top of page

الجلسة الافتتاحية

معالي السيدة جوك برندت، ممثلة الحكومة الهولندية ووكيلة وزارة الخارجية

السيد إيريك دي باديتس، المدير العام لمؤسسة كارنيجي قصر السلام، هولندا

السيد عبدالعزيز سعود البابطين، رئيس مؤسسة عبدالعزيز سعود البابطين الثقافية، الكويت

صاحب السمو الملكي الأمير تركي الفيصل آل سعود، المملكة العربية السعودية

خطاب الافتتاح

فخامة رئيس جمهورية مالطا، الدكتور جورج فيلا

 

 

كلمة معالي السيدة جوك برندت

ممثلة الحكومة الهولندية، ووكيلة وزارة الخارجية الهولندية

 

أصحاب السمو وأصحاب المعالي والسعادة،

السيدات والسادة،

          إنه لشرف كبير لي أن أرحب بكم جميعًا نيابة عن الحكومة الهولندية في مدينة لاهاي، المدينة العالمية للعدالة والسلام، والمحيط الرائع لقصر السلام، ويسرني أن أعبر عن سعادتي بحضوركم، وأن أرحب بالسادة قادة الدول والحكومات والسادة الوزراء والممثلين الذي حضروا هنا اليوم، وأرحب ترحيبًا خاصًّا بالسيد عبدالعزيز سعود البابطين رئيس مجلس أمناء (مؤسسة عبدالعزيز سعود البابطين الثقافية)، وإنني أشعر بسعادةٍ غامرةٍ وشرفٍ عظيمٍ بتواجدكم معنا اليوم.

          إنها مناسبة عظيمة أن نلتقي اليوم هنا في مقر قصر السلام، هذا المكان الذي يتمتع بأهمية تاريخية تختص بها مدينة لاهاي، والتي اكتسبت من خلاله أهميتها الدولية كعاصمة للعدالة العالمية. إن قصر السلام الذي شاهدتموه في الفيديو هو اليوم مقر للعديد من المؤسسات العالمية، حيث يضم محكمة العدل الدولية، والمحكمة الدائمة للتحكيم، وأكاديمية لاهاي للقانون الدولي، وقد تم إدراج القصر على لائحة التراث الأوربي لما يمثله من القيم المثالية كالسلام والعدالة.

          ويكتسب القصر أهميته من الحدث التاريخي الذي يعود إلى شهر مايو سنة 1954 أي قبل خمسة وستين عامًا حين تم توقيع (معاهدة لاهاي لحماية المواقع التراثية في حالة النزاع المسلح) وذلك بعد الدمار الذي ألحقته الحربان العالميتان بالإرث الإنساني، والاقتصادي، والثقافي العالمي، مما دفع المجتمع الدولي إلى الإقرار بالحاجة إلى توقيع معاهدة لحماية التراث الثقافي خلال النزعات المسلحة.

          وعندما تمت إضافة البروتوكول الثاني للمعاهدة سنة 1999، تم عقد الاجتماع في مدينة لاهاي، وكما تعلمون فإن مدينة لاهاي تستضيف المحكمة الجنائية الدولية؛ حيث تم في سنة 2016 ولأول مرة في تاريخ العالم إدانة أفراد لارتكابهم جرائم ضد الإنسانية بتدمير التراث الثقافي في تمبكتو، لذا أعتقد أنه يمكننا أن نطلق على لاهاي (المدينة التي تحمي التراث الثقافي وتدافع عنه) وليس مدينة السلام والعدالة فقط.

          وتعد معاهدة سنة 1954 هي (معاهدة اليونيسكو) واليونيسكو تؤدي دورًا مهمًّا في حماية التراث العالمي.

          إن مملكة هولندا واحدة من أكبر المناصرين لحماية التراث الثقافي العالمي، وتسهم بشكل كبير في تقديم الدعم والعمل لمحاربة الإتجار غير القانوني بالآثار، وتعمل على حماية هذا التراث، كما أن هولندا ملتزمة بحماية التراث الثقافي وبمعاهدة لاهاي، وتدعم السكرتارية بالتمويل وتوفير الموظفين وتلتزم بالتمويل للبروتوكول الثاني منذ توقيعه، ونتمنى من الآخرين أن يحذوا حذونا.

          إن استمرار ومتابعة التزامنا هو الآن أكثر أهمية من أيّ وقت سابق، لأن التراث الثقافي يتعرّض اليوم لمخاطر النزاعات والحروب، ونحن بحاجة للعمل معًا لحماية التراث العالمي، فالتعاون الدولي ضروري لتحقيق ذلك، ولهذا نحن مجتمعون اليوم هنا وهو ما يكسب اجتماعنا أهميته.

          إن الأبنية التاريخية ومحتوياتها، والمكتشفات الأثرية، ودور الآثار والمتاحف، والأغاني، والقصص والروايات والوثائق والشعر، كلها تشكل الذاكرة الجمعية لنا، وتربطنا بماضينا وتساعدنا على فهم الحاضر واستشراف المستقبل. فتراثنا يخبرنا مَنْ نحن وكيف أصبحنا على ما نحن عليه، وكيف سنكون في المستقبل، كما يساعد في تشكيل هويتنا كبشر، وهذا ينطبق على دول العالم كافة كما ينطبق على مملكة هولندا.

أصحاب المعالي والسعادة والسادة الحضور،

          إن تراثنا الحضاري والثقافي ثمين جدًّا وتجب حمايته من الدمار، فهو يتعرض للتدمير والقصف كما يحصل في سورية وفي اليمن، حيث تم تدمير تلك الكنوز التاريخية، ولكي نتمكن من فعل ذلك في أوقات النزاعات يجب علينا اتخاذ الإجراءات اللازمة حتى في أوقات السِّلم لنكون جاهزين في أوقات الحروب والكوارث.

          وإن عملية التربية والتدريب على قيم السلام عنصر مهم لتحقيق ذلك، ولهذا تقوم حكومة هولندا بتقديم الدعم المادي لصندوق (برنس كلودز)، وهو ذو دور مهم في حماية التراث الثقافي خلال الأزمات، وإن هذه المنظمة مع عدد من الشركاء من بينهم (المركز الدولي للدراسة وحماية الممتلكات الثقافية، واليونيسكو، ومعهد إسميثونيان)، يقومون بتدريب المحترفين لتطوير مهاراتهم في المحافظة على الاستجابة للكوارث الطبيعية أو التي يصنعها الإنسان والتي تؤثر على التراث الثقافي، وهذا يؤسس لخطوة هامة لاحقة في الجهود العالمية المشتركة لحماية التراث الإنساني على مستوى العالم.

          وأختتم كلمتي بالتعبير عن تقديري وامتناني للقائمين على تنظيم هذا المنتدى وحسن اختيارهم لمحاوره ومواضيعه الهامة في برنامجه، وأؤكد إننا سنبقى ملتزمين بحماية التراث الثقافي ونتطلع للعمل المشترك معكم جميعًا، ليس اليوم فقط، بل وفي المستقبل أيضًا، وأتمنى لكم جميعًا ولهذا المنتدى النجاح والتوفيق.

شكرًا جزيلًا لكم..

 


كلمة السيد إيريك دي باديتس

المدير العام لمؤسسة كارنيجي قصر السلام، هولندا

الضيوف الكرام..

          يشرفني أن أرحب بكم في قصر السلام في لاهاي، حيث تغمرني سعادة عارمة بالمشاركة في هذا المنتدى العالمي؛ فالحال في الشرق الأوسط تبعث على القلق عند الجميع في كل أنحاء العالم، ولنا في هذا المنتدى بشكل خاص.

          وفي الحقيقة فإنه يمكن للحضور اليوم في قصر السلام أن يقوموا بدورهم في هذا المجال، فأنا لا أتدخل بالقضايا أمام المحكمة ولا بالسياسة، وقد شاهدت الفيلم الممتع لكنني لا أتدخل في الأحداث والحالات السياسية ولا في الدين كذلك؛ لأن الدين كما قد ينظر إليه اليوم على أنه مصدر للكثير من الصراعات، فهو أيضًا مصدر للإلهام كما جاء في كتاب الله: "لكم دينكم ولي دين"؛ فالدين يمكن أن يكون أيضًا مصدرًا للصداقة والتعارف، وإنني أوجه دعوة إلى قادة العالم الروحيين للحضور جميعًا إلى هنا لتعزيز علاقات الصداقة والسلام والمحبة من خلال التوعية الدينية.

          سأتحدث عن ثقافة السلام، فنحن نعمل هنا كل يوم من أجل السلام، فقصر السلام لا يتوقف فيه العمل السلمي، والسلام من خلال القانون هو نزعة عممت سنة 1889 عندما عقد أول مؤتمر للسلام في لاهاي من قبل آخر القياصرة الروس، وحينها اتخذ القرار كي لا تلجأ الدول إلى حل المشاكل بالحروب، فيخسر الكثيرون فيها حياتهم، وإنما حل المشاكل عوضًا عن ذلك بالطرق السلمية من خلال المحاكم والتحكيم، وهكذا تم تأسيس المحكمة الدولية الدائمة للتحكيم وكان لا بد أن يكون مقرها في مكان يمثل السلام ويعمل من أجل السلم العالمي، فتم اختيار هذا المكان.

          وقد تم تأسيس القصر بمساهمة ودعم من أغنى رجل في العالم (أندرو كارنيجي) الذي يعد كـ (بيل غيتس) في عصره، حيث كان لديه رؤية وأراد أن يعطي معنًى لهذا القصر، وبما أنه كان يؤمن بأهمية التعليم والثقافة فقد أراد أن يكون هذا القصر مكتبة للمطبوعات المتعلقة بالسلام وتقوم مؤسسة كارنجي بإدارتها. لذلك يمكن مشاهدة ملايين المطبوعات هنا في القصر حول القانون العالمي، وقوانين السلام وغيرها.

          ومنذ ذلك الوقت تم تكريس هذا المكان للعمل من أجل السلام، وأقرت عصبة الأمم لاحقًا أن يكون هذا المكان قصرًا للسلام إضافة إلى محكمة التحكيم، وكان مقدمة لمحكمة العدل الدولية التي تأسست لاحقًا، وأخيرًا ليكون مقرًّا دائمًا لها.

          ونحن سعداء في (مؤسسة كارنيجي) بأن نستضيف المحكمة الدولية هنا في هذا القصر وأن يرفرف علم الأمم المتحدة فوقه؛ حيث هي المنظمة الرسمية والوحيدة التي اتخذت مقرًّا لها خارج المقر الرئيس للأمم المتحدة والتي تم إنشاؤها وفق ميثاق الأمم المتحدة لتعمل من أجل السلام بواسطة القانون.

          وفي الواقع؛ من الأشخاص الذين يحسب لهم وكانوا نشطين في المنظمة السيد الهولندي (توباس آسر)، الحائز على جائزة نوبل للسلام، والذي كان مبادرًا بإطلاق فكرة ثقافة السلام العالمي وتعليمها ونشرها. ونحن سعداء أيضًا أن نستضيف هنا لجنة التحكيم الدولية، وأن نستضيف أيضًا أكاديمية لاهاي للقانون الدولي حيث تجلسون الآن في هذه الندوة، والتي أسهمت في تعليم ثقافة السلام لآلاف الطلاب من مئات الجنسيات سنويًّا، لذلك فإن مؤسسة كارنجي هي منظمة للسلام.

          أما التراث، فنحن هنا في مبنى التراث، في هذا النصب العالمي، حيث تم إدراجنا على لائحة التراث باعتبار هذا الصرح علامة التراث الأوربي، وقد أسهمت دول كثيرة في تشييد هذا الصرح لإبداء دعمها للسلام؛ فنشاهد الرخام الإيطالي في المدخل الرائع والذي تم تقديمه من إيطاليا، كما نشاهد المزهريات من روسيا، والأشجار الرأسية من اليابان، والسجاد من تركيا ومن إيران ومن مكة، هذه جميعها إسهامات حضارية وثقافية كان لمؤسستنا دورٌ في توفيرها.

          كما يزيدني سرورًا ما ذكرته وكيلة وزارة الخارجية الهولندية، ممثلة مملكة هولندا، بأنه تم هنا توقيع معاهدة سنة 1954 لحماية التراث العالمي، ويسعدني أننا احتفلنا بمرور ستين عامًا على تأسيس هذا القصر في سنة 2014.

          في الحقيقة إنه من واجبنا أن نعمل معًا على حماية التراث الثقافي هنا وفي أي مكان، وحماية المدنيين والأطفال من القتل، وندعو من خلال مهمتنا في حماية السلام إلى عدم قتل النساء والرجال، وأن نحلّ صراعاتنا بطريقة سلمية، وندعو لأن يسود السلام في العالم أجمع.

          وكان لنا لقاء سابق في مؤتمر بعنوان «احموا الأطفال» وقد شارك فيه بعض المشاركين هنا، حيث رأينا جميعًا صورًا للأطفال والكبار على شاشات هواتفنا، وهذا يؤكد أهمية ما نقوم به اليوم من أجل أبنائنا بالدعوة إلى عدم قتل الرجال والنساء والأطفال وحل النزاعات بالوسائل السلمية وندعو إلى عدم قتل أفضل أبناء البشر في الصراعات.

          ندعو أن يحلَّ السلام على الأرض في الوطن العربي، وفي أفريقيا الوسطى والعالم. ويحتفل الكثيرون منكم بحلول شهر رمضان وندعو بهذه المناسبة أن يعم الأمن والسلام.

          يستحضرني هنا واحدٌ من أبرز شخصيات السلام في العالم وهو (سندوخان) من أصول هندية، الذي كوَّن ثروته عندما هاجر إلى أمريكا، ولم يكن يملك في البداية سوى غرفة صغيرة على السطح، ثم أصبح من الأثرياء فيما بعد عندما انطلقت الثورة الصناعية، وحقق حلمه بالثراء فقرر أن يتبرع بثروته للعمل الإنساني والصالح العام من أجل السلام والرخاء.

          آمل أن يكون مثالًا لنا ولكم جميعًا وأتمنى لهذا المنتدى كل النجاح وأن يخرج بأفضل ما يمكن.

          وشكرًا لكم..

 



 

كلمة السيد عبدالعزيز سعود البابطين

رئيس مؤسسة عبدالعزيز سعود البابطين الثقافية

 

بسم الله الرحمن الرحيم

فخامة رئيس جمهورية مالطا السيد جورج فيلا

فخامة رئيس جمهورية أفريقيا الوسطى السيد فوستن أرگانج توادارا

سموُّ الأمير تركي الفيصل آل سعود

معالي رئيس مجلس الأمة الكويتي السيد مرزوق الغانم

السَّادَةُ الرُّؤسَاءُ

السَّادَةُ الوزَرَاءُ

السَّادَةُ السُّفَراءُ

السَّيداتُ والسادة الحُضورُ

السَّلامُ عليكُمْ ورَحْمَةُ اللهِ وَبَركاتهُ،

          يُسعِدُنا، في إِطارِ التَّعاونِ بينَ مُؤسسةِ عَبدالعزيز سُعود البابطين الثقافية والجَمعيَّةِ العامَّةِ للأُمَمِ المُتحدَةِ، والمَعهدِ الدولِيِّ للسَّلامِ، واللجنَةِ الدوليَّةِ للصَّلِيبِ الأَحمَرِ والهلال الأحمر وجَامِعَةِ ليدن ومؤسسة كارنجي قصر السلام، أَنْ نُرَحِّبَ بِكُمْ جَميعًا في هذَا المُنتدَى العَالَميِّ في مَحْكَمَةِ العَدْلِ الدَّوْلِيَّةِ بِقَصْرِ السَّلامِ في مَدينَةِ لاهَاي، والذي نَعقِدُهُ اليومَ بِحُضُورِ هذا الجَمْعِ الطيِّبِ مِنَ القَادَةِ وَالمُفَكِّرِينَ وَالأكادِيميينَ وَالإعْلاميينَ مِنْ كُلِّ أَنحَاءِ العَالَمِ، وإنَّ هذا المنتدى إنما هو بمباركةٍ من صاحبِ السموِّ أميرِ دولةِ الكويتِ الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح حفظَهُ اللهُ ورعاهُ الذي مَنحتْهُ الأممُ المتحدةُ لقبَ قائدِ العملِ الإنسانيِّ، فَمِنْ خلالِه وبهِ أصبحَتِ الكويتُ مركزًا للعملِ الإنسانيِّ، ونحنُ نسيرُ على نهجهِ ونتبعُ رؤيتَهُ في هذا المجال.

          إِنَّ هَذَا المُنتَدَى ثمرَةٌ لِمُبَادَرَتِنَا باسْمِ المُؤَسسةِ حَولَ «ثقَافَةِ السَّلامِ مِنْ أَجْلِ أَمْنِ أَجْيَالِ المُستَقبلِ» التي قَدَّمْنَاهَا في جَلْسَتينِ مُتَتَالِيَتَينِ إلى الجَمْعِيَّةِ العَامَّةِ للأُممِ المُتحدَةِ في السَّابِعِ مِنْ سِبتَمبر عَامَ 2017 ثمَّ في الخَامِسِ مِنْ سِبتَمبَر 2018، بِهَدفِ تَدْريسِ مَبادِئ ثَقافَةِ السَّلامِ العادل بينَ الطلَبَةِ مِنَ الحَضَانَةِ إلى الجَامِعَةِ، وكُنَّا عَرَضْنَا حِينَهَا «المَنْهَجَ النَّمُوذَجَ» الذي أَعَدَّتْهُ المُؤسَّسةُ، وتَمَّتِ المُوَافَقَةُ عليهِ وَإقْرَارُهُ بالإجماع.

          لَقدْ قَامَتْ مؤسستُنا معَ لَجْنَةٍ دَولِيةٍ وخُبَرَاءَ مِنَ العَالَمِ بإِعْدَادِ هذه المَنَاهِجِ الخاصَّةِ بذلكَ وَعَدَدُهَا سَبعَةَ عَشَرَ مَنْهَجًا والتي تَقومُ على الأَفكَارِ التي طَرَحْنَاهَا أمَامَ الجَمعيَّةِ العَامَّةِ للأُمَمِ المُتَّحِدَةِ، وَسَوفَ نُقَدِّمُهَا لَكُمْ في الجَلْسَةِ الخِتَامِيَّةِ لِهذَا المُنْتَدَى.

السيداتُ والسادَةُ..

          إنَّنَا جَميعًا نَعيشُ وَاقِعًا مُؤلِمًا، حيثُ الحُرُوبُ المُدَمِّرَةُ والأوضاعُ الهشّةُ في عَدَدٍ مِنْ دُوَلِ العَالَمِ والمُجتَمَعَاتِ، وَبِسَببِ ذلكَ صَارَت السِّلْمُ الاجتِمَاعِيَّةُ في خَطَرٍ مُتَفَاقِمٍ، وَتَعرَّضَ التُّرَاثُ الثقافِيُّ الإنسَانِيُّ إلى تَدْميرٍ مُتَعَمَّدٍ وَمَقصُودٍ وَتَدَهْوَرت العَلاقَاتُ الاجتمَاعِيَّةُ وصَارَتْ المُوَاطَنَةُ المَحليَّةُ والإنسانيةُ تَعيشُ أَزْمَةً حَقيقيَّةً..

          ولقد جَعَلْنَا مَوضُوعَ الدورَةِ الأُولَى لِهذَا المُنتَدَى الدّوليِّ حولَ تَدْريسِ ثقافَةِ السَّلامِ وحِمَايَةِ التُّرَاثِ الثقافِيِّ، ورَكَّزْنَا على العِرَاقِ واليَمَنِ مِنْ أَجْلِ حِمَايَةِ التُّرَاثِ الثقافِيِّ في هَذينِ البَلَدَينِ، وعلى جُمهورِيَّةِ أَفرِيقيا الوُسْطَى مِنْ أَجْلِ تَدريْسِ ثَقافَةِ السَّلامِ بَعْدَ تَعَرُّضِ السِّلْمِ الأَهليِّ فيها إلى انتِهَاكَاتٍ كُبْرَى تَجَاوَزَتْهَا بِسَلامٍ.

السيداتُ والسادَةُ..

          لَقَدْ أَقَامَتْ مُؤسسةُ عبدالعزيز سُعود البابطين الثقافية سِلسِلَةً مِنْ دَورَاتِها ونَدَوَاتِها الخاصَّةِ في مَوضُوعِ حِوارِ الحَضَاراتِ والتعايش بين الأديان في عَددٍ مِنَ المُدُنِ والعَواصِمِ في القارَّةِ الأُوروبيَّةِ وغيرها، بَدَأَتْهَا عَامَ 2004 بِمدينةِ قُرطُبَةَ بإِسبَانيا تَحتَ رِعَايةِ العَاهِلِ الإِسبانيِّ الملكِ خوَان كَارلُوس، ثمَّ في عَامِ 2006 عَقَدَتْ دَورَتَها العَاشِرَةَ بالعَاصِمَةِ الفرنسيَّةِ بَارِيس برِعَايةِ الرئيسِ جَاك شِيرَاك.

          وفي عام 2008 عقدت المؤسسة دورتها الحادية عشرة في دولة الكويت برعاية صاحب السمو الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح أمير دولة الكويت حفظه الله ورعاه بعنوان: ثقافات ومصالح من محورين هما: محور صراع المصالح وتأثيره في المشهد الثقافي العالمي، ومحور: حوار الثقافات طريقةٌ إلى حل القضايا.

وَفي عَامِ 2010 أقَامَتِ المُؤسسةُ دَورَتَها الثانِيَةَ عَشرَةَ في سَرَاييفو برعايَةِ الدكتور حَارِث سيلايجِتش رَئيسِ مَجلِسِ الرِّئَاسَةِ في البُوسنةِ والهِرسِكِ آنذاك، ونسعد بوجوده معنا الآن في هذه القاعة.

          وفي عَامِ 2011 أقمنا في دبي برعايةِ سموِّ الشيخ محمد بن راشد دورةً حولَ الشعرِ والتعايشِ السلمي.

وفي عَامِ 2013 أَقَامَتِ المُؤسَّسةُ دَورَتَها الثالثَةَ عَشرَةَ في مَدينةِ بُروكسل، وكانَتْ بعنوان «الحِوارُ العَربيُّ الأوروبيُّ في القَرنِ الحَادي والعِشرينِ.. نَحْوَ رُؤيَةٍ مُشتَرَكَةٍ، بمقرِّ برلَمَانِ الاتحادِ الأُوروبيِّ وبرعَايَةِ رَئيسِ البَرلَمَانِ آنذاك مَارْتِنْ شُولْتِزْ.

          وَفي عَامِ 2015 عَقَدَتْ المُؤسسةُ دَورَتَها الخَامِسَةَ عَشرَةَ في مَدينةِ أُكسفُورد بالمَملَكةِ المُتحدَةِ بعنوان «عَالَمُنَا وَاحِدٌ.. والتَّحدِّيَاتُ أمَامَنَا مُشتَرَكَةٌ» بالتعاوُنِ معَ جَامِعةِ أُكسفُورد، وبرعَايَةِ اللورد بَاتِنْ حاكم هونغ كونغ سابقًا ورئيس جامعة أكسفورد حاليًّا.

          وَقدْ حَضَرَ جَميعَ هَذهِ الدّورَاتِ وَالندَواتِ شَخصِيَّاتٌ سِياسِيةٌ وَفِكريةٌ وَإعلامِيةٌ مَرمُوقَةٌ يُمَثلُونَ رُؤَساءَ دُوَلٍ ورؤساءَ برلماناتٍ وَمُؤسساتٍ إِعلامِيةً وَأَكادِيميةً بَارِزَةً مِنْ مُخْتَلفِ دُوَلِ العَالَمِ.

          وَكانَ هدفنا الأسمى هو إِرسَاءُ مَبدَأ الحِوَارِ والتفَاهُمِ بينَ الثقافَاتِ الإنسانية وَالأدْيَانِ المُختَلِفَةِ، ومن أجل إِنْهَاءِ النِّزَاعَاتِ المَذْهَبِيَّةِ والعِرْقِيَّةِ وإِعْلاءِ قِيَمِ الحَقِّ وَالتَّعَاوُنِ وَالسِّلْمِ بينَ شُعُوبِ الأرْضِ قَاطِبَةً.

          وَقد كانَ لذلك مَرْدُودٌ إِيجَابِيٌّ كبيرٌ خُصُوصًا في الجَانِبِ الثقَافِيِّ وَالأكادِيميِّ كَإقامَةِ عشراتِ الكراسي الخاصةِ بِحِوَارِ الثقافاتِ والدِّراساتِ التاريخيَّةِ في الجَامِعَاتِ الأُوروبِيَّةِ، وَالأَمريكيَّةِ، والآسيويَّةِ، والعَربيَّةِ، والأَفريقيَّةِ.

السَّيداتُ والسَّادَةُ..

          إنَّ هذا المُنتَدَى اليومَ لَيسَ تَتويجًا لِمَسَارِ المُؤسسةِ، بَلْ فَاتِحَةٌ لِبدَايَةِ مَسارِ عَمَلٍ، بِقدْرِ ما يبدُو عَسِيرَ المَنَالِ، فَهُوَ سَهْلٌ في مُتَناولِنا، شَرْطَ تَوفُّرِ الصِّدقِ والعَزيمَةِ، وَإنَّنا نَأمَلُ أنْ تُبَادِرَ دُوَلُ العَالَمِ إلى تَضْمينِ مَناهِجِ السَّلامِ السَّبعَةَ عَشرَ في مَنَاهِجِها التعليمِيَّةِ، ونُعَبِّرُ عَن استِعدَادِنَا للمُسَاعَدَةِ في هذا الغَرَضِ.

          كَمَا نَتَطَلَّعُ بِكُلِّ أَمَلٍ ومَعنَا المُؤمنونَ بِقِيَمِ السَّلامِ العَادِلِ للعَملِ مِنْ أَجلِ المُحَافَظةِ على إِنسانِيةِ الإنْسَانِ، وعَلَى قِيمِ الإنسَانيةِ الرَّفيعَةِ وتُرَاثِهَا الأَصِيْلِ، وليسَ هَذا مُمْكِنًا إلَّا إِذا جَعَلْنا السَّلامَ العادلَ ثَقافَةَ حَياةٍ يَوميةٍ.. وأنْ يَتَّجِهَ فِكْرُنَا لِجَعْلِ السَّلامِ العادلِ أَصْلًا فيهِ، وَأنْ تَتَعطَّرَ لُغَتُنا اليوميَّةُ بالسَّلامِ..

          إنَّ ثقافَةَ السَّلامِ العادلِ تَجعلُ مِنَّا كائِناتٍ للسَّلامِ.. وهَذا ما تَحتاجُهُ الإنسانيةُ وهو السَّلامُ العادلُ والوِئامُ.

          يا قادةَ العالمِ ضَعُوا - رجاءً - في أذهانِكم بأنكم جئتم لِتعميرِ الأرضِ وحمايةِ مَن عليها وليس لِتَدميرِها بهذهِ الأسلحةِ الفتاكةِ، لتشكُرَكُم الأجيالُ القادمةُ وتذكرَكم بالخيرِ والثناءِ.

          ولا بدّ أن نعملَ جميعًا على تجفيفِ منابعِ الإرهابِ، وذلك يكونُ أولًا بتجفيفِ منابعِ الظلمِ، كالظُّلمِ الذي وقعَ على الشعبِ الفلسطيني..

والسلام عليكم ورحمه الله وبركاته.




 

كلمة صاحب السمو الملكي الأمير تركي الفيصل آل سعود

(المملكة العربية السعودية)


بسم الله الرحمن الرحيم،

والصلاة والسلام على كل الأنبياء والمرسلين،

الأخ عبدالعزيز سعود البابطين،

شكرًا على الدعوة الكريمة لحضور هذا المنتدى العظيم والتجمع الفاضل.

          دعوني أخاطبكم إذا سمحتم لي باللغة الانجليزية، وأرجو أن تعذروني إذا كان هناك أي تقصير فيها، ولكن هناك ترجمة عربية قدمتُها للمترجم ليقوم بتلك المهمة.

          "لا تخونوا، ولا تغلوا، ولا تغدروا، ولا تمثلوا، ولا تقتلوا طفلًا صغيرًا ولا شيخًا كبيرًا ولا امرأةً، ولا تعقروا نخلًا ولا تحرقوه، ولا تقطعوا شجرةً مثمرةً، ولا تذبحوا شاةً ولا بقرةً ولا بعيرًا إلا لمأكلة، وسوف تمرون بأقوام قد فرّغوا أنفسهم في الصوامع، فدعوهم وما فرّغوا أنفسهم له، وسوف تقدمون على قومٍ يأتونكم بآنية فيها ألوان الطعام، فإن أكلتم منها شيئًا بعد شيء، فاذكروا اسم الله، وتلقون أقوامًا قد فحصوا أوساط رؤوسهم وتركوا حولها مثل العصائب فاخفقوها بالسيف خفقًا". تلك أيها السيدات والسادة كانت كلمات أول الخلفاء الراشدين للنبي محمد صلى الله عليه وسلم، الخليفة أبوبكر الصدِّيق، حين خاطب بها قائد جيش المسلمين الذي ذهب لحرب البيزنطيين.

          أيها السادة نجتمع اليوم هنا لمناقشة موضوع المنتدى حول ثقافة السلام وحماية التراث فيما يخص العراق واليمن، هاتان الدولتان الغنيتان بالتراث، كذلك أفريقيا الوسطى، وسوف أضمّن سورية وليبيا أيضًا. والأكثر أهمية اليوم هو الأسئلة الآتية:

1 - هل يمكن للثقافة أن تكون رابطًا بين السلام والتراث؟

2 - هل يمكن للثقافة أن تساعدنا في حماية التراث الثقافي؟

3 - ما هي الخطوات التي يجب أن نتبعها لحماية التراث في هذه الدول؟

          سوف أتحدث عن نوعين من التراث، وهما: التراث الملموس والآخر غير الملموس؛ فالتراث الملموس يشمل الأبنية والصروح وأحيانًا له جذور عميقة في البيئة الطبيعية والزراعية وغيرها، وهو عادة موجود في الكتب القديمة، والوثائق، والمخطوطات، والكتابات، وغيرها.

          أما التراث غير الملموس فيشمل القيم والتقاليد والتاريخ الشفوي. ففي التراث الملموس نجد أنه يتجسد في العديد من المظاهر كالمهارات في الحرف والشعائر الدينية والحكايات وغيرها، وهو مرتبط بالتراث غير الملموس، ولكن لا بد من ملاحظة التحديات لطبيعة هذا التراث المتمثلة في شكل الارتباط وكيف يمكن وقف الآثار السلبية في مناطقنا وأقاليمنا؟

          إن الدين والثقافة يمكن أن يكونا مصدرًا للاختلافات بين الفئات المجتمعية وكذلك مصدرًا لجمع الشعوب، وعلينا كعرب ومسلمين أن نتعلم من أصدقائنا الأوروبيين، فلديهم تجربة هامة وثرية حول كيفية تعميم ثقافة السلام ونشرها، لأن هناك شواهد أمام أعيننا بسبب النزاع على التراث وما نتج عنه من قتل وتشريد وقصف ولا يوجد تدخل عالمي من أجل إيقاف هذه الآثار السلبية والمدمرة.

السيدات والسادة

          هناك ثلاثة عناصر مهمة يجب اتباعها خلال النزاعات المسلحة، العنصر الأول هو إلزام كافة الجهات المتصارعة باحترام التراث الثقافي وعدم تعريضه للدمار والضرر، وهذا ضروري جدًّا أن تلتزم به الجهات العسكرية لتـتجنب إلحاق الضرر والدمار والسرقات بالمؤسسات الثقافية والحضارية. ويجب أيضًا على الجهات الخاصة بالمناطق المحتلة أن تقوم بدورها لحماية هذا التراث الإنساني والثقافي، ولا بد من تعميم هذا الالتزام بكافة المعاهدات والمواثيق الدولية التي تحضّ على حماية التراث الإنساني والالتزام ببنود معاهدة جنيف 1954 التي صادقت عليها كل الدول لحماية المراكز الثقافية والحضارية في الصراعات المسلحة.

          إضافةً إلى إيجاد استراتيجيات لمنع النزاعات المسلحة والتركيز على حماية التراث بحيث يوضع في أماكنه الطبيعية في المتاحف ودور التراث، كذلك حماية التراث العالمي - مثل التراث الصيني - من الممارسات العسكرية السيئة، لكن كيف يمكن أن نقنع المجموعات المتطرفة أن هناك تراثًا إنسانيًّا يجب حمايته؟

          في الحقيقة هو أمر صعب ولا أتظاهر بأن لدي حلاًّ مباشرًا له، لكن يجب علينا العمل المشترك لتحقيق ذلك، وأنا متأكد أن تعاوننا من خلال بناء السلام وتعليم ثقافة التسامح الديني والعواطف الإنسانية، سيؤدي إلى  الحد من الصراعات المسلحة.

          فلا بد من العمل جميعًا على حماية تلك المواقع الأثرية لأن هذا التراث الإنساني الذي ورثناه عن أسلافنا وأجدادنا مهم جدًّا بالنسبة لنا، ولدينا رغبة كبيرة بأن نعكس ثقافة السلام لبناء مجتمع إنساني حضاري متطور، وعندما تخفق كل الجهات والمعاني الإنسانية والثقافات على كافة الأصعدة في العالم، فإن الأمل المتبقي هو تشجيع الحفاظ على هذه المعالم وحمايتها وتعزيز ثقافتها لدى جميع الجهات المعنية من العالم.

وشكرًا لكم.

 

 

 

 

خطاب الافتتاح لفخامة السيد جورج فيلا

رئيس جمهورية مالطا

أصحاب السعادة،

الضيوف المتميزون،

          إنه لشرف كبير لي أن ألقي هذا الخطاب لافتتاح هذا المنتدى الهام الذي يتعامل مع تعليم السلام وهو التحدي الأساسي لنا جميعًا في هذا الوقت.

          وهو الوقت الذي نشهد فيه صراعًا في سورية وليبيا واليمن؛ وترتفع فيه التوترات بين الولايات المتحدة وإيران وكذلك العلاقات المتضاربة بين الاتحاد الأوروبي وروسيا، وهو الوقت الذي تتراجع فيه قيم الاستماع الحكيم والتوافق الذكي، وأصبحت غير متاحة بسهولة، وهو الوقت الذي لا يرى فيه الشعب الفلسطيني أي احتمالات على الإطلاق للحصول على حقه الذي لا مساومة عليه، في تقرير المصير، وهو الوقت الذي تم فيه استبدال الحوار المحترم والاختلاف الديمقراطي بالتعنيف والإهانة والصراع.

ف      ي هذا الوقت، أصبح من الضروري - أكثر من أي وقت مضى - إعادة اكتشاف أساس السلام المستدام في عالمنا، ومناطقنا، وبلداننا، ومجتمعاتنا. والسلام المستدام لا يتعلق بانعدام العنف الجسدي، رغم أن هذا شرط لا غنى عنه بالنسبة لنا جميعًا؛ فالسلام المستدام يتعلق بتحديد الأسباب الجذرية للصراع والعنف البدني والقضاء عليهما، وفي هذا السياق، يرتبط السلام المستدام بوجود أشكال هيكلية وثقافية للعنف، تضطهد الأفراد والجماعات وأحيانًا الدول بأكملها.

          إن العنف الهيكلي يحصل عندما تكون الهياكل المجتمعية غير عادلة أو قمعية للأفراد أو الجماعات. وتوجد مثل هذه الأنواع من العنف - على سبيل المثال - عندما توجد هياكل أبوية تقلل من شأن النساء وتضعها في وضع أدنى في المجتمع، أو عندما تميز أطرنا المعيارية ضد جماعة عرقية أو دينية، ويحدث هذا النوع من العنف أيضًا عندما تميز القوانين والسياسات ضد أي مجموعة على أساس الجنس، أو العرق، أو الإعاقة، أو الدين، أو أي سبب آخر. والعنف الهيكلي موجود أيضًا عندما تهيمن هياكلنا الاقتصادية على النماذج التي تضطهد من هم في أمس الحاجة إلى الدعم، وعندما يكون النظام الاقتصادي مصممًا لمنفعة الأقلية وليس الأكثرية.

          من المقبول اليوم على نطاق واسع في النظام الأكاديمي لحل النزاعات أن وجود مثل هذه الأشكال غير المباشرة من العنف قد يؤدي إلى عنف جسدي وصراع عنيف.

          وإذا أردنا تحقيق سلام مستدام، نحتاج إلى إنشاء تجمعات ومجتمعات ونظام دولي قائم على العدالة. في مثل هذه المجتمعات يعيش كل إنسان بكرامة واحترام وتكون حياته ثمينة وتستحق العيش، وفي مثل هذه المجتمعات، تقل احتمالية حدوث نزاع عنيف إلى حد كبير، وكلما ظهرت النزاعات يتم التعامل معها بشكل إيجابي ومنتج.

          ربما تسألون أنفسكم: كيف ننتقل من الوضع الحالي إلى المجتمعات السعيدة التي وصفتها للتو؟ كيف يمكن تحقيق السلام الدائم؟

          الجواب مستمد من المربية المعروفة (ماريا مونتيسوري) التي كتبت في سنة 1949: "إقامة سلام دائم هو عمل التعليم، وكل ما يمكن أن تفعله السياسة هو إبعادنا عن الحرب".

          وهذا لا يعني أننا كقادة سياسيين ليست لدينا التزامات في هذا الصدد. في الواقع، أود أن أقول: إن لدينا التزامات مهمة للغاية في هذا السياق، تتعلق التزاماتنا الفردية والجماعية بتوفير التعليم الشامل للجميع، وهو التعليم الذي يعزز كرامة كل إنسان ويعترف بقيم التفاهم والحوار والتضامن.

          نجتمع اليوم في المبنى الذي يضم محكمة العدل الدولية، الضامن النهائي للقانون الدولي: قصر السلام المتميز. وأشير الآن إلى بندين هما الأساس في القانون الدولي لحقوق الإنسان، وهما:

- الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

- القانون  الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

          في قضية الموظفين الدبلوماسيين والقنصليين بالولايات المتحدة الأمريكية، اعتمدت محكمة العدل الدولية في سنة 1979 على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان كمصدر للمبادئ الأساسية للقانون الدولي؛ وينص القانون على الحقوق الاجتماعية، والاقتصادية، والثقافية التي يقرها المجتمع الدولي، ويشير هذان البندان وكذلك اتفاقية حقوق الطفل (واحدة من أكثر المعاهدات المصدق عليها على نطاق واسع في التاريخ) إلى الحق في التعليم.

          فالحق في الحصول على التعليم هو حق إنساني أساسي للجميع دون تمييز من أي نوع. ومع ذلك، من المفيد تذكير أنفسنا بالالتزامات التي يفرضها تفعيل  هذا الحق؛ فنحن نعتقد في كثير من الأحيان أن الحق في التعليم هو مجرد مسألة الوصول، بينما تستهلك الوكالات الوطنية والمنظمات الدولية الطاقة والموارد لرصد مدى قيام الدول بتوفير الفرص التعليمية لمواطنيها، وهذه جهود ضرورية وجديرة بالثناء. ومع ذلك فإن الحق في التعليم يتطلب أكثر من ذلك بكثير.

          وتنص المادة (26) من الإعلان والمعاهدات الأخرى التي ذكرتها على بندين متميزين، لهما القدر نفسه من الأهمية:

- البند الأول: "لكل شخص الحق في التعليم، ويجب أن يكون التعليم مجانيًا، على الأقل في المراحل الابتدائية والأساسية، وأن يكون التعليم الابتدائي إلزاميًّا". وهذا هو البند الذي قمنا بقياسه وتركيزه بشدة على مدى السنوات الخمسين الماضية، وهو ما أسميه: البعد الكمي للحق في التعليم.

- البند الثاني المطلوب في الإعلان وغيره من بنود القانون الدولي هو: "يجب أن يكون التعليم موجهًا نحو التطوير الكامل لشخصية الإنسان وتعزيز احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية، ويجب أن يعزز التفاهم والتسامح والصداقة بين جميع الأمم والجماعات العرقية أو الدينية، وأن يعزز أنشطة الأمم المتحدة لصون السلام". يتعلق هذا بما أود أن أشير إليه بالبعد النوعي للحق في التعليم، وللأسف لم يتم تأكيد هذا البعد وقياسه بشكل كافٍ في جهودنا الوطنية والدولية.

          فإلى أي مدى نحن نرصد ونقيّم مدى كون أنظمتنا التعليمية ومناهجنا متوافقة مع الهدف من التعليم بتعزيز التعليم بحقوق الإنسان والتفاهم والسلام؟

          تحتاج السلطات القضائية الوطنية إلى تقييم ما إذا كانت أنظمتها التعليمية وعملياتها ومناهجها تساعد تعزيز السلام والحوار وحقوق الإنسان أو تعرقلها، وعند العثور على الثغرات لا بد من معالجتها، ويجب أن يكون تعليم السلام مسألة شاملة في النظام التعليمي بأكمله، ويجب مشاركة الممارسات والعمليات الناجحة في تعليم السلام عبر المناطق، وينبغي للمنظمات الإقليمية أن تكون أكثر نشاطًا في هذا السياق. علاوة على ذلك، ينبغي للوكالات الدولية ذات الولاية التعليمية أن تعيد تركيز اهتمامها على مراقبة الامتثال للمادة (26) بأكملها من الإعلان العالمي بدلًا من أجزاء منه فقط.

          كان واضعو الإعلان في أعقاب الحرب العالمية الثانية على دراية تامة بأن الوصول إلى التعليم وحده كان شرطًا غير كافٍ للتقدم البشري وللعالم المسالم؛ لقد أدركوا أن القيم التي نغرسها من خلال المدارس والكليات والجامعات لها القدر نفسه من الأهمية لنوع المجتمع الذي نعيش فيه.

          وهكذا، أيقنا عبر العقود الماضية بأنه يتعين علينا كدول وجهات فاعلة دولية أن نعمل على غرس قيم التراحم والتعاطف والحوار والكرامة الإنسانية في نفوس أطفالنا وشبابنا، وأعتقد اعتقادًا راسخًا أن الوقت قد حان بالنسبة لنا للاستجابة لدعوتهم.

          يمكننا القيام بذلك إذا كان مدرسونا على أتم الاستعداد لبذل هذه الجهود، فمجتمعاتنا تحتاج إلى تقدير أكثر للمعلمين، ونحتاج إلى تزويدهم بالقيم والموارد والاحترام الذي يمكنهم من أداء مهنتهم وممارستها، ويجب أن ينقل مدرسونا قيمًا إيجابية من الاحترام والمساواة داخل الفصول الدراسية وخارجها، وعليهم رعاية حوار بناء في الفصول الدراسية، وينبغي عليهم تغذية مشاعر العدالة الاقتصادية والاجتماعية.

          فضلًا عن ذلك، يجب تعليم أطفالنا بأوسع معنى ممكن لمصطلح التعليم، بعد ذلك يمكن توعيتهم وجعلهم يشعرون بالمسؤولية عن تاريخهم وثقافتهم وتراثهم؛ وهذا يعني تعزيز الفخر بالهوية الوطنية للشخص دون اللجوء إلى أقصى الحدود القومية أو توجيه أفكار تظهر تفوق بلد معين أو عرق أو شعب على الآخر.

          فالثقافة كما تعني، كلمة يجب أن نزرعها ونرعاها لتنمو في أطفالنا؛ عندها فقط يبدأ التقدير الأعمق لتراثنا الثقافي؛ فإن غير المتعلمين الذين لم تتم توعيتهم بتقدير تراثنا الثقافي، يعمدون إلى تدمير هذا التراث دون أي ندم أو تردد، كما شهدنا ذلك في العراق واليمن وأماكن أخرى.

          أود أن أختتم كلمتي بتذكير مفيد، بأننا كقادة سياسيين على المستوى الوطني أو على الساحة الدولية، لا يمكننا سن تشريعات من أجل السلام، وإن ما يمكننا القيام به هو تعزيز التعليم من أجل السلام، وهذا هو التحدي الذي يواجهنا الآن، وأقتبس تعبيرًا لواحد من أعظم القادة الوطنيين والعالميين وهو (نيلسون مانديلا) إذ يقول: "التعليم هو أقوى سلاح يمكنك استخدامه لتغيير العالم".

          ملاحظة أخيرة، أود مرة أخرى أن أشكر منظمي هذا المنتدى، ويسرني أن أعلن أنه سيتم تنظيم المنتدى الثاني في مالطا العام المقبل 2020 بإشرافي ورعايتي، وسيركز المنتدى أيضًا على تعليم السلام، لكنه سيتناول التراث الثقافي لسورية وليبيا.

شكرًا لكم.

 

bottom of page