top of page
​حول ابن مليك الحموي.. حياته ؛ شعره وشاعريته دورة مؤسسة عبدالعزيز سعود البابطين الثقافية ال 18عقدت جلستها الأولى
٢٠ مارس ٢٠٢٣

غليس : ابن مليك كان دقيقا في بناء قصائده ماهرا في تماسك وحدتها..

الهيب: الحموي كان شاعرا بارعا صاحب بديهة فضلا عن ثقافته الواسعة ..

استهلت دورة مؤسسة عبدالعزيز سعود البابطين الثقافية الثامنة عشرة سلسلة جلساتها والتي خصصت اثنين منها للحديث حول تراث اثنين من فحول الشعراء العرب هما ابن سناء الملك وابن مليك الحموي؛ حيث افردت الجلسة الاولى منهما لاقاء الضوء على شعر ابن مليك الحموي وشاعريته اطرها كل من د. عبد الله غليس الذي تناول بالحديث التشكيل الجمالي في شعر ابن مليك الحموي؛ بينما حاضرت د. اسراء احمد فوزي الهيب حول " ابن مليك الحموي..حياته وشعره" وأدار الجلسة باقتدار د. طاهر الحجار.

في البداية تحدث د. عبدالله مانع غليس حول التشكيل الجمالي في شعر ابن مليك الحموي؛ وابتدر حديثه بالإشارة إلى أن شعرُ ابن مُليك الحموي جديرٌ بالدراسة، لأنه عاش في عصرٍ يوصم بالانحطاطِ والضعفِ اللغوي؛ وقد تُسهمُ دراسةُ شعرِهِ في الكشفِ عن طريقةِ تعاملِ شعراءِ ذلك العصرِ مع الشعر، وكيفيّة تعاطيهمِ اللغة، وتعامُلِهم مع تراثهِم الشعري، وموقِفِهِم من التجديد، ومدى تأثير ظروف زمانهم اللغوية والسياسية على أشعارهم ؛ مضيفا أن ابن مليك وإن عاش في زمن يوصف بالانحطاط اللغوي وفي دولة يحكمها الأعاجم فقد كان متشبّعاً بعلوم اللغة بارعاً فيها، فقد أخذ الأدب عن الفخر عثمان بن العبد التنوخي وغيره، وأخذ النحو والعروض عن الشيخ بهاء الدين بن سالم، وكان له معرفه بكلام العرب. فكان يتأنّق في اختيار ألفاظ شعره، ويجتهد في الملاءمة بينها وبين المعاني التي تحملها، فجاءت لغته الشعرية -في أغلبها- واضحةَ العبارةِ فصيحةَ الألفاظِ، سهلةَ التراكيبِ قريبةَ المعاني، فكان ينتقي لك غرضٍ يطرقه ما يناسبُهُ من الألفاظ بدقّةٍ ومهارة، ويصوغ المعاني بلغةٍ جيدة؛ كما أنه يستخدم مصطلحات العلم في شعره ويحسن استخدامها لخدمة المعنى، كقوله:

تُجرّح الجفنَ منه الدموعُ وما لجرحِه عند قاضي الحب تعديلُ

فيأتي بالمصطلحات المعروفة عند أهل الحديث (الجرح) و(التعديل).

الصورة الفنية ..

وذكر غليس ان الصورة الفنية عصب الشعر وجوهره، وهي من أهم الوسائل التي تنقل فكرة الشاعر وعاطفته، وهي مقياس قدرة الشعراء، فقد استطاع ابن مُليك أن يرسمها بحواسه الخمس، فاستخدم الصورة البصرية التي تتمثّل في البصر واللون والحركة، وهي الأكثر في شعره، واستخدم الصورة الشمّية، والتذوّقية، والسمعيّة، ليوضح بهذه الحواس تجربته الشعرية، ويُشرِك المتلقّي في رسم الصورة الفنيّة وينقلها إليه بإمتاع ووضوح.

إعتناء بالوزن ..

وأشار إلى أن ابن مليك له اعتناءٌ بإيقاع الشعر، وبالوزن خاصة، إذ جاءت أشعاره على أكثر بحور الخليل، ولم يغب منها إلا المضارع والمقتضب، وهما نادران في الشعر العربي بشكل عام وينكرهما بعض علماء العروض، كما كانت لديه نزعة في التجديد والتجريب، فقد استخدم الموشّح، والمواليا، والقوما، والدوبيت، ولم يُكثر منها وهذا دليل على أنه يريد التنويع وإظهار المهارة؛ كما ظهر اهتمامه بالإيقاع الخارجي لقصائده في اهتمامه بقوافيه، فقد كان يلائم بين حرف الروي وما يناسب مخرج ذلك الحرف من غرض ومعنى.

بناء فني..

وختم بالحديث عن البناء الفني في أشعار الحموي ؛ مشيرا إلى أن ابن مليك كان دقيقاً في بناء قصائده ماهراً في تماسك وحدتها والتحام أجزائها، وكان مُجيداً لصناعة المقدّمات التي تتناسب مع أغراضه الشعرية، ويحسن التخلّص من المقدمات وينتقل بسلاسة إلى الموضوعات التي يريدها، كما أنه يُحكم ختْم القصائد والانتهاء منها.

ففي مقدمات قصائده سار ابن مُليك الحموي -في أغلب شعره- على نهج القدامى، واحتذى حذوهم في بناء هيكل القصيدة الخارجي بشكل عام، وفي مقدمات قصائده الطوال كان يبتدئ بالنسيب والوقوف على الطلل قبل أن ينتقل إلى غرضه من القصيدة.

الحموي.. حياته وشعره..

بعدها انبرت د. اسراء الهيب من سوريا للحديث عن ابن مليك الحموي.. حياته وشعره؛ مشيرة إلى اتفاق العلماء والمؤرخين على اسمه ونسبه وكنيته فاجمعوا على انه هو الشيخ علاء الدين علي بن محمد بن علي بن عبد الله الدمشقي الفقاعي الحنفي، شاعر من العصر المملوكي؛ ولد بحماة سنة أربعين وثمانمائة، وأخذ الأدب عن الفخر عثمان بن العبد التنوخي وغيره، وأخذ النحو والعروض عن الشيخ بهاء الدين بن سالم، قدم دمشق، فعمل ببيع الفقاع عند قناة العوني خارج باب الفراديس، ثم تركه، وصار يتردد على دروس الشيخ برهان الدين بن عون، وأخذ عنه فقه الحنفية، وصارت له فيه يد طولى، وشارك في اللغة والنحو والصرف، وكان له معرفة بكلام العرب، وبرع في الشعر حتى لم يكن له نظير في فنونه.

الشعر ك"مهنة"..

وذكرت الهيب ان ابن مليك ولد بحماة ونسب اليها وفيها تلقى الادب والنحو؛ ولم يرد عنه انه تقلد منصبا عليا في الدولة؛ لكنه حاول التقرب من أصحاب المناصب العليا واتخذ الشعر مهنة يستعين بها على متطلبات حياته؛ أمدح ورثى وهنأ كبار القوم وخصص لهم نصيبا وافرا من أشعاره.

واضافت ان ابن مليك اخلص لدمشق التي أحبها واتخذها بلد اقامة واحد فيها آمنه واستقراره؛ مضيفة انه كان شاعرا بارعا صاحب بديهة اذا ما قارناه لشعراء عصره؛ فضلا عن ثقافته الواسعة واطلاعه على علوم عصره؛ كما نجده في كثير من الأحيان يعارض الشعراء القدامى في شعرهم وفي ألفاظهم؛ كما نجده قد سار على منوال ابي تمام في حماسته؛ وترك لنا مختارات شعرية تعكس ذوقه وتذوقه للشعر فضلا عن كونه شاعرا.

مختارات من اثاره ..

واوردت الهيب بعض من آثار الحموى وذكرت ان ابن مليك مر بالمرجة (ساحة دمشق) فرأى جماعة يعرفونه، و كانوا يشربون، فدعوه إلى الزاد (مشاركتهم في الطعام) فمال إليهم و قعد معهم (يعظهم) في أثناء ذلك جاء الشرطة فأخذوهم و هو معهم فلمّا وصلوا إلى القاضي عرفه القاضي و لامه فقال:

و اللّه، ما كنت رفيقا لهم... و لا دعتني للهوى داعية

و إنّما بالشعر نادمتهم... لأجل ذا ضمّتني القافية

ومن لطائفة قوله:

لم أجعل الفقاع لي حرفة إلا لمعنى حسنك الشاهد

أقابل الواشي بالحد والعا ذل أسقيه من البارد

وكان له صوف عتيق، فقلبه وقال:

قد كان لي صوف عتيق طالما قد كنت ألبسه بغير تكلف

والآن لي قد قال حين قلبته قلبي يحدثني بأنك متلفي

وحدة.. واحزان

وختمت الهيب بان ابن مليك عاش حياته متخذا شعره وسيلة للمدح والاسترزاق ؛ واضطرته ظروفه الى ان يبالغ في طلب الاعطيات في كثير من الأحيان؛ مشيرة إلى أنه وفي غالب الظن لم يتزوج ؛ فليس في أخباره ولا في شعره ما يدل على ذلك؛ هذه الوحدة التي عاشها ابن مليك ولدت في نفسه حزنا بدا جليا في أغلب شعره ؛ فلا تكاد تخلو قصيدة من قصائده من دمعة يسكبها مرة ويخفيها مرات.

bottom of page