏         كنت أقرأ رواية للكاتب (أمين معلوف) تتحدث عن العواقب التراجيدية الوخيمة لنقص تقدير الأمور وعن عقلية الجيل القديم التي تسيطر عليها الرغبة في الحصول على أبناء ذكور. ويجب علينا النظر إلى هذه التجربة والاستفادة منها في فعل الخير.. فنحن بحاجة إلى إحداث تغيير في المفاهيم وفي طرق التربية والتعليم وإحداث تغييرات جوهرية في المجتمعات بالقضاء على نزعة العداء والتشدد القومي والإقليمي، وعوضًا عن ذلك لابد من دعم ثقافة التعاون العالمي والتكافل والتفاهم لتكون طريقًا للبشر ونظامًا لهم.

         عندما تتعزز نزعة العداء فإنها تأخذ ‏زخمًا قويًّا، وهنا علينا تعزيز نزعة السلام من خلال عملية التربية والتعليم المستدامة، وهذه هي العملية الوحيدة التي يمكن من خلالها تعميم مفاهيم السلام المستدام عبر العديد من الأجيال.

         وكما أشار بطل السلام (المهاتما غاندي) وأقتبس منه: «إذا أردنا تعميم ثقافة السلام وإذا أردنا شن حرب ضد العنف والحروب فإننا يجب أن نبدأ بالأطفال».

‏         وجاءت أيضًا الفكرة نفسها في دستور اليونسكو، بأن السلام الذي يسود من خلال الإجراءات الحكومية ليس سلامًا آمنًا ومستدامًا ولا يمكن أن يستمر بدون دعم الناس من جميع أنحاء العالم. لذلك يجب أن يتم السلام من خلال المفاهيم الأخلاقية والتعاون المجتمعي والتعاضد، وليس عبر فرضه من الحكومات والدول. ‏إن السلام ليس وعاءً فارغًا، فلا يوجد سلام دون عدالة، ولا سلام دون مصالحة وتسامح واحترام. كما يتطلب السلام نظامًا اجتماعيًّا عادلًا يقضي على الفقر.

         فلا سلام دون تنمية، ولا سلام دون احترام الهوية، وكما ناقشنا في الجلسات السابقة فإن السلام والتراث الثقافي مرتبطان ببعضهما بعضًا، وليتحقق ذلك يجب أن تعمم ثقافة الحوار والعمل من أجل السلام وتعزيز ثقافة السلام والحوار الديني وتعليم السلام وإيجاد مؤسسات ومراكز لتعليم ثقافة السلام ونشرها‏ تتضمن متخصصين محترفين في التراث، لأن هذه هي الأداة الأساسية التي نمتلكها، وفي هذا السياق فإن المؤسسات تلعب دورًا مهمًّا في صنع ثقافة السلام.

         إن تعليم الأطفال مبادئ الاحترام والمحبة يقود إلى السلام والتسامح، ويؤدي إلى خلق قادة جدد لديهم الحكمة والرغبة في صنع السلام للأجيال والمجتمعات الإنسانية كافة.

‏         وكما قال سمو الأمير تركي الفيصل: «الحضارة لا يمكن أن توقف الرصاصة عند انطلاقها، لكن تعليم السلام يستطيع منع إطلاقها». وهذه نقطة مهمة يجب أن نضعها في عقولنا، لذلك فإن مشروع «مؤسسة عبدالعزيز سعود البابطين الثقافية» ‏من أجل تعزيز ثقافة السلام، يشكل صمام الأمان للأجيال القادمة والذي يعتمد على تعليم ثقافة السلام وإدخالها في المناهج الدراسية وتأمين نشر ثقافة السلام على الصعيد العالمي وتعليمها من الحضانة إلى المرحلة الجامعية، وهو مشروع مهم يحتاج إلى دعم الأمم المتحدة ودعم الأفراد وحكومات الدول ودعمنا جميعًا؛ لأنه يخلق لغة جديدة، هي لغة السلام التي نأمل أن تصبح لغة الشباب.

‏أصحاب السعادة،

         أعتقد أنه من الضروري أن نستمر في  تجديد التزامنا للعمل من أجل خدمة الإنسانية بالعمل المشترك لحشد الجهود وزج الطاقات بما يؤمن نشر ثقافة السلام وثقافة التنوع بالتعليم، ليس فقط في بلداننا، بل على صعيد العالم أجمع.

 


كلمة معالي وزير التربية وزير التعليم العالي لدولة الكويت

حامد العازمي


الحمد لله رب العالمين، أحييكم بتحية الإسلام دين السلام، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

         بما أننا نتحدث عن الأسرار، أود أن أفشي سرًّا، وهو أنني كنت أدرس في الفصل نفسه مع نجل السيد عبدالعزيز سعود البابطين في المرحلتين الابتدائية والمتوسطة، ومنذ ذلك الحين والسيد عبدالعزيز البابطين مصدر للإلهام.

         واليوم يسعدني أن أرى شخصًا من وطني الكويت يتبنى مبادرة للسلام هي الأولى من نوعها بالتركيز على ثقافة السلام.. شكرًا جزيلًا للسيد عبدالعزيز سعود البابطين.

         إن التعلم في أشهر التعريفات وأبسطها هو عملية تغيير شبه دائم في سلوك الفرد المتعلم وهو تغيير موجه يتحقق بالخبرات والمعارف التي يكتسبها المتعلم في مراحل تعلمه المختلفة. ولهذا فليس من المستغرب أن يكون ميدان التعليم خير سبيل موصل لاستلهام القيم الإنسانية الرفيعة التي تتمثلها الناشئة وتكبر معها شيئًا فشيئًا، بحيث تصبح بالتعليم والتلقين الهدف الأساسي من التعليم.

         إن تحقيق قيم السلام السامية يعد رسالةً مهمة، فهذا المنتدى الكريم هو من أعظم القيم التي يحتاجها العالم بصورة ملحة في هذا الوقت العصيب الذي طغت عليه النزاعات المتكررة والمدمرة وعلت فيه أصوات آلات الحرب.

أيها الحضور الكريم،

         نحن نناقش دور التعليم في نشر ثقافة السلام ونبذ الكراهية والعداوة، وعلينا أن ندرك أنها مهمة جسيمة وعظيمة وتتطلب منا تضافر الجهود ومضاعفة الطاقات، حتى يصبح السلام سلوكًا فاعلًا في نفوس الناشئة، ومن المعلوم أن الوصول إلى ذلك يحتاج إلى آليات تربوية مختلفة تكون على قدر من الكفاءة والفعالية لتحقيق الغاية المأمولة منها؛ إذ لا يقتصر الأمر في ذلك الحديث المنمق عن فضائل السلام وإلقاء الخطب الرنانة أو تكليف الطلاب بكتابة مقالات إنشائية، بل علينا أن نجتهد في غرس هذه القيم لتخرج من حيز التلقين إلى الممارسة السلوكية في النظريات التجريدية للمعايشة الحقيقية.

         إن من القيم التي ينبغي أن يعنى بها التعليم والمعلمون في سبيل نشر الثقافة هي حرية التعبير في المجتمعات التي تكتم الأفواه ولا يسمح فيها للرأي الآخر أن يعبر عن وجهة نظره، ولا يمكن أن تنعم بالسلام، فالحرية صمام أمان المجتمع وبالتعبير الحر يستطيع كل مظلوم أن يطالب بحقوقه، فالإيمان بحرية الآخرين في التعبير عما يؤمنون به والدفاع عن حقهم في ذلك هو اللبنة الأساسية في بناء مجتمع إنساني متآخٍ يسوده مناخ الود وتغلب عليه روح الصفاء، مما يجعله في الاختلاف والتعدد مظهرًا للتحضر والرقي، لا سببًا في التخلف والاختصام، ومتى سادت ثقافة الاحترام للرأي الآخر تمكن المجتمع من استيعاب طاقات كل أفراده وتسخيرها بكل ما يحقق له الأمن والنجاح والازدهار.

         إن تدريس حقوق الإنسان هي النقطة الثانية من الأمور المعينة على نشر ثقافة السلام، فحينها يدرك الفرد أن للآخرين حقوقًا ينبغي أن يتمتعوا بها مثله ولا يحرمون منها، فإن ذلك سيعزز من قيم التعايش السلمي بين الأفراد، وحينها تصبح المحافظة على الحقوق سدًّا حاميًا من أي احتراب داخلي، ودواءً ناجعًا يقتلع أي بذرة صراع تنشأ لشعور جماعة ما بالظلم والحرمان.

         في ميدان التعليم مجال رحب يتيح تحقيق هذه الغايات عبر مكافحة ظواهر العنف الطلابي والشجار الجماعي والتعنيف ومعالجة حالات التنمر التي تعرض لها بعض الطلاب، ليتمكن المجتمع من التخلص من آفاتها المستقبلية اللاحقة والقضاء عليها مبكرًا من ثقافة العنف في مهدها.

أيها الحضور الكريم،

         إن من أوجب الواجبات التي ينبغي أن تتطلع إليها المؤسسات التعليمية المختلفة في سبيل نشر ثقافة السلام، أن تعمل على توجيه مخرجات التعليم إلى ما يفي باحتياجات سوق العمل الفعلية، وخلق تخصصات مبتكرة للطلبة الخريجين وفرص عمل ناجحة وحياة مستقرة وكريمة حتى لا تضيع جهود المتعلمين فلا ينتفعون بها بعد سنين طويلة من الجد والمثابرة.

         إن شبح البطالة خطر دائم يهدد السلم المجتمعي، وذلك حين ترتفع نسبة العاطلين عن العمل، ليزدحم المجتمع بحاملي الشهادات العالية الذين لا يجدون الوظائف اللائقة بهم في التخصصات الدقيقة وهو ما يخلق بلا ريب شعورًا خانقًا من اليأس وعواقبه وخيمة على الفرد وعلى المجتمع.

         إن تحقيق تلك الغايات الجليلة التي سلف الحديث عنها يتطلب من مؤسسات التعليم المختلفة العمل بجدية وكفاءة لإعداد كوادر للنهوض بها من المعلمين والاختصاصيين والمدربين لمساعدة المؤهلين لغرس هذه القيم في النفوس وتربيتها عليها، وإعداد المناهج الدراسية التي تضع نصب عينيها تلك الغايات النبيلة وتعمل من خلال العملية التعليمية على تحويلها من توصيات وتوجيهات إلى واقع ملموس نقطف ثماره في فترة معقولة ولا ريب أن ذلك يتطلب تعديل القطاع التعليمي برمته وإعداد القائمين عليه إعدادًا مناسبًا عبر ورش العمل والدورات.

         كما لا ينبغي في هذا الصدد أن نغفل عن الواجب الملقى على عاتق المنظمات الدولية التابعة لهيئة الأمم المتحدة والهيئات الإنسانية التطوعية التي تمتلك رصيدًا ثمينًا من الخبرة العالية التي يتمكن اكتسابها من الإشراف على تقويم المؤسسات التعليمية في الدول التي تعرضت للنزاعات الأهلية والحروب الداخلية.

وفي الختام؛ أسأل الله التوفيق لكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.


 


كلمة معالي وزيرة خارجية جمهورية أفريقيا الوسطى

سلفي بيبو تيمون


السادة رؤساء الدول،

معالي رئيس مجلس الأمة الكويتي،

الوزراء ورؤساء المنظمات،

سيداتي وسادتي،

         إنه لمن دواعي سروري أن أقرأ الكلمة في هذه الجلسة باسم جمهورية أفريقيا الوسطى من خلال التعليم، ويفرحني أيضًا ترأس رئيس المعهد الدولي للسلام السيد تيري رود لارسن لهذه الجلسة، وقبل أن أشارككم كلمتي أود أيضًا التعبير عن خالص شكري لرئيس «مؤسسة عبدالعزيز سعود البابطين الثقافية»، شكرًا على استقبالكم وترحيبكم بوفد جمهورية أفريقيا الوسطى منذ وصوله، ومن ناحية أخرى اسمحوا لي أن أهنئكم على جودة تنظيم هذا المنتدى.

         يسرني أن أتحدث عن موضوع ثقافة السلام من خلال التعليم، وهو موضوع مهم للجميع بصفة عامة، ولجمهورية أفريقيا الوسطى بصفة خاصة، فهي بلادي والتي يعد لها مفهوم ثقافة السلام أمرًا أساسيًّا.

         من الصعب ملاحظة أن مفهوم ثقافة السلام لا يزال مطروحًا ونحن في سنة 2019 بسبب الوجود الدائم للنزاعات والحروب في العالم، وإشارة إلى القانون التأسيسي لليونسكو منذ سنة 1945 الذي ذكره المتحدث السابق والذي ينص «الحروب تولد في عقول الرجال»، إذن في عقول الرجال يجب أن ترتفع دفاعات السلام، فهل سنحقق التذكير بضرورة مضاعفة الجهود وتجميعها لفاعلية أكثر في العمليات التي نشرع بها باسم مفهوم ثقافة السلام.

         مرت ثلاث وسبعون سنة منذ إعلان القانون التأسيسي لليونسكو، وإن هذه الثقافة للسلام من خلال التعليم تشكل تحديًا للعديد من الدول ولم نقل لجميع الدول.

         تتمدد النزاعات والحروب حول العالم وتحد من مجهودنا لبناء سلام دائم على المستويين الوطني والدولي. ونلاحظ باطمئنان وتفاؤل وجود مجهودات كبيرة بذلت في بعض البلدان بالرغم من الصعوبات، لكنها تمت بقناعة مؤكدة من القادة السياسيين وهذا هو الحال في جمهورية أفريقيا الوسطى حيث إن الإرادة القوية لفخامة رئيس الجمهورية البروفيسور (فوستن أركانج توادارا) جعلته يختار الحل السلمي لأزمة جمهورية أفريقيا الوسطى في توافق كامل مع المبادئ المعمول بها في المنظمات العالمية مثل اليونسكو التي حددت مجالات العمل في أفريقيا في إطار مشروعها الاستراتيجي على المدى المتوسط 2014-2021، وهو بناء السلام عن طريق بناء مجتمعات سلمية ومرنة.

         وأقتبس مثالًا ثانيًا هو من قرار الأمم المتحدة حيث يُعرّف ثقافة السلام بأنها: «مجموعة قيم ومواقف وتصرفات وطريق حياة ترفض العنف وتمنع الصراعات عن طريق مهاجمة جذورها بالحوار والمحادثات بين الأشخاص والمجموعات والدول».

سيداتي وسادتي،

         السلام أولًا وقبل كل شيء مسألة اقتناع وأخلاق يجب علينا الإيمان به بشدة لينمو ويعم، لهذا السبب فإن الجهود المبذولة من سلطات جمهورية أفريقيا الوسطى للاستجابة لشروط السلام كانت متعددة. ويظهر المثال على ذلك من خلال النظر في مطالب المجموعات المسلحة والتعبير عن وجهات النظر ومد اليد للمساهمة في جميع مكونات الأمة في الحياة العامة في بناء الجمهورية.

         إن الحوار هو الحل الوحيد للصراعات والخلافات، لذلك أحث كافة البلدان والمنظمات الحاضرة هنا، مثل: الكويت وتونس، والمنظمات العالمية، مثل: منظمة السلام الدولية ومنظمة التعاون الإسلامي، ومؤسسة عبدالعزيز سعود البابطين الثقافية، لدعم الجهود المبذولة من سلطة جمهورية أفريقيا الوسطى في إطار العلاقات الثنائية والمتعددة الأطراف، وباسم القيم التي نتشاركها، فإن ثقافة السلام في جمهورية أفريقيا الوسطى يجب أن تحظى بالدعم لكي يستطيع بلدي أن يحقق المزيد من التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وهي الوسيلة الوحيدة للتصدي لعدم المساواة والفقر والاستعباد والجهل ومحاربة الذين يغذون التمييز بين الأشخاص بحسب الجنس واللون والانتماء الطائفي وغيرها.

سيداتي وسادتي،

         يذكرنا التاريخ أن استغلال الجهل كان سببًا لاندلاع الحرب العالمية الثانية والمصدر لتأسيس منظمة الأمم المتحدة «اليونسكو»، فاستغلال الجهل لا يزال اليوم سببًا للعديد من النزاعات والحروب، وصار من العاجل أن نتشارك الإرادة لتنمية السلام في تصرفاتنا ومواقعنا وعقولنا وأخلاقنا، فالتعليم هو الوسيلة الوحيدة في متناول الجميع لتعميم وغرس ثقافة السلام والابتعاد عن ثقافة الحرب بصفة فردية وجماعية، فيجب التشجيع على ترويجها بدون تمييز.

سيداتي وسادتي،

         السلام هو مفهوم مجرد مثاليٌّ مطلق لا يمكنه فرض نفسه، وسأنهي كلمتي بالتذكير بالقانون التأسيسي لليونسكو ونصه: «الحرب تولد في عقول الرجال»، أي أن شخصًا ليس في سلام مع نفسه لا يمكنه أن يكون في سلام مع الآخرين، عرفنا كيف نخلق الحروب ولهذا يمكننا أن نخلق السلام والتضامن الدولي.

وشكرًا.

 


كلمة السيدة عضو البرلمان الأوروبي

السيدة طوكيا سيفي


أصحاب الفخامة والمعالي والسعادة،

سيداتي وسادتي،

         أريد أولًا شكر السيد عبدالعزيز سعود البابطين رئيس «مؤسسة عبدالعزيز سعود البابطين الثقافية» الذي يسعدني لقاؤه اليوم، وكنا التقينا من قبل حين ترأسنا جلسةً في البرلمان الأوروبي حول حوار الأديان وقد كان إيجابيًّا جدًّا، وأود شكركم على هذه الفرصة التي منحتموني إياها للتعبير أمامكم وفي هذا المكان الرمزي للسلام، وإمكانية القيام ببعض التأملات حول حاجتنا إلى تعزيز وتشارك وغرس ثقافة السلام في مجتمعنا.

         سأقدم رؤية المؤسسات الأوروبية والبرلمان الأوروبي في إطار مثال ملموس، وبصفتي عضوًا في البرلمان الأوروبي يجب عليَّ القول: إن التركيبة الأوروبية هي أحسن مثال، ففي أعقاب الحرب العالمية الثانية وللتغلب على العداوات بين الدول الأوروبية ولرد التطلعات القومية والتصدي للأفكار الانتقامية والاندماج الأوروبي، عَرَفَ نشر ثقافة السلام بعد أن كان الاندماج الاقتصادي أول دافع، ولحقه بسرعة التعليم والثقافة. وفي هذا السياق أستشهد بقول (جون بونيه) وهو من مؤسسي الاتحاد الأوروبي: «إذا كنت ستعيد بناءها فابدأ بالثقافة». فتقريب النظم التعليمية الأوروبية والانفتاح على ثقافة الآخر كان من أولويات الاتحاد الأوروبي إلى جانب إنشاء السوق المشتركة.

         أود في هذه الثقافة وهذا التعليم للسلام أخذ مثال ملموس، وأظن أن برنامج (إيراسموس+) واحد من أكبر النجاحات الأوروبية، وتم إطلاقه سنة 1978 هذا، وقد سمح البرنامج لتسعة ملايين شاب أوروبي معرفة بعضهم بعضًا والانفتاح بينهم وبناء شعور حقيقي لديهم بالانتماء، وأتيحت لهم الفرصة للدراسة في بلد أوروبي آخر، وهذا ليس قيمة مضافة في المسيرة التعليمية فحسب، وإنما وسيلة لبناء مجتمع يتعدى حدود الوطنية.

         إن اكتشاف ثقافة مختلفة والعمل بالمؤسسات وتجربة الحياة اليومية للجيران الأوروبيين ساهم في دعم السلام في أوروبا، حيث نتحدث غالبًا عن جيل أوروبا الذي جعل من السلام مكسبًا وقيمةً أساسية فيها، وإننا اليوم نواصل الجهود لتوسيع هذا البرنامج وإتاحته للجميع. حيث يسعى البرلمان الأوروبي حاليًا لجعل ميزانية برنامج (إيراسموس+) ثلاثة أضعاف الميزانية الحالية، كما يسعى لتخصيص 2 ٪ من ميزانية الاتحاد الأوروبي أي (40) مليار يورو على سبع سنوات.

         كان التعليم وسيظلُّ الدافع لاستدامة السلام في القارة الأوروبية، لذلك وعلى نطاق عالمي يجب على الدول أن تكون بمستوى هذا التحدي بضمان وصول التعليم وجودته إلى الجميع، خاصة الفتيات، فيجب الاستثمار بكثافة في التنمية وتطوير النظم التعليمية وتعزيزها، ولا يمكننا الاستغناء عن هذه الاستثمارات لبناء السلام، ليس فقط اليوم وإنما للأجيال القادمة خاصة.

وشكرًا.

 


كلمة معالي وزير التربية لجمهورية أفريقيا الوسطى

موكاداس نوري


معالي السيد رئيس مجلس الأمة الكويتي،

فخامة رئيس جمهورية مالطا،

معالي الرئيس التركي السابق،

معالي السادة والسيدات رؤساء المنظمات والوفود المدعوون إلى هذه الجلسة،

         أود أولًا التعبير عن شكري الجزيل لرئيس «مؤسسة عبدالعزيز سعود البابطين الثقافية» للدعوة الكريمة لحضور هذا المنتدى وخصوصًا حفاوة استقبال وفد جمهورية أفريقيا الوسطى.

         سوف أركز كلمتي في هذه الجلسة على برنامج تعليمي خاص بالمواطن وبالترابط الاجتماعي في مدارس بلدي ومجتمعاته، أي في جمهورية أفريقيا الوسطى، وكونه منتخبًا لرئاسة أفريقيا الوسطى في فبراير 2016، فإن فخامة البروفيسور (فوستن أركانج توادارا) وجّه بضرورة النهوض بهذا البلد الذي عانى الكثير، ويمكننا القول: إنه في حالة خراب أو كان شبه أنقاض وكان مقسمًا بالنزاعات الأهلية. فعلى مستوى النظام التعليمي وبفضل دعم وكالة التنمية الفرنسية (AF2) في هذا المجال التعليمي، نجحنا في تطوير برنامج سياسة التعليم.

         وكذلك يمكنني القول: إننا من البلدان النادرة في المنظمة التي طورت هذا البرنامج على الرغم من الصعوبات التي واجهتها البلاد، فهو برنامج سياسي شامل يعمل على تشخيص المنظومات التعليمية للتدخلات الإصلاحية المستقبلية.

          كنا الدولة الوحيدة في المنظمة التي قامت بهذا على الرغم من الأزمة المالية لدينا، وفيما يتعلق بالمنتدى العالمي للسلام والذي يرتبط بالتعليم في بلدي، اسمحوا لي أن أشير إلى ظاهرة قد تبدو عادية وحتى غريبة للمتخصصين في النظام التعليمي، فإن ما نجحت فيه جمهورية أفريقيا الوسطى على الرغم من الأزمات السياسية والعسكرية هو تنظيم الامتحانات والمناظرات في جميع الاختصاصات الأكاديمية، وللتدقيق فإنه من بين ستة وثمانين تخصصًا نجحنا في هذا التنظيم طيلة ثلاث سنوات متتالية.

         والدرس الكبير الذي تعلمناه من هذه التجربة والذي ساعدنا في تحقيق هذا الهدف هو أنه على الرغم من خلافات المجموعات المسلحة والمجموعات العسكرية السياسية كانوا جميعًا متفقين على شيء واحد وهو السماح للأطفال بالذهاب إلى المدرسة. وعلى الرغم من الطموحات الحربية كانوا على الأقل متفقين على هذه النقطة، وقد استفدنا من هذا الموقف في هذا الاتجاه.

         وقد تحدثتُ سابقًا عن برنامج سياسة التعليم في تقرير الدولة عن النظام التعليمي، وهو التزام من الشركاء الذين يرافقوننا للحصول على هذه الأداة لتسهيل التدخلات، فكان هناك تشخيص كامل للنظام التعليمي يحتوي على تقارير عن ذلك، فقمنا بتطوير استراتيجية قطّاعية خضعت لتعليم شركائنا وهذا للوصول إلى التعليم الشامل في سنة 2020.

         وحسب الأهداف التي وضعتها اليونسكو فإن أحد المحاور الأساسية هو التمكن من تحقيق إصلاح كامل للنظام التعليمي مع التركيز على تعليم المثل العليا للسلام والتسامح والتضامن والمساهمة في تجذير قيم الديمقراطية، وفي هذه النظرة قبلت الحكومة وأعطت الدعم المالي على الرغم من الصعوبات النقدية التي تمر بها البلاد، فالمالية العمومية ضعيفة.

         فقبلت الحكومة ومولت كتابًا موجهًا لأفريقيا الوسطى، وهو كتاب يركز على ثقافة السلام في المدارس الابتدائية والثانوية.. وربما سأعود لهذه النقطة لاحقًا.

حضرات السادة والسيدات رؤساء الدول والضيوف،

         على الرغم من هذه الأزمة التي تمر بها دولتنا، فإن الحصول على التعليم في جمهورية أفريقيا الوسطى هو تقريبًا مجاني، وقد تطرقوا لها سابقًا وتحدثوا عن ضرورة الحصول على التعليم، ويمكن القول: إن هناك استثناء للبنات والشابات لتسهيل حصولهن على التدريس أو التعليم بتجاوز معايير السن، ولا أريد الذهاب بعيدًا جدًّا، تلاحظون وجود قضايا يجب التعامل معها وأن لدينا أهدافًا أيضًا، لكن للوصول إلى تلك الأهداف - وخاصة فيما يخص إشكالية تعليم المواطنة وثقافة السلام - فإن منظومتنا التعليمية تحتاج إلى الدعم المالي للقيام بهذه الأنشطة.

أولًا: يجب توفير طاولات وكراسي للتلاميذ كي يتمكنوا من متابعة الدروس، وهناك من لا يتفهم كوننا بلد الغابات، فلمن يعرف أفريقيا الوسطى فهي تقع في قلب أفريقيا، فالأطفال يجلسون على الأرض لمتابعة الدروس ويصعب علينا تفسير ذلك.

ثانيًا: يجب مساعدة شركائنا في تمويل الكتب المتعلقة بهذه الإشكالية، وهي ثقافة السلام وتعليم المواطن، لأن من الكلمات التي تخلق المشاكل في بلادنا مما يجعلنا نواجه أزمات متكررة هو أن بعض المواطنين لا يعرفون تاريخ بلادهم بسبب الهجرات المتتالية، ويظنون أن الآخرين أجانب في بلادهم، وهنا نحتاج إلى ثقافة تركز على التاريخ وعلى الإرث الثقافي.

         إن إشكالية المواطنة في هذا البلد تتسبب في النزاعات، فالبلاد شهدت هجرات متتالية للسكان، وفي الواقع هناك دائمًا مشكلة بناء المدارس وإعادة تأهيلها، لأنه بصفة عامة في الأزمات العسكرية والسياسية، خاصة التي شهدتها البلاد، تقوم المجموعات المسلحة التي كانت تحتل بعض المناطق بتخريب البيئة المدرسية، فهي ما إن تحتل منطقة وتتمكن من أخذ مدينة أو قرية يقوم المسلحون بالاستقرار في المدارس ويحولونها إلى معسكرات، ويستخدمون الطاولات والكراسي كخشب للتدفئة، ويمكنكم تصور كل هذه الخسائر، لذلك هناك طلب كبير لإعادة بناء المدارس وتأهيلها.

         وفي النهاية مع توحيد الحياة الديمقراطية في بلادنا من خلال توقيع معاهدات السلام والتي وضعت فيها الأحرف الأولى في الخرطوم ووقع قسم منها في بانجي، وأيضًا بفضل دعم الشركاء على المستوى الثنائي والمتعدد الأطراف، ولا ننسى أيضًا المؤسسة الثقافية للسيد عبدالعزيز سعود البابطين، فإننا سنتمكن من إعادة التأسيس على المستوى الاجتماعي وإعادة تأسيس مواطنينا، وسنحقق النتائج التي سنتمناها.

وشكرًا لكم.




كلمة السيد مستشار اليونسكو للتراث الثقافي

منير بوشناقي


         شكرًا جزيلًا للسيد عبدالعزيز سعود البابطين على دعوتي وصديقي الدكتور نجيب فريجي، فقد سمعنا قبل بضعة أشهر عن هذا المنتدى الذي تدعمه شخصية هامة جدًّا من الكويت هو السيد عبدالعزيز سعود البابطين المعروف لدى منظمة اليونسكو بإسهاماته التربوية، واليوم لدعمه التراث الثقافي بشكل خاص.

         أود الإشارة إلى أننا كنا هنا قبل عشرين عامًا مع (فريدريكو مايور) المدير العام لليونسكو حينها، لصياغة البروتوكول الثاني الملحق بمعاهدة سنة 1954 التي تم ذكرها في هذا الصباح، وهي أول معاهدة تتعلق بحماية التراث الثقافي في حالة النزاع المسلح. ومنذ انضمامي إلى اليونسكو ونحن نرى ونتابع، ولسوء الحظ يبدو أن تطبيق بنود المعاهدة يلقى صعوبة في النزاعات التي نشبت بعد الحرب العالمية الثانية. فالمعاهدة تتحدث عن الصراعات بين الدول‏، لكن النزاعات الحديثة كثرت بين المجموعات والأهالي من حيث الحروب الأهلية..

         هذه النزاعات ننظر إليها وفق معيارين: الأول أنها حروب أهلية ونزاعات داخلية، وهي بالطبع تلحق الأضرار بالسكان وتؤدي إلى الموت، وينتج عنها لاجئون، والعنصر الجديد فيها أن المعالم الأثرية أصبحت هدفًا. وخلال عملي في اليونسكو شهدت مدنًا وتماثيل ومتاحف ومعالم تاريخية تم استهدافها.

         وقد أشار سعادة الدكتور الحارث سيلايجتش (رئيس البوسنة السابق) إلى استهداف المعالم التاريخية عندما بدأت الأزمة في يوغسلافيا السابقة، وأن أهم الأشياء التي تضررت بسبب الأزمة هي ‏التراث في مدينة دوبروفنيك التي تم استهدافها، ثم تبعتها سلسلة من الهجمات على الآثار التاريخية والتراث الإنساني. وقد كنت في عدد من المدن في البوسنة مثل مدينة أبجوار ومدينة موسكار وسراييفو وباينا لوكا وشاهدت ذلك، كما لاحظت أيضًا الاستهدافات الكثيرة؛ ففي لبنان شاهدنا الكثير منها، ‏لسوء الحظ، لكن هذا هو عملنا.

         وأتحدث أيضًا نيابة عن زميلي (لاتذاب دوندو) مدير الاتحاد الذي يناط به متابعة ما بعد الأزمة، وقد تابعنا دمارًا في تمبكتو في مالي وشاهدنا كل هذه الأزمات تتزايد. ففي أفغانستان كان لدي مباحثات مطولة مع المسؤولين عن معاهدة التعاون الإسلامي والمؤسسات الإسلامية كـ الإيسيسكو، والأليسكو، ‏لكننا لم نستطع أن نوقف استهداف طالبان لتمثال بوذا ولا للمعالم الدينية والتاريخية، مما أحدث صدمة في جميع أنحاء العالم، والجميع يقول: انظروا إن الإسلام يعادي الأديان الأخرى وهم يدمرون التماثيل البوذية المهمة.

         واستمرت الحرب أيضًا في كمبوديا، حينها استهدف الخمير الحمر المعالم التاريخية والأثرية، وتمت سرقتها، ‏وهنا كنا نرى أن التراث الثقافي كان هدفًا أيضًا.

ماذا فعلنا في اليونسكو؟

         قمنا بإعداد خطة لإعادة بناء المعالم المدمرة. ومؤخرًا كنا في الموصل في العراق ولاحظنا رغبة الجميع هناك، من المسلمين والمسيحيين، بإعادة البناء والترميم. فالمسيحيون من خلال كنيسة البابا، والتقينا رئيس الطائفة المسيحية في الموصل والطائفة الإسلامية أيضًا الذين يرغبون بإعادة بناء مسجد النوري.

          الشيء نفسه في البوسنة عندما انقسم المسلمون إلى قسمين: شرقي وغربي موستار، فكان يجب إعادة بناء (جسر موستار) لإعادة بعض ‏الثقة وتصليح العلاقات وإصلاح المجتمع. وفي لبنان حدث الأمر نفسه أيضًا، فكان المتحف الوطني خلف خط التماس ‏بين الجبهات المتحاربة، والتقيت رئيس الوزراء اللبناني آنذاك، وبعد اتفاق الطائف تم الاتفاق بيننا على أن تقوم اليونسكو بإعادة تأهيل المتحف الوطني في بيروت.

         كل هذا؛ لإعلامكم أن أفضل مثال لإعادة تأهيل المعالم التاريخية وعودة السلام هو ما يجري في كمبوديا، فقد سافرت أول أمس إلى كمبوديا وعدت إلى لاهاي حيث لاحظنا أن الحال عادت طبيعية بعد خمسة وعشرين عامًا من تشكيل لجنة إعادة البناء الدولية لحماية التراث وتنميته، فتم ترميم المعابد البوذية وتشكيل وزارة الثقافة والسياحة وعادت السياحة إلى نشاطها.

         هذا هو صلب ثقافة السلام فإذا استطعنا أن نجعل الناس يقبلون بعضهم بعضًا ويعيشون معًا، فعليهم أن يعوا أهمية التراث. وكما قال سمو الأمير تركي الفيصل: «هناك تراث ملموس وآخر غير ملموس»، وقد أكدنا في اليونسكو على أهمية تنوع ‏التراث الحضاري والإرث الثقافي، فكان لي شرف العمل في صياغة ميثاق 2003 لحماية التراث الملموس، وفي آخر بند من ميثاق اليونسكو تم التأكيد على حماية التراث والمحافظة على تنوعه، ولابد من إدخال بعض الكلمات إلى عملية التعليم الثقافي.

         لقد عملنا مع الأليكسو واليونسكو، ويتحمل وزراء الثقافة الآن المسؤولية لتدريس مادة التاريخ والجغرافيا وتأكيد أهمية الفن والأدب، فعندما كنت صغيرًا ‏درست هذه المواد، لكن اليوم لا ينظر إليها كما ينظر إلى الرياضيات والفيزياء والكيمياء، فهي ليست موادًا هامة كما كانت في ذلك الوقت حين كان يجرى امتحان في مادة الجغرافيا والتاريخ، لكن اليوم قل الاهتمام بهما.

‏         في الختام علينا العودة إلى الاهتمام بهذه المواد، وقد ساعدت اليونسكو في التشديد على أهمية الأجيال الصاعدة وتلقت سابقًا مساعدات في إطلاق برنامج تعليمي بعنوان: «التراث الثقافي في أيدي الشباب» هذا البرنامج تم تمويله من قبل شركة فرنسية جاءت إلى اليونسكو لتحتفل بذكرى مرور مئة عام على تأسيسها وقدمت تبرعات بمئة وخمسين ألف دولار أمريكي دعمًا ماديًّا للحفاظ على التراث، وأعتقد أن هذه أداة هامة. وقد تم ترجمة البرنامج إلى ثلاثين لغة.

          لقد شاركت بمهمات في كل من أمريكا اللاتينية وآسيا، ‏وأعتقد أن هذا عنصر مهم لغرس قيم احترام الآخر في عقول الأجيال الصاعدة في أنحاء العالم كافة. وقد أصبت بصدمة عندما شاهدت في الأخبار أن شابًّا أو شابة يريد أن يفجر نفسه.. أن يقتل نفسه ليقتل الآخرين! ماذا في عقله؟ وماذا في عقلها؟ يجب أن نضع هذه الأسئلة في صلب ما يجب أن تكون عليه ثقافة السلام.

وشكرًا لكم.

bottom of page