top of page
تأملات من أجل السلام
٢٤ يناير ٢٠٢٠

السلام يجب أن يكون أسلوب حياة نمارسه في حياتنا اليومية وفي بيوتنا ومدارسنا وفي تعاليم الدين الخالص الذي لا تشوبه الشوائب، وفي الأدب شعراً ونثراً مما يجعل السلام أصلاً في مفرداته ومعانيه، ولعل من أخطر الأدوات وأهمها الإعلام الذي إما أن يكون حاثاً على السلام أو باعثاً للفرقة والتباعد والعداء..

«صرخة قلبية موجهة للبشرية أطلقها شخص فيه ظمأ شديد لخدمة الإنسانية» بهذه الكلمات قدم الأستاذ عبدالعزيز سعود البابطين لكتابه الذي يحمل نفس عنوان المقال، وطالب فيه البشرية جمعاء بتبني السلام قيمة وهدفاً وأسلوب حياة، ورجاها أن تجنح إلى السلام الذي يمثّل القيمة الحقيقية للإنسانية.

ويذكر المؤلف سبع قواعد من أجل السلام العالمي، من أهمها أن نجعل ثقافة السلام صيغة تعليمية فاعلة نربي عليها الأجيال، فنركز على التعليم الموجه لاحترام الآخر، ونعزز قيم المحبة والتسامح وقبول الآخر، واستخلاص العبر من التاريخ، ومن سير العظماء الذين خدموا السلام بأفعالهم وإنجازاتهم فترجموا ثقافة السلام إلى سلوك يعزز التآخي ويحارب السلوك الأناني والكره.

ويؤكّد المؤلف أن الأنانية أمر طبيعي وغريزي وقوة هدم كامنة في نفوس الناس، ورغم ذلك يجب أن نواصل مسار البناء الذي هو الضمانة لخير الإنسانية، ولا يمكن مقاومة قوة الهدم إلا بالفكرة المضادة، وأن نتعهد السلام باستمرار حتى نجعل له مساراً دائماً في خلايا المخ.

والسلام يجب أن يكون أسلوب حياة نمارسه في حياتنا اليومية، وفي بيوتنا ومدارسنا وفي تعاليم الدين الخالص الذي لا تشوبه الشوائب، وفي الأدب شعراً ونثراً مما يجعل السلام أصلاً في مفرداته ومعانيه، ولعل من أخطر الأدوات وأهمها الإعلام الذي إما أن يكون حاثاً على السلام أو باعثاً للفرقة والتباعد والعداء.

وفي القاعدة السابعة من قواعد السلام وجوب تربية جيل واع يتشبع بالسلام من رياض الأطفال حتى المعاهد والجامعات، وأن تدخل مفردة السلام في كل مادة تعليمية، فالعلم في الصغر كما يقال كالنقش في الحجر، يجب أن تكون المدرسة دار سلام يمارس فيها السلام في الفصل وبين الزملاء، وفي حميع الأنشطة الرياضية والثقافية.

إن أصل الأصول كلها في الحياة هو السلام والبقية فروع، وحين نتعلمه في الصغر ونمارسه حتى يصبح سلوكاً، ويصبح التسامح والاحترام والصدق والتآزر والإيثار والعدل والحرية والإنصاف من قيم السلام التي يجب أن تدرس ككل لا ينفصل بعضها عن بعض، فهذه القيم «كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعت له باقي أعضاء الجسد» لذا يجب التركيز على الجيل القادم ومنذ الصغر كي يحمل لواءه ويصبح جزءاً من ثقافته يتداوله من دون انقطاع، فالسلام حق للبشرية جمعاء، وهو أعلى الحقوق، بل هو الحق الجامع لكل حقوق الإنسان.

ثم يذكر المؤلف سبع وسائل لتحقيق السلام ومنها واجب فعل الخير والانخراط في خدمة المحتاجين وتأسيس المزيد من الجمعيات الخيرية، وهذا لا يشترط أن تكون ثرياً، لكن يوجد أكثر من وسيلة لخدمة المجتمع، والوسيلة الثانية السعي المستمر لإصلاح ذات البين على مستوى الأفراد والدول، وتطوير مفهوم ثقافة السلام كما جاء ضمن برنامج منظمة اليونسكو 1992، ومنها الاحترام المتبادل بين الدول والحوار بين الثقافات والأديان.

وفي نهاية القرن الماضي بدأت الأمم المتحدة في تعزيز ثقافة السلام من خلال عدة مجالات هي التعليم، والتنمية المستدامة، وحقوق الإنسان، والمساواة بين الجنسين، والمشاركة الديمقراطية والتفاهم، والتسامح، والتضامن، والتدفق الحر للمعلومات، وحرية المعرفة، وتعزيز السلام والأمن الدوليين.

ويضيف المؤلف أن السلام ليس مهمة منظمة الأمم المتحدة أو المعهد الدولي للسلام وحدهما، لكن السلام يتطلب تعاون مختلف المنظمات الدولية والمؤسسات، على أن يدعم بعضها بعضاً. وفي النهاية يشير إلى عدد من المبادئ التي تسهم في تحقيق السلام، ومنها مبدأ عدم التمييز بين الناس على أساس العرق أو الدين أو اللون أو اللغة، واحترام حق المجتمعات في اختيار طرق تنظيم حياتها من دون تدخل في شؤونها الداخلية، وحماية التنوع الثقافي بقبول حق الاختلاف واحترام الخصوصيات التي تثري حياتنا، وعلينا أن نتذكر أن العالم أصبح قرية واحدة.

تذكرت وأنا أقرأ هذا الكتاب حواراً دار بين وفد من مجلس الشورى وبين أعضاء من البرلمان الألماني حيث طرح أحدهم سوالاً مهماً هو: لماذا لا تتفاوض دول الشرق الأوسط مع بعضها من أجل السلام وإبعاد شبح الحرب؟ ثم أضاف: كانت جدتي تسمي فرنسا بالعدو اللدود، واليوم أصبحت أقرب الدول إلى ألمانيا، وأضاف: لكن للأسف لم يتحقق ذلك إلا بعد حربين عالميتين، وملايين القتلى وتدمير شبه كامل لكل ما في البلدين من بناء.

وفي النهاية يشير المؤلف إلى أنه لا توجد دعوة في العالم تستحق عناء التفكير، وأن يبذل من أجلها جهداً استثنائياً كالدعوة إلى السلام.

bottom of page