مؤسسة عبدالعزيز سعود البابطين الثقافية
مؤسسة عبدالعزيز سعود البابطين الثقافية
تعرف المؤسسة باسم (مؤسسة عبدالعزيز سعود البابطين الثقافية ) و قد تم إشهارها عام 1989 في القاهرة بمبادرة من الأستاذ عبد العزيز سعود البابطين ، و هي مؤسسة ثقافية خاصة غير ربحية تعنى بالشعر دون سواه من الأجناس الأدبية ، و على هذا فقد تم اعتماد النظام الأساسي للمؤسسة
تعرف المؤسسة باسم ( مؤسسة عبدالعزيز سعود البابطين الثقافية) و قد تم إشهارها عام 1989 في القاهرة بمبادرة من الأستاذ عبد العزيز سعود البابطين ، و هي مؤسسة ثقافية خاصة غير ربحية تعنى بالشعر دون سواه من الأجناس الأدبية ، و على هذا فقد تم اعتماد النظام الأساسي للمؤسسة على النحو التالي :
أمسية عرفان تستحضر مسار عباس الجراري.. منصف الذات المغربية و"عميد الأدب"
أمسية عرفان لـ”عميد الأدب المغربي” الأكاديمي والمفكر الراحل عباس الجراري، استقبلتها العاصمة الرباط في أول أيام الدورة 29 من المعرض الدولي للنشر والكتاب، استحضرت مسار صاحب أطروحة “القصيدة”، الذي صان، عبر كتاباته وتأطيره للطلبة وإشرافه على كتب وموسوعات، الأدب المغربي بمعناه الواسع الشاملِ مختلفَ أشكال الفكر المغربي عبر التاريخ المكتوب بالعربية والأمازيغية والدارجة المغربية.
حميدة الصائغ، رفيقة درب المفكر والأكاديمي الراحل، التي عرفته منذ سنة 1956، صباح أوّل يوم لهما بالقاهرة في مكتب “لجنة المغرب العربي”، بدأت شهادتها عن مسار عباس الجراري بأبيات:
لم يبق شيء من الدنيا أُسَرُّ به/ إلاّ الدفاترُ فيها الشعرُ والسمرُ
مات الذين لهم فضل ومكرمةٌ/ وفي الدفاتر من أخبارهمْ أثرُ
وتابعت قائلة: “صعب الحديث عمن رُزئت فيه كما رزئ الجميع”، وتحدَّثَت عن السنين والأعوام التي توالت وهما معا “بحلوها ومرها، وإن كانت كفة الثاني ترجح دائما”، قبل أن تردف “كلها كانت دافعا للتغلب على سائر الصعاب، أيا كان مصدرها، لتحقيق المشروع الفكري الذي ابتغاه، وسفّهه البعض وحاربوه بسببه”.
ومن ثمرات مجهود الجراري أنِ “ارتفعَ التعتيم عن الزجل بالمغرب، بنشره أول مؤلَّف فيه كتاب “القصيدة.. الزجل في المغرب”، ثم استمر عملنا طوال 63 عاما لا نبغي غير كشف الحجاب عن تراثنا الغني والمتنوع، المعرب والملحون، الأمازيغي والحساني، دون تفريق أو استبعاد لجانب فكري أو أدبي أو ديني”، برؤية فكرية “تتحقق بها الأصالة والمعاصرة”.
وذكّرت الصائغ بموقف الملك الحسن الثاني من المشروع الجرّاري الذي لقّاه “كل ثناء ومواكبة”، وكذلك استمر الملك محمد السادس.
وتابعت متحدثة عن محطات تعيين الجراري في المدرسة المولوية، ثم الديوان الملكي، واختياره الخطابة في مسجد لالة سكينة بالرباط، واستدعائه لتمثيل المغرب في الحوار بين الأديان الثلاثة، وكذا اختيارهِ ليكون مستشارا ملكيا، مع “ما استلزم ذلك من غياب أستاذنا فترات طويلة عن البيت، وتحمّلي وحيدة مسؤوليته، بمساعدة من العائلة”، التي سمّت أفرادها وشكرتهم وترحّمت عليهم.
الصائغ تذكّرت رفيق دربها بوصفه موسوعيا قل نظيره، محبا لوطنه، يلقى الناس بوجه صبوح طلق وابتسامة دائمة، ذا حنو بالغ على إخوانه وطلبته، وإنسانا متسامحا في علاقاته، وبارا بوالديه، ومستندا على أسرته الصغيرة، لا يزحزحه عن حبها والتمسك بها أي عارض، وبوصفه مواطنا مخلصا لملوكه، قبل أن تستحضر في وجه “مصيبة الموت” ما سبق أن قاله وكتبه الفقيد حول الدنيا “دار العبور”، التي هي “سبيل للدار الآخرة، الدار الحقيقية، “الحيوان”، أي الحياة الحقّ”.
الباحث إبراهيم المزدالي، الذي سيّر جلسة “في ذاكرتنا” الأولى، سجل من جهته أن عباس الجراري “استطاع أن يضع للأدب المغربي مكانة لائقة في مسار كبير وطويل للثقافة المغربية (…) وقيمة ومكانة في ثقافة البلاد وما يصلها بالثقافة العربية بصفة عامة والثقافة العالمية بصفة أعم”.
وتابع قائلا: “كانت مسيرته محفوفة بالكثير من الأحزان، والمشاق، والصعوبات، والإكراهات التي اضطر إلى مواجهتها بقوة وقدرة؛ واستطاع تحقيق مكاسب مهمة لشخصه وللثقافة المغربية”. واستحضر من بينها “إكراهات واجهها ليستطيع إثبات القيمة المهمة والفاعلة للأدب المغربي في الجامعة المغربية، ثم معركة كبرى ليضع لأدب الملحون المغربي مكانته داخل الجامعة المغربية، بعد معاناة ومواجهات لا أول لها ولا آخر، وضع عقبها لأدب الملحون مكانة داخل الجامعة، ويكفي أن ننظر إلى قائمة الأطروحات التي أطّرها في هذا المجال”.
مصطفى الجوهري، محافظ “النادي الجرّاري”، أعرق النوادي الثقافية المغربية الذي أشرف عليه الفقيد منذ رحيل والده العالم والعلَم الوطني عبد الله الجراري، شهد على مسار عباس الجراري قائلا: “هو شخصية نادرة المثال في منظومتها الذاتية والثقافية، كان هاجسه من قبل ومن بعد الثقافة، وكان شغله الشاغل الكتاب والكتابة”.
واسترسل قائلا: “هو العالم والمفكر الموسوعي الرائد، والمؤسِّس في المشهد الثقافي، عميد الأدب المغربي، الذي يحتل مساحة شاسعة لا في الذاكرة الثقافية المغربية في مختلف تجياتها، بل وطنيا وعربيا وإسلاميا أيضا”، مشيرا إلى أن عمله لم يقتصر على الجامعة، بل امتد للمجتمع المدني “بنبل وتواضع وعطاء وكرم وفضائل”.
وزاد متحدثا عن جهود الراحل في خدمة الثقافة المغربية قائلا: “بدأ بالجامعة التي انخرط في إصلاحها وتدبيرها وتأهيلها للتحديات الحديثة، خاصة في منظومة البحث العلمي والثقافي، وجدد المقاربة العلمية والفنية بإحياء المنسي والمهمل من الأدب المغربي، وجدّد خطابه ونظرياته، وحوله من النسيان والإهمال إلى الحياة والانفتاح، والتفت إلى التراث والثقافة الشعبية، بتوجيه من والده العلامة عبد الله الجراري، وعمل على النهوض بشعر الملحون بوسائل ثقافية متباينة بالنادي الجراري وأكاديمية المملكة المغربية والمهرجانات وغيرها”.
شعر الملحون، الذي أعلنته منظمة “اليونسكو” تراثا عالميا للإنسانية، ذكّر الجوهري بأن الفقيد “لعب دورا بارزا في الاعتراف به عبر الملف الوجيه الذي ساهم في تحرير مفرداته، وحقق الأمنية الثمينة والغالية التي لخصت جهوده ونضاله الطويل”. ولم يقتصر ذلك على هذا الشعر، بل امتد إلى آداب مغربية، من بينها “الثقافة والأدب واللغة الأمازيغية وثقافة الصحراء والشعر الحساني، وكان كلاهما آنذاك أدبا بكرا، شجع الطلبة على البحث فيه رغم إكراهات الإقبال آنذاك”.
عبد الحق عزوزي، رئيس كرسي تحالف الحضارات بالجامعة الأورو متوسطية بفاس، ذكر أن الراحل كان من القلائل المبعوثين على رأس كل قرن للتجديد بمداد عربي أصيل، “تتلمذ عنه المئات، وتخرج على يديه الآلاف، وبقي رجلا متواضعا، عالما فذا قل نظيره”.
وأضاف “عرفت منه من الخصال العظمى ما لا يوجد عند غيره (…)، هو من شجرة طيبة جنت منه البشرية أزيد من خمسين مؤلفا، وآلاف المقالات، والأطاريح، والمشاركات المتعددة، وتقلد مناصب سامية متعددة، وهو عالم مجاهد قضى حياته ناسكا في منبر العلم والعطاء (…) بمسار صبر، وثقة بالله، كان منبعه (…) نشأته في عائلة علم ودين ووطنية”.
الأكاديمي فيصل الشرايبي، استهل مداخلته قائلا إن “التتلمذ على عباس الجراري شرف، فقد غرس فينا بذارا كثيرا، تبدأ بالأدب المغربي الذي مضى عليه حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا، ومعه تعَملق في ذاتنا إكبار الذات المغربية بمختلف أبعادها”.
وتابع “طوّق جِيدَنا بعقد فريد من درره التحقيق، والعبقرية اليوسية (…)، وكان مسكونا بالهم الثقافي ويعلم أن الثقافة التي لا تولي الثقافة أي اهتمام لا مستقبل لها، وكان واسطة العقد أدبنا الشعبي، فبحث عن الخصوصية المغربية”، في وقت وجدت الثقافة المغربية نفسها بين “التبعية للمشرق والتبعية للغرب”، فاستطاع “إخراج المارد المغربي من قمقمه”، مع سعيه إلى “إنقاذ الدراسات المغربية من العشوائية” بكتابته في المنهج الذي يصونها.