top of page

جلسة الاختتام: خطوة إلى الأمام، مناهج ثقافة السلام

رئيس الجلسة

السيد رئيس محكمة العدل الدولية، عبد القوي أحمد يوسف

المتحدثون

معالي السيدة ماريا فرناندا إسبينوسا غارسيس، رئيسة الدورة 73 للجمعية العامة للأمم المتحدة

السيد عبدالعزيز سعود البابطين، رئيس مؤسسة عبدالعزيز سعود البابطين الثقافية، الكويت

معالي رئيس مجلس الأمة الكويتي، مرزوق الغانم

فخامة رئيسة جمهورية مالطا السابقة، السيدة ماري لويز كوليرو

فخامة رئيس جمهورية أفريقيا الوسطى، فوستن أركانج توادارا

فخامة رئيس تركيا السابق، عبدالله غل

معالي ممثل رئيس الجمهورية التونسية، حسان العرفاوي

معالي المبعوث الخاص لرئيس جمهورية ليبيريا، لورنس كونملا

السيد رئيس تحالف الإصلاح والإعمار، جمهورية العراق، عمار الحكيم

سعادة سفير جمهورية العراق لدى مملكة هولندا، هشام العلوي

كلمة الختام

السيد رئيس جامعة لايدن، كارل ستولكر



 

 


كلمة السيد رئيس محكمة العدل الدولية 

عبد القوي أحمد يوسف


أصحاب السعادة،

 السيدات والسادة،

مساء الخير،

         نيابة عن محكمة العدل الدولية، أودُّ أن أرحب بمنظمي المنتدى والمشاركين الحضور في قصر السلام الذي يؤمه معظم الباحثين عن السلام والعدل لحل مشاكلهم بسلام بواسطة القانون.

‏          وتعد محكمة العدل الدولية الجهاز العدلي الرئيس التابع للأمم المتحدة، ولهذا فإن مهمتها هي السلام والعدالة، وهو موضح من خلال اللوحة الكبيرة المعلقة في القاعة الرحبة بالمحكمة، حيث رسمها الفنان الفرنسي (ألبرت بينار)، ولابد أن الحضور الذين زاروا القاعة هذا الصباح شاهدوها على يسار الجدار تحت عنوان: «السلام والعدل». فهذه اللوحة الباهظة التي تقدر بمئات الآلاف تمثل إسهام الثقافة والعمل الثقافي في عملية السلام من خلال الفن، والموسيقى، والرقص، والأدب، وفوقها جميعًا الثقافة.

         إن التعبير عن ثقافة السلام -وهو موضوع المنتدى- يذكرني بمهامي السابقة مع منظمة اليونسكو، حيث تم خلالها عمل الكثير للترويج لثقافة السلام عبر العالم وفقًا لدستور المنظمة.

‏         وتعلمون أن دستور اليونسكو تضمن إشارة إلى ذلك، وأقتبس منها: «السلام يجب أن يتحقق من خلال التعاون الأخلاقي والفكري والتضامن بين الناس».

        إن التعليم هو أساس التضامن بنوعيه الفكري والأخلاقي، لكنه يكون أكثر صلابة في التضامن الفكري؛ أما الجهل فإنه يثير الشك في الآخرين؛ الجهل في كيفية مساهمة التراث بالمشاركة وتقاسم القيم، وكالجهل في كيفية تفاعل ‏التراث والحضارة؟ وكيفية تعلمهما وأخذهما من بعضهما بعضًا.

       وإن الاستياء أو سوء الفهم بين شعوبنا يقود إلى عدم التعاون، والجهل نقيض التضامن الفكري، ولهذا فإن للثقافة أهمية كبرى. ولأعطيكم مثالًا على ذلك: فقد أشارت بعض التقارير مؤخرًا إلى أنه في إحدى مؤسسات البحث الأمريكية تم  طرح السؤال التالي على ثلاثة ألاف أمريكي، ‏والسؤال هو: هل يجب أن تدرج الولايات المتحدة الأرقام العربية في مناهجها الدراسية؟

      وكانت نسبة (65%) من الإجابات «لا». فالقائمون على الاستبيان لم يخبروهم ‏أن الأرقام التي يستخدمونها ‏يوميًّا في هواتفهم والتي يحملونها طيلة الوقت، هي أرقام عربية، ربما كان على القائمين بالاستبيان أن يبينوا لهم أن العالم المسلم محمد بن موسى الخوارزمي هو مخترع علم الجبر الذي يُستخدم في عالم الكمبيوتر والذكاء الاصطناعي الآن، وقد اشتُق المصطلح «خوارزم» من اسمه. وهنا فقط من خلال التعليم والتفاعل بين الحضارات يمكن التغلب على هذا التعصب.

      أما التضامن الأخلاقي، فهو مفهوم لا يضلل فقط، بل يستلزم أيضًا العدالة والمساواة والتشارك في القيم والأخلاق المجتمعية على المستوى المحلي أو العالمي. كما أنه يستلزم أيضًا التعامل بالمساواة مع الآخرين سواء أكانوا أفرادًا، أم جماعات، أم أُممًا. وإنه يلقي الضوء على أهمية اتباع أسس العدل والمساواة في معالجة الخلافات سواء أكانت تخص الأفراد أم الدول.

‏         وهكذا فإن نظامًا من العدل يرتكز على التضامن القانوني والأخلاقي وعلى التعاون هو نظام عادل، وسلطته تُلهم ببعث الثقة في نفوس كل من يريد استخدامه.

         ومن الممكن أن يؤدي هذا النظام دورًا مهمًّا في السلام والتناغم بين الناس.

         ومن الأمثلة على ذلك من أروقة محكمة العدل الدولية: كان في أمريكا اللاتينية دولتان متنازعتان هما غواتيمالا وبيلزكان، فلديهما ‏خلافات على الحدود البرية والبحرية بينهما لأكثر من مئة عام، وقررتا أن تضعا سؤالًا لمواطنيهما في استفتاء نُظم في كلا الدولتين.

‏         والسؤال هو: هل توافق على أن أي ادعاء من قبل غواتيمالا حول أحقيتها  في حدود بحرية أو برية يجب أن تسلم إلى محكمة العدل الدولية للتوصل إلى حل نهائي للنزاع؟ وأن المحكمة هي صاحبة القرار النهائي في تقسيم الحدود والأراضي الخاصة بهاتين الدولتين؟

         وإنني آمل أن تضع الدول في العالم السؤال نفسه بدلًا من اللجوء إلى الحرب لحل النزاعات، وليس لدي شك بأن الناس سيختارون السلام دون الحرب.

         ولقد أعطى شعبا البلدين إجابات إيجابية حاسمة، وهذا يجعلنا نشعر بالفخر في محكمة العدل الدولية. ‏وهو يظهر أن الإيمان والثقة بالقانون والأسلوب الذي اتبعناه لحل هذا النزاع وإحلال السلام بين الدول ومساعدتها، هو رمز للتضامن الأخلاقي والتعاون بين الأمم للعمل على حل هذه المشكلة من خلال التعاون والتضامن.

‏         سوف أنهي هذه الملاحظات المختصرة بالرجوع إلى أهمية تعليم ثقافة السلام، وسوف أقتبس أيضًا مقطعًا في الصفحة الأخيرة من دستور اليونسكو، وأنا متأكد أنكم جميعًا على دراية به، ونصه: «بما أن الحرب تبدأ في عقول الرجال فإنه في عقول الرجال يجب أن تشيد حصون السلام».

وشكرًا لكم..

 

 


كلمة معالي رئيسة الدورة 73 للجمعية العامة للأمم المتحدة

ماريا فرناندا إسبينوسا غارسيس

(مشاركة بإلقاء الكلمة عبر البث المرئي المباشر)


أصحاب السعادة،

 الزملاء والأصدقاء،

السيدات والسادة،

         يسعدني أن أبعث بهذه الرسالة إلى المشاركين في المنتدى العالمي لثقافة السلام المنعقد في مدينة لاهاي.

         دعوني أبدأ بالتعبير عن تقديري للسيد عبدالعزيز سعود البابطين رئيس مجلس أمناء «مؤسسة عبدالعزيز سعود البابطين الثقافية» لحشده الجهود في إقامة هذا المنتدى، ونعدُّهُ بطلًا من أبطال ثقافة السلام.

         ونحن نحتفل بالذكرى العشرين للإعلان العالمي لمنظمة الأمم المتحدة وبرنامج العمل حول ثقافة السلام يجب أن نتذكر جهود مؤسسات الأمم المتحدة وما جاء في دستورها: «بما أن الحرب تبدأ في عقول الرجال فإنه‏ في عقول الرجال يجب أن تشيد حصون السلام»، (وعلي أن أضيف هنا النساء أيضًا) يجب بناء مفاهيم الدفاع عن السلام.

         السلام هو محور وأساس الحوار الجاري ‏على كافة المستويات لتحقيق الأهداف في هذا الوقت المليء بالتحديات والأزمات عمومًا، وفي العراق واليمن خصوصًا، فإنهما بحاجة إلى الحوار أكثر من أي وقت مضى. فنحن على عتبات نقطة خطيرة - نقطة اللاعودة - حيث تزداد الصراعات والأزمات وتتراجع المكاسب التي حققناها خلال العقود الماضية. وقد أدى ذلك إلى إحداث ضرر كبير بالنظام الأمني العالمي وأصبح من الضروري التحول إلى مرحلة إطفاء الحرائق والتركيز على إذكاء ثقافة الوئام من خلال نشر ثقافة السلام والتعايش ‏والحوار البناء.

         يجب أن نعمل على بذل المزيد من الجهد لتحقيق السلام المستدام الذي يشكل الأساس لثقافة السلام، كما علينا أن نعمل على حماية التراث الثقافي سواء أكان في العراق أم في اليمن أم في لاهاي أم في كيتو، فهذا التراث ملك للجميع ويوجهنا كيف نرى أنفسنا ويفسر لنا قصة البشرية وتاريخها.

         إن تراثنا وتاريخنا وإرثنا الثقافي والحضاري والعلمي تدل علينا وتعكس تاريخ مجتمعاتنا وعلومها وآثارها الفلسفية وحكمتها التي تشكلت من خلال الطريقة التي نفكر بها، وهذه جميعها عوامل تاريخية وحضارية مشتركة ‏بالتأكيد؛ فإنها تحمل شواهدًا على ماضينا وتاريخنا المتداخل  وتحولنا التاريخي، ولها مكانة في نفوسنا وتوفر جمالية كبيرة للعالم. لذلك أتطلع إلى النتائج الإيجابية للمناقشات التي تجري في هذا المنتدى لجعل ثقافة السلام حقيقة قائمة، ونأمل أن تسود ثقافة السلام في العراق واليمن وفي أنحاء العالم كافة.

شكرًا لكم.

 


كلمة السيد عبدالعزيز سعود البابطين

رئيس مؤسسة عبدالعزيز سعود البابطين الثقافية


بسم الله الرحمن الرحيم

السيدُ رئيس جمهورية مالطا السيد جورج فيلا،

السيدُ رئيس جمهورية أفريقيا الوسطى فوستن أركانج توادارا،

سموُّ الأمير تركي الفيصل،

معالي رئيس مجلس الأمة الكويتي السيد مرزوق الغانم،

السَّادَةُ الرُّؤسَاءُ،

السَّادَةُ الوزَرَاءُ،

السَّادَةُ السُّفَراءُ،

السَّيداتُ والسادة الحُضورُ،

السَّلامُ عليكُمْ ورَحْمَةُ اللهِ وَبَركاتهُ،

         كُنْتُ في كِتابِي (تَأمُّلاتٌ مِنْ أَجْلِ السَّلامِ) الصَّادرِ باللغتينِ العربيةِ والإنجليزيةِ سَنةَ 2017 أَشَرتُ إلى القاعِدةِ السابِعةِ الضَّروريَّةِ في السَّلامِ العَادلِ وَهِيَ قاعِدَةُ التربِيَةِ وَالتعلِيمِ، فَبِمَا أَنَّ السَّلامَ يَجِبُ أنْ يَكونَ ثقافَةَ النَّاسِ في سُلُوكِهم اليَومِيِّ وتَفكِيرِهم، فَإنَّهُ عَلينَا أَنْ نُؤمِّنَ حُضَورَ هذهِ الثقافَةِ واستِمرَارَها، ولذلكَ لابُدَّ مِنَ العَمَلِ على تَربِيَةِ جِيلٍ وَاعٍ وَتَكوينهِ بِإعدَادِهِ عَبْرَ دُرُوسٍ في ثَقافَةِ السَّلامِ مِنَ الحَضَانَةِ إلى المدرَسَةِ ثُمَّ المَعهَدِ فالجَامِعَةِ. وقدْ كَانَ مِنْ ذلكَ كما تَعلَمُونَ أنْ عَرضْتُ على الجَمعيَّةِ العامَّةِ للأُمَمِ المُتَّحِدَةِ في سَنتينِ مُتَتالِيَتينِ في سبتمبر 2017 ثمَّ في سِبْتَمْبَر 2018 مَشرُوعَ ثَقافَةِ السَّلامِ مِنْ أَجلِ أَمْنِ أَجْيالِ المُسْتَقبَلِ، والذِّي تَمَّ اعتِمَادُهُ.

         ثمَّ تَقدَّمتِ المُؤسسةُ نحْوَ مَرْحَلَةٍ جَديدةٍ أَعتَبِرُهَا مَفْصَلِيَّةً في تَاريخِ مُؤسستنا وَتَاريخِ ثَقافَةِ السَّلامِ، أَلا وَهِيَ إِعدَادُ المَنَاهِجِ الخَاصَّةِ بِتدْرِيسِ ثَقافَةِ السَّلامِ العَادِلِ، وَإنِّي أَشعُرُ اليومَ بالرَّاحَةِ والطَّمَأنِينَةِ والسَّعَادَةِ أنْ أَنْجَزْنَا للإنسَانِيةِ هذهِ المَناهِج. وستكتملُ سَعادَتُنَا جَمِيعًا إِذَا باشَرْنَا فِعْلًا وَبِصِدْقٍ تَدريسَ هَذهِ الأجْيالِ - التي هِيَ أَمَانَةٌ في أَعْناقِنَا - ثقافَةَ السَّلامِ العَادِلِ بشَكلٍ عَقْلانيٍّ؛ فإنَّ المعرَكَةَ العَادِلَةَ ليسَتْ مَعْرَكَةً في الحَرْبِ، بَلْ مَعرَكَةٌ لأجْلِ السَّلامِ العَادِلِ.

         وَجُملَةُ هَذهِ المَناهِجِ سَبعَةَ عَشَرَ مَنْهَجًا هِيَ مَعرُوضَةٌ أَمَامَكُمْ في الشَّاشَةِ، هِيَ مَناهِجُ يَستَعمِلُها الطَّلَبَةُ بإشْرَافِ المُدَرِّسينَ وَبتوجِيهٍ مِنهُمْ، وقَدْ جَعَلنَاهَا في جُزْأَينِ لِلمُستَوَيينِ الأوَّلِ والثانِي مِنَ الحَضَانَةِ ممَّنْ أعْمَارُهم بينَ أربعٍ وستِّ سنواتٍ في مُجَلَّدٍ وَاحِدٍ، وفي جُزْأَينِ لِلمُستَويينِ الأوَّلِ والثَّانِي مِنَ المَرحَلَةِ التعْلِيميَّةِ الابتدَائيَّةِ ممنْ أَعْمَارُهُم بَينَ سِتٍّ وثَمَاني سنواتٍ؛ وَهِيَ سَهلَةُ التنَاوُلِ علَى قَدْرِ أَفْهَامِهِمْ وَمُسْتَوَى وَعْيِهمْ وَإِدْرَاكِهِمْ، ثُمَّ جَعلْنَا أَرْبَعَةَ أَجزَاءٍ لِبَقِيَّةِ مُسْتَوياتِ المَرْحَلَةِ التعلِيميَّةِ الابتدَائِيَّةِ، وثَلاثَةَ أَجْزَاءٍ للمَرْحَلَةِ التعلِيميَّةِ المُتَوَسِّطَةِ، وثَلاثَةَ أَجْزَاءٍ لِمُسْتَوَياتِ المَرْحَلَةِ التعلِيميَّةِ الثانويَّةِ. أمَّا الجَامِعةُ فَقَدْ خَصَّصْنَا لَهَا أَرْبَعَةَ أَجْزَاءٍ وَقدْ أَخَذَتْ الصِّبْغَةَ الأَكادِيميَّةَ التَّجريْدِيَّةَ والعَمَلِيَّة.

         وإنِّي أَوَدُّ أَنْ أُشِيرَ إلى أَنَّ هَذهِ المَناهِجَ إِنَّمَا هِيَ حصيلةُ تفكيرِ عقلٍ بشريٍّ يَجْمَعُنَا، فَالمُبَادَرَةُ كويتيةٌ عَرَبيَّةٌ وَسَاهَمَ في إِنْجَازِهَا خِيْرَةُ خُبَرَاءَ مِنَ العَالَمِ بإِشْرَافِ لَجْنَةٍ دَولِيَّةٍ. وَلَعلَّهُ مِنَ المُفِيدِ أَنْ أُشِيرَ إلى أنَّ أَعضَاءَ اللجْنَةِ والخُبَراءَ هُمْ مِنْ أكثَرِ مِنْ عِشرِينَ دَولَةً مِنَ العَالَمِ، أَيْ مِنْ ثَقَافَاتٍ مُتَعدِّدَةٍ، ويُتْقِنُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُم في الحّدِّ الأدْنَى لُغَتَينِ فَأَكثَرَ.

         وَقَدْ جَاءَتْ هَذهِ المَنَاهِجُ خُلاصَةَ أَفْضَلِ مَا هُوَ مَوجُودٌ في بَرامجِ التدْرِيسِ وَمُعتَمِدَةً أفضلَ وسائلِ التّوَاصُلِ الترْبَويَّةِ الاجتِمَاعِيَّةِ، وبذلكَ يُمكِنُ لِكُلِّ دَولَةٍ في العَالَمِ أَنْ تُطَبِّقَها وَأَنْ تُضِيفَ إِلَيهَا مَا يَتَنَاسَبُ مَعَ ثَقافَتِهَا.

وَلِعِلْمِكُمْ؛ لَمْ تَكُنْ صِيَاغَتُهَا باللغَةِ العَرَبِيَّةِ، بَلْ في إِطَارِ انفِتَاحِ المُؤَسسةِ على العَالَمِيَّةِ، رَأيْنَا مِنَ الأَنْسَبِ أَنْ تُصَاغَ بِلُغَةِ الحِوَارِ العَالَمِيَّةِ، أَيْ الإِنجلِيزيَّةِ التِي يَفُهَمُهَا أغلَبُ سُكَّانِ العَالَمِ. ثُمَّ سَنَسْعَى إِلَى تَرْجَمَتِهَا إلى اللُغَاتِ الخَمْسِ الأُخْرَى المُعْتَمَدَةِ في الأُمَمِ المُتَّحِدَةِ، وَهِيَ: (العربِيةُ والصِّينيةُ والفَرَنسيةُ والرُّوسيةُ والإِسبَانيةُ).

         وإنِّي أَوَدُّ أَنْ أُؤَكِّدَ أَنَّ هذِهِ المَناهِجَ كأيِّ عَمَلٍ بَشَرِيٍّ قدْ تَحتَاجُ إلى إِضافَاتٍ، وَلا يَسَعُنِي إلَّا أَنْ أَشْكُرَ اللجْنَةَ الدوَلِيَّةَ المُشْرِفَةَ وَكُلَّ الخُبَرَاءِ الذينَ حَرَّرُوا هذهِ المَنَاهِجَ، كَمَا يَقتَضِي الوَاجِبُ أنْ أشْكُرَ فَريقَ عَمَلِ المُؤَسَّسةِ الذي تابَعَ كُلَّ مَرَاحِلِ الإنْجَازِ في وَقْتٍ يُعْتَبَرُ قِياسِيًّا؛ إذْ تَمَّ الالْتِزَامُ بالآجَالِ احتِرَامًا لالتِزَامِنَا مَعَ الجَمْعِيةِ العَامَّةِ للأُمَمِ المُتَّحِدَةِ.

السَّيداتُ والسادةُ،

         إنَّ الشُّكْرَ كُلَّ الشُّكْرِ مَوصُولٌ إليكُمْ لِحُضُورِكُمْ مَعَنَا وَمُشَارَكَتِنَا هَذا الإِنْجَازَ وهذهِ السَّعادَةَ، ونَوَدُّ مِنْكُمْ وَنَحُثُّكُمْ بِلُطْفٍ كَبيرٍ على العَمَلِ على تَدْرِيسِ هذهِ المَنَاهِجِ في مُجْتَمَعَاتِكُمْ، وإنَّ مَا سَتُبدُونَهُ مِنْ مُلاحَظَاتٍ بَعدَ تَقْدِيمِي هذَا سَنَأْخُذُهُ بِعينِ الاعْتِبَارِ.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 


كلمة معالي رئيس مجلس الأمة الكويتي

مرزوق الغانم


بسم الله الرحمن الرحيم،

والحمد لله رب العالمين،

والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد النبي الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين.

العم الفاضل الأستاذ عبدالعزيز سعود البابطين رئيس «مؤسسة عبدالعزيز سعود البابطين الثقافية»،

أصحاب السمو والمعالي والسعادة،

الحضور الكريم،

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

         يقول المولى عز وجل في محكم التنزيل {يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوا ادخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَان إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِيْنٌ}.

         بدايةً وعلى المستوى الشخصي، أنا لا أحبذ الحديث عن السلام بوصفه بديلًا أو مقابلًا للحرب، ولا أستسيغ فكرة وضع السلام والحرب في ثنائية متقابلة، كالليل والنهار أو الخير والشر أو اليمين واليسار، لأنني رافض لمبدأ مناصفة هذين الخيارين، ومرد هذا الرفض هو قناعتي وإيماني بأن السلام هو خيارنا الوحيد للعيش، ولأنني مؤمن بأن الحرب استثناء عابر وخروج مؤقت على نص الحياة.

         ولكن وبرغم قناعتي تلك إلا أنني دائمًا ما أكون مسكونًا بالقلق إزاء هذا الاستثناء، استثناء الحرب والدم، لأنني أعرف أن العمل من أجل السلام وترسيخه يحتاج على الدوام إلى ملايين من الحكماء والعقلاء والناضجين، بينما خيار إشعال حرب لا تبقي ولا تذر لا يحتاج أحيانًا إلا إلى شخص وحيد أحمق، فالمجرم صدام حسين بمفرده أشعل حربًا وانشغل بعده ملايين الكويتيين والعراقيين بعرقهم ودمهم من أجل ترسيخ سلامهم الذي يستحقونه كبشر. وهتلر فعل الشيء نفسه لينشغل الألمان بعده حثيثًا لعقود من الزمن من أجل ترميم ما هدمه في لحظة.

         هذا القلق هو ما يدعوني دائمًا إلى التحذير من الأجواء المستنقعية التي يكثر فيها دعاة الصراع وقارعو طبول الحرب، هذا القلق الذي جعلنا في الكويت وعلى رأسنا سمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح (حفظه الله ورعاه)، نعمل بشكل حثيث من أجل تفادي الاحترابات والنزاعات المسلحة، فسمو الأمير طالما دق الجرس خلال السنوات الماضية محذرًا من ويلات الدخول في صراعات ونزاعات مسلحة كان يمكن تفاديها لو أعطينا للجهد الدبلوماسي والسياسي فرصة أخرى وآمنّا قليلًا أن الفعل السياسي يغلب الانفعال، هذا لو تريثنا قليلًا.

         هل أحتاج أن أذكركم بما كان يقوله سمو الأمير منذ العام 2011 عندما اندلع الصراع في سورية، سموه ما انفك ينادي بالحل السياسي ويؤكد على أن خيار الحسم العسكري مكلف ومتعذر، لقد كان سموه يقول هذا الكلام في الوقت الذي كان البعض ينظر للحسم العسكري سواء مع هذا الطرف أو ذاك، وها نحن اليوم في 2019 نسمع الكل ينادي بالحل السياسي.

         وسؤالي هنا: هل كنا نحتاج إلى ثماني سنوات من الرعب والقتل والتهجير والإرهاب لنعرف أن الحل هناك هو حل سياسي؟

الإخوة الحضور،

         نحن في الكويت لا نكشف سرًّا عندما نعترف كدولة صغيرة قررت الاستثمار في السلام، هذا خيار استراتيجي وليس ترفًا أو تنظيرًا.

         ونحن في الكويت نريد أن ننتصر في معارك السلام لأننا نملك رصيدًا أخلاقيًّا يساعدنا على ذلك، ونريد أن نعترف بأننا غير راغبين في خوض المغامرات السياسية التي لا نعرف عواقبها، فنحن في الكويت نريد أن نرَاكُم جميعًا الأصدقاء لا الأعداء، لأننا نؤمن بأن الاحتراب والتنازع هو خيار الفاشلين سياسيًّا وديدن الموتورين والمنفعلين ونؤمن أنه في أجواء الحرب يتم وأد الديمقراطيات ومكاسب الإنسان الحقوقية التي ناضل قرونًا ليحصل عليها، وفي الحرب تموت فرص التنمية وتتلاشى إمكانيات التواصل الثقافي، ويتوقف البناء، فالحرب ليست لعبة ولا تسلية، فلقد جربنا في الكويت أثر الآلة العسكرية وقدرتها التخريبية ولا نريد لغيرنا أن يخوض التجربة المريرة نفسها.

         ومن أجل السلام لا غيره استضافت الكويت من خلال توجيهات سمو الأمير ثلاث مؤتمرات للمانحين في سورية إضافة إلى ترؤسها المؤتمر الرابع الذي عقد في لندن، ومن أجل السلام استضافت الكويت مؤتمرًا دوليًّا واسعًا من أجل إعادة إعمار ما دمره الإرهاب في العراق، العراق الذي احتّل بلدي قبل تسعة وعشرين عامًا.

         ومن أجل السلام استضافت الكويت على مدى شهرين المفاوضات السياسية بين الفرقاء في اليمن، إضافة إلى رعايتها للمفاوضات لاحقًا في إستكهولم.

         ومن أجل السلام ولا شيء غير السلام تقف الكويت موقفًا مبدئيًّا ثابتًا وصامدًا ضد كل جرائم الصهيونية تجاه الشعب الفلسطيني الأعزل.

الإخوة الحضور،

         نحن في الكويت ندعم دون كلل أو ملل كل الجهود الإقليمية والدولية التي تصب في صالح استتباب السلام في مناطق الصراع المختلفة، نحن ندعم الحلول السياسية السلمية القائمة على التحاور في سورية واليمن وليبيا والسودان وأفغانستان وغيرها، مثلما ندعم الحوار السياسي المفتوح والشفاف لحل الأزمة العابرة بين أشقائنا في دول مجلس التعاون الخليجي.

         هذه هي عقيدتنا السياسية التي دشنها سمو الأمير عبر عقود من الزمن ونحن ماضون بها ونعمل وفق مقتضياتها.

         ختامًا؛ خالص الشكر والتقدير لـ«مؤسسة عبدالعزيز سعود البابطين الثقافية» وعلى رأسها العم العزيز الفاضل الأستاذ عبدالعزيز سعود البابطين الذي شاء القدر أن يكون تاريخ اليوم 13/6 هو تاريخ ميلاده، فأراد القدر أن يكرمه بهذا المنتدى العالمي للسلام. والشكر موصول لكافة الشركاء الدوليين على المساهمة المميزة والفاعلة لإنجاح هذا المنتدى.

         إن هذا الجهد الثقافي والتنويري مهم جدًّا وهو محل تقديرنا واهتمامنا ونؤكد دائمًا دعمنا اللامحدود لتلك الجهود الخيرة.

شكرًا لكم على حسن الإصغاء.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 


         

كلمة فخامة رئيسة جمهورية مالطا السابقة

السيدة ماري لويز كوليرو


أصحاب السعادة،

السيدات والسادة،

الضيوف الأعزاء،

الأصدقاء،

         أود أن أبدأ كلمتي بتقديم الشكر لـ«مؤسسة عبدالعزيز سعود البابطين الثقافية» لدعوتها الكريمة لي، وأود أن أعبر عن تقديري للجهود التي يبذلها السيد عبدالعزيز سعود البابطين في سبيل نشر ثقافة السلام وتكريس حياته لنصرة حقوق الإنسان وتحقيق السلام.

         أتحدث هنا بصفتي مواطنة في هذا العالم، كما أود أن أعبر عن شكري أيضًا كأم تتطلع لحياة آمنة لأبنائها، فشكرًا لك على عملك هذا من أجل الأجيال القادمة.

وبمناسبة عيد ميلادك الذي يصادف اليوم أتمنى لك العمر المديد.

وأبدأ مداخلتي بالإشارة إلى نقطتين هامتين تتعلقان بالسلام:

- النقطة الأولى: «السلام لا يعني غياب الصراع والاختلافات، لكن السلام يعني حل هذه الخلافات والاختلافات من خلال وسائل سلمية؛ بالحوار والثقافة والتعليم والمعرفة ومن خلال الوسائل الإنسانية».

- النقطة الثانية: «إذا أردت أن تمنع الحروب، فبدل أن ترسل المدافع أرسل كتبًا وأقلامًا، وبدل الجنود أرسل معلمين».

         وقد اقتبست النقطة الأولى من الدالاي لاما (القائد الديني الأعلى للبوذيين التبتيين)، والثانية اقتبستها من الناشطة الباكستانية ملالا (ناشطة في مجال تعليم الإناث وهي أصغر حاصلة على جائزة نوبل على الإطلاق)، وأردت أن أشارككم هذين الاختيارين وهما مناسبان لموضوعنا اليوم وكلاهما يؤكدان على أهمية الثقافة والتعليم في بناء السلام.

         في رأيي، إن الرسالة الأساسية لنقاشنا اليوم تؤكد أهمية الحاجة إلى ثقافة السلام. وقد ألقيت في الشهر الماضي محاضرة في إيرلندا ركزت خلالها على أهمية السلام ودوره في حفظ كرامة الإنسان وخاصة على جملة: (السلام في العالم أساسي ليشعر الإنسان بحقه وكرامته)، وهما من أهم مبادئ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وعمرها اليوم سبعون عامًا، وتعد الأكثر أهمية لأنها ترشدنا وتهدينا إلى الطريق الصحيح في عالم اليوم المضطرب.

         هذه الجملة هي مفهوم أساسي يجب أن يكون دليلنا لبناء عالم السلام والتفاهم. فالسلام هو حجر الأساس الذي يجب أن نبني عليه استراتيجياتنا، ويجب أن تهدف كل استراتيجياتنا إلى بناء ثقافة السلام وتقبل الآخر، لكن بناء هذه الثقافة لا يأتي في يوم وليلة لأنهما يحتاجان إلى استثمار وتعاون وبيئة مناسبة منّا لدعمها. والثقافة هي الأساس، لأنني أعتقد بشدة أن المناهج العلمية من أدنى المستويات التعليمية - أي من الحضانة والروضة - يجب أن تدعم لقيام هذه القيمة الهامة بالارتقاء بالتعليم ولبناء ثقافة السلام.

         هذه أمور أساسية في الحقيقة، فبرامج التعليم هي الأساس في بناء الأجيال، وهنا تكمن أهمية مبادرة «مؤسسة عبدالعزيز سعود البابطين الثقافية» في نشر ثقافة السلام، وهي ما نحتاجه في عالم اليوم.

إن تقدير وحماية اختلاف الحضارات وتنوع المجتمعات هي أمر مهم، ولذا نحن مطالبون بحماية التراث العالمي ليس لأنه يعطينا هويتنا فحسب، بل لأنه يذكرنا بأننا أسرة واحدة.

         إن تقدير تراثنا وحمايته يرفع من مكانتنا ويسمو بمختلف الحضارات، وهي عناصر مشتركة لأن مصيرنا واحد، فالسلام العالمي مطلب أمام الصراعات التي تنتشر في كثير من أنحاء العالم اليوم على الرغم من أن منظمة الأمم المتحدة تم إنشاؤها بعد الفظائع أثناء الحربين العالميتين منذ سبعين عامًا، إلا أن الحروب والصراعات ما تزال قائمة.

         ملايين من الناس هجِّروا من منازلهم وشردوا، وكون بلدي على حوض البحر المتوسط فقد شاهدنا الكثيرين في مواكب اللاجئين يهربون من بلدانهم متحملين أخطر رحلة للوصول إلى أوروبا. وقد شاهدت شخصيًّا أطفالًا شردوا من أسرهم وآبائهم وأطفالًا كانوا يبحثون يائسين عن أفراد عائلاتهم، كما شاهدنا أمهات وآباء مهيضي الجناح يبحثون عن أبنائهم. هذه المآسي تستمر الآن في كثير من أنحاء العالم لسوء الحظ.

         فقط من حالفهم الحظ استطاعوا الوصول وتم استقبالهم من الناس والجماعات التي تؤمن بالتعددية وقبول الآخر وتقبل بتعدد الثقافات وتنوعها.

         لكن الإيمان بالتعددية وتنوع الحضارات ليس كافيًا.. فالتنوع والتعدد يحتاج إلى ثقافة، وهذا هو الهدف من لقائنا اليوم، فالثقافة والتعليم هما المفتاح، وهناك حاجة ملحة لنشر هذه الثقافة والبدء بتعميمها.

         ومن المهم أن يتم تغيير المناهج وتبني مناهج جديدة بحيث تصبح مدارسنا مهيأة لاستقبال الثقافات المتعددة والمتنوعة، فعلى المدارس أن تهيئ بيئة آمنة ومناسبة بحيث يستطيع الطلاب من مختلف الثقافات أن يلتقوا معًا ويتشاركوا في الحصول على التعليم.

         وبخَلق هذه البيئة يمكن تزويد الإنسانية بما تحتاجه من ثقافة وأمان ضد التطرف والعنف والراديكالية. فيجب أن يكون الاندماج والتشارك والتكامل أساس استراتيجيتنا.

         لذا يجب أن نضع خططًا للعمل، ويجب أن ندرك أنه من خلال الاندماج يتم احترام حضارات وثقافات الآخرين كما هم.. لذلك يجب أن تكون المدارس بيئات آمنة بحيث يسودها السلام والاحترام وتعيش فيها التعددية والتنوع، أن تصل إلى مئات وآلاف الطلاب سنويًّا من خلال منهجية تعليمية متحضرة تشجع على التسامح والمحبة وقبول الآخر وفوق كل ذلك السلام.

         من خلال هذا الجو وهذه البيئة نستطيع إيجاد مجتمع تثقيفي وتعليمي يساعد على بناء الإنسان والمجتمعات.. هذه طريقة لنشر البذور وحصاد الفائدة.. هذا المفهوم هو أساس عملنا في «يورو تشايلد» «EURO CHILD»، وهي شبكة عابرة للقارات تضم مائتي منظمة في معظم الدول.. وأتطلع إلى التعاون من أجل خلق بيئة ومجتمعات آمنة وسليمة من أجل أبنائنا.

         وفي الختام آمل أن نعمل معًا من أجل خلق قاعدة للسلام الشامل المبني على الاحترام وقبول الآخر وبناء مجتمعات تؤمن بالتعددية.. وأخيرًا أعبر عن مدى شكري وتقديري للسيد عبدالعزيز سعود البابطين على مبادرته الرامية إلى إيجاد منهج عمل واستراتيجية من أجل السلام والاحترام للأجيال القادمة.. ولابد من التأكيد بأن وضع مناهج لتعليم الأطفال ثقافة السلام ستؤدي إلى نشر ثقافة السلام والمحبة، لذلك فإنني أدعو الجميع إلى العمل على بناء ثقافة السلام وأدعو الجميع وأشجعهم لنكون أبطال سلام ودعاة سلام وممثلين للسلام، وهذا يتطلب منا أن نتجاوز الكلام إلى العمل.

وشكرًا.

 

كلمة فخامة رئيس جمهورية أفريقيا الوسطى

فوستن أركانج توادارا


Ladies and Gentlemen,

سيداتي وسادتي رؤساء الدول،

السيد عبدالعزيز سعود البابطين، رئيس مجلس أمناء «مؤسسة عبدالعزيز سعود البابطين الثقافية»،

سيداتي وسادتي رؤساء الوفود وممثلي المؤسسات الدولية،

الضيوف الكرام،

         اسمحوا لي أولًا أن أعبر عن خالص شكري للحكومة الهولندية والشعب الهولندي الصديق، على حفاوة الاستقبال التي خصصوها لي ولجميع الوفد المرافق منذ وصولي إلى هذه المدينة الجميلة «لاهاي».

         شكري يتوجه - أيضًا - إلى «مؤسسة عبدالعزيز سعود البابطين الثقافية»، وذلك لدعوة جمهورية أفريقيا الوسطى لهذا اللقاء والعمل التحضيري المتميز الذي مكّن من نجاح هذا المنتدى.

         إنّ جمهورية أفريقيا الوسطى تتشرف بحضورها هذا الحدث إلى جانب كل المدعوين، والذي يناقش موضوعًا يهمنا كلنا. وفي هذا السياق، أودُّ أن ألفت نظركم إلى أن السلام موضوع اجتماعي مُعرّضٌ للتآكل في وجود التنوع والاختلاف المستمدّين من الطبيعة البشرية.

         لذا فحفظ السلام هو شأن عالمي ومتواصل، وثقافة السلام ضرورية لجميع الدول، فهي تحدُّ من فظاعة العنف والإرهاب وآلام الحروب. وتحافظ على التراث التاريخي والثقافي للشعوب، لذلك، فمن المنطقي العمل من أجل الوقاية من النزاعات، وهو من الأهداف الأساسية لمنظمة الأمم المتحدة، كما تؤكده المادة الأولى من الميثاق.

         إن طبيعة الحروب والتهديدات المنتشرة عبر القارات تطالبنا بالعمل أكثر على ديبلوماسية وقائية وتعزيز المبادرات لصالح السلام واستقرار الأمم.

         وإن العديد من الدول الأفريقية والعالمية كجمهورية أفريقيا الوسطى مثلًا، تفهم الرهانات الرئيسة العالمية والإقليمية والوطنية لهذه المعركة لاستعادة السلام وحفظه، هذا السلام الذي يخدم التنمية المستدامة ويحفظ الموارد ويحمي البيئة ويحفظ بقاء الإنسانية.

         نودُّ أن نشكر مجددًا المجتمع الدولي، ونحيي الجهود المتواصلة التي تشهد على الصداقة والأخوة التاريخية بين الأمم، وتجددت تجاه جمهورية أفريقيا الوسطى، بلدي، وهو بلد يبني نفسه شيئًا فشيئًا بعد نزاع أضعف الدولة، بما فيها وسائل الدفاع والسلامة، وهدم البنية الاقتصادية والاجتماعية وتراجع بمؤشر التنمية البشرية وأجبر العديد من المواطنين والمقيمين، نساءً وأطفالًا على الهجرة والمخاطرة والفقر.

         التاريخ يجب أن يكتب ليمدّ مدارسنا بمعايير تعليمية، وتنمية المعرفة، وتطوير القدرات للأجيال الحالية والقادمة، واستنتاج فظاعة الحروب، ضدّ التراث العالمي الذي يهمُّ الإنسانية. مثلما تعرفون، جمهورية أفريقيا الوسطى عاشت عدة أزمات، أكثرها عنفًا في الآونة الأخيرة، وعلى إثرها بدأنا إجراءات الخروج من الأزمة بالتوقيع على معاهدة سلام ومصالحة بالعاصمة بانجي (BANGUI).

         لذا فإن بلدي حساس للغاية تجاه موضوع هذا المنتدى، (ثقافة السلام من خلال التعليم والحفاظ على التراث في جمهورية أفريقيا الوسطى كإرث للأجيال القادمة) ويشكل أمرًا مهمًّا في بناء سلام دائم.

         طريق السلام في جمهورية أفريقيا الوسطى رُسم بعمق منذ 6 فبراير 2019 بتجديد الالتزام من قبل المجتمع الدولي والضامن لتطبيق معاهدة السلام السياسية والمصالحة الوطنية الموقعة بين حكومة جمهورية أفريقيا الوسطى والمجموعات المسلحة الأربع عشرة. مضمون هذا العمل الاستثنائي يضاهي آمال أبناء بلدي. حيث إن هذه المعاهدة للسلام والمصالحة تـتضمّن العناصر الأساسية لإثراء تراثنا الثقافي وتعزيز هويتنا وازدهار شعبنا.

         إن معاهدة السلام والمصالحة تحتوي على معالم لاستعادة القيم والسلم الاجتماعي والعدالة الاجتماعية والتضامن الوطني وإعادة قراءة القانون المنظم للأحزاب كي يكون حافزًا لقيم السلام والاندماج الاجتماعي.

         هذا الاتفاق أكدّ على المبدأ الدستوري للكفاح ضد الحصانة لأنه لا يمكن تصوّر بناء السلام في جمهورية أفريقيا الوسطى على العفو عن الجرائم، حيث إن من العناصر القوية للأمن الجماعي هو البرنامج الوطني (DDRR) الذي سيساعد على إنهاء العنف وفق ما التزمت به كل المجموعات، كما وعدوا بالمشاركة الفعالة في تطبيق هذا الالتزام الذي نريده متقنًا ومرتبطًا بجهاز قوي وفعال وعملي. دعمُ مجال السلام سيوفر الظروف المثالية لإعادة بناء قوى الدفاع والسلامة الوطنية والجمهورية. وبعض العناصر الجديدة ستأتي من المجموعات المسلحة بعد أن تنجح في الحصول على شهادة المصادقة والتي حددت معاييرها بعثة من الاتحاد الأوروبي وبعثة من الأمم المتحدة.

         من وجهة النظر العامة هذه هي الإشكالية «السلام والأمن»، وإن الاتفاق مكّنَ من تقدم هام بطرح أسئلة خاصة مثل التي ترتبط بحركات التهجير والتي صارت مصدرًا لزعزعة الأمن. وبالتبني الصحيح لهذه المسألة، نودّ مساهمة شركائنا والبلدان المجاورة، والتصرّف بتنسيق للتعامل مع هذا الأمر والذي ينتج عنه نتائج أمنية على مستوى العلاقات بين المجتمعات وطنيًّا وإقليميًّا.

         وأخيرًا، نحن نفخر بإنجاز يطمئننا بفضل رؤيته النظامية والبناءة والتي ستنقل دروسًا لتعليم الحوار بين الشعوب والأمم، وللوقاية من مخلفات عدم قدرة الإنسان على خلق السلام وحفظه.

وشكرًا.


 

كلمة فخامة رئيس تركيا السابق

عبدالله غل


السيد الرئيس،

الضيوف الكرام،

السيدات والسادة،

         يشرفني أن أكون هنا اليوم معكم وأنا أرى شخصيات مهمة بيننا. وأود أن أعبر عن خالص شكري وتقديري لكم جميعًا، وبالطبع أشكر صديقي السيد عبدالعزيز سعود البابطين لجمعنا كلنا هنا. ‏كما أقدر عاليًا جهودك من أجل السلام والثقافة.

         عندما تلقيت الدعوة لحضور هذا المنتدى سادني للوهلة الأولى شعور بالحزن نظرًا لما تمر به العديد من الدول في منطقتنا وشعرت أن السلام بعيد. لكن في هذه المدينة الجميلة (لاهاي) مقر العدالة الدولية وحماية التراث الثقافي والإنساني راودني الأمل أن يأتي الوقت وأن نرى السلام دائمًا في هذه المدن التاريخية والحضارية الجميلة وفي باقي مناطق العالم.

         السلام والأمن والازدهار ‏كلمات لا يمكن استخدامها وتداولها في منطقتنا، ففي العراق قتل مئات الآلاف من الناس ويتَّم ملايين الأطفال كما تم تدمير الكثير من الأماكن الأثرية وسرقت الكثير من المجموعات التراثية والأثرية الهامة. وينطبق هذا الوضع أيضًا على ما يحدث في سورية واليمن.

أيها الأصدقاء،

         منذ الصباح ونحن نستمع إلى العديد من الكلمات والأحاديث القيمة وتم طرح الكثير من الأفكار والمداخلات من المتحدثين ‏وأقدر للجميع مداخلاتهم، والآن جاء دوري لأشارككم آرائي وتجاربي التي تراكمت عبر مسيرتي في الحياة.

         إن العناصر الأساسية للسعادة والرخاء في المنطقة هي استتباب الأمن وإقامة السلام وإشاعة الهدوء والاستقرار فالتاريخ البشري مليء بالحروب والصراعات التي ألحقت كثيرًا من الدمار والدماء والمعاناة للناس لكن من تعلموا الدرس منها عرفوا كيف يعيشون بسلام واستطاعوا أن يحققوا الرخاء، وأوروبا مثال على ذلك. وأتذكر كيف كان المشهد قبل الحربين العالمية الأولى والثانية وكيف نشبت الحرب وكيف مات خمسون مليون شخص وتم تدمير أجمل مدن قارة أوروبا. وبعدما دفعوا الثمن الغالي اكتشفوا وتعلموا كيف يعيشون معًا وها هي أوروبا اليوم متحدة وتنبض بالحياة ويلتزم الناس فيها بالقوانين وينتعش فيها الاقتصاد.

         الآن، ألم يحن الأوان للشرق الأوسط ليتعلم الدرس وينتهج المسار نفسه بعد كل هذه الدماء والمعاناة والدمار؟

         حان للقادة أن يعترفوا ‏بأنهم يهدرون مواردهم البشرية والاقتصادية. فهذه الدائرة الخبيثة يجب أن تحطم ويجب اتخاذ خطوات شجاعة لتغيير قدر المنطقة، ومن أجل ذلك علينا ترسيخ الديمقراطية في أفكارنا وممارساتنا قبل الآخرين.

         وقد سبق وقلت هذا في المؤتمر الإسلامي في طهران حيث لفت انتباه الدول المشاركة إلى المخاطر التي تنتظرنا إذا لم نتجاوز خلافاتنا ونستمع إلى مطالب شعوبنا المشروعة. ‏وشددت في ذلك الحديث أنه علينا نحن القادة أن نبادر إلى إيجاد الإصلاحات والسبل التي تسمح لشعوبنا أن تعيش بسلام وإلا فإن الصراعات والمشاكل لن تتوقف وستكون أمرًا محتومًا.

‏         لكن - للأسف - كرر بعضهم الأخطاء نفسها، والنتيجة هي الدمار والمعاناة غير المسبوق في بعض مناطق الشرق الأوسط، حتى أن هناك إنذارات بحروب ومشاكل تحوم حول عتبات أبوابنا ومرشح أن تلحق أسوأ أنواع الدمار والمعاناة.

         إذا كان لا بد من تحقيق الأمن والسلام في بلداننا ومنطقتنا فيجب علينا أيها الأصدقاء التحلي بالحكمة. فالسلام لن يأتي من تلقاء ذاته وهو ليس من طبيعة البشر. وإذا كان لابد من أن نعيش بسلام في منطقتنا فيجب أن نتعلم كيف نحترم بعضنا بعضًا وكيف نتسامح مع بعضنا بعضًا فليكن التسامح شعارنا سواء أكان التسامح العرقي ‏أم الديني، ولهذا فنحن نحتاج إلى القبول والحوار، يجب أن نتناقش وأن نتحاور وأن نجد الحلول، فالحلول الوسط هي الطريقة الوحيدة لنعيش معًا.

         يجب أن نعترف بأنه في أيامنا الحديثة لا يمكن للأنظمة المتسلطة أن تسود، ولهذا فإن الديمقراطية التي ‏تمهد إلى الحد من السلطة وإحلال سلطة القانون باتت مطلبًا مُلحًّا فهي تجلب العدالة والشفافية والمساواة وتكافؤ الفرص، وإن معايير منطقتنا بعيدة عن هذه القيم.

         ومن أجل تحقيق السلام فإن المسؤولية الأولى تقع على عاتق قادة المنطقة، فعليهم أولًا أن يعترفوا بهذه القيم ويُعلوا من شأنها وأن يلتزموا بتحقيقها في بلدانهم ودون ذلك فلا يمكن أن يسود السلام في المنطقة.

         إن المشاكل التي تواجهنا اليوم تذكرني بأن الديمقراطية هي الطريقة الوحيدة لنا كي نطور أنفسنا مع أخذ حقوق الإنسان والكرامة والمساواة بعين الاعتبار. وفيما يتعلق بالديمقراطية فإذا كانت هناك بعض الدول في العالم العربي والشرق الأوسط لم تسع إلى تبني الديمقراطية وانتهاجها فعليها على الأقل بذل أقصى الجهود لتطبيق معايير جيدة من الحكم. ولنتذكر أن القيادة ليست مجرد اتخاذ القرارات أو إدارة شؤون البلاد، بل إنهاء العمل على تثقيف الجماهير ‏وتوعيتهم من خلال أفكار وآراء ورؤى قيادية. ويجب على المسؤولين أن يتخذوا الإجراءات في هذا المجال ويعملوا على تجنيب شعوبهم الدمار والمعاناة والأزمات. وهذا وحده لا يكفي، فنحن نحتاج إلى مجتمع مدني فعَّال آمن لنعيش بسلام، وأي جهود دون هذا فإنها لن تعيش طويلًا.

‏         إن المجتمع المدني الفعال والتعليم أمران أساسيان للأفراد والأجيال الشابة للتعلم، وتستطيع تقبل فكرة أن السلام هو الوضع الطبيعي، وأن العنف هو الاستثناء ولا مفر منه. لذلك أيها الأصدقاء الأعزاء ندرك جميعًا أن الحروب مدمرة وأنها تبدأ بتدمير البشرية.

‏         إن السلام والثقافة مطلبان ضروريان للأفراد، وفي غياب السلام فإن أي جهود للتقدم الثقافي أو المحافظة عليهما ستذهب سدًى ولن نكون قادرين على إقامة سلام دائم في منطقتنا إذا استمرت الحروب فيها.. دعونا لا نتأخر‏ وألا ننتظر أبناءنا ليقوموا بتحقيق ذلك.

وشكرًا لكم..

 

 

 


كلمة معالي ممثل رئيس الجمهورية التونسية

حسان العرفاوي


أصحاب الفخامة، والمعالي، والسعادة،

السيد عبدالعزيز سعود البابطين، رئيس مجلس أمناء «مؤسسة عبدالعزيز سعود البابطين الثقافية»،

السيدات والسادة،

الحضور الكريم،

         يسعدني بداية أن أعرب عن فائق الامتنان وخالص عبارات الشكر لـ«مؤسسة عبدالعزيز سعود البابطين الثقافية» على هذه الدعوة، وما حظيت به من حسن الاستقبال وكرم الوفادة وعلى هذه الفرصة للتوجه لجمعكم الكريم. كما يشرفني أن أنقل إليكم تحيات سيادة رئيس الجمهورية التونسية الباجي قايد السبسي وتمنياته لهذا المنتدى بالنجاح والتوفيق، وتهاني سيادته لمؤسسة عبدالعزيز سعود البابطين الثقافية لالتزامها الصادق بقيم السلام والعمل الجبار الذي تعهدت به لتجسيدها ولاسيما من خلال عقد هذا المنتدى العالمي لثقافة السلام.

         وأود أن أذكر أنه قد تمت استشارة رئيس الجمهورية منذ بداية الإعداد لهذه المبادرة، وقد رحب بها وشجع السيد عبدالعزيز سعود البابطين على المضي قدمًا في تنفيذها، وذلك كان موقف تونس في الجمعية العامة للأمم المتحدة حين أكدت من خلال ممثلها دعم المشروع واعتبرته ضروريًّا للمجتمع الدولي، واليوم والمؤسسة تتوج مبادرتها بإنجازها للمناهج التربوية المتميزة التي تفضل السيد عبدالعزيز سعود البابطين بعرضها علينا، فإن بلادنا ستواصل حتمًا دعم هذه المبادرة الحيوية وستعمل الجهات المختصة في تونس على إدراجها ضمن مؤسساتنا التربوية.

السيدات والسادة الحضور الكريم،

         إن التزام القيادتين والدولتين الشقيقتين في تونس والكويت بثقافة السلام وقيمه منهجًا لحل الخلافات الداخلية أو تلك التي تطرأ على العلاقات الدولية معلومٌ لدى الجميع، ومما يرسخ هذا التوجه في كلا بلدينا تبنيه وتعميقه من قبل المجتمع المدني، وما مبادرة «مؤسسة عبدالعزيز سعود البابطين الثقافية» التي نحن بصددها إلا أبلغ دليل على هذا.

         لقد حازت تونس في 14 مارس 2015 جائزة نوبل للسلام التي كرمت لأول مرة شعبًا بأكمله من خلال مجتمعه المدني ممثلًا في الرباعي الراعي للحوار، وهذه الأسبقية مهمة في حد ذاتها، ولكنها تزداد أهمية عندما يكون هذا الشعب عربيًّا ومسلمًا بعد كل ما قيل ويقال إلى حد الآن من أن التربة العربية الإسلامية لا تصلح لغير زراعة الاستبداد والتطرف والعنف.

         من المؤكد أن هذه الجائزة مهمة لتونس كشعب ودولة، إنها مهمة أيضًا لبقية الدول والمجتمعات العربية، لأنها أثبتت أن المنهج السلمي والحوار أجدى وأقل كلفة من السلاح، وأن الشجاعة الحقيقية تكمن في مواجهة الخلاف بالحجة والإقناع وقبول الحق في الاختلاف، لا بمنطق المغالبة والعنف الذي لا يؤدي إلى إلغاء أسباب الصراع والتدافع، وإنما إلى إذكاء الفتنة وحرق الأخضر واليابس، وفي النهاية إلى تدخل القوى الأجنبية وفقدان السيادة الوطنية، وهذه الجائزة مهمة أيضًا لبقية شعوب العالم لأنها أعادت الاعتبار لمفهوم المجتمع المدني ودوره في حل الصراعات التي لم تعد حكرًا على المؤسسات الرسمية.

         ولكن نيل الجائزة لا يعني أن يكون غاية في حد ذاته؛ إذ إن علينا مواصلة العمل حتى نكون دائمًا في مستوى ثقة العالم وتقديره وفي مستوى الطموحات التي تسمو بنا إلى درجة الفعل الحضاري الكوني.

         وكلما استثمرنا في الذكاء البشري وفي التفاعل الخلاق مع القيم الكونية السامية كلما تقدمنا وارتقينا، وكنا قادرين على الفعل التاريخي الذي يتضمن إضافة للمجموعة البشرية، لذلك على سياساتنا وبخاصة منها الثقافية والتربوية أن تضطلع بدور ريادي في زرع وتأصيل قيم السلام ودحر ثقافة التزمت والتطرف والعنف، وعليها نشر ثقافة التسامح وترسيخ مبادئ السلام والحرية، والتعدد، والحوار، والانفتاح.

         كما عليها مقاومة كافة أشكال التمييز وحث كل مكونات المجتمع على ضرورة احترام هذه القيم من خلال برامج ومناهج ملموسة، مثل هذه التي تكفلت المؤسسة مشكورة بإنجازها، وإذا كان تشريفنا بجائزة نوبل للسلام عنوانًا إضافيًّا على انخراطنا الكامل في الحضارة الكونية وقيمها فإنه ليس غريبًا عن تاريخنا وحضارتنا، فتونس خاضت معركتها من أجل الاستقلال من خلال العمل السياسي والتدرج في تحقيق الأهداف، واستعمال القوة لم يكن أبدًا هدفًا في ذاته إنما وسيلة لإجبار المستعمر حينها على الحوار والاعتراف بهويتنا الوطنية وحقنا في تقرير مصيرنا، ولقد كان من نتائج هذه الفلسفة في إدارة النضال الوطنية تعميق التوجه السلمي وسمات الاعتدال والميل إلى الحوار وإعمال العقل في الضمير الجمعي التونسي.

         ونظرًا لكل ما سبق فمن الطبيعي أن تكون روابط الصداقة متينة بين الدولتين والشعبين الكويتي والتونسي، نظرًا لإيمانهما المشترك بثقافة السلام، ومن الطبيعي أيضًا أن تكون تونس دولة ومجتمعًا مدنيًّا إلى جانب «مؤسسة عبدالعزيز سعود البابطين الثقافية» في سعيها إلى تأصيل ثقافة السلام التي نحن أحوج ما نكون إليها عربيًّا ودوليًّا في ظل الظروف الدقيقة التي يمر بها عالمنا.

وأخيرًا تفضلوا بقبول أجمل عبارات الشكر على اهتمامكم.

والسلام عليكم.


 


كلمة معالي المبعوث الخاص لرئيس جمهورية ليبيريا

لورنس كونملا


أصحاب السعادة،

السيدات والسادة،

         يسرني أن أنقل إليكم التحيات الحارة من فخامة رئيس جمهورية ليبيريا جورج ويا، ومن جمهورية ليبيريا وشعبها إلى جميع المشاركين في هذا المنتدى القيم. وأود إعلامكم بإيمان فخامة الرئيس بثقافة السلام واللاعنف وتطلعه إلى النتائج الإيجابية لهذا المنتدى والمنتديات القادمة.

         ودعوني أنتهز ‏الفرصة للحظة لأعبر عن تقديري لشخصية كبيرة التقيتها للتو، ولكنني سمعت الكثير عنها، وهو شخص درس ثقافة السلام، فقد علمت بأعمالك العظيمة وعلمت بالتضحيات الكثيرة التي قدمتها وأنا مقتنع بأن عملنا سيكون أفضل بوجودك معنا، السيد عبدالعزيز سعود البابطين، لما تبذله من أجل السلام والاستقرار، وأقدر هذا العمل عاليًا.

         كلما ذكرت فكرة ثقافة التعليم كوسيلة من أجل تنمية أو نشر ثقافة السلام واللاعنف أتذكر مقولة (المهاتما غاندي) وأقتبس: ‏«إذا أردنا نشر السلام في العالم فيجب أن نبدأ بالأطفال».

         ولنا في ليبيريا تجربة مريرة، وهي الحرب الأهلية التي استمرت أربعة عشر عامًا، وحسب رأيي فإنه لا يمكن لأي أمة إعادة البناء قبل بناء شعبها، وإن بناء الشعب يجب أن يتضمن إعادة ترتيب العقول بهدف إعادة تأهيل المتورطين ودمجهم في ثقافة السلام.

         واليوم فإن المنتدى الدولي لثقافة السلام يسعى إلى دخول عقولنا وقلوبنا وإدخال الإلهام فيها ‏ليؤكد أنه بدون السلام والتعايش المشترك لا يمكن تحقيق التقدم في عالمنا، ليس فقط في العراق أو اليمن أو جمهورية أفريقيا الوسطى، بل في جميع أنحاء العالم. ‏فعندما يدرك الناس قيمة ثقافتهم ويقدرون تراثهم ويستحضرون الماضي ويحاولون فهمه فإنهم يعملون للمحافظة على السلام. وعندما يعم السلام في البيئة الرسمية وغير الرسمية فإنه يحدث فرقًا هامًّا.

         إن ثقافة السلام كما نناقشها اليوم تهدف إلى مساعدة الشباب على الفهم وتزويدهم بالمعرفة والمهارات المطلوبة للارتقاء بالحياة الاجتماعية وتعزيز المهارات والمواقف التي تقود إلى إرساء ثقافة اللاعنف وتقوية الروابط‏ الاجتماعية. وأعتقد أنها عملية قوية تسعى إلى إحداث تغيير في تنمية قدرات السلام وتطويرها ونبذ العنف وتبني منهجٍ يؤمن بتعدد الحضارات ويهدف إلى تغيير الناس والمجتمعات.

         ويزداد إدراك أبناء المناطق الفرعية في غرب أفريقيا بالدور العظيم الذي يؤديه تعليم السلام لمواجهة التحديات الناجمة عن العنف بشكل مطرد. فالمجموعات الاقتصادية في غرب أفريقيا (ايكاوس) أعطت في صلب برنامجها الأولوية لتعليم ثقافة السلام كمفتاح لفهم إستراتيجية منع الصراعات، وهذا يسهم في دعم مبادرة السلام وتنميتها في جميع أنحاء غرب أفريقيا.

         وتوجد سبل كثيرة لنشر ثقافة السلام، ونحن نبذل جهودًا كبيرة لتحقيقها، لكنني مقتنع بإمكانية أن تتحقق من خلال تكامل الجهود والتعاون بين الأسر والأصدقاء والزملاء والجيران والحكومات وشرائح المجتمع كافة والأفراد في هذا العالم، فالجميع معني بإيجاد ثقافة السلام الخاصة بهم، ولو على مستوى محدد، لكن في المحصلة سيكون‏ لذلك تأثير أساسي لاحقًا.

الأصدقاء الأعزاء،

         إذا تحقق السلام بين جميع أسرنا فسيكون له أثر إيجابي على مجتمعاتنا وسيمتد إلى العالم، وإذا تحقق السلام في مدارسنا وصفوفنا واستطاع الأطفال نقل هذا السلام إلى مجتمعاتنا فسوف نشهد أن قادة العالم تحولوا إلى أفراد لديهم الاطلاع والقدرة على حل النزاعات وفهم الآخر والعمل المشترك لإزالة الفقر من المجتمعات والتحول إلى مجتمعات آمنة منتجة.

         إن مجتمعي في ‏ليبيريا يعاني، ولابد من فهم طبيعة تراثنا؛ من أين أتينا؟ ومن هم هؤلاء الذين عاشوا قبلنا؟ كيف عاشوا؟ ماذا فعلوا للعيش المشترك؟ وأين تراثنا الثقافي؟ كيف يمكن تقييمه وحفظه من أجل تحسين مجتمعنا وتطويره؟

         نحن ندفع إلى التغيير في العقول والمواقف في اليمن والعراق وجمهورية أفريقيا الوسطى، وإن بعض أجزاء العالم لا يمكن لها أن تعيش بسلام دون نشر ثقافة السلام من ‏خلال التثقيف والتعليم في مدارسنا لأطفالنا لتغيير عقولهم وطريقة تفكيرهم في مراحل عمرية مؤثرة.

         أعتقد كما قال الدكتور مارتن لوثر كنج: «نحن مرتبطون ببعضنا كبشر في كافة أنحاء العالم برباط التبادلية فإذا وجد جزء من العالم نفسه في موقف صراع ‏فعلى باقي أجزاء العالم الشعور بالقلق».

ولهذا أقدر (مؤسسة عبدالعزيز سعود البابطين الثقافية) لأنها - بغض النظر عن المكان الجغرافي - تعمل من أجل أن يتمتع الجميع في كل أنحاء العالم بالأمن والسلام، وأشكركم على ذلك.

         ولكي نكون قادرين على العيش حياة هنيئة يسودها السلام، يجب على الفرد أن يشعر بتوفر جميع احتياجاته، فنحن نحتاج إلى الطعام والمأوى ويجب أن تكون الخطوة الأولى هي القضاء على الفقر في هذا العالم. وليتم تحقيق ذلك ‏لابد من بذل الجهود على مستوى عالٍ.

         يمكن البدء بالأفراد وعلى مستويات مرموقة كما نشاهد هنا اليوم من خلال (مؤسسة عبدالعزيز سعود البابطين الثقافية) ليس فقط في هذا التجمع، بل من خلال الأنشطة السابقة والمستقبلية أيضًا.

         وإن لدي قناعة بأن الخطوات البسيطة يمكن أن تنمو وتتسع بالمشاركة وهذا يمكن أن نقوم به في منازلنا وأماكننا ومدارسنا، فإذا أسهم كل واحد بجزء بسيط من وقته وماله من أجل مساعدة الآخرين فسوف تتشكل ‏سلسلة من الناس المميزين في هذا العالم.

         وعندما أفكر بما تفعلون في (‏مؤسسة عبدالعزيز سعود البابطين الثقافية) عندها أمارس حياتي ‏الأخرى، وأشعر أنه إذا كان باستطاعتي مساعدة أحد في هذا العالم فإن حياتي لن تكون هباءً. وإن ما نقوم به اليوم من خلال تجمعنا هنا لوضع خطة وبرامج علمية للسلام ووضع مناهج تعليمية هو محط تقدير ليس من البشر فحسب، بل من القدير أيضًا فالربُّ سيسعد بذلك.

         إن المناهج التي نناقشها اليوم ستسهم في تحويل عالمنا إلى الأفضل، وسنقوم في جمهورية ليبيريا باستخدامها لأنه بعد أربعين عامًا من القتال وخمسة عشر عامًا من السلام ‏لا يزال هناك تقصير في عملية السلام، وما نحتاج إليه هو تعليم أطفالنا ودفعهم إلى تغيير أفكارهم ومواقفهم من أجل السلام فإذا عاشوا السلام وتحدثوا عن السلام فإنهم سيكونون في المستقبل قادة يسهمون في تغيير العالم.

         وأخيرًا أختم بمقولة الدكتور مارتن لوثر كينج وأنا من كبار المعجبين به: «السلام ليس فقط غياب التوتر، بل إن السلام يتمثل بوجود العدالة»

          ونحن ندفع بثقافة السلام المستدام واللاعنف فإنه لن يتحقق في ظل غياب العدالة ‏فلنعمل جميعًا لإحلال السلام العادل في العراق واليمن وجمهورية أفريقيا الوسطى وفي سائر أنحاء العالم.

وشكرًا لكم.

 

 

 

كلمة السيد رئيس تحالف الإصلاح والإعمار بجمهورية العراق

عمار الحكيم


بسم الله الرحمن الرحيم،

الحمد لله رب العالمين،

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين وصحبه المجتبين وعلى أنبياء الله أجمعين.

العم الأستاذ عبدالعزيز سعود البابطين،

أصحاب السيادة والمعالي والسعادة،

السيدات والسادة،

         اسمحوا لي أن أحييكم أجمل تحية وأشكر «مؤسسة عبدالعزيز سعود البابطين الثقافية» على هذا الجهد الرائع والخطوة المميزة.

         يشغل التراث الثقافي عند الشعوب مكانةً بارزة ومهمة في مسيرة حياتها بشكل عام وتاريخها بشكل خاص، فهو شكل من أشكال الهوية الوطنية التي تجمع شعبًا ما تحت مظلتها الإنسانية المشتركة قبل كل شيء، وهو زيادة على ذلك شكل من أشكال التواصل بين ماضي الشعوب وحاضرها، وهو انعكاس لمسيرتها التاريخية والحضارية، ولذا فإن مهمة الحفاظ عليه تعني الحفاظ على الهوية واستذكار الماضي واستدعائه بوصفه وثيقة تاريخية ينبني عليها الحاضر، وهو أداة من أدوات تشكيله؛ إذ كيف لحاضر أن ينبت من دون تواصل مع الماضي؟ لا عبر الاتكاء عليه وتجميده، بل انطلاقًا منه وتأسيسًا عليه.

         يكتسي التراث الثقافي الإنساني بشقه المادي؛ ونعني به الآثار والمتاحف والمباني والشواهد التاريخية. واللامادي، ونعني به العادات والتقاليد والحرف التقليدية والمهرجانات الفلكلورية والثقافية، يكتسي أهمية كبيرة لكونه لغة كونية ورسالة سلام وطريقة لحوار الثقافات والتعرف على طريقة عيش الآخر، وغيرها مما يحسن القول عنه وتسميته بالتراث الثقافي الإنساني.

         ولذا نجد لزامًا علينا أن نعمل جاهدين للحفاظ عليه إذا ما أردنا أن نوصل رسائل السلام، ونؤكد عدم الانغلاق على الذات، وعدم إقصاء الآخر ونبذه ولا سيما ونحن نشهد محاولات متكررة لتدمير هذا التراث ومحوه وطمس معالمه، لما شهده العالم من حروب ونزاعات وتفكير منغلق وأفق ضيق في النظرة إليه والتفكير بإزائه، فضلًا عن ممارسات حركات التشدد والتطرف سلوكًا سلبيًّا ينزع إلى محو بعض أشكال هذا التراث الثقافي الإنساني سواء أكان ماديًّا أو غير مادي.

         وليس أدل على ذلك من تدمير تمثالَي بوذا في أفغانستان على أيدي حركة طالبان، وبذلك مُحيت صفحة وسفرٌ إنسانيٌّ مشترك لا يمثل البوذية أو البوذيين فحسب، بل مساحةً من العالم بأسره بوصفه مشتركًا إنسانيًّا قبل كل شيء. وإذا ما زدنا على ذلك التفجيرات التي طالت ما يزيد عن مئة وخمسين موقعًا من آثار الموصل الحدباء في العراق ومحوها على أيدي تـنظيم داعش الإرهابي، عدا ما طال المتاحف العراقية من نهب وسلب عقب دخول القوات الأمريكية إلى بغداد عام 2003.

         فضلًا عن تجفيف أهوار جنوب العراق بحجة إيوائها المعارضة في تسعينيات القرن الماضي، وتفجير مرقد نبي الله يونس في الموصل، ومرقد الإمامين العسكريين في سامراء، وقتل المصلين في كنيسة سيدة النجاة في بغداد، وعشرات التفجيرات الانتحارية التي استهدفت المساجد والحسينيات والكنائس والمشاركين في الشعائر الحسينية في كربلاء ومختلف المحافظات العراقية، وهذه أمثلة معروفة على سبيل المثال لا الحصر وغيرها كثير حيث لا يسع المجال لحصرها جميعها.

         وهذا ما يدعونا للعمل سويةً من أجل الحفاظ على هذا التراث الثقافي الإنساني، بيد أن ذلك لا يتحقق إلا عبر خطوات جدية للحفاظ عليه لا لأهميته فحسب، بل بوصفه جزءًا من هويتنا الإنسانية قبل كل شيء ويمكن أن نوجز الخطوات التي نأمل أن تكون دليل عمل للحفاظ على التراث الإنساني على النحو الآتي:

أولًا: العمل على الحد من أثر النزاعات والحروب وما يتركه ذلك من أثر كبير في تدمير التراث الثقافي الإنساني، وإشاعة الوعي بأهميته كمعبر حقيقي عن الرغبة الجدية في إشاعة ثقافة السلام.

ثانيًا: العمل الممنهج للحفاظ على التراث الثقافي الإنساني بوصفه لغة كونية ووجهًا من وجوه حوار الحضارات يمكن من خلاله تجسير العلاقة ما بين الشعوب وإرثها الحضاري.

ثالثًا: التأكيد على التراث الثقافي بوصفه وجهًا من وجوه تأصيل الهوية الوطنية، وهو رابط لا يقل شأنًا عن الروابط الأخرى كاللغة والدين والمعتقد وغيرها مما يمثل الهوية الوطنية للشعوب.

رابعًا: السعي نحو الدور الذي يمكن أن يؤديه التراث الثقافي في صناعة السلام وتقارب الشعوب، كإقامة المهرجانات الفلكلورية وأنساق الثقافة الشفاهية وغيرها وكل ما يمكن أن يستقطب شعوب الأرض مجتمعة بود وسلام.

خامسًا: تضمين وصياغة الوعي الوطني ومؤشراته في المناهج التربوية المدرسية للحفاظ على التراث الثقافي، وإشاعة ثقافة السلام؛ إذ لا يمكن أن نحقق النقاط التي ذكرناها آنفًا من دون أرضية تربوية فكرية وتوعوية تنشأ عليها الأجيال ولا يتم ذلك إلا عن طريق المناهج التربوية الموائمة وتهيئة الأجيال فكريًّا وتربويًّا لهذا التوجه، ونأمل أن تكون المناهج السبعة عشر مدخلًا مهمًا في هذا السياق.

سادسًا: احتواء التراث الثقافي للشعوب وقبول الآخر ونبذ الإقصاء والنظرة الدونية لتاريخ هذه الشعوب وحضاراتها وتراثها؛ إذ مهما كان هذا التراث ومهما اختلفنا معه أو اتفقنا لا ينبغي الحط من شأنه، لكونه صورة من هويتها ووجهًا من تمثلات تراثها.

سابعًا: التمكين المعرفي للشباب لتأصيل حالة التوجه إلى التراث الثقافي والحفاظ عليه والوعي بذلك، ومواجهة الفقر المعرفي بأهمية التراث الإنساني، وجعله وسيلة للتقارب بين الشعوب وتوظيف ذلك لتقريب وجهات النظر فيما بينهما عن طريق توظيف النظم المعلوماتية ومواقع التواصل الاجتماعي للإنباء عن أهمية هذا التراث وكيفية المحافظة عليه وبسط ثقافة السلام.

ثامنًا: تعاضد المؤسسات الحكومية ومنظمات المجتمع المدني والأفراد في الحفاظ على التراث الثقافي فهي مسؤولية تضامنية.

تاسعًا: العمل على جمع المشترك من التراث الثقافي الإنساني ونعني المتشابه منه كالملاحم أو السِّيَر أو المهرجانات وغيرها من التراث الثقافي المشترك، وجعلها مناسبة عالمية للاحتفال والاحتفاء، وهو أمر يسهم في التقارب الفعلي بين شعوب العالم.

عاشرًا: تعاون المنظمات المحلية والدولية لإنشاء مؤسسة تعنى بالتراث الثقافي الوطني العراقي بوصفه جزءًا من التاريخ الإنساني المشرّف، وهذه المؤسسة لا تخلق الأمل لقطاع التراث العراقي فحسب، بل تعمل كجسر ثقافي بين العراق وجيرانه ومحيطه الإقليمي والمجتمع الدولي، وتسهل دعم الجامعات والباحثين العراقيين، وتشجع على إنشاء شواخص عمرانية مقتبسة من مشاهد أثرية تراثية عراقية في مختلف أرجاء العالم وتوفر بعثات وزمالات تتعلق بحماية التراث العراقي.

أيها السيدات والسادة،

         إذا كانت هذه الخطوات توصف بأنها خطوات عملية للنشر والحفاظ على التراث ومقاومة المحو والتدمير والتأسيس لثقافة الوعي بالتراث الإنساني عمومًا والعراقي بشكل خاص، فإننا بحاجة ماسة للحفاظ عليه عبر منظومات تؤمّن ذلك وتعمل عليه وتتبنى الدعوة إلى عدم المساس به، لا لكونه يمثل هوية شعب بعينه وإن كان كذلك، بل لأنه في الوقت نفسه يمثل مشتركًا إنسانيًّا، قبل كل شيء، لا سيما وأننا هنا، في مدينة تبنّت بها منظمة اليونسكو عام 1954 معاهدة لاهاي الخاصة بحماية الممتلكات الثقافية أثناء الحرب وبروتوكولاتها الأولى والثانية حيث أوصت باتخاذ كافة التدابير الدولية والوطنية لحماية المواقع الأثرية والممتلكات الثقافية للدول، باعتبارها تراثًا ثقافيًّا إنسانيًّا، وألا نكتفي بتوفير الحماية للتراث، بل علينا أن نسعى جاهدين ومخلصين إلى نبذ كل أشكال القرصنة والمتاجرة والطرق غير الشرعية للاستحواذ على كل أو جزء من التراث الثقافي والحضاري لأي شعب أو أمة وألا نكتفي بهذا القدر من الخطوات.

         فإنّ علينا أن نتذكر بأنه لا يمكن لأي من هذه النقاط أن تتحقق ما لم تتوافر الرغبة المخلصة والجادة في العمل على تحقيقها، واعتبارها دليل عمل وخريطة تقود إلى جعلها واقعًا ملموسًا من أجل الحفاظ على التراث الثقافي بوصفه شكلًا من أشكال المشترك الإنساني قبل كل شيء ورسالة سلام ولغة كونية مشتركة.

         وختامًا؛ فإن ثقافة السلام لا تقتصر على دين أو معتقد أو أيديولوجيا معينة، بل هي رتبة إنسانية، وقد يموت البعض أو الكثير من دون أن يدركوا تلك الرتبة، فلنعمل لوصول الجميع إليها عبر المحافظة على تراثنا الثقافي الإنساني المشترك بوصفه رسالة سلام.

شكرًا (لمؤسسة عبدالعزيز سعود البابطين الثقافية)،

وشكرًا لكم،

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.


 


كلمة سعادة سفير جمهورية العراق لدى مملكة هولندا

هشام العلوي


بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والسلام على عباده الصالحين.

أصحاب السيادة، والمعالي، والسمو، والسعادة، والسماحة،

الأخ العزيز الشيخ/ عبدالعزيز سعود البابطين،

السيدات والسادة الحضور جميعًا سلام من الله عليكم ورحمته وبركاته، وأسعد الله مساءكم بكل خير.

         يشرفني ويسعدني جدًّا أن ألقي هذه الكلمة نيابة عن كبير مستشاري فخامة الرئيس برهام صالح والذي لم يتمكن من الحضور، وأنقل لكم تحيات فخامة الرئيس وشكره وتقديره لـ«مؤسسة عبدالعزيز سعود البابطين الثقافية» والقائمين عليها، وكذلك جهودكم الخيرة التي تستثمرون من خلالها في ترويج ثقافة السلام.

         بسم الله الرحمن الرحيم، بدءًا يتقدم فخامة الرئيس للقائمين على هذا المنتدى بالشكر والتقدير لتسليطهم الضوء على موضوع الآثار - ولا تزال الكثير من النزاعات - فآثار الأمة وتراثها وسجلها الذي يؤرشف لمراجعها التاريخية ويمهد لمستقبله، من هنا تحرص الأمم على أرشفة هذا الإرث والحفاظ عليه ويقينًا إنه من غير المستغرب أن يُستهدف هذا الإرث من قبل الغير، فهو عنصر قوة للأمة ودليل عمل لمستقبلها وحافز للأجيال الحاضرة كي تبذل أقصى جهد لوصل الماضي بالحاضر.

السيدات والسادة،

         لقد تعرض إرث العراق التاريخي للاستهداف مرة بالسرقة والتهريب وأخرى بالتخريب، ولم يكن استهداف تنظيم داعش الإرهابي لإرث العراق مستغربًا، فقد حرص هذا التنظيم الإرهابي على استهداف الأرض والبشر والحجر فراح يفرغ حقده بتدمير إرث الأمة الذي كثيرًا ما تفاخر به العراق وتناقلته الأجيال وحافظت عليه الجهات المعنية.

         إن استهداف هذا الإرث العظيم لم يكن كله عقائديًّا، بل كان أيضًا بدافع السرقة والتهريب وتوفير تمويل لهذا التنظيم الإرهابي وهو الجزء الأهم لعملية الاستهداف، ويقينًا أن كل اللوم لا يقع على هذا التنظيم وعناصره فهي منظمة إرهابية من المتوقع منها أن ترتكب الفظائع وتستهدف كل شيء، لكن اللوم الأكبر يقع على من تلقف هذا الإرث المهرب ليتاجر به مستثمرًا البخس من الأسعار الذي راح يباع به.

         لقد حرصت الرئاسة والحكومة العراقية على توفير كل المستلزمات من أجل استعادة ما تم تهريبه من إرث وإنقاذ ما يمكن إنقاذه صيانةً وترميمًا، فاستعانت من أجل ذلك بالمنظمات والهيئات الدولية والمجتمعية المختصة والمهتمة بهذا الجانب، لكن الدعم المقدم للعراق إلى الآن لا يرتقي إلى مستوى الطموح، ونتطلع لمزيد من الدعم الدولي، والمجتمعي، واللوجستي، والفني.

أيها السيدات والسادة،

         لم ينتظر العراق إنهاء العمليات العسكرية والأمنية وإعلان النصر النهائي على تنظيم داعش الإرهابي من أجل الشروع بالاتصال بالجهات الدولية المختصة لتقديم الدعم الفني والمساعدة باستعادة ما تم تهريبه ونهبه، بل عمل العراق على بذل أقصى الجهود من أجل الشروع بإدراج بعض المواقع الأثرية والتراثية المهمة على لائحة التراث العالمي، وهي: أربعة من المواقع الأهوازية، وثلاث من المدن الأثرية، في يوليو/ تموز 2016. ونجح كذلك في إدراج الأهوار على لائحة التراث العالمي، ويتطلع إلى إدراج آثار بابل المهمة على اللائحة نفسها، وقد أُجريت اتصالات مكثفة من أجل ذلك ونتطلع إلى أن يخرج عن هذا الملتقى ما يسند هذا الجهد الحكومي والشعبي العراقي.

         تمنياتنا للقائمين على هذا المنتدى بالتوفيق والنجاح، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقكم ويوفقنا للحفاظ على تراثنا الإنساني والثقافي الذي هو تراث لكل البشرية.

وشكرًا جزيلًا.

 

 

كلمة السيد رئيس جامعة لايدن بهولندا

كارل ستولكر


أصحاب السعادة،

السيد عبدالعزيز سعود البابطين،

السيدات والسادة،

         يسعدني أن أكون هنا وأتحدث باختصار. وبداية أعبر عن سروري واستمتاعي بالأحاديث والمداخلات التي ‏قدمت هنا اليوم. وأود أن أتحدث قليلًا عن جامعتنا وعن الجامعات عبر العالم.

         إن القلب النابض لجامعتنا (جامعة ليدن) هو بناؤها الجامعي، هذا الصرح الذي يقع في مركز مدينة ليدن وفيه تقام الاحتفالات الرئيسة. ومن أبرز معالم هذا الصرح النافذة الزجاجية التذكارية المهمة الكبيرة، ويمكن مشاهدتها خلفي، وتم إنشاؤها بعد الحرب العالمية الثانية لتخليد ذكرى الذين شاركوا في المقاومة ضد ‏الاحتلال الألماني بين سنتي 1940 و 1942 ‏ومن بينهم عدد من طلاب جامعة ليدن ومحاضريها، ومن أبرزهم (فان تللر) أول محاضر للقانون الدولي، وتم رسمه في وسط النافذة وهو يحمل مسدسًا.

أيها السيدات والسادة،

         ترمز النافذة التذكارية إلى المظهرين الأساسيين لثقافة السلام، وهما: أهمية الذكرى والتعليم. فالذكرى مهمة جدًّا لأنها تحفزنا مرات ومرات لنتذكر المعاناة الإنسانية التي تسببها الحرب، فإن بلدي هولندا يعيش بسلام تقريبًا منذ ما يقارب ثلاثة أرباع  القرن (أي من عمري) وقد شهدت الكثيرين مثلكم الذين جاءوا من بلاد نشبت فيها الحروب مؤخرًا أو ما زالت الحروب قائمة فيها حتى الآن.

‏         لكن وبالرغم من أن حربنا جرت منذ خمسة وسبعين عامًا، فلا يزال كثيرون يعيشون نتائجها ومنهم أيضًا ضحايا الجيل الثاني.

         هنا في هولندا نتذكر استقلالنا كل عام في الرابع من مايو ونحتفل بذكرى تحررنا في الخامس من مايو. وتساعد الذكرى في تنبيهنا أنه يجب علينا أن نظل يقظين وأن نعمل كل ما بوسعنا لمنع نشوب الحرب.

         والتحفيز لا يكفي، فالأمر ‏أكثر من إيجاد الرغبة لمنع الحرب، بل إنه ضرورة التعلم لكيفية منع وقوع الحرب، وهذا يقودني إلى طرح سؤال جوهري:

         ماذا يمكن للجامعات حول العالم أن تفعله لمنع نشوب الحرب؟ وماذا يمكنها تعليم الطلاب؟ وما هي المعارف لدينا والتي علينا غرسها في طلابنا؟

         توجد بعض الإجابات بالطبع، فالجواب أن الجامعات تستطيع تدريس الناس وتعليمهم المعرفة والفهم والانضباط وكل ما يتعلق بثقافة السلام عبر مقررات أكاديمية عن السلام العالمي وثقافة السلام والقوانين العلمية والعلاقات الدولية، لكن هذا لا يكفي؛ فنحن بحاجة لتدريس طلابنا مواضيع خاصة بعلم الاجتماع والإنسانية مثل اللغات العالمية وحضارات العالم والتاريخ، فبدون هذه المعلومات فإن العلاقات الدولية لن تتطور. فالمهارت الأكاديمية والمحاكمات العقلية والحوار العقلاني والتفكير النقدي والتساؤلات الأكاديمية والمحاضرات والنقد والتفكير العقلاني كلها مواضيع هامة يمكن تدريسها لتسهم في ‏تعميم ثقافة السلام.

         لكن الأهم من ضمن المهارات الأكاديمية هو الحكم المتأخر، فهو جزء هام من (DNA) الأكاديمي لطلابنا، وهو موقف أكثر من كونه مهارة. الحكم المتأخر، الحكم المترو، وليس القفز إلى النتائج. ويجب أن تكون الجامعة هي المكان الذي تأخذ فيه دقائق للتفكير قبل أن تتحدث أو تطلق الأحكام، وأن تكون المكان الذي تطلع فيه على آراء الآخرين ومواقفهم وقناعاتهم، وأن تكون مكانًا لتبادل الآراء والتحفيز والتعبير الحر حتى بالأفكار المضادة وحتى لو كانت هذه الأفكار تخالف أفكارك.

         إن الحرية هي الأهم وهي حجر الأساس، وأستطيع القول: إن جامعتنا وكل الجامعات في العالم -حتى الجامعات المثيرة للجدل- يجب أن تكون مكانًا يتم فيه تبادل الآراء بحرية.

         في الصورة خلفي يظهر المحاضر (فان تللر) المرسوم على النافذة التذكارية، وقد سقط ضحية لنظام لم يتحمل الرأي الآخر، ومات في معسكر الاعتقال.

         عالمنا بحاجة إلى أناس ذوي فكر نقدي ممن تعلموا أن ينظروا بعين منفتحة إلى الناس، لا يفكرون بأنفسهم، ولا يريدون اقتراح أفكارهم وآرائهم إلا وهي مدعمة بالحقائق. وعالمنا يحتاج إلى أناس جاهزين دائمًا لإبداء الشك في كل ما يبدو للآخرين بديهيًّا.

الأصدقاء الأعزاء،

         عندها فقط يمكن أن نخلق مواطنين وطلابًا واعين وأقوياء. وأن نعطي لهذا العالم مواطنين وطلابًا يفضلون أن يحاوروا بعضهم بعضًا بالكلام وليس بالسلاح. وهذا باعتقادي ما يجب على كافة الجامعات في جميع أنحاء العالم أن تدرِّسه  لطلابها.

شكرًا جزيلًا لكم.

bottom of page