top of page

تقديم

          يصادف هذا العام، 2019، الذكرى العشرين لإعلان الأمم المتحدة وبرنامج العمل حول ثقافة السلام. تتضمن ثقافة السلام ونبذ العنف التزامًا بتعزيز منع اندلاع النزاعات، والتربية على السلام والتسامح، والقبول بالآخر، والاحترام المتبادل، كما تتضمن أيضًا الحوار بين الثقافات والأديان والمصالحة وغيرها من المبادئ الأخرى.

          إن التعليم وحماية التراث الثقافي من العوامل الحاسمة في تنمية ثقافة السلام العادل؛ إذ يمكن للتربية على السلام - إذا بُنيت بشكل مناسب - أن تؤثر في السلوكيات والمواقف انطلاقًا من المراحل الأولى من التنمية البشرية، بما يعزز ثقافة الإدماج أساسًا للتفاعل.

          إن المواقع الأركيولوجية والأثرية وعناصر التراث الثقافي، مثل المعالم القديمة والفن وغيرها، هي رموز للوحدة على امتداد الزمن، وحمايتها اعتراف واضح بالتنوع الثقافي والتزام بالكفاح من أجل التعايش السلمي.

          إن جعل تعليم السلام مبدأ أساسيًّا في المناهج الوطنية، والتركيز على تدريس المهارات العملية المتعلقة بنبذ العنف وحل النزاعات وحقوق الإنسان والمشاركة المدنية، هما عنصران حاسمان في بناء سلام مستدام.

          إن سنة 2019 هي سنة فارقة في كثير من مناطق العالم لحسم الصراعات، فعلى سبيل المثال: هل سيقوم العراق بطي صفحة زمن من النزاع من أجل إحراز تقدم كبير في المهمة الصعبة المتعلقة بإعادة البناء والاستقرار؟ وهل ستأتي أطراف النزاع اليمني  إلى طاولة المفاوضات لإحلال السلام؟ وهل اتفاقية «فبراير» للسلام في جمهورية أفريقيا الوسطى ستجعل السلام يسود في كل أرجاء الدولة؟ وكيف يمكن أن يسهم المجتمع الدولي في إقامة سلام عادل مستدام في العراق، واليمن، وأفريقيا الوسطى، وغيرها؟

          في مجتمعات تمزقها انقسامات عميقة مثل العراق، واليمن، وأفريقيا الوسطى، سوف يكون جزء هام من الاستقرار الذي يعقب النزاع مرتبطًا بالتدريب على كيفية إدارة الصراع الداخلي دون اللجوء إلى العنف. فكيف يمكن للفاعلين الدوليين أن يدعموا هذا الجهد بأفضل طريقة على الصعيدين الوطني والمحلي؟

          يتحدد كل مجتمع إلى حد كبير بتراثه الجماعي، أي بالثقافة بشكل عام وبالتقاليد والموروث عن الأجيال السابقة. إننا نعرّف أنفسنا بتاريخنا وبالأخبار التي نرويها فيما بيننا عن ذلك التاريخ، وهذا غالبًا ما يتم تمثيله في الأعمال الثقافية والمادية مثل الفن والعمارة.

           على المدى الطويل، سوف يتطلب استقرار العراق واليمن وأفريقيا الوسطى (كأمثلة) التزامًا بحماية التراث الثقافي، وسيقتضي أيضًا حماية مادية واستثمارًا في إعادة البناء والاستقرار بعد انتهاء النزاع وحيث أمكن ذلك، وسيستدعي ذلك تربية الشباب على قيمة تراثهم الثقافي وفوائد المحافظة عليه جزءًا من برنامج التربية على السلام.

          جمع المنتدى العالمي من أجل ثقافة السلام الذي نظمته "مؤسسة عبدالعزيز سعود البابطين الثقافية" قادة دول وممثليها ومسؤولي منظمات دولية والمجتمع المدني لأجل مناقشة ثقافة السلام وتعليم السلام  وحماية التراث الثقافي.

          فما هو دور المجتمع الدولي في حماية التراث الثقافي؟ وما هي المشاريع الملموسة التي يمكن رسمها للمضي قدمًا في بناء سلام عادل مستدام في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا الوسطى؟

          وكيف يمكن تضمين التربية على أسس السلام في خطط ما بعد النزاع من أجل الحفاظ على السلام؟ وكيف يمكن للاستثمار في إعادة البناء والاستقرار بعد انتهاء النزاع أن يساعد العراق واليمن وأفريقيا الوسطى بأفضل طريقة في حماية التراث الثقافي على المدى الطويل؟ وكيف سيساعد ذلك في بناء سلام شامل ومستدام؟

          ناقش المشاركون هذه القضايا وغيرها، كما وفرت المداخلات تحليلًا حول كيفية تحويل ثقافة السلام إلى حقيقة عملية، واقترحت مشاريع ملموسة وحدّدت حلولًا حقيقية للتحديات الراهنة.

الجلسة الأولى

          يتطلب الاستقرار بعد انتهاء النزاع إعادة بناء التراث الثقافي وحمايته بوصفه جزءًا من مسار المصالحة الوطنية. وإن دعمًا دوليًّا واسعًا سيكون ضروريًّا لتحقيق النجاح. فكيف يمكن للمجتمع الدولي أن يقدم ذلك الدعم على أفضل وجه؟ وما هي المشاريع الملموسة التي ستمثل أولوية قصوى؟ وأي دور سيلعبه التعليم في إرساء سلام مستدام في العراق واليمن وغيرهما؟

          كان في الجلسة الأولى للمنتدى العالمي الأول لثقافة السلام مداخلات عالية المستوى من قبل ممثلي الدول ذاتها وممثلي المنظمات الدولية.

الجلسة الثانية

          إن العراق عند المؤرخين هو "مهد الحضارة"، واليمن موطن لجمال معماري فريد له دلالة تاريخية هامة؛ فالعراق موطن لأكثر من عشرة آلاف موقع تراثي ثقافي تتوزع بين مدن حضارة سومر البالغ عمرها 5500 سنة، حيث يتم الحفاظ على شواهد الكتابة الأولى في العالم - وبقايا أثرية من الثقافات الأكادية والبابلية والآشورية والبارثية.

          وفي عاصمة اليمن - صنعاء - وفي محيطها استقر السكان لأكثر من 2500 سنة. وخلال القرنين السابع والثامن الميلاديين، لعبت المدينة دورًا حاسمًا في انتشار الإسلام؛ فحسب إحدى عمليات الإحصاء يوجد في صنعاء (103) مساجد وأكثر من (6000) منزل بنيت قبل القرن الحادي عشر. لقد وضعت الحرب والتطرف والعنف كل هذا في خطر. فمن بين أربعة وخمسين موقعًا للتراث، مصنفة ضمن قائمة اليونسكو، هناك ستة مواقع «معرضة للخطر» في العراق واليمن، وقد تم بالفعل إلحاق خسائر كارثية بها. فكيف يمكن إذن حماية هذه المواقع على أفضل وجه وإعادة بنائها إذا لزم الأمر؟ وكيف ستتحول حماية التراث الثقافي إلى خطط لبناء سلام مستدام في العراق واليمن؟ وما هي أفضل وسيلة يمكن للفاعلين الدوليين من خلالها دعم هذه العملية التي تقودها أطراف وطنية؟

الجلسة الثالثة

          تقوم المؤسسات التعليمية بدور أساسي في بناء ثقافة السلام. يقول بان كي مون: "من خلال التعليم نعلّم الأطفال ألا يكرهوا، ومن خلال التعليم نربي القادة على أن يتصرفوا بحكمة وعطف، ومن خلال التعليم نؤسس ثقافة سلام عادل حقيقية ومستدامة".

          وقد تناولت هذه الجلسة التحديات التي تواجه التعليم مع تركيز خاص على جمهورية أفريقيا الوسطى، ووفرت المناقشات تحليلًا حول كيفية تحويل ثقافة السلام إلى حقيقة عملية ملموسة، واقترحت توصيات ملموسة، وحددت حلولًا حقيقية للتحديات الراهنة.

الجلسة الختامية

          حدّد الحفل الختامي مشاريع ملموسة لتنمية ثقافة السلام من خلال التعليم وحماية التراث. وقدَّمَ السيد عبدالعزيز سعود البابطين، رئيس "مؤسسة عبدالعزيز سعود البابطين الثقافية"، سلسلة من المناهج التعليمية لتدريس ثقافة السلام من أجل أمن الأجيال القادمة كجزء من برنامج شامل حول السلام لكل مستويات التعليم، وكان عرضه متبوعًا بكلمات عن السلام ألقاها قادة من العالم.

bottom of page